شباب مصر على «القهاوي»: «مكان ثالث» بعيد عن الرسمية

حجم الخط
0

القاهرة – أحمد ليثي: المقاهي في مصر، هي الملجأ الأول للناس، لدورها كمكان جامع لهم، ولقضاء أوقات الفراغ والعطل الأسبوعية، فضلاً عن استيعابها لجميع طبقات الشعب وفئاته المختلفة فكرياً واجتماعياً وعقائدياً. وذلك على عكس المقاهي الحديثة، التي غالباً ما تضم فئات متجانسة اجتماعياً، وتكاد تكون من طبقات شعبية متقاربة. وإن كانت الأولى تسمح بوجود مختلف الفئات لارتيادها، فإن الثانية تغلق بابها دون ذلك.
للمقاهي في مصر تاريخ طويل، حتى أن بعضها قد تجاوز أعوامه المئة، بل وشهد الكثير من الحوادث التاريخية. فمقهى ريش مثلاً الذي تأسس عام 1908، ويقع في شارع طلعت حرب وسط البلد، كان ملتقى زعماء ثورة 1919، وذلك طبقاً لوثائق تحوي محاضر جلسات عُثر عليها مؤخرًا أثناء ترميم المقهى.
المقهى، فقد اهتمامه بتاريخه، رغم ما شهده، فهو المكان الذي شهد جلسات زعيم «شلة الحرافيش» نجيب محفوظ، وكان من ضمن أعضائها أحمد مظهر وصلاح جاهين ولويس عوض.
وحسب عالم الاجتماع الأمريكي، الهندي ستيفن زيتلي، فإن الناس يحبون الجلوس في المقهى، لأنه «يعتبر مكانا ثالثا، لا هو كالبيت ولا هو كالعمل الذي يجب أن يكون الشخص فيه أكثر رسمية مما يبدو على المقهى. لكن الجلوس على مقهى كـ»ستار بكس» يعد شيئاً سخيفاً، إذ تشعر فيه بأنك تجلس في مكان رسمي أيضاً، لذا لا يبدو أنه يختلف عن مكان عملك. وهكذا، عليك أن تجد لنفسك مكانًا ثالثًا تشعر فيه بالهدوء، ما نحتاجه هو مكان مريح وآمن واجتماعي، نلجأ إليه ولا نشعر فيه بأننا خائفون، هذا ما أطلق عليه مكان ثالث». وهذا ما يتوفر في المقاهي الشعبية تقريبًا.
حين كنت ملتحقًا بجامعة القاهرة، انضممت لأسرة كان هدفها تنظيم الرحلات، والدورات التدريبية، وتعريف الطلاب الجدد بالجامعة، وبالمقررات التي يودون دراستها أيضًا، وكان اللجوء للمقاهي الشعبية هو الحل الأنجع لاستمرار المناقشات بعد الدوام الدراسي، واستئناف ما بدأ في حرم الجامعة. وهكذا، لم يكن اللجوء للمقاهي هدفه العزوف عن الدراسة بقدر ما كان استمرارًا للنشاطات التي سمحت الجامعة بمباشرتها.
تحولت المقاهي الشعبية في السنوات الأخيرة لتضم الفتيات إلى جانب الرجال والشباب أيضًا تحولا لطالما رغبت الفتيات به. مقهى شعبي يسمح للفتيات بالجلوس فيه، وبأسعار رخيصة، حتى صارت الفتيات جزءا رئيسيا من أي مقهى شعبية هناك.
من الجمل التي ظلت تتكرر قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، أن الشباب المصري يجلس على المقاهي، لا يفكر بالعمل، ويريد من الدولة أن تحل له جميع مشاكله، كما كتبت التقارير وعدت التحقيقات حول ظاهرة جلوس الشباب على المقاهي وهروب الطلاب من المدارس ولجوءهم بدلا من ذلك للمقاهي، وكأن جلوس الشباب على المقاهي الشعبية يعد ظاهرة نادرة أو حدثًا فريدًا، أو كأن الطلاب وجدوا في المدراس فرصة ميسرة لتعليم متوسط الكفاءة، يمنعهم من الهرب من المدارس، ويرفع عن كاهل آبائهم عبء الدروس الخصوصية. على أن الجملة التي ما كانت تلبث أن تتكرر توقفت تمامًا بعد الثورة، ذلك أن الشباب الذين كان يُسخر منهم كانوا يتقدمون الثوار، وضحوا بأرواحهم آملين في معيشة كريمة.
اشتهرت المقاهي الشعبية التي تقع في وسط البلد، باعتبارها المقاهي الأقرب للأحداث التي وقعت فيها الثورة، لذا، لجأ الشباب والناشطون إليها للجلوس فيها، والتخطيط للحملات التي يعدون إليها، وذلك باعتبار أن معظمهم قد انخرط في نشاطات منظمات للمجتمع المدني، أو في أحزاب كان للثورة الفضل الأول في ظهورها.
لكن الدولة المصرية لم تعرف سماحة الاختلاف، فما كان منها إلا ان اعتقلت الكثير من الشباب من على المقاهي، وتقرر، في وقت لاحق أن تغلق معظم مقاهي وسط البلد الشهيرة بقهاوي البورصة، وتمنع ما اعتبره الناس محلا للألفة والحميمية.

شباب مصر على «القهاوي»: «مكان ثالث» بعيد عن الرسمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية