من كان يصدق أنني بعد الأعوام كلها التي انقضت منذ إصداري كتابي «اعتقال لحظة هاربة « حتى اليوم وهو في طبعته العاشرة، سأكتشف اسم الرجل الذي أوحى إليّ بذلك الكتاب وهو نوري الفلوجي كما علمت فقط مؤخرا من مقال في جريدة «القدس العربي» بقلم نجم الدراجي ـ بغداد… من كان يصدق أنني بعد تلك العقود كلها من مروري أمام واجهة دكان تصوير شعبي في «النجف» سأكتشف أن صاحبه اسمه نوري الفلوجي وأنه هو الذي يعود إليه فضل إصداري للكتاب منذ عقود بل ولكتاب أعمل على إعداده للمطبعة بعنوان «الصور الثرثارة» ولولا عبارته التي أسرتني في واجهة دكانه الشعبي في النجف وهي «الحياة فقاعة فصورها قبل أن تنفجر» لما خطر ببالي أن أقوم بنشر بعض الصور التي نجت من حريق مكتبتي في الحرب اللبنانية وذلك في كتاب أعده للمطبعة كجزء من مذكراتي أنها صور الماضي. فقاعات لحظات جميلة انطفأت وأخرى أليمة، لكنها كما يقول الرائع الذي لم أعرفه نوري الفلوجي هي جزء من حياة أي «فقاعة تنطفئ».
الكتابة كالصورة: محاولة لقهر الزمن الهارب
لولا الأستاذ نجم الدراجي لما علمت بكل ما تقدم. ولما علمت أن صاحب الحانوت الشعبي للتصوير الذي تسمرت أمامه في «النجف» قبل عقود وبهرتني عبارته في الواجهة «الحياة فقاعة فصورها قبل أن تنفجر» هو السيد الفلوجي «شيخ المصورين في مدن الفرات الأوسط» كما وصفه الأستاذ نجم الدراجي في مقالته «بغداد ما بعد ألف ليلة وليلة» ولولاه لظللت أجهل اسم ذلك الفنان المرهف نوري البعيد عن الأضواء والراحل منذ عام 1991. وقد أهديه كتابي الآتي «الصور الثرثارة «
وكم أشعر الآن بالندم لأنني لم أدخل لحظتها إلى حانوته وأطلب منه تصويري، فكل لحظة هي في جوهرها فقاعة تنطفئ (حتى كما لحظة كتابة هذه السطور) ولعل فعل الكتابة محاولة للانتصار على الموت اليومي الذي نعيش. فنحن نعيش موتنا في كل لحظة من دون أن نلحظ ذلك والعمر سلسلة من الفقاعات التي تنطفئ في كل لحظة بما في ذلك ليلة «رأس السنة» الميلادية (ليلة الغد)التي يحتفل بها الكثيرون بصخب.
الخوف مما هو آت في سنة جديدة!
أنتقل الآن إلى الحاضر ربما الأكثر تعاسة.. ما من خبر عن متفجرة في مدينة عربية أسمع عنها في التلفزيون الفرنسي إلا وأشعر بأنني أريد الانتقال الى تلك اللحظة ( التي انفقأت) أمام دكان الفلوجي في النجف وأنا في الطريق لزيارة كربلاء يوم ركبت في مدينة الملاهي البغدادية منذ ألف عام وصرخت والعجلة تهوي بي ولعلي لم أدر أنني أصرخ للموت العربي الآتي فهو ليس لعبة، لا في العراق ولا سوريا وطني الأم ولا ليبيا ولا فلسطين ولا اليمن ولا بقية أرضي العربية ومدنها وأحزان أهلها النازحين من فخ إلى آخر ..
أعيش في باريس منذ 34 ليلة رأس سنة جديدة ولكنني أكرر: لم اقتلع ياسمين جدتي لأزرع في (مكانه) برج إيفل او ساعة «البيغ بن» اللندنية او «تمثال الحرية» النيويوركي او ساعة الأزهار في جنيف !
تلك المدن اللامنسية مدن قلبي…
لِمَ تصطبغ كلماتي بلذعة الألم والحنين حين أتحدث عن المدن العربية؟ لأنني ببساطة أراها تخطو في دروب الدمار حربا محلية بعد أخرى مدينة بعد أخرى.. والعدو الإسرائيلي يزغرد لكل تفجير فيها ولاقتتال الأخوة الأعداء، والمستر ترامب يستغل ذلك ليهدي زهرة المدائن القدس للعدو وينكسر قلبي حين أرى الدمار يحيق بالمدن العربية.. وقد أيقظ ألمي وجعلني أخط ما تقدم انني تلقيت هذا الصباح في صندوقي البريدي الباريسي كتابا كراسا ضخما في 217 صفحة عنوانه: الفن والحياة ـ رحلات سياحية ثقافية ـ يصلني باستمرار بصفتي مسافرة محترفة دونما ضوضاء أقلب الكراس وأجد فيه مثلا: رحلة في نهر الراين (قمت بها)، أخرى الى فينيسيا والاحتفال بالبولوني شوبان واحتفال روسيني ورحلة لندن وبرلين وامستردام وبافاريا والتيرول ومايوركا وجزر الباسيفيك والبرازيل والأرجنتين وعشرات سواها ومعظمها قمت به، وكلها تخص زيارات سياحية منظمة الى أماكن ثقافية ذات تأريخ عريق… ولم أجد مدينة عربية واحدة في الكراس… فنحن كعرب، تعيش مدننا فوق براكين انفجر بعضها وبعضها الآخر يهدد بالانفجار..
وهكذا تم شطبنا من الخريطـــــة السياحية الثـــقافية الســنوية للعالم الذي يستطيع المرء السفر اليه من دون الخوف من قطع الطريق الى مطاره او اختطافه وهو في طريقه الى زيارة سياحية ثقافية.. فالموت عندنا صار الثقافة الأولى ..أقتل أو يتم قتلك !
اليوم الأول من بقية حياتنا!
نحن لا نقتل بعضنا بعضا فحسب، بل ونقتل تراثنا الإبداعي المعماري الفني، وندمر عراقة آثارنا، ومدننا التأريخية كتدمر مثلا ونخشى على ما تبقى… والأمثلة تطول من عالمنا العربي ولا يتسع المجال لتعدادها .. وهكذا يتم حذفنا من قائمة الأماكن الثقافية التي تمكن زيارتها، وهي تأريخيا من الأكثر عراقة وثراء إنسانيا..
متى نصحو من غفوة تأريخية تكاد تدوم قرونا؟
ومعذرة يا عزيزي الراحل نوري الفلوجي المرهف المبدع في النجف البعيد عن الأضواء، فكلماتي كان من الممكن أن تصلك قبل ربع قرن يوم انطفاء فقاعتك، ربما لحسن حظك …لكي لا ترى ما يدور اليوم في عالمنا العربي الممزق.. وكل سنة جديدة وعالمنا العربي بحال أفضل، وليتذكر كل منا أن كل يوم هو اليوم الأول في بقية حياتنا!!
وكل يوم هو ليلة رأس السنة التي ستتبعه. فعلام الاحتفال في يوم محدد وبوسعنا ذلك كل ليلة ؟!..
غادة السمان
كل التحايا و الاحترام لأخينا نجم هذا الصالون ، نجم الدراجي ، على بحثه الدؤوب و الشيق و المخلص لروح ذلك الذي كرس حياته لمهنته فأتقنها ، فأستحق كلمات غاية في الأناقة و الروعة من سيدة الكلمات ، و اهداء كتاب قادم الى روحه السامية.
.
نغبط اخانا نجم على نجوميته التي ارتفعت كمكافأة على اخلاصه و اتقانه عمله و بحثه هو ايضاً.
.
لم نعلم ان كانت هذه العبارة الهائلة «الحياة فقاعة فصورها قبل أن تنفجر» هي من قول الراحل نوري الفلوجي رحمه الله ، أم من منقوله ، و لكن تبقى عبارة رائعة تثير الانتباه و تلتصق بالذاكرة ، و على الوجهين ، هو كسب شرف تذكير الناس بها !
.
اخيراً ، لا اعلم بم اعلق على عودة الأخت ريحانة القدس ، غادة الشاويش ، و يا لها من عودة ، بعد معرفة اسباب الغياب !
.
لا اعلم ، ايفترض ان اشعر بالخجل من نفسي ، ام بالفخر بها ، ربما الاثنين !!
اقول لها يا طائر العنقاء ، يا غادة ، لا يستغرب الشئ من معدنه ، و لا شك عندي ان جيناتك تعود الى من هم في اكناف بيت المقدس ، و بمثل امثالك، مستمرة الأمة في الحياة !
لا املك الا الدعاء الذي طلبتيه ، اسأل الله ان يحميك و ينصرك و يحفظك.
.
التحيات موصولات الى الجميع بلا استثناء.
. استاذي الفاضل اثير الشيخلي سلام من الله عليك وكرم منك ان تدعو لنا انت وابي الف
اضل بلنوار والعزيز اسامة والغالية المبدعة موونة وجميع اخوة القلم والحب
والله لا تتخيل فرحة قلبي بالتواصل ثانية مع القدس العزيزة وكل المحبة والتقدير والامتنان لفريق القدس المقاتل على جبهة القلم مع مستضعفي عالمنا
رحمك الله ياجدي الحبيب..ستبقى لنا مصدر إشعاع وفخر .فبهاء إسمك ختم اسمائنا..وبك عُرفنا..جعلنا الله امتدادا لوالدي وجدي الاعلام الشامخة. بوركت تلك الانامل التي خطت هذا المقال الرائع.