غزة – نور السويركي: إنها الخامسة والنصف عصراً، أنغام موسيقى رعاة البقر الأمريكية تعلو شيئا فشيئاً كلما اقتربت تلك المركبة الخضراء، فيما كلمات الأغنية تكرر «قرمش قرموشتي»، وهو المطعم المتنقل الذي توقف عند مدخل متنزه برشلونة في مدينة غزة، حيث كانت دعاء أبو سلطان تنتظر برفقة زوجها، حسب الجدول المحدد لنقاط البيع عبر صفحته على «فيسبوك»، لتجربة ساندويتش الدجاج، الذي ذاع صيته لجودته وسعره المتاح والمُقدر بدولارين فقط.
محمود ومعاذ الحسنات، شقيقان من غزة، قررا أن لا ينتظرا الفرصة بل أن يصنعاها. جاء «قرموشتي»، في محاولة للنجاة بنفسيهما من سوط البطالة الذي يجلد 30.2٪ من الشباب على مستوى فلسطين بعمر (15-29 سنة)، بحيث يشكل قطاع غزة نسبة 51.5% من هذه النسبة، وفق نتائج مسح الشباب للعام 2015، الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
محمود (28 عاماً)، خريج علاقات عامة وإعلام، بدا واثقاً من نفسه وهو يتحدث عن خبراته التي تخللتها فترات انقطاع، حاله كحال غيره من الشباب، حيث قدرها المسح العام بمتوسط 25.7 شهر بين فرصة وأخرى: «عملت في عدد من المؤسسات الدولية والأهلية المحلية، اكتسبت علاقات جيدة خلال عملي، ولكن للأسف كل ذلك كان وفق نظام التشغيل على مشاريع، فالوظيفة الثابتة تبدو حلماً مستحيلاً»، مضيفاً: «أنا وأخي تخرجنا من الجامعات، فهو خريج برمجيات وقواعد بيانات، سعينا كثيراً لنيل فرصة عمل جيدة، لكن دون أمل، دفعنا ذلك في السنة الأخيرة أن نفكر بتغيير هذا الواقع الخانق، في إحدى جلسات العائلة اقترحنا أن ننشئ مطعماً متنقلاً، وتساءلنا هل من المعقول أن يحب الناس الفكرة ويدعمونها؟».
معاذ (24 عاماً)، كان منهمكاً في تحضير عدد من السندويتشات للزبائن، وعلى الرغم من محاولته الجاهدة للإسراع في تجهيزها، بدا على حركات يديه حداثة عمله في صناعة سندويشات الدجاج، يقول مبتسماً: «كل ما نقوم به هنا هو القلي والتقديم للزبون، نعد تتبيلة الدجاج في البيت، وهي ليست المرة الأولى التي أعمل في اعداد الطعام، سبق أن عملت في مطعم مأكولات شعبية،وفي مهن كثيرة خارج إطار دراستي كالبناء وميكانيكا السيارات، نظراً لقلة فرص العمل، ولكن الآن أنا أعمل لصالح فكرتي».
تنفيذ فكرة «قرموشتي» بدأ منذ أربعة شهور، حين شاهد الشابان برنامجاً تلفزيونياً حول رواج المطاعم المتنقلة في أمريكا، مما دفعهما للتفكير جدياً باتخاذ أولى خطوات التنفيذ، والتي واجهت صعوبة في عدم توافر «التكتك» في الأسواق بسبب إغلاق الانفاق بين قطاع غزة ومصر، والتكتك هو وسيلة نقل مصرية، وصلت قطاع غزة عبر الانفاق خلال فترة الحصار الممتدة منذ العام 2007. يقول محمود: «تبلغ مساحة قرموشتي 170 سم، في 110 سم، مساحة صغيرة جداً. تعذبنا في إيجاد معدات بحجمها، مما تطلب أن نوصي عليها بقياسات خاصة، وهذا كلفنا نظراً لميزانيتنا المحدودة، كما جهزناه بنظام اضاءة جذاب يتناسب مع عملنا الليلي».
بلغت كلفة المشروع 7 آلاف دولار، وهو ما اعتبره الشابان مبلغاً كبيراً، نظراً لتردي الوضع الاقتصادي لعائلتهما التي دعمتهما رغم ذلك، حيث يعاني قطاع غزة من ارتفاع في نسب الفقر، وتعيش 38.8% من العائلات تحت خط الفقر، بينما 21.1% في فقر مدقع.
يتابع محمود: «المواد المستخدمة لإنتاج وتقديم الوجبات، تكلفنا أيضاً، وهامش الربح لازال غير مستقر، فكل يوم وكل مكان يختلف عن الآخر، ولا زلنا ندرس السوق، ونستخدم صفحتنا على فيسبوك في تحديد نقاط البيع اليومية حسب طلب المتابعين لنا، المنطقة الأكثر طلباً نذهب إليها أولاً».
يستثمر الشابان فيسبوك، في الإعلان عن انطلاقتهم عبر إعلان ممول، وعن أنشطتهم اليومية، فبحسب محمود «الشعب الفلسطيني هواة فيسبوك، وهو ما دفعهم إلى إنشاء صفحة خاصة بقرموشتي». وعن أول يوم عمل لهما يروي محمود: «كنا نشعر بالخجل الشديد، كان صعباً جداًعلى نفسي أن أعمل بعيداًعن مجال دراستي وعملي السابق، في أول يوم في قرموشتي كنت أخفض رأسي نحو الأرض، واختبئ تحت قبعتي، وأقول لنفسي أنا درست وعملت مع مؤسسات راقية في غزة، كيف أقف وأبيع سندويشات في الشارع».
شعور الشابين بالخجل قد تلاشى، بل تحول إلى فخرِ شديد بأنهما استطاعا تنفيذ فكرة ناجحة في واقع صعب، فهما من بين قلة استطاعت تأسيس مشروعها الخاص. يضحك الشابان وهما يتشاركان تطور علاقة الناس بالمطعم:»مضى على انطلاق المشروع ما يقارب الشهر الناس يلتقطون الـselfie معنا، ويقولون إنهم استمتعوا بالساندويش، ونحن حريصون على معرفة آرائهم باستمرار، دعمهم مهم جداً لنا، فقد أكسبنا الثقة والدافع لتطوير هذا المشروع».
بالتوفيق