شكوى من تغيير القيادة «المركزية لتقارير»رسمت صورة وردية عن مواجهة تنظيم «الدولة»

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: تواجه إدارة باراك أوباما ضغوطا من حلفائها لتغيير استراتيجيتها تجاه سوريا بعد نقل الروس معدات وقوات إلى الأراضي السورية وسيطرة «تنظيم الدولة» والجماعات الجهادية الأخرى على مناطق جديدة هناك وهو ما تسبب بموجة جديدة من اللاجئين السوريين الذي يهربون باتجاه المدن الأوروبية.
وتأتي الضغوط الجديدة على الرئيس أوباما بعد عام من حديثه في مؤتمر صحافي قال فيه إن بلاده لم تطور بعد استراتيجية كاملة للتعامل مع الحرب في سوريا.
وظل أوباما عرضة للنقد لفشله في وضع استراتيجية واضحة تضعف وتهزم في النهاية «تنظيم الدولة» الذي احتل مناطق واسعة من العراق وسوريا.
ولكن الرئيس قاوم الدعوات لإرسال قوات برية في حرب قد تطول. وترى صحيفة «لوس أنجليس تايمز» إن المسؤولين الأوروبيين يشعرون بالتشاؤم حيال الإستراتيجية الأمريكية وسط تدفق عشرات الألوف من المهاجرين الذين يهربون من القتال في بلادهم وفشل الولايات المتحدة بدحر مقاتلي «التنظيم».
وقال مسؤول أوروبي للصحافيين في واشنطن «لا ننتصر في الوقت الحالي» و»نحن بحاجة لمضاعفة جهودنا بشكل جماعي لنبذل قصارى جهدنا لحل هذه المشكلة المزدوجة: الكارثة الإنسانية ونمو إرهاب تنظيم الدولة».

خطة بريطانية

وتشير الصحيفة إلى أن تقدم المقاتلين الجهاديين هز النظام السوري لبشار الأسد بشكل جعله يعتمد بشكل كبير على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وزادت روسيا من مساعدتها للنظام وأرسلت طائرات محملة بالجنود والعتاد لحماية غرب سوريا.
ولا تعرف الولايات المتحدة وحلفاؤها النية الروسية وراء كل هذه التحركات، ولكنهم يخشون من تعزيز قدرات الأسد، وبالتالي إطالة أمد الحرب التي تدور منذ أكثر من أربعة أعوام. ودافعت روسيا عن التحركات الأخيرة حيث قال إنها طبيعية في ضوء التعاون العسكري المشترك بين البلدين.
ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا المزاعم الأمريكية حول الحشود الروسية في سوريا بأنها تعبر عن «هستيريا غريبة».
وتأتي الانتقادات للإدارة الأمريكية وسط تحركات أوروبية لتوسيع مشاركتها إلى سوريا. فق أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمام مجلس العموم يوم الأربعاء عن خطته لسوريا من دون «تنظيم الدولة» ومن دون الأسد.
وبحسب الخطة فسيبقى الأسد في السلطة خلال التحاور من أجل تشكيل حكومة انتقالية. وجاءت المدخل المتشدد لكاميرون بعد إعلانه عن مقتل جهاديين بريطانيين بطائرات من دون طيران صادق عليها كاميرون نظرا للخطر الذي النابع منهما. وكشفت الصحف خلال الأيام الماضية عن «قائمة قتل» لعدد من الجهاديين البريطانيين الذين يقاتلون في صفوف «الدولة».
ووصف المعلق في صحيفة «الغارديان» شيموس ميلين الخطوات البريطانية في سوريا بأنها لن تحل المشكلة بل ستطيل أمد الحرب. وقال إن الحكومة البريطانية بقتلها الجهاديين انضمت إلى إسرائيل.
وأمريكا في «القتل المستهدف» وقال إن الغرب يرد على كل كارثة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بغارات جوية بدون ان يتعلم من دروس الماضي. ويذكر بما فعله الناتو في ليبيا التي تعيش فوضى مستمرة.
ويرى أن الحل للأزمة السورية لا يتم إلا بتسوية سياسية تشارك فيها كل الأطراف الإقليمية. فالحرب في هذا البلد ظلت حربا بالوكالة بين روسيا وإيران من جهة وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى.
ومع ذلك تؤكد الحكومة البريطانية على الخيار العسكري مثلما كشف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عن بدء الطيران الفرنسي مهاما استطلاعية في الأجواء السورية. وانتقد وزير الخارجية الألماني التحركات العسكرية البريطانية والفرنسية حيث قال إنها ستحبط الجهود الدبلوماسية لوقف النزاع.

تحقيقات وتحوير

وتقول «لوس أنجليس تايمز» إن المخاوف من «تنظيم الدولة» في سوريا تأتي بعد حديث المسؤولين الأمريكيين عن إشارات لتوسعه في ليبيا وأفغانستان حيث أصبح قادرا على تنفيذ هجمات ولم يعد تلك الحركة البعيدة الملهمة للمقاتلين.
ويأتي هذا التمدد في وقت التزمت فيه إدارة أوباما بروايتها المتفائلة عن مسار الحرب ضده وأنه تم احتواؤه في العراق.
وكان المفتش العام في وزارة الدفاع قد بدأ تحقيقا هذا الصيف في مزاعم قالت إن القيادة المركزية قامت بتحوير تقييمات أمنية قدمها محللون من أجل تصوير نجاح الحملة. ونقلت الصحيفة عن بروس هوفمان، خبير الإرهاب بجامعة جورج تاون «تقريبا كل شيء تم فعله في العام الماضي كان غير منطقي» مضيفا «نقتل قادتهم ولكنهم يواصلون السيطرة على المناطق واستعباد وترويع السكان المحليين».
وذكر موقع «دايلي بيست» إن أكثر من 50 محللا أمنيا وقعوا على رسالة للمفتش العام في البنتاغون زعموا فيها إن قادة القيادة المركزية حرفوا ما توصلوا إليه من نتائج حول «تنظيم الدولة» كيف يتناسب مع رواية الإدارة الأمريكية عن نجاح الحرب.
وقال الموقع إن الشكوى لم تقتصر على «تحوير» التقييمات الأمنية بل على الجو الخانق الذي خلقه قادتهم في القيادة المركزية. ووصف شخص اطلع على فحوى الشكوى استخدام المشتكين كلمة «ستاليني» لوصف أجواء العمل وهو ما دعا الكثيرين لممارسة الرقابة الذاتية وإعداد تقارير تتناسب مع الرواية العامة.
وتذكر هذه الأجواء بالطريقة التي تعاملت فيها إدارة جورج دبليو بوش مع الملفات الأمنية حيث اختارت منها ما يناسب روايتها لغزو العراق، وذلك أثناء التحضيرات العسكرية في عام 2002 و2003.
وظل الرئيس أوباما مترددا في توسيع الدور الأمريكي أبعد من تدريب المقاتلين السوريين المعارضين للأسد. مع أن برامج تدريبهم ظلت محدودة.
ولم تمنع الغارات الجوية التنظيم من السيطرة على 80% من حقول النفط والمصافي في بلدة بيجي العراقية.
ويرى مسؤول أمريكي نقلت عنه «لوس أنجليس تايمز» أن هناك حاجة لتحسين الطرق التي يرسل فيها المقاتلون السوريون إلى داخل بلادهم بعد الهجوم الذي تعرضت له مجموعة قبل شهرين تقريبا.
وأضاف «الغارات الجوية ناجعة لكنها ليست كافية لتحقيق الانتصار». وستحاول الدول الغربية إقناع الولايات المتحدة تغيير استراتيجيتها، وذلك في أثناء الإجتماعات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.
ويتوقع مشاركة الجنرال المتقاعد جون آلن منسق الحملة ضد «تنظيم الدولة» هذه الإجتماعات.

ليست مسؤوليتنا

ولا يعرف إن كان أوباما سيصر على حذره. فهو كما قالت «كريستيان ساينس مونيتور» التزم بالحذر تجاه سوريا ويبدي الحذر نفسه حيال أزمة اللاجئين.
وتقول الصحيفة إن الموقف هذا نابع من اعتقاد الإدارة أنه ليس مطلوبا منها الركض وراء كل أزمة عالمية وحلها.
وفي الوقت الذي تظهر إشارات عن تغير في موقف الإدارة إلا أن الخبراء يعتقدون أن تردده حقيقي ويختلف عن سياسات أمريكية أخرى.
وبحسب هيرست هانوم، الخبير في القانون الدولي وسياسات الولايات المتحدة بجامعة تافتس «مضت الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة تركب فوق على حصان أبيض وحاولت حل هذه المشاكل الكبيرة».
وأضاف «عندما تنظر للفوضى التي صنعناها وكنا نخرب الوضع أكثر مما كان عليه».
هذا لا يعني تحلل الولايات المتحدة من «الواجب الأخلاقي» الملقى على القوى العظمى لمساعدة السوريين والعراقيين والليبيين وغيرهم ممن شردتهم حروب الشرق الأوسط». وترى سوزانا شاناهان الخبيرة في شؤون اللاجئين في جامعة ديوك «لا يمكن إنكار المسؤولية الأخلاقية».
وقالت إن كلا من ألمانيا والسويد استقبلت أعدادا من اللاجئين لا يمثلون سوى 1% من مجموع السكان فيهما و»بالتأكيد تستطيع الولايات المتحدة استقبال 65.000 سوري أو ما يعادل 0.02 من عدد سكان أمريكا».
وينبع الموقف الأمريكي من رؤية أوباما لدور واشنطن كشريك يقود من الخلف حيث طبقها في ليبيا عام 2011.
وعبر المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرينست عندما قال إن «أوروبا لديها القدرة للتعامل مع المشكلة.
وتقف الولايات المتحدة بالتأكيد مع شركائها». وأكد إرينست على أن الولايات المتحدة هي المتبرع الأول للاجئين حيث قدمت 4 مليارات للأزمة السورية وحدها.
وتتساءل الصحيفة إن كان هذا التصريح قد حدد النبرة لإدارة أوباما المترددة؟ وتشير هنا إلى ما قاله المتحدث باسم مجلس الأمن القوم والذي وعد بتعزيز الدور الأمريكي.
وقال بيتر بوغارد إن الولايات المتحدة على اتصال دائم مع شركائها الأوروبيين وتفكر جدية باتخاذ إجراءات لمساعدة الدول الأخرى على تحمل الأعباء بما فيها «إعادة توطين اللاجئين».
ولكن ديفيد ميليباند مدير لجنة الإغاثة الدولية قال «تاريخيا تعتبر الولايات المتحدة قائدة في الالتزام بواجبها الأخلاقي، لكنها وخلال السنوات الأربع للحرب السورية أظهرت ترددا بدلا من قيادة». فمن بين 4 ملايين سوري هربوا من بلادهم لم تستقبل أمريكا سوى 1.500 لاجئ.
وهو ما دعا عددا من النواب لتجديد مطالبهم استقبال أعداد جديدة من اللاجئين السوريين. ففي أيار/مايو أرسل 14 نائبا بقيادة ديك ديربان من ولاية إلينويز رسالة إلى لأوباما قارنوا فيها الفشل في التعامل مع الكارثة السورية «بفشل المجتمع الدولي التراجيدي لإيواء اليهود الفارين من الإبادة النازية» أثناء الحرب العالمية الثانية.
وقال النواب إن على أمريكا استقبال أعداد كبيرة من 130.000 سوري تريد المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة المجتمع الدولي تأهيلهم.
ويرى هانوم أن هناك نقاشا يتعامل مع مسألة اللاجئين كمشكلة أوروبية نظرا لقرب أوروبا من مصدر قدومهم.
وقال «الجغرافيا مهمة ومن الصعب انتقاد كيفية تعامل أمريكا كمشكلة أوروربية خاصة أن اللاجئين يصلون أولا إلى حدودها وشواطئها» أي أوروبا.
ولا يقترح هوفمان على الولايات المتحدة أن تقدم القليل أو لا شيء بقدر ما يدعو إلى حل النزاعات التي تغذي مشكلة الهجرة. «ماذا نفعل، هل نبدأ بإرسال طائرات سي- 130 وسفنا لإحضار الناس إلى أمريكا؟» ويجيب «هذه إجابة غير كافية في أحسن الحالات ولن تقدم شيئا للحل الدائم» و»إذا كان هذا ما تفعله فإنك تنحرف عن هدف تحقيق الاستقرار في سوريا ومساعدة السوريين على العودة للعيش هناك».

حصاد الغرور

كل هذا يعيدنا للدور الأمريكي ومسؤولية أوباما كما ناقش فردريك هوف. وقال إن الولايات المتحدة قررت التخلي عن السوريين وتركهم عرضة للتجويع والقتل والعقاب الجماعي وتحت رحمة البراميل المتفجرة تقوم هي وأوروبا بحصاد ما زرعته.
وبدلا من تغيير الإدارة مسارها الذي اتخذته طوال الأزمة فإنها تولول وتقول إن الأمور كانت ستسوء لو مضت في طريق آخر مثل الإستجابة لمقترحات مسؤولين بارزين عام 2012 تسليح جماعات من المعتدلين السوريين.
ويتساءل في مقالته التي نشرتها «فورين بوليسي» عن موقف الدول الأوروبية من الإدارة وفيما إن حثت أوباما على تغيير موقفه. وكانت فرنسا واضحة في حثها حليفتها الأمريكية على تغيير طريقة تعاملها مع الأزمة السورية.
ويرى هوف أن فشل الغرب في تقديم حماية قليلة للمدنيين السوريين لم يكن من دون ثمن. وانتقلت الأزمة إلى الغرب الذي رضي بمشاهدتها وهي تكبر على الحدود مع لبنان والأردن وتركيا.
وفي الوقت الذي ترى أوروبا الثمن من خلال تدفق البشر على حدودها إلا أن الثمن الذي ستدفعه أمريكا سيكون أكبر. فسمعتها تشوهت أكثر من أي وقت مضى. وفتح تردد أوباما الباب أمام بوتين للتحرك في سوريا.
وفي الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بالتعاون مع تركيا لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا حيث ستقوم طائرات التحالف ضد «تنظيم الدولة» بالعمل بشكل مكثف فوق شمال سوريا، ما يعني منع الطائرات التابعة للنظام من العمل في المنطقة الخالية من «تنظيم الدولة».
وفي الوقت الذي لا يريد فيه أوباما مشاهدة صور للأطفال السوريين القتلى مما سيحفز الرأي العام الأمريكي إلا أن صور الأطفال السوريين الغرقى على شواطئ البحر قد تدفعه لتوفير الحماية للمدنيين العزل في سوريا.
كما على الأوروبيين الذي يعتقدون الآن أن المشكلة تحتاج لمواجتهتها من مصدرها فعليهم تقديم أكثر من مجرد الملابس والطعام. فهم بعد كل هذا يتعاملون مع مشكلة حية لا صور أطفال موتى.

معضلة

ومهما حاول المدافعون عن أوباما تبرير تردده فستظل سوريا كما يرى روجر كوهين في «نيويورك تايمز» الأزمة التي تعبر عن فشله الذريع. فقد ترك الأزمة تكبر أمام تدفق اللاجئين أولا إلى دول الجوار.
وعندما شعروا أن لا وطن لهم باقيا للعودة إليه بدأوا بالبحث عن حياة آمنة في أوروبا. وتعتبر أزمة اللاجئين رواية لكارثة متوقعة.
ويضيف أن اللاجئين لا يهمهم ماذا تفكر به أوروبا «المسيحية» فكل ما يريدونه هو الحفاظ على حياة أطفالهم. خاصة بعد مقتل أكثر من 200.000 سوري وتحول الحرب إلى طائفية وكل هذا بسبب التردد الغربي.
ويقول إن التدخل العسكري الأمريكي عادة ما يترك آثارا مدمرة كما تلخص كارثة العراق، لكن عدم التدخل يترك تداعيات غير متوقعة كما في الحالة السورية اليوم.
وعبر كوهين عن مشكلة أمريكا التي حاولت العودة لذاتها والتحلل من مشاكل العالم وهو أمر لم يكن بوسعها فعله لأنها الدولة الأقوى في العالم ولديها رسالة عالمية.
ويحاول كوهين النظر في «عقيدة أوباما» التي تؤكد على تجنب إرتكاب أخطاء و»لا تفعل أشياء حمقاء» لكن هذه العقيدة لا تكفي في سوريا التي غسل يديه منها كما فعل في ليبيا.
وها هما تلاحقانه كما حصل في تجربة أفغانستان نهاية القرن الماضي عندما انسحبت واشنطن من الساحة هناك تاركة إياها ملعبا للجهاديين.
ويقول كوهين إن أوباما ضرب في ليبيا وتركها وفي أفغانستان زاد من عدد الجنود وانسحب وفي سوريا تحدث وتحدث وتراجع. ولا تزال سوريا السؤال الحاضر الذي يجب على عقيدة أوباما الإجابة عليه.

qal

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية