تعودت المخابرات الجزائرية والنواة الصلبة في الجيش على التوافق على اسم الرئيس المقبل في غرف مغلقة وبأساليب تشبه المؤامرة، ثم تطلق العنان لأحزاب وجمعيات ونقابات تحترف التزمير والتطبيل، لتسويقه وفرضه على أنه الرجل الضرورة والملهم، فتقوم الأخيرة بـ»الواجب» على أحسن وجه.
بيد أن هذا التقليد انقرض مؤخراً مع إصرار الرئيس بوتفليقة على إعادة الاعتبار للزوايا والكتاتيب التي ظلت، منذ الاستقلال، على الهامش إلا من رمزية لا فائدة من ورائها.
بعد الآن يجب أن ترضى عنك الزوايا أيضا وتباركك لكي تمضي في مشوار طموحك السياسي إن كانت عينك على قصر الرئاسة أو قصر الحكومة. وشكيب خليل، وزير النفط السابق، العائد إلى الجزائر بعد ثلاث سنوات من الغياب أحاطتها ألغاز كثيرة، فهمَ أو أُفهم هذا، فعرف من أين يبدأ رحلة رد الاعتبار السياسي له.
رحلة البراءة ورد الاعتبار بدأت قبل أن تطأ قدما خليل أرض مطار وهران بإلزام مصالح ولاية وهران بتبييض فليته في المدينة. واستمرت بالاستقبال الذي خصه به والي الولاية في المطار ساعة وصوله.
بعد استراحة دامت نحو أسبوعين، لم يواصل خليل رحلته من العاصمة. وليس من مقر حزب أو نقابة أو جمعية من جمعيات المجتمع المدني، وما أكثرها وكلها تحلم بأن تؤمر بفرش بساط أحمر له فتبسط عشرة. بل أطلق شوطها الثاني في يوم جمعة من سهوب ولاية الجلفة التي تبعد 300 كلم إلى الجنوب من العاصمة، وبالضبط من إحدى زواياها. تماما كما فعل الرئيس بوتفليقة قبله في أيام التهميش ثم في ايام الاستعداد للعودة المظفرة للسياسة.. كان يزور زوايا غرب وجنوب البلاد ويلتقي شيوخها ومرجعياتها بحثا عن تزكيتهم وبركاتهم.
ومثلما تلقى والي ولاية وهران أمرا باستقبال خليل شرفيا بالمطار يوم عودته (17 من الشهر الماضي)، واستدعاء الصحافة المحلية لتصويره، تلقت زاوية سيدي محمد بن مرزوق أمراً باستقبال خليل والاحتفاء به بطريقة تليق بالحاضر الذي يحاصره والمستقبل الذي ينتظره، واستُدعيت كاميرات محطات تلفزية معروفة بأنها أبواق لجماعة الرئيس لتوثيق «الحدث» وإرسال الرسائل التي حملها.
سيحفظ التاريخ أن الجمعة 1 نيسان (إبريل) 2016 تكريس خليل مسيرته نحو منصب سياسي وإداري هام قد يكون رئاسة الدولة. وفي أقل تقدير سيكون رئاسة الحكومة بعد أن تحترق ورقة عبد المالك سلال بالكامل.
يحدث هذا أمام أعين القضاء الجزائري ودون أن يستمع للوزير السابق قاض أو محام، بينما كان يقتضي الأمر أن يبدأ رحلة تحقيق قضائي ومحاكمة في قضايا فساد ورشى مرفوعة بحقه ولا تزال معلقة، فيُدان ويدفع الثمن أو يبرَّأ فيعاد له الاعتبار.
حالة خليل حملت صغعتين للعدالة الجزائرية التي أصدرت بحقه مذكرات اعتقال محلية ودولية. صفعة عودته، وصفعة ذلك الاستعراض المشهود في زاوية سيدي بن مرزوق وفي الطريق نحوها. وقد حمل الاستعراض رسائل سياسية ـ بصرية ـ لا تخطئها العين.
هل كانت مجرد صدفة وتقاطع بريء للأحداث؟ لا. في زمن بوتفليقة لا مكان للصدف. كل شيء محسوب ومخطط له بدقة ودهاء. لذا ليس من المبالغة القول إن حالة خليل تخص بوتفليقة شخصيا وعائلته وأصدقاءه. هذه الزمرة التي تمثل المزاج الشخصي لبوتفليقة في إدارة الشأن العام وتسهر على استمراره، توجه من خلال خليل رسالة انتقام إلى الداخل: أردتم إهانته وانتشيتم للتشهير به محليا ودوليا، ها نحن نرده معززا مكرما غصبا عنكم وفوق رؤوسكم جميعا.
لا يمكن فصل المسألة عن سياقها النفسي وعن الإسقاط الذي تكون «الزمرة» قد لجأت إليه: وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة بُعيد وفاة الرئيس هواري بومدين في 1979 والإذلال الذي لحق به على يد رفاقه (وما ترتب عنه من عقدة الشعور بالاضطهاد لديه)، وشكيب خليل وما لحق به في 2013 على يد من تجرؤوا (مرة أخرى) على الإساءة لبوتفليقة وهو رئيس.
أما أسطوانة إعادة الاعتبار للمسيِّرين الجزائريين المظلومين، التي تغنى بها بعض السياسيين الانتهازيين في تبرير سمو خليل فوق العدالة، فمجرد ذريعة واهية. يقال إن عددهم 4 آلاف مسير بين مسجون ومفصول من منصبه ومهاجر. لن يذكرهم أحد بعد اليوم ولن يلقى أفضلهم حظا عُشر المعاملة التي لقيها خليل، لسبب بسيط هو أن قضية الأخير جزء من لعبة السرايا وليّ الأذرع وتتوج انتصار بوتفليقة على خصومه في المخابرات وانتقامه بطريقته. أين مسيّر بسيط أو مدير مغمور مظلوم من كل هذا؟ وأين مسيرو سوناطراك المسجونين في ذات القضايا التي ورد فيها اسم خليل؟ وأين مئات المسيِّرين الذين دمر حياتهم رئيس الحكومة أحمد أويحيى قبل 20 سنة ضمن حملة «الأيادي النظيفة»؟
رفض خليل، وهو يخطو خطوته الأولى نحو المنصب الجديد في الجلفة، أن يخوض في ما قيل ويقال عن القضايا المرفوعة ضده، وقال إنه يفضل النظر إلى المستقبل. وقال إنه يريد أن يضع خبرته وتجربته تحت تصرف بلاده، فبسرعة زكاه أويحيى في مقابلة مع ذات المحطة التلفزيونية سهرة الأحد. وهذا لا يزكي مجانا ولا يخسر الرهانات. زكاه ثم ابتسم بخبث لكي تُلتقَط الرسالة التي كان فحواها: انتظروه قريبا.
٭ كاتب صحافي جزائري
توفيق رباحي
احيانا يقف المرءحائراومتعجبامن تعليقات بعض الأخوةالعرب مشرقاومغربا
فيما يتعلق بالجزائر نجدهم يعطونها صورة سوداوية ليس لها مثيل ،لكن لو أن
ألأخوة المعلقين ترفعوا قليلا على ما في قلوبهم من الحساسية تجاه الجزائر
وكانوا صاقدين لوجدوا أن المواطن الجزائري يتمتع بحرية وديمقراطية
لاتوجد عند غيره من الأشقاء العرب ولا ينكر هذا إلا جاحد …