هناك مبادرة غريبة بعض الشيء بالنسبة إلى عالمنا العربي، يتم الإعلان عنها، بالحاح، على صفحات التواصل الاجتماعي منذ أشهر. عنوان المبادرة « شهر التضامن مع العراق». سيتم إطلاق المبادرة مساء الخميس المقبل، في جامعة لندن. تستحق المبادرة الاهتمام لأنها تثير العديد من الأسئلة المرتبطة بماضي العراق، العقود الأخيرة منه، خاصة مرحلة التهيئة للغزو، وحاضره في سيرورة عملية الاحتلال السياسية وما تمخض عنها، ومستقبله في ظل مأسسة الطائفية، والفساد، والصراع الاثني، وانعكاساتها على بنية المجتمع المنهك جراء الحروب والاحتلال. فلماذا مبادرة شهر التضامن مع العراق، وكيف؟
تستهل الدعوة إلى إطلاق المبادرة تصريحا لدزمند توتو، كبير الأساقفة الجنوب افريقي، المعروف بنضاله ضد نظام الفصل العنصري، والذي وقف بقوة ضد الحرب على العراق، إلى حد رفضه حضور مؤتمر يشارك فيه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، واصفا إياه بأنه مجرم حرب. يقول توتو: «إن قرار الولايات المتحدة وبريطانيا، اللا أخلاقي، بغزو العراق عام 2003، استنادا إلى كذبة امتلاكه أسلحة للدمار الشامل هز العالم بأسره، وأحدث استقطابا لم يحدثه أي صراع آخر في التاريخ». تذكرنا الدعوة بأن قرار شن الحرب الانجلو ـ أمريكي لم يكن شعبيا، بل تظاهر الملايين في كل بلدان العالم عام 2003 معلنين رفضهم. حيث شهدت بريطانيا واحدة من أكبر المظاهرات بتاريخها ضد قرار رئيس الوزراء، حينئذ، في الوقوف بجانب قرار الإدارة الإمريكية برئاسة جورج بوش والمحافظين ـ الصهاينة الجدد.
اليوم «بعد مرور 15 عاما على الغزو والاحتلال لاتزال آثار الحرب العدوانية بقيادة الولايات المتحدة على الشعب العراقي مستمرة، مسببة معاناة لا نهاية لها، بينما أصبحت حربا منسية في دائرة الدمار والعنف الذي ابتلت به بلدان المنطقة». وجوابا على لماذا شهر التضامن «ليبقى العراق في ذاكرتنا قضية في غاية الأهمية لملايين الضحايا الذين يستحقون العدالة، وضروري أيضا لاستعادة المبادئ الأساسية للسلام والاحترام المتبادل بين الأمم باعتبارها أساس القيم الإنسانية المشتركة لضمان مستقبل خال من كوارث الحرب. إنه للتذكير بجرائم الاحتلال في تهديم دولة وتفكيك مجتمع واستهداف ثقافة شعب، كي لا تتكرر الجريمة أبدا. « تؤكد الدعوة على أن الشهر ليس للتذكير بجريمة استهداف شعب ودولة فقط بل أيضا «للاحتفاء بتاريخ العراق، ومقاومة الشعب العراقي المتعددة المستويات، وطموح العراقيين في تحقيق السلام المبني على المساواة والعدالة». هذه هي أهداف إطلاق مبادرة «شهر التضامن مع العراق». وهي أهداف، أثبتت سنوات الاحتلال، مدى الحاجة إليها بعيدا عن المنفعة السياسية الآنية الظاهرة والمبطنة.
ولدت فكرة « شهر التضامن» مع اقتراب ذكرى مرور 15 عاما على الغزو وأحساس عدد من الناشطين المناهضين للاحتلال، بأن العراق لا يعيش ذكرى حدث انتهى، بل إنه مستمر عبر ما أسس له من تخريب شامل يؤدي إلى أحداث يومية مأساوية، والأكثر من ذلك أن العراق، بات منسيا، عربيا ودوليا، حتى في ذكرى احتلاله. مثل مناسبة انطفأ وهجها، كادت جريمة « الصدمة والترويع» والشروع الممنهج بتدمير البلد وشعبه، أن تمر هذا العام، مثلا، كما السنوات السابقة، بصمت، باستثناء نشر بضع مقالات هنا وهناك، وإجراء مقابلات قليلة مع أصوات تبذل أقصى جهدها لإدانة ومراجعة جرائم، بقيت بلا محاسبة، لأن العالم، خلافا لما يشاع حول انشغاله بمآس أخرى، وحول جرائم تنظيم «الدولة الإسلامية»، لا يريد رؤية جرائمه في العراق، أو تذكرها، ناهيك عن الاعتراف بها. إذ ليس هناك في الإدارة الأمريكية أو الحكومة البريطانية ممن ساهم في تسويق الحرب، بحجة أسلحة الدمار الشامل، من لا يريد غسل يديه من جريمة، سببت قتل ما يزيد على المليون عراقي (هناك إحصائية جديدة تشير إلى 3 ملايين) وتشريد الملايين وبذر نبتة الإرهاب.
الملاحظ، في الأعوام الأخيرة غياب أصوات ناشطين مخضرمين ضد الحصار والحرب من العراقيين وغير العراقيين، غيبها الموت أو الإرهاق أو خيبة الأمل أو إصابتهم بالطائفية. غابت، أيضا، أصوات مهللين للغزو باعتباره تحريرا، مصرحين بأنهم أصيبوا بخيبة أمل. لماذا؟ لأن من قاموا بتزكيتهم لم يثبتوا صلاحيتهم للوظيفة الموكلة إليهم، عبرالاحتلال، متعامين عن فشلهم الذريع في رؤية العراقيين كعراقيين وليس وفق التقسيم الطائفي ـ العرقي، مما ساهم في تهيئة الأرضية لتفتيت البلد.
في هذه الأجواء، ما الذي ستقدمه المبادرة التي ستقوم بإطلاقها مجموعة « تضامن المرأة العراقية» في لندن؟ تؤكد المجموعة، أولا، أنها جزء من المبادرة فقط، وكل ما تقوم به، حاليا، هو تنظيم إطلاقها، وأنها مبادرة بسيطة، ذخيرتها، استمرارية الموقف المناهض للحصار والحرب والاحتلال، وتمحيص نتائجها، داعية إلى تحقيق العدالة للشعب العراقي. وهو الموقف الذي وحد نشاطات منظمات التضامن مع الشعب العراقي، على مدى عقود. لذلك سيساهم في إطلاق المبادرة ممثلون عن «أوقفوا الحرب»، «عدالة للشعب العراقي»، «المحكمة الدولية»، «محكمة بروكسل» و«تضامن المرأة». سيلقي كلمة الافتتاح، دنيس هاليداي رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنساني في العراق عام 1998. الذي استقال من منصبه: «استقالتي كانت ضرورية بسبب رفضي قبول أوامر مجلس الأمن التي فرضت عقوبات إبادة جماعية على الأبرياء في العراق. إن استمراري في منصبي كان يعني تواطؤي في هذه الكارثة الإنسانية. كيف يبرر هذا العقاب الجماعي الذي هو العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة؟ لا يوجد بند في ميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي يشرعن النتائج القاتلة لعقوبات حصار الأمم المتحدة الذي استمر 12 سنة طويلة على شعب العراق».
ومثل كل النشاطات النابعة من صميم الشعوب، سيعتمد تطوير هذه المبادرة على مدى التزام الأفراد والتجمعات والمنظمات المستقلة، المدركة لطبيعة الظلم الذي سببته حكوماتها للشعب العراقي، بالعمل التضامني لتحقيق العدالة على قدم المساواة.
٭ كاتبة من العراق
هيفاء زنكنة
التخندق الطائفي والولاء لإيران جعلا الدولة العراقية في أضعف حالاتها – ولا حول ولا قوة الا بالله
المشكلة في غزو العراق أنه لم حدثا عابرا او حربا وانتهت . المشكلة الحقيقية تكمن في تمكين الدول التي غزت العراق أمريكا وبريطانيا تمكين هذه الدول لإيران الجارة الخبيثة التي تقبض على كل مفاصل الدولة العراقية من خلال الأحزاب الحاكمة التابعة لإيران وأبرز نتاجات هذا الغزو هو الطائفية والفساد . والعراق منذ 2003 وحتى الآن دولة فاسدة وفاشلة وتابعة لا سيادة لها