«شهيد» للمخرج اللبناني الشاب مازن خالد يطلق أسئلة اجتماعية وإنسانية وعاطفية

حجم الخط
0

بيروت – «القدس العربي» : دون ممثلين محترفين باستثناء كارول عبود، أنجز المخرج الشاب مازن خالد فيلمه الروائي الأول «شهيد» الذي شاهدناه في سينما متروبوليس صوفيل في عرضه الأول لبنانياً، بعض عرض أول في مهرجان البندقية. فيلم متقن ينتمي إلى السينما المستقلة اختار الولوج إلى واحدة من تناقضات الحياة الإجتماعية، الإنسانية، الطبقية والدينية معاً.تجسد المراد من الفيلم بنظرات العينين، بالنفس وبقشعرية الجسد حتى خلال الموت، أكثر منه كلاماً وحواراً مسموعاً.ربما هو الصوت المنخفض المرافق للأزمات حين تقبض على خناق المعدمين والمسحوقين اجتماعياً، قبل الإنفجار.
تشارك مازن خالد في كتابة السيناريو مع الممثلة والمخرجة ديالا قشمر، التي انغرست في فيلمها الوثائقي «أرق» في عوالم المسحوقين، المنسيين والمهملين من الناس.ففي «شهيد» تجلى هذا العالم بقوة أكبر، وافضى إلى حوارات تقرُّ بتباينات واضحة في الأفكار والإلتزام حتى في البيئة نفسها.
تظهر الكاميرا ابطال الفيلم عبر حوارات قصيرة نسبياً، وكأن الكلام محسوب عليهم، يسبون ويشتمون واقعهم أحياناً. ما لم يُسمع تنطق به الصورة ونظرات الشخصيات، وكذلك الأمكنة التي ينتمي إليها ناس الفيلم بكل فقرها وتعاستها، وتلك التي يرتادونها كمتنفس كبحر عين المريسة في مدينة بيروت.في مسار فيلم «شهيد» تمثل شخصية الشاب «حسان» معاناة الاف من جيله، فالأمل بعيش فيه كرامة وإنسانية شبه مفقود.»حسان» الباحث عن متنفس يدعمه في تحمل أعباء انكساراته والأفق المقفل أمامه، يمثل مع دراجته النارية ما لا يحصى من أمثاله في بيروت وسواها من مدن لبنان.كما يمثل الشباب الملتزمين دينياً وربما حزبياً في الحي الذي يسكنه نسبة كبيرة من هذا الوطن.
اختار المخرج مازن خالد الدلالة على الفروقات الطبقية عبر الصورة فقط. وترك لعين الكاميرا أن تنقل الأثر الصامت في نفس «حسان».من شاطئ عين المريسة في بدايات الصيف عبر المتخرجون من الجامعة الأمريكية بأثوابهم التقليدية وفرحهم بالمستقبل. وإلى الشاطئ عينه عبر «حسان» علّه يجد في الماء ما يطفئ ألم الفشل والإنسحاق.من على هذا الشاطئ كانت نظرات «حسان» تحكي قدره.نظر إلى الماء وما هو قائم من الخلف.ألف سؤال لفّ في مخيلته فهل سيكون الماء رؤوفاً به أكثر من عالم القساوة الذي يكبله على الأرض؟
الجسد بين الحياة والموت، بين الماء وبدونه كان شديد الوقع في فيلم «شهيد».هو جسد «حسان» الرمز، في وضعيات مؤثرة. ابحار في النوم وفي الواقع، هما سيان فضغوط الحياة على البشر المكسورين تتغلب على ماء البحر الذي يفشل في غسلها.
«شهيد» فيلم يتوقف عند هذه الصفة بحد ذاتها، فمن يكتسبها بعد الموت؟ ومن يستحقها؟ ما هي مواصفات الشهيد وحيثيات الشهادة؟ ظاهر في مسار الفيلم أنه يقدم تنوعاً من البيئة اللبنانية، تلك المؤمنة بعيداً عن مستجدات الجائز وغير الجائز. وتلك الجاهزة الحاضرة دوماً لتقديم المعونة المعرفية والدينية من خدمات الحياة وما بعدها.ما هو إيجابي أن الإختلاف حافظ على التعايش، ولم يصل إلى التشنج.إلى ذلك كان لفيلم «شهيد» لفتتاته إلى الفروقات الإجتماعية الواسعة بين البشر وعبر الصورة.
تجلت بقوة أدوار الشباب الذين اختارهم المخرج ولم يكن لهم معرفة مسبقة بالتمثيل، أدارهم بجدارة كبيرة سيما في دوري «حسان ومصطفى».تجلت كارول عبود في دور الأم وكانت أكثر من مؤثرة. نجح المخرج في تصوير بعض المشاهد في واقعيتها، وكذلك في حضورها في المخيلة أوصلها لنا وكأنها دِوار يزلزل السكون.
«شهيد» فيلم من الواقع القاتم انسلخ منه ويشبهه دون مساحيق.نجح مخرجه في تجسيده بحرفية مشهودة حتى وإن طالت بعض مشاهده.سيناريو الفيلم فاز سنة 2016 من بين 12 أخرى باختيار «البنالي كوليدج».وبعد 11 يوماً من العمل على 12 سيناريو، فاز «شهيد» من بين ثلاثة سيناريوهات مولتها «بينالي دو فينيز».تم تصويره بفريق لبناني ولم يخترقه سوى فرنسي وحيد، وخلال ثمانية أشهر، وبموازنة بلغت 150 ألف يورو. مازن خالد لم يكن حاضراً في حفل اطلاق باكورته الروائية، خاطب الحضور عبر الصوت، منوهاً بالأدوار الصعبة التي لعبها ابطال فيلمه على الصعيد العاطفي والجسدي.وخلص للقول «الفيلم منا ولنا اشهدوا له إن احببتموه».مع الإشارة أن منتجة الفيلم والمشاركة في كتابته ديالا قشمر عوضت غياب المخرج وافاضت في تقديم «شهيد» لجمهور لوحظ فيه حضور كبير لنجوم من الشاشة اللبنانية.
يذكر أن «شهيد» انطلق في الصالات اللبنانية، وقريباً في نيويورك ولوس انجليس.

7PRO

«شهيد» للمخرج اللبناني الشاب مازن خالد يطلق أسئلة اجتماعية وإنسانية وعاطفية

زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية