بغداد ـ «القدس العربي»: جاء تصويت مجلس النواب العراقي هذا الاسبوع لاختيار الوزراء الأمنيين، ليفجر مجددا الخلافات بين القوى السياسية المتصارعة على الاستحواذ على الوزارات الخمس الشاغرة في حكومة حيدر العبادي، والتي تتصارع منذ أشهر لنيل أحدها وضمها إلى ارثها.
ويتزامن تعيين وزيري الداخلية والدفاع مع التدهور المتواصل للأوضاع الأمنية في العاصمة العراقية وبقية مدن البلاد وتفشي حالات الجريمة المنظمة كالخطف ومسلسل العثور على جثث المغدورين في الشوارع ومكبات النفايات، وسط تساؤلات عما إذا كانت هذه الأمور اضافة إلى التفجيرات في مناطق التجمعات وتنامي نفوذ حيتان الفساد، ستتوقف مع تكليف وزير الداخلية الجديد قاسم الاعرجي القيادي البارز في منظمة بدر المنضوية في تحالف كتلة القانون برئاسة نوري المالكي، علما ان وزير الداخلية السابق المستقيل محمد الغبان كان من المنظمة نفسها، ولم يستطع ان يفعل شيئا ازاء الخروق الأمنية.
وعكس اختيار الوزراء الأمنيين، إصرار التحالف الوطني الشيعي على حصر كل خيوط الملف الأمني بيده ضاربا عرض الحائط كل الاعتراضات. ورغم الادعاء بان وزير الدفاع عرفان الحيالي من السنة، إلا انه محسوب على المعارضة السابقة التي كانت فصائل التحالف الوطني تقودها ضد النظام السابق، وذلك رغم ان الكتل السنية والقائمة العراقية قدمت 10 مرشحين لوزارة الدفاع التي يفترض ضمن المحاصصة السياسية المعمول بها في العراق، ان يكون اختيار وزير الدفاع من القوى السياسية السنية، إلا ان التحالف الشيعي اختار الوزير المناسب وفق رؤيته من خارج تلك الترشيحات.
وانسحب ائتلاف العراقية بقيادة اياد علاوي من جلسة التصويت على الوزراء الأمنيين احتجاجا على الاختيار الذي اعتبره تكريس الحكومة والتحالف الوطني للمحاصصة الطائفية.
وعندما اجتمعت قيادة التحالف الوطني وقررت اختيار الوزراء للوزارت الشاغرة قبل عرضها على البرلمان، أرادت ايصال رسالة بان التحالف هو الذي يحدد اختيار الوزراء في الحكومة، الذين أما ان يكونوا من التحالف أو ممن يرضى عنهم التحالف. وضمن هذا الإطار، جاء اختيار وزير تركماني موالي للتحالف لوزارة الصناعة دون استشارة القوى التركمانية، ما دفع النواب التركمان لرفضه عند عرضه للتصويت في البرلمان. كما تشير المصادر المختلفة ان اختيار وزيرين أمنيين له علاقة وثيقة بالانتخابات المقبلة، حيث سيكون لأصوات منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية الذين يزيد عددهم عن المليون، قول الفصل في نتائج الانتخابات المقبلة هذا العام، وبالتالي يجب حسم ولاء الوزيرين الجديدين في هذا الاتجاه.
من جهة أخرى، تابع المراقبون جولة وفد التحالف الوطني الشيعي برئاسة عمار الحكيم إلى المحافظات الجنوبية هذه الأيام، والتي اعتبروا انها جاءت كمحاولة لامتصاص نقمة الشارع الشيعي على اداء التحالف وتفشي الفساد وفشله في إدارة البلاد بشكل صحيح منذ 2003، ما خلّف واقعا متخلفا في أوضاع المحافظات الجنوبية والوسطى، رغم كثرة الوعود باصلاح الأوضاع فيها. وتأتي هذه الجولة بعد أيام من جولة مماثلة لرئيس كتلة القانون نوري المالكي إلى تلك المحافظات للغرض نفسه، إلا ان الزيارتين قوبلتا برفض شعبي واضح من خلال التظاهرات والحملات المناوئة على مواقع التواصل الاجتماعي التي حملت قادة التحالف الوطني المسؤولية عن تدهور الأوضاع في العراق، اضافة إلى تصريحات المسؤولين المحليين التي أكدت ان الزيارة ليس فيها سوى وعود قديمة جديدة لن تغير من الواقع شيئا. وعزز مشاعر الرفض في الشارع الشيعي لوفود التحالف الوطني، موقف المرجعية الشيعية العليا في النجف التي رفضت استقبال وفد من التحالف الوطني مؤخرا ورسالة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري التي دعا فيها إلى تغيير أساليب عمل التحالف الوطني وابعاد قادة التحالف جميعا الذين حملهم مسؤولية الاخفاق في إدارة البلاد وعرقلة اجراء الاصلاح الحقيقي لأوضاع البلد المنهارة.
الرد بالمثل
وفي محاولة من البرلمان لاتخاذ مواقف تجاه بعض القضايا مثل قرار الرئيس الأمريكي بمنع دخول العراقيين إلى الولايات المتحدة، طالب البرلمان من الحكومة العراقية العمل بالمثل للرد على القرار الأمريكي، رغم اقتناع الجميع بصعوبة اتخاذ العراق اجراءات بالمثل، نظرا للدور الأمريكي المؤثر والمساعدات التي تقدمها في دعم العراق في حربه ضد تنظيم «الدولة». وتساءل بعض النواب خلال المناقشات عن السبب في رفض الموقف الأمريكي ازاء منع العراقيين من دخول الولايات المتحدة في الوقت الذي تمنع فيه بعض المحافظات العراقية، سكان بعض المحافظات الغربية والشمالية من دخول العاصمة العراقية أو بعض المحافظات الجنوبية؟
وتتواصل من جانب آخر، الاستعدادات لخوض معركة تحرير الجانب الأيمن من مدينة الموصل، لحسم انتزاع عاصمة تنظيم «الدولة» في العراق، ولتكون الضربة القاصمة في انهاء وجود التنظيم في المدن العراقية الكبيرة. وبدأت القوات العراقية وطيران التحالف الاستعدادات من خلال شن الهجمات الجوية المركزة والقصف بالمدفعية الذكية لمواقع تواجد عناصر التنظيم الذي يجعل سكان الجانب الأيمن من المدينة، دروعا بشرية يتخفى بينهم، وسط جرائم وحشية يواصل ارتكابها ضد السكان لخلق الرعب لديهم ومنع أي مقاومة من الداخل أو محاولة للفرار من المدينة. ومع استمرار القوات العراقية والحكومة المحلية في ترتيبات اعادة الخدمات في الجانب الأيسر المحرر من المدينة واعادة السكان النازحين، فلا زال الوضع محفوفا بالمخاطر بسبب استمرار التنظيم في قصف المناطق المحررة بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، اضافة إلى تدخلات قوى سياسية من كتل في التحالف الوطني مدعومة من بعض نواب الموصل الحلفاء بهدف السيطرة على المدينة ولمنع ظهور قوة محلية تحضى بدعم السكان، حيث نجحت تلك التدخلات في صدور قرار من القيادة العسكرية بسحب قوة «حرس نينوى» التي يقودها محافظ نينوى المقال اثيل النجيفي والتي شاركت في عملية تحرير مناطق متعددة من المحافظة وابعادها إلى خارج مدينة الموصل.
وتتواصل تحركات القوى السياسية المتحكمة بأوضاع عراق ما بعد 2003 لغرض المحافظة على مواقعها وامتيازاتها لمرحلة ما بعد تنظيم «الدولة» واستعدادا للانتخابات التي سيلجأ فيها المتصارعون إلى كل الوسائل لتحقيق أهدافهم.
مصطفى العبيدي