صندوق النقد الدولي بين أمريكا ومصر

حجم الخط
14

قدّم صندوق النقد الدولي، في يوم واحد، مثالين فاضحين على وجود ساعتين لقياس الزمن، واحدة لدول العالم التي يفترسها الفقر والاستبداد والفساد، وأخرى لأمريكا وحدها التي تنحني لاجلها المعادلات الاقتصادية «العلمية» التي سنّها هذا الصندوق وأصر على تطبيقها بدون أي هوادة أو رحمة لعشرات السنين على الدول الأخرى ولصالح أمريكا وحلفائها وليس لأحد آخر.
ففي سابقة تاريخية، انتابت مسؤولي صندوق النقد موجة تفكير عاطفية مفاجئة بالفقراء الأمريكيين الذين حرمتهم القوانين التي فرضتها رأسمالية بلادهم وظائفهم في قطاعات الصلب ومعامل السيارات، وفي تصريح لناطقه الرسمي جيري رايس اعتبر الصندوق أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة على برنامجه الداعي إلى الحمائية يثبت الحاجة إلى مزيد من الاهتمام بعواقب العولمة والتجارة الدولية.
وحسب كلمات المتحدث فقد صار واجباً الآن «ايلاء مزيد من الاهتمام لمعالجة عواقب التجارة الدولية لحماية مصالح الذين يشعرون انهم مهملون» مضيفا أن العولمة يفترض أن تفيد «الجميع» أكثر مما هو حاصل حاليا.
الواضح أن هذا التصريح الصحيح هدفه إعطاء مصداقية للشعارات التي طرحها ترامب أكثر من كونه تعاطفاً مع من أضرت العولمة بمصالحهم، ففي اليوم التالي على تصريح رايس كان الصندوق الدولي يتدارس دفع شريحة أولى من قرض للحكومة المصرية بعد التأكد من تنفيذها شروطه المعروفة وبينها رفع الدعم عن السلع الرئيسية الذي سيتأذى منه ملايين المصريين.
الفضيحة بين هذين المثالين تكمن طبعاً في معرفة من يسيّر «الثالوث المقدس» المؤلف من صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وكذلك يسيّر الاقتصاد العالمي، وهذا كفيل وحده بتفنيد تصريحات الصندوق وترامب نفسه.
تأسس صندوق النقد والبنك الدولي عام 1944 خلال مؤتمر لقوات التحالف الدولية المنتصرة في (وبشكل رئيسي أمريكا وبريطانيا) التي اسست شكل حكم اقتصاد العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استغل الصندوق والبنك الدوليان أزمة البلدان الفقيرة عام 1982 لتطبيق سياسة حادة عبر (برامج التعديل البنيوي) بحيث صارا يتحكمان بكل جوانب الحياة الاقتصادية في تلك البلدان.
تنتج الدول الغنية 80٪ من السلع في العالم، وتسيطر على 70٪ من التجارة الدولية وهي الممول لـ70 إلى 90٪ من الاستثمارات العالمية، وهذا يعني، باختصار، أن هذه الدول هي التي تفرض على البلدان الأضعف منها فتح أسواقها لمنتجاتها، وهي التي تمنعها من اتخاذ اجراءات تحمي سلعها ومنتجاتها والسلع الأساسية التي يستهلكها مواطنوها.
وبسبب هذا الواقع فإن منظمة التجارة العالمية تفرض عمليا قوانين وسياسات للتجارة العالمية تدعم العولمة وفتح الأسواق لصالح المنتجات والسلع التي تكون فيها تلك الدول الغنية مستفيدة وليس العكس (النفط والمطاط والبن مثلا).
جيش الأيديولوجيين الرديف للمؤسسات المذكورة ينافح عن هذه السياسات متجاهلاً حقائق صلبة منها على سبيل المثال أن كوريا الجنوبية بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي اتبعت سياسة دعم وتمويل من الدولة للصناعات الثقيلة، وحماية قانونية لمنتجاتها كما أنها كانت تسيطر بشكل كامل على حركة النقد الأجنبي (كان التلاعب بسعر النقد الأجنبي يعاقب بالموت) وكان صندوقها للعملة الصعبة يستخدم بالتحديد في استيراد الآلات المهمة والمنتجات الصناعية.
الدرس الذي قدّمته أيضا دول مثل اليابان والصين أن النجاح في التصدير لا يحتاج إلى تجارة حرة، وأن القوانين الحمائية ليس هدفها حماية الصناعات المحلية من المنافسة العالمية للأبد بل اعطاءها وقتا لاستيعاب التقنيات الجديدة وتأسيس قدراتها التنظيمية لتصبح قادرة على المنافسة عالميا.
وعلى عكس الأسطورة التي يعلفنا بها أيديولوجيو الصندوق والبنك الدوليين (إضافة إلى اقتصاديي الحكومات العربية المستبدة) فإن الدول التي نشأت فيها مقولتا التجارة الحرة والسوق المفتوحة، وعلى رأسها أمريكا (التي يلوم رئيسها المستجد ومواطنون فيها التجارة الحرة!) أصبحت دولا غنية بسبب استخدامها صيغاً تخالف نظريات الليبرالية الجديدة، ولأنها، لمرات عديدة في تاريخها، فرضت سياسات وقوانين حمائية ودعم لصناعاتها، وهو بالضبط ما يسعى ترامب حالياً لفعله.
السؤال الذي يساوي ثقله ذهبا هو: لماذا لا تنصح الدول الغنية تلك الفقيرة باتباع السياسات التي أوصلتها إلى هذا الغنى والعظمة وتصرّ على اختراع تاريخ وهمي حول أسس نجاح الدول؟
تعاطف صندوق النقد الدولي مع استغلال ترامب الملياردير لمشاكل الأمريكيين واشتراكه مع حكومة القاهرة في افتراس المصريين مسخرة ما بعدها مسخرة.

صندوق النقد الدولي بين أمريكا ومصر

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م . حسن .:

    منظمة التجارة الدولية , الذراع الخامسة للأمم المتحدة , وظيفتها حماية إستثمارات الشركات المتعددة الجنسيات في البلدان الفقيرة , في حالة وجود خلاف بين الجانبين حقيقي أو وهمي , يتم اللجوء الي عمليات تحكيم دولي , كما حدث بين مصر وشركات غاز في المتوسط , يتولي عمليات التحكيم قضاة يتم تعينهم غالبا من داخل الشركات المتعددة الجنسيات نفسها ولكن بطريقة مستترة , وفي معظم الحالات يصدر هؤلاء القضاة أحكام بتعويضات بمليارات الدولارات علي الدول النامية , لتقييد قدرتها علي التصرف في موارها الطبيعية .

  2. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    لتوازن النقاش قليلا, هذه المؤسسات الدولية لاتقدم خدمات خيرية أو مجانية, هي تقرض المال لمن في حاجة إليه من الدول, وكباقي الأبناك تشترط ضمانات كي تسترد أموالها مستقبلا, ولكي تؤهل للإقتراض تشترط عليك شروطا ,تجبرك على إتخاد خطوات (قاسية في حق الطبقة الضعيفة) منها تقليص دعم الدولة لكل ماهو مدعم, أكانت مواد غذائية , محروقات , أو أي شيء آخر مدعم. لماذا ؟ لكي تقتصد الدولة وتدخر هذه الأموال لأشياء أخرى, أو لتدفع منها من الدين الذي عليها , ( هذا بحسب ماتفق عليه ).
    المشكل نجده في الدولة الْمُقْتَرَضَة, فهي تماما كمثل إنسان عادي يقصد بنكا ساعيا لقروض لغاية تخصه. الخطأ في الدولة التي تتسول هذه القروض, لو حكومات هذه الدول أنجزت فروضها كما يجب فلربما لن تكون هناك حاجة لهذه القروض التي تنسف إقتصادياتها وتغرق أجيالها القادمة في ديون لانهاية لها.
    مقولة قالها رئيس وزراء سويدي سابق ( يوران بيرشون ) عندما كانت السويد في أشد أزماتها خنقا فاقترضت من هذه الأبناك ( بالمناسبة, نفس الشروط طبقت عليها كذلك ) فقال قولة جميلة في مطلع كلمة له في البرلمان : ” من يرزح تحت رحمة الدائن فهو ليس حر “.
    الحكومات يمكنها فعل الكثير للتخفيف ( في حالة السويد , فضرائب ابتكرت على الميسورين , رفعوا من النسبة المئوية للضرائب عن العمل للفئات الميسورة حيث وصلت إلى 60% وما دونهم إلى 50% . والطبقة العاملة بقيت في حدود 30% .
    بعد مرور الأزمة وتحرك الإقتصاد فالعامل ذي الدخل البسيط اليوم لايدفع سوى 10%.
    دون الظهور بالمدافع عن هذه الأبناك ( الإنتهازية ) فالمسؤولية أولا وأخيرا على الحكومات التي تنهب أموال شعوبها مايضطرها لبسط يديها لهذه الأبناك , طبيعي أن تشترط عليهم ماتشاء كي تؤمن أموالها.

  3. يقول ويكليكس العرب0 ايلياء:

    بنت احدى العائلات السالفة الذكر 10 مدن فى الكيان على نفقتها الخاصة وعندما عرض قادة الكيان على تلك العائلة اطلاق اسمها على احدى المدن فرفضت باصرار وهددت بسحب تلك الاموال وذلك صونا للسرية فاطلقت اسماء نساء تلك العائلة على المدن 0 كفار يونا بريدس حنا ونيس تسيونا0 واخريات كنا نسمع قبل عدة سنين ان ميزانية امريكا 3 ترليون دولار واصبحنا نسمع قريبا اعداد الامريكان 15 ترليون طبعا الفارق اقساط ديون وفوائد فلكية لبنك روتشيلد وقد اعلن ترامب بحملته عن الترليونات مديونية امركا والسعودية اليونان مديون بكل ثرواته 30 عام قادمة مما دفع البابا الفاتيكان الى نصيحة للغرب فى سبيل التخلص من ازمته باتباع النظام الاقتصادى الاسلامى لسبب بسيط وهومحاربته الربى وعدم اعترافه الا براس المال فى الديون قال ترامب فى حملته سوف يعيد لامريكا عظمتها وصناعتها والعدل بالتوزيع ومحاربة الفقر على ماذا اعتمد؟ هل فقط على ثروته؟ انه يعرف اين مجمع الكنوز الذى يفوق قراون بالف ضعف فلو وزعت ثروتهم على اهل الارض بابسط الحسابات يصل كل مولود فى هذه اللحظة والثانية فوق المليون دولار طبعا كل قارئ يستهجن الضعيف روتشيلد قبل سنوات اعلن عن ثروته 550 ترليون دولار وقها قال خبراء الاقتصاد انها تعادل نصف ثروات الارض لو قامت مئة دولة بحجم امريكا على المشاريع الصهيونية فى فلسطين لافلست من مستوطنات بحجم المدن وعدة جدارات لمئات الكيلومترات وجسور معلقة وانفاق وشوارع بعرض 50 متر مضافا لها ارصفة مخضرة ومشجرة بعرض 10 متر من كل جانب وان ارادوا بناء مخزن عادى يحفروا بالصخر اسورة مسلحة لتحميه من القنبلة النووية التى ليس لها وجود الا فى رؤوسهم اما مصر فانها اغنى بلاد العالم على الاطلاق وقد فرضت عليها كسوة الكعبة تاريخيا بنيلها وحده اما اليوم مضاف له قناة السويس ودخلها 0 الاهرامات والساحة والصحراء والشواطئ المنقطعة المثيل 0 حقول البترول والغاز بالمتوسط والاحمر ودخولهم – 0 – ثلاث مئة وستون منجم ذهب سمعنا انها بكر ولا ادرى ان كانت كذلك حتى اليوم 0 مجتمع شاب ولا ادرى ان كانت ايابان تمتلك غيره والطامة الكبرى عندما اعلن مرسى عن انتاج غذائه ودوائه وسلاحه تنبه الصهاينة واين تذهب امبراطوريتهم ؟ فهو بامكانات مصر يستطيع ويبحثون عن من يشحدهم ويستجدوا منه فدبروا وبعثوا قناصين وحارقين بلورهات الجيش المصرى حيث نقلوا بطائرات صهيونية الى قاعدة الماظة الم

  4. يقول Abd-Elazim _ Egypt:

    الله_يخرب_بيتك_ياسيسي
    الله_يخرب_بيتك_ياسيسي

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية