■ «لا تقبروناش». توسل طفل يمني لم يتجاوز العاشرة في عام 2015 لأبيه وللأطباء. كان «فريد» على سرير المستشفى بعد إصابته بقذائف الحوثيين التي انهمرت على حيه في مدينة تعز. «لا تقبروناش». قالها فريد، لكنهم قبروه، معرضين عن توسلاته ووصيته.
«نأسف، خالفنا وصيتك، لا مناص من القبر يا فريد». قالها كاتب تقرير متلفز، وهو ينقل خبر وفاة فريد. الصورة أرجوانية، لا تزال تنز دماً مع نهاية عام 2015. الأرجواني كان اللون المميز لهذا العام، تضرجت به الخريطة الممتدة «من الشام لبغدان، ومن نجدٍ إلى يمنٍ، إلى مصر فتطوان»، كما قال شاعر عربي حالم.
تمتد الصورة كغيمة مجرحة، مضرجة بمطر أحمر، غيمة تسربلت بأصوات الرعود المقبلة من مآسي التاريخ. أنين كوني للخنساء ترثي رجلاً كان اسمه صخراً في نجد، وأصبح اسمه «فريداً» في تعز، وتحول إلى حمزة في درعا، وتبدد دمه بين قبائل الروس والإيرانيين والأمريكيين وغساسنة الشام ومناذرة العراق، وجماعات الحشاشين، وداست روحه سنابك الخيل المغيرة بين عبس وذبيان.
ذهبت في 2011 إلى مبنى الخارجية البريطانية وسط لندن، كنت على موعد مع أليستر بيرت، وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حينها. دخلت، فباشرني بالسؤال: محمد، هل تعتقد أنه سيرحل؟ ضحكت، وقلت: جئت لأسألك لا لتسألني يا سيد بيرت؟ ودار الحوار بيننا، ونشر في حينه. كانت الصورة في صنعاء حافلة في 2011، وكانت الشوارع تضج بالهتاف، وكان الشعار الكبـــــير «ارحـــل» مدوياً، وكان الوزير البريطاني يسأل عن علي عبدالله صالح، هل سيرحل؟
ودارت الأيام، ولم يرحل علي عبدالله صالح، الذي انحنى لعواصف النار التي انسفحت من جسد التونسي محمد البوعزيزي لتحرق جسد النظام السياسي العربي، وأجزاء واسعة من خريطة بلاد ما بين المائين. لم يرحل صالح، رحل الذين طالبوا برحيله، وبقي شمشون يحدث قبيلته عن قدراته الهائلة في هدم المعبد على رؤوس المصلين، الذين حدثهم أنه هدمه لأجلهم، في حين أنه هدمه لأجل عيني محبوبته.
وفي 2015 المشهد مختلف. صورة شوارع صنعاء مقفرة، بعد أن حولتها الضغائن السياسية والحرب إلى مدينة أشباح، تعوي فيها كلاب الحارات المشردة، وتأكل شاة جائعة ما تبقى من لوحة مرمية على قارعة الطريق عليها صورة لعبدالملك الحوثي.
في المشهد اليمني، ومع نهاية 2015 تظهر صورة لفتاة من عدن، خرجت تبحث عما يسد رمقها، وصلت البقالة، لم تستطع شراء ما تريد، لم تكفها النقود، انهارت على الأرض من الخوف والجوع والتعب، توسدت يديها ونامت. ومع نهاية العام، كانت هناك صورة مشابهة لعجوز سورية هجرت من بلدتها، توسدت أوجاعها ونامت، ربما كانت تلك العجوز السورية، هي الصبية اليمنية التي هرمت سريعاً بفعل ما رأته من أهوال. في الأزمنة الصعبة يتماهي أصحاب المآسي، فتظهر صبية يمنية فقيرة في صورة عجوز سورية تلقي بأغراضها على قارعة الوهم، وتنام، قبل أن تواصل رحلتها جهة المجهول.
وفي 2008 التقيت الباحثة البريطانية شيلا ويلغ المختصة في الشأن اليمني في SOAS، وحدثتني شيلا عن محافظة صعدة، وجمالها، ورأيت صوراً بالغة الروعة أخذت لصعدة قبل أن يظهر فيها آية الله الحوثي بسنوات طويلة. لكن 2015 كان عاماً كارثياً على صعدة، التي تحولت إلى لغم كبير، ومنجم لإنتاج الأفكار المعلبة التي قتلت خيرة أبنائها في معارك ضد الحوثيين أو معهم. لا ينتهي 2015 إلا وقد قدم لنا صورا من التراجيديا السورية في حلب وحمص وإدلب، وغيرها، ولكن مع صورة لدراكولا السوري بشار الأسد مبتسماً على أنقاض بلاده التي سلمها للإيرانيين والروس ولحسن حزب الله.
البراميل المتفجرة التي ألقاها بشار على مدن حمص وحلب ستظل صورتها عالقة في ذاكرة العالم لقرون مقبلة، وستضيف هذه البراميل المدنَ التي ألقيت عليها، ستضيفها إلى قائمة المدن التي محيت من الخريطة بفعل الحروب والكوارث الطبيعية، ولا شك أن نيرون سيكون سعيداً بأن يفسح إلى جوار تمثاله مساحة لتماثيل أخرى، سيكتب عليه اسم بشار الأسد، قاسم سليماني، وحسن نصر الله.
عام 2015 لا يمر بدون أن تطالعنا قناتا: «المنار» التابعة لحزب إيران في لبنان، و»المسيرة» التابعة لجماعة إيران في اليمن، بسبق إعلامي يقدم لنا «أبطال الأقبية»، يرسلون فيديوهاتهم إلى هاتين القناتين متوعدين الإرهابيين والدواعش والتكفيريين وأمريكا وإسرائيل من بطون جبال صعدة وأقبية الضاحية الجنوبية في بيروت.
مشاهد تمتزج فيها قطرات الدم بالدمع والصراخ، والتهديد والشعارات، تتلطخ بها أرواحنا كل مساء، ونحن نقف أمام الشاشات التي يتفجر الدم من جنباتها مع صورة حسن نصر الله يهتف من قبوه «لبيك يا حسين»، وصورة تلميذه الحوثي من داخل الكهف يهتف «هيهات منا الذلة».
بغداد في 2015 غير بغداد عاصمة الرشيد، أصبحت بغداد عاصمة قاسم سليماني، أما مدن الرمادي والفلوجة والموصل، فقد عادت للوراء مع صور ميليشيات «الحشد الشعبي» الإيراني، القادمة من عصر «ثارات الحسين» للانتقام من أبناء تلك المدن النواصب الذين قتلوا «أبا عبدالله»، ومنعوا الماء عنه، مع صور تهجير الملايين منهم ليحل محلهم ملايين جاؤوا من بلاد ولي أمر المسلمين، علي خامنئي، «الولي الفقيه العادل»، على رأي حسن نصر الله.
لا ينتهي عام 2015 من دون أن تطل علينا صورة أمير المؤمنين، الخليفة أبوبكر البغدادي، متوعداً على طريقة حسن نصر الله، وقد سحب القرن الأول الهجري من جلبابه، ليسقطه على القرن الواحد والعشرين الميلادي، ومجبراً التاريخ على أن يغير مجراه إلى الوراء.
كل تلك الصور الفجائعية تسجلها لنا شاشات راعفة، قبل أن تصل إلى سيناء و»قاهرة المعز» وبنغازي وطرابلس، التي تغنينا عن مشاهدة صورها صور طالعناها من تعز وحلب، ذلك أن صورة صنعاء لا تختلف عن صورة بغداد أو دمشق أو طرابلس الغرب، أو صحراء سيناء.
المصور والمنتج والمخرج واحد وراء كل هذا المشهد العربي الحافل بمآسيه.
غير أن المشــهد لا يكتمل من دون أن يؤطره المنتجون بصورة موغلة في رمزيتها وقداستها وفجائعيتها وحزنها ومعانيها الكبيرة. صورة الطفل السوري الذي قتلته براميل بشار الأسد، والذي قال قبل ثوانٍ من موته: سأخبر الله بكل شي.
وداعاً 2015…هل ستخبر التاريخ بكل شيء؟
٭ كاتب يمني من اسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
د محمد جميح يا عربي الوجه واليد واللسان يا بكاءية عربية اصيلة كبيت شعر على مطلع معلقة هل غادر الشعراء من متردم ام هل عرفت الدار بعد توهم ! سيد جميح تنحشر الكلمات وتنقبر كالحزن في قبر اضلعي وتتجمع الصور التي عمق قلمك قسمات الحزن على وجنتها في ذاكرتي التي لن اتاسف ان تكون ذاكرة ثار من الظالمين لن تنضب لست بحاجة ان استدعي الكوفة او كربلاء او بغداد او القرن الاول يكفيني مدى نظري القصير لارى النار جيدا وانيشن على من اشعلها بيديه كلنا عرفنا ولكن يبقى السؤال العملاق لا ترجع الكلمات ارضا بل ازيز الرصاص وحكم الميدان والمغركة طويلة لن تلفظ انفاسها الا بعد ان يلفظ اخر ظالم انفاسه النجسة سواء تلك التي يلهث بها ككلب مسعور مملوء حقدا فيخطب عن ثار وجب اخذه من ضياء عينيه بدلا عن كل حمزة وفريد اعدك يا جميح ان لا يكفيني القلم فالقلم لا يفي للالم ولا صوت يعلو على صوت الرصاص
وزارة المستضعفين اقسمت ان لا تمحو من ذاكرتها وجه حمزة والافا مثله من غزة الى دمشق الى الغوطة الى حمص الى داريا وصنعاء القاتل هم اصحاب الفيل وليس اصحاب الحسين هم اصحاب فرعون وليسوا اصحاب المهدي هم من ملؤوها ظلما وجورا جريحة فلسطينية منشقة عن الجناح الشيعي من داعش وتلفت النظر الى الجسر الوثيق والرحم العتيق الذي يجمع بين الداعشتين انه الدم الحرام
د.جميح تحية عربية يملؤها الحب والمؤدة من مواطن جزائري يتألم مثلما يتألم المواطن اليمني الشقيق والعراقي والسوري والليبي وكل مواطن عربي مضطهد يعيش تحت ويلات نيران انظمته المتعفنة .
يا د. جميح انك فعلا الوجه العربي واليد العربية التي لا تكتب الا ما يوجد على الساحة العربية ولا سيما اليمنية وما يعاني منه المواطن اليمني المقهور.
في الصغر كنا نشاهد افلاما حربية قيل لنا انها حدث في زمن غابر ولكي نعرف التاريخ لا بد من مشاهدتها لكي نعلم ما حدث في ذلك الوقت .
في العصور الغابرة كانت اسباب قيام الحروب في العالم من الممكن ان نستوعب اسبابها ويتقبلها العقل وهي اسباب وحجج اعتمدت عليها بعض الدول القوية عدة وعتاد وراحت تعبث في العالم .لأن هذا الأخير كان متخلفا او طموحات بعض الدول للقفز عاليا على حساب البشرية والانسانية وبلوغ مصف التطور الخ…
باختصار عالم كان يفتقد الى كل المقايس بان يكون عالم متحضر في ذلك الوقت.
اليوم ونحن في الألفية الثالثة والقرن الشعرون ونظرا لما تحقق من تقدم وازدهار في العالم باسره فان وضع الحروب لم يتغير وزاد جنونا وامتدادا ومس كل فيئات الشعوب سواء غنية او فقيرة وراح بعيدا بتصرفاته اللآعقلانية وكأن هذا العالم لا يوجد به رجل راشد حكيم .تطورت فيه الاسلحة واصبحت تسمى اسلحة الدمار الشاملة واي معنى في ذلك ” دمار شامل” وهنا استطيع القول ليت تعود حروب القرون الماضية .
عالمنا اليوم اصبح ” مجنون “بجنون انظمته التي هي اسباب ما هو حاصل
بسبب أنظمته التي انسلخت وفقدت انسانيتها واخلاقها وكرامتها ولم يبق لها سوى
اصوات الرصاص التي اخت منها سنفونياتها المحببة لها لتسمعها كل صباح
عالم ” مجنون” اصبح يستهوي صور الأطفال الممزقة والمدفونة تحت الأنقاذ
صور الشيوخ والعجائز تموت تحت اسقفة بيوتها او تحت قباب المساجد .
عالم “مجنون ” ضرب عرض الحائط بكل مقدسات الانسانية والمحزن اكثر هو أن تشاهد العالم العربي والذي يدعي” الاسلام الحنيف” هو من ساهم اكثر في هذه الكارثة الانسانية – شعوب عربية لا ذنب لها الا انها قالت نريد عيش الحرية والكرامة فقط تقهر وتستعبد وتقتل وتسمك دماؤها في كل شبر من العالم العربي
-في القرن الماضي كان لنا نحن العرب قضية واحدة ولا بعدها ولا قبلها انها القضية الفلسطينية كنا نأمل ان تكون في طريق الحل سواء السلمي او بالحرب اذا اسلزم الأمر -ولكن الموازين انقلت ذهبت القضية الفلسطينية – وجاءت قضايا اخرى حجبت علينا ما كنا نسعى اليه لتحرير فلسطين.واصبح المواطن العربي المغلوب على امره يعيش كل يوم على وقع اصوات الطائرات والقتل والتقتيل والتشرد والمجاعة وغيرها من اسوأ الحياة البشرية كل هذا بسبب جنون هذا العالم المتخلف اقل المتخلف لأنه لم يتحضر ولم يزدهر ولم يبلغ اية درجة من التقدم مادام لم يحترم حق البشرية على وجه الأرض – نحن اليوم نعيش في غابة وحوش واي وحوش هي في جلود بشر.
لا فض فوك أخي العزيز والغالي على قلوبنا محمد جميح.. لقد تفوقت على نفسك في هذه المقالة الغاية في الروعة والتصوير الجميل للواقع المر التي يمر بها الوطن العربي عامة واليمن خاصة.. تحياتي من صنعاء
قلبت علينا يا أستاذ آلامنا ومواجعنا على ما يجري بمنطقتنا العربية المملوؤة بالمآسي والدماء وعلى العرب أن يستفيقوا بإطفاء هذه النيران قبل أن تمتد إليهم بأن يحصنوا بلدانهم أولا وقبل كل شيء بالعدل بين شعوبهم ويهبوا لنجدة ومساعدة إخوانهم المستضعفين في سوريا والعراق واليمن والأحواز ضد قوى البغي والجور والإستكبار.