«تلقينا طعنة في الظهر» قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول تعليق له على إسقاط طائرة السوخوي المقاتلة فوق جبل التركمان السوري قرب الحدود التركية، وتوعد بـ»عواقب وخيمة». قد يكون التعبير خان بوتين ليقول «في الظهر» لكنه أصاب بوصف ما حدث بالطعنة، بالنظر إلى أنها أول ضربة عسكرية تتلقاها روسيا من دولة عضو في حلف شمال الأطلسي منذ خمسين عاماً. ولم يلق التدخل الروسي في سوريا، المستمر منذ شهرين، أي اعتراض جدي من الحلف المذكور، بل ذهب الأمريكيون إلى تنسيق غاراتهم الجوية على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش، في الشمال الشرقي، مع موسكو لتفادي أي اصطدام بين طائرات الطرفين في الأجواء السورية. وكذا فعلت روسيا مع كل من إسرائيل والأردن في الجنوب، إضافة إلى غرفة عمليات استخبارية مشتركة في بغداد مع العراق وإيران، لتصبح الأجواء السورية ملكاً حصرياً للطيران الحربي الروسي، فينسق معه الآخرون لضرب أهدافهم الخاصة. تركيا هي الدولة الوحيدة المجاورة لسوريا التي لم تنسق مع الروس، لأن طيرانها لا يقوم بعمليات فوق سوريا إلا في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على داعش. وفي هذا الإطار لم يقم الطيران التركي إلا بغارات محدودة منذ شهر تموز، بعد التوافق مع واشنطن على فتح قاعدة إنجرليك الجوية لطيران التحالف.
لكن تطوراً مهماً حدث، في الأسبوع الماضي، حين قام مقاتلون تدعمهم تركيا بتحرير قريتين شمال حلب من داعش بالاستفادة من تغطية وفرتها لهم المقاتلات التركية والأمريكية. هذا يعني، من وجهة نظر موسكو، تمدداً تركياً على حسابها أثار امتعاض بوتين. وكان رده سريعاً في جبهة أخرى، تمثل في قصف جوي مكثف على جبل التركمان، في الشمال الغربي، مكّن قوات نظام بشار الكيماوي والميليشيات الحليفة له من تحقيق تقدم ملموس على حساب القوات التركمانية والفصائل الأخرى المتواجدة في المنطقة.
تعاملت تركيا مع هذا الهجوم على جبل التركمان كما لو كان من مفردات أمنها القومي، وقال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو إن بلاده لن تسكت على القصف الروسي للقرى التركمانية. هذه هي الخلفيات الحقيقية لإسقاط طائرة السوخوي من قبل صواريخ طائرات F16 التركية قرب الحدود، بعيداً عن التسويغ الذي استندت إليه أنقرة من «اختراق الطائرة الروسية للأجواء التركية لمدة 17 ثانية»! مع أن الأتراك يعرفون أن الطائرات الروسية لا تشكل خطراً على أمنهم القومي، فهي لا تستهدف أي مواقع داخل الحدود التركية، فضلاً عن أنه ليس أول اختراق روسي للأجواء التركية. فمنذ الأسبوع الأول لبداية الحرب الجوية الروسية على سوريا تحرشت الطائرات الروسية أكثر من مرة بالحدود وبدوريات الطيران التركي، الأمر الذي دفع أنقرة إلى استدعاء السفير الروسي لديها وتوجيه احتجاج رسمي.
هذه المرة، الوضع مختلف. فمن جهة أولى فاز الحزب الحاكم فوزاً صريحاً في الانتخابات العامة التي أجريت مطلع الشهر الحالي، وبات قادراً على تشكيل الحكومة الجديدة بمفرده. وقد تشكلت فعلاً في اليوم نفسه الذي تم إسقاط الطائرة الروسية فيه. واستعاد الرئيس أردوغان سيطرته على المشهد السياسي الداخلي بعد أشهر من عدم الاستقرار السياسي. وبات بمقدوره اتخاذ قرارات كبيرة من غير أن يخشى انعكاس آثارها على التناقضات السياسية الداخلية.
ومن جهة ثانية، وهي الأهم من زاوية نظر المصالح الاستراتيجية لتركيا وأمنها القومي، خرج اجتماع فيينا حول المشكلة السورية، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، بتوافق اقليمي – دولي، طالما كان صعب المنال، حول خارطة طريق ملموسة، ومزودة بجدول زمني، لحل سياسي ينهي الصراع متعدد المستويات في سوريا. لكن خارطة الطريق هذه، بدلاً من أن تؤدي إلى تهدئة في وتيرة الصراع، كانت محكومة برفع حرارته، لأن الأطراف المتصارعة على الأرض السورية تريد جميعاً تحسين موقعها التفاوضي قبل الجلوس حول الطاولة، من خلال السعي إلى تعديل موازين القوى على الأرض.
هذا بالضبط ما جعل الأتراك يسارعون إلى البدء بتشكيل «المنطقة المحررة من داعش» في المساحة الفاصلة بين جرابلس وأعزاز، وبعمق يصل إلى بلدة مارع، بعدما وافق الأمريكيون على هذا المشروع. وكان الأتراك يضغطون على الإدارة الأمريكية، منذ بداية الضربات الجوية للتحالف الدولي على مواقع داعش في سوريا، لتشكيل منطقة آمنة أو منطقة حظر طيران في المساحة المذكورة، لإبعاد شبح احتلالها من قبل قوات حماية الشعب التابعة للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ـ حليف واشنطن الأرضي في حربها الجوية على داعش. وعاند الأمريكيون في رفضهم إقامة المنطقة الآمنة، إلى أن تم التوافق بين واشنطن وأنقرة على صيغة «المنطقة الخالية من داعش» على الحدود الجنوبية لتركيا ـ ريف حلب الشمالي، مقابل فتح قاعدة إنجرليك وقواعد جوية أخرى في تركيا لاستخدام طائرات التحالف التي تقصف مواقع داعش داخل سوريا.
السؤال السائد اليوم هو حول احتمالات الرد الروسي على تركيا بعد «الطعنة من الخلف» التي تلقاها بوتين. أو عن كنه «العواقب الوخيمة» التي هدد بها، وهل يحتمل أن تصل إلى اندلاع حرب؟
الواقع أن الروس يدركون أن تركيا لا تريد حرباً معهم، بل فقط وجهوا رسالة، وإن تكن مؤلمة، بصدد ما يعتبرونه دائرة مصالح أمنهم القومي في الشمال السوري، وبصدد ضمان حصتهم من أي حل سياسي للصراع في سوريا. ولن يريدها الروس أيضاً حرباً مع دولة عضو في الحلف الأطلسي، لا يمكن لحدود القوة الروسية تحمل تبعاتها. لكن موسكو تملك أدوات أخرى، دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، لمعاقبة أنقرة و»مكاسرتها» في صراع الإرادات. وقد بدأت بواكير الرد الروسي على الفور، فتم إلغاء زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أنقرة التي كانت مقررة الأربعاء، وتعليق الاتصالات العسكرية بين جيشي البلدين. وطلب بوتين من السواح الروس إلغاء رحلاتهم إلى تركيا، وأوقفت روسيا استيرادها للدجاج من تركيا، وبلغ حجمها السنوي 23 مليون دولار. وتخشى تركيا أن توقف موسكو تزويدها بالغاز، مع العلم أن تدفئة المنازل تعتمد إلى حد كبير على الغاز الروسي.
إلى ذلك قررت موسكو نقل بطاريات صواريخ دفاع جوي من نوع S400 إلى مطار حميميم في اللاذقية، وهي الأكثر تطوراً في الترسانة الروسية. كما قررت إرسال حاملة الطائرات «موسكو» إلى المتوسط قريباً من الشواطئ المشتركة السورية ـ التركية.
يبقى أنه من المحتمل أن يلجأ بوتين أيضاً إلى لي ذراع تركيا أكثر عن طريق تحريك «قوات حماية الشعب» الكردية لإفشال مشروع التمدد التركي شمالي حلب.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
اللهم انصر السيد رجب طيب اردوغان نصرا عظيما على أعداءه ….وما أكثرهم ! وكن له اللهم دائماً ولياً ونصيرا. فمن ينصره الله فلا غالب له.
والله المستعان !
لا أعتقد أنها كانت مجرد طعنة في الظهر, لقد كانت طعنة في العقب – من الأسفل- أي خازوق تركي بامتياز.
جاهل من يعتقد ان تركيا جاده في مواجهة روسيا
فتركيا تعرف قدراتها مقارنة مع قدرات روسيا. لو
كانت تركيا واثقه من قدراتها لما استنجدت بالناتو
محاولة جعل موضوع اسقاط الطاىره من موضوعات
الناتو. بوتين عمل مع جهاز المخابرات الروسي ويعرف
خفايا الامور وهو يعرف كيف يتصرف. القادم من
الايام ستظهر نتاىج الرد الروسي.