دمشق – «القدس العربي» : انتهت تجربة «خفض التصعيد» التي آتت أكلها على حساب الثورة السورية، بعد ان وظفتها روسيا لخدمة النظام السوري، في مناطق رئيسية عدة مثلت اهم معاقل المعارضة المسلحة، بدءاً من درعا جنوبي سوريا مروراً ببلدات جنوب دمشق وريف دمشق الشرقي «الغوطة الشرقية»، وصولاً الى ريف حمص الشمالي وإدلب، على أن تكون روسيا ضامناً للاتفاق، واثمرت التجربة في قلب موازين القوى على الأرض بعد الاتفاق على تجميد الجبهات، الامر الذي أفسح الطريق امام النظام السوري لاستعادة السيطرة على مساحات شاسعة كان يحسب حسابها ويعد لها ترسانة عسكرية ضخمة.
وفي هذا الإطار قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف امس الثلاثاء «إن إقامة المزيد من مناطق عدم التصعيد في سوريا ليس أولوية في الوقت الحالي» زاعماً تعهد بلاده بوقف اطلاق النار في الغوطة الشرقية حيث قال للصحافيين «إن من المهم منع انتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، وهو أمر يعتزم تناوله مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الذي يزور موسكو».
كما انه ليس هناك ما يشير الى اهتمام امريكي حقيقي بالواقع السوري، بقدر ما هو مراقبة عن بعد للمستنقع الروسي الإيراني في سوريا، بيد انه لا مانع من إخطارات البيت الأبيض لروسيا بين الحين والآخر، حيث حذرت واشنطن من انها ما زالت مستعدة للتحرك إذا تعين عليها ذلك في حالة تقاعس مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ إجراء بشأن سوريا، فيما نقلت وكالة الإعلام الروسية امس الثلاثاء عن فاليري جيراسيموف رئيس الأركان قوله ان بلاده سترد على أي ضربة أمريكية على سوريا وستستهدف أي صواريخ ومنصات إطلاق تشارك في مثل هذا الهجوم، ونقلت الوكالة عن جيراسيموف قوله إن موسكو سترد إذا تعرضت أرواح الجنود الروس في سوريا للخطر.
وبالرغم من مرور اكثر من 20 يوماً على الحملة الدموية على الغوطة الشرقية ودخولها اسبوعها الرابع، دعت الولايات المتحدة مجلس الأمن أخيراً، إلى المطالبة بوقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً في دمشق والغوطة الشرقية، فيما كانت روسيا قد صرحت بأن «وقف القتال الذي طلبته الأمم المتحدة لا ينطبق على المقاتلين في الغوطة الشرقية.
تهجير جديد
في غضون ذلك انتهت امس الثلاثاء عملية تهجير مدنيي ومقاتلي حي «القدم» جنوب العاصمة دمشق، الذي يعيش هدنة مع النظام السوري بالرغم من حصاره منذ عام 2012، وأفادت مصادر أهلية لـ»القدس العربي» أن قوافل المهجرين التي خرجت من حي القدم برفقة سيارات الهلال الأحمر السوري، تضم أربعين حافلة، تقل قرابة 1800 شخص من مقاتلي المعارضة والمدنيين، الذين رفضوا مصالحة النظام والتسوية، وقد وصلت الى الشمال السوري.
حي القدم الذي يخضع لحصار من قبل نظام الأسد منذ أكثر من خمس سنوات، تم عزله عن باقي بلدات جنوبي دمشق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، بعد دخول تنظيم الدولة الى مخيم اليرموك وحي العسالي والحجر الأسود منذ سنوات.
وذكرت وسائل إعلام موالية أنه تنفيذاً لاتفاق سابق بين النظام السوري وفصائل المعارضة في حي القدم جنوبي دمشق، خرج عدد من الحافلات الكبيرة ترافقها حافلات صغيرة تحمل على متنها أكثر من 1000 شخص بينهم أكثر من 300 مسلح من «أجناد الشام» والباقي أفراد أسرهم من الحي باتجاه محافظة إدلب، وتحدثت المصادر عن بسط قوات النظام سيطرتها على النقاط الأربع التي تمتد من جنوبي «الحجر الأسود» وصولاً إلى جنوبي منطقة العسالي.
إجلاء 35 مريضاً
وبالتوازي مع تهجير حي القدم، ابرم جيش الإسلام اتفاقاً مع روسيا يقضي بإجلاء 35 مريضاً من أهالي الغوطة الشرقية مقابل اطلاق سراح مجموعة أسرى للنظام من سجون جيش الإسلام، وبناء عليه أجلت منظمة «الهلال الأحمر السوري» الثلاثاء 35 مريضاً مدنياً من أهالي الغوطة الشرقية لدمشق لتلقي العلاج ضمن مشافي العاصمة، وأعلن محمد علوش، المسؤول السياسي لدى «جيش الإسلام» أنه تم التوصل إلى تفاهم مع النظام عبر بعثة للأمم المتحدة في سوريا، للسماح بخروج الجرحى من الغوطة، مقابل إطلاق سراح أسرى للنظام في سجون «جيش الإسلام»، واتى ذلك بعد ان اعلن «جيش الإسلام» توصله إلى اتفاق مع روسيا يقضي بخروج مرضى وجرحى من الغوطة الشرقية لتلقي العلاج على دفعات، بسبب ظروف «الحرب» والحصار ومنع إدخال الأدوية واستهداف المشافي والنقاط الطبية منذ ست سنوات.
ونفى المتحدث باسم هيئة «جيش الإسلام» حمزة بيرقدار الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري وروجت لها، عن قيام جيش الإسلام بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد وروسيا بخصوص إخراج مقاتليه من الغوطة الشرقية او اخراج الاسلحة الثقيلة، مضيفاً «لا عقيدتنا ولا ثوريتنا، تسمح ببيع دماء المجاهدين الذين حرروا أرجاء الغوطة»، مؤكدا ان «جيش الإسلام باق في الغوطة الشرقية».
ميدانياً
يواصل النظام السوري بدعم وغطاء روسي ومساندة الميليشيات الإيرانية توغله في عمق الغوطة الشرقية التي قسمت الى ثلاثة أجزاء رئيسية، عقب عزل «دوما» وحرستا» اكبر مدينتين شرقي العاصمة عن بعضهما إضافة الى محاصرة القطاع الأوسط الذي يضم نحو 17 بلدة وفصله عن القسم الشمالي للغوطة الذي يمثل مدينة «دوما».
كما قتل 7 مدنيين وأصيب العشرات في إحصائية أولية جراء غارات جوية للمقاتلات الحربية الروسية والسورية على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، حيث قتل 4 مدنيين في مدينة سقبا عقب هجمات جوية وقصف صاروخي على المنطقة. وذكر مصدر من الدفاع المدني السوري لـ»القدس العربي» ان كلاً من سقبا وجسرين وحمورية ودوما وعين ترما وزملكا تعرضت لقصف عنيف اسفر عن ضحايا وعالقين تحت الأنقاض فضلاً عن الدمار الواسع، فيما تجاوز عدد القذائف المدفعية الـ 50 قذيفة، كما انتشلت فرق الدفاع جثث الأطفال والضحايا من تحت الأنقاض في مدينة سقبا، وأُصيب عدد من المدنيين يوم الثلاثاء بقصف بالقنابل العنقودية، على مدينة كفربطنا، وتعرضت مدينة عربين لغارات جوية، تسببت بدمار كبير في الأبنية السكنية والمراكز الخدمية.
مقتل 1201 مدني
وقالت مديرية صحة ريف دمشق إن 1201 مدني قتلوا وأصيب 8804 آخرون بجروح متفاوتة خلال ثلاثة أسابيع من حملة قوات النظام السوري المدعومة من روسيا على مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية، وأوضحت المديرية في بيان اطلعت عليه «سمارت» الثلاثاء، أن عدد القتلى الأطفال بلغ 209 فيما قتلت 213 امرأة، مشيرة الى ان عدد العمليات الجراحية خلال الفترة بين 19 شباط و12 آذار بلغ 2231 عملية، معظمها جراحات عظمية وعامة، فيما بلغ عدد حالات الاستشفاء 894 وحالات العناية 631 حالة. وأشارت المديرية إلى مقتل طبيبين وأربعة ممرضين ومسعفين بينهم امرأة جراء استهداف المشافي والنقاط الطبية المتواجدة في المنطقة.
وقال المنسق الأمم المتحدة المقيم في سوريا علي الزعتري، امس الثلاثاء، إنه من المتوقع إجلاء مدنيين من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، منهم حالات صحية خاصة، وفق وكالة رويترز، ودعت الأمم المتحدة الاثنين دعوتها جميع الأطراف المعنية بالصراع في سوريا، إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2401 المتعلق بوقف القتال، وفرض هدنة مدتها 30 يوماً، لإيصال المساعدات الإنسانية، ولفت الأمين العام إلى «ضرورة أن يكون إجلاء المرضى والجرحى أمراً ممكناً، وأن يكون رفع الحصار وتسريع العمل الإنساني ممكنين».
الأسوأ على أطفال سوريا
فيما نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية، تقريراً لمارتن شلوف بعنوان «خائفون داخل بيوتهم وخارجها – 2017 أسوأ عام على أطفال سوريا»، حسب يونيسف، وذكر التقرير: «إن أطفال سوريا الذين نشأوا خلال الحرب يعانون من الإصابات الجسدية، ومن سوء التغذية فضلاً عن الصدمات النفسية، مشيراً إلى أنه «لا يبدو هناك أي بارقة أمل لتحسن أحوالهم».
وأضاف أن «جيلاً من الأطفال السوريين يواجهون اضطرابات نفسية، ومعرضون للخطر أكثر من وقت مضى، لاسيما مع مقتل عدد من الأطفال هو الأعلى على الإطلاق في عام 2017، بنسبة تزيد عن 50 في المئة عان عام 2016». وأشار إلى «تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أكد أن عام 2017 هو أسوأ عام على شباب سوريا، مع اقتراب النزاع من بدء عامه الثامن، ونقل كاتب التقرير عن «خيرت كابالاري» المدير الإقليمي للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قوله إن «أطفال سوريا يعانون من الندوب الداخلية والخارجية التي لن تزول». وقالت المنظمة إن نصف عدد النازحين السوريين البالغ عددهم 6.1 مليون نازح داخل سوريا هم من الأطفال، مضيفة أن أحدث الإحصائيات تشير إلى أن نحو 6550 شخصاً ينزحون يومياً في سوريا.
هبة محمد
النظام والروس ارادوا من مناطق تخفيض الصعيد الاستفراد بكل جبهة على حدة وانهائها من خلال الزج بجنوده على تلك الجبهة ومن ثم الانتقال الى اخرى. لقد كان ذلك تكتيك عسكري نجح فيه نظام الطاغية وحلفائه شركائه في جرائمة