نواكشوط – عالي الدمين: يواجه طلاب «جامعة نواكشوط» في موريتانيا مشاكلَ بنيوية عديدة، يصعُب معها ممارسة عمليّة للتحصيل العلميّ على أكمل وجه. هذه المشكلات تتراكم اليوم في واقع الطلاب الذين يدرسون في جامعة شبه مركزية. فإلى اليوم، وبعد تأسيس «جامعة نواكشوط» في العام 1981، في ظلّ الدولة الوطنية الستينية الجديدة، حديثة الاستقلال، لاتزال هي الجامعة الوحيدة الرسمية الموجودة. يترتّب على تلك المركزية شبه المكتملة ما يترتبُ من تأثيرات سلبيّة عامّة، تثبتُ النقص الكبير على مستوى التعليم العام من حيث رداءة الخدمات المُقدّمة للطلاب وجدوى المناهج، وتأثيرها على الجيل القادم إلى سوق العمل.
وفي الآونة الأخيرة قامت الحكومة بنقل بعض كليّات الجامعة (ثلاث كليّات) إلى خارج الوسط المدينيّ الحيّ بعدة كيلوميترات. وهذا ما يعدّ اكبر مشكلات الطلاب، حيث يعيش بعضهم في محافظات بعيدة، ولا يمكنهم الانتقال للعيش في السكن الجامعي، أو استئجار غرف قريبة من المباني المستحدثة. وجاء هذا التحول الغامِض، في وقت بلغت فيه الخدمات الجامعيّة أوّج الرداءة. وذلك ما تجلّى كردة فعل مُضادة في الإضراب الطلابي الأخير الذي صعّد مستوى الاحتجاجات السلميّة بشكلٍ قويّ. ويطالب هذا الحراك الطلابي بحلّ المشكلات التي يعاني منها الطلاب، من خلال تحسين خدمات النقل والتقديمات الترفيهية، من مطعم جامعي وغيرها، والسّكن أساساً، وعلاج بعض القضايا المتعلقة بالمِنح الخارجيّة واخرى مرتبطة بالطّرّد التعسفيّ والمناهج التدريسيّة المُتبعة.
يقولُ الطالب بُدّاه عالي أن من «أهم المشاكل التي يواجهها طلاب نواكشوط بُعد المباني الجامعية الجديدة»، موضحاً ان المكان «يقع في الضاحية الشمالية للعاصمة على بعد أكثر من 10 كيلوميترات عن وسط المدينة. وعلى الرغم من هذه المسافة البعيدة إلاّ أن الجهات المشرفة على عملية الانتقال لم توفر على الأقل نصف العدد الكافي من الباصات لنقل حوالى 12000 طالب من مختلف أنحاء العاصمة نواكشوط».
ويشير عالي، الذي يعاني يومياً مع رفاقه من تكبد عناء المسافات، إلى أن «مسألة النقل معاناة يومية يكابدها الطلاب وناراً يكتوون بها مع بداية كل رحلة من وإلى المبنى الجامعي، بسبب الزحام الشديد والتدافع داخل الباصات، التي غالبا ما تتأخر عن الوصول في المواعيد المحددة لها أو لا تأتي أصلاً إلا بعد نداءات الإستغاثة التي يطلقها مئات الطلاب العالقين خارج المدينة آخر المساء».
اما الطالب حسن صالح فيؤكد أن «مشكلة النقل الجامعي حولت الجامعة إلى أرض صحراء. وهو أمر سيّء يحتّم على جميع الطلاب أن يمكثوا ساعات طويلة في انتظار باصاتهم»، موضحاً أن «نقل كليات الجامعة إلى مكان بعيد، ربما هدفه فصل الطلاب عما يحدث في واقع الدولة، لذلك ساقتهم بعيدا بعيداً».
الطالبة عائشة مصطفى ترى ان مشكلة المطعم، هي ايضاً مشكلة بنيوية في جامعة يرتادها طلاب من اماكن بعيدة، ولا توفر لهم الجامعة أبسط مقومات ما يحتاجونه، سواء من حيث الخدمات، لأن وجباته رديئة، أو من حيث السعة، فهو صُمّم ليسع 400 طالب فقط فيما العدد في الكليات الثلاث يزيد على 10000 طالب وطالبة».
وتشير الطالبة رياء الخطاط إلى «وجود تحديات مختلفة»، يواجهها الطلاب أولها «عدم توفر موارد البحث العلمي. إضافة إلى الافتقار للتقنيات التعليمية الحديثة ناهيك عن افتقار الطاقم التعليمي للتكوين الأكاديمي المفعّل. ومع صعوبة النقل يصبح التحدي أكبر والمعاناة أشدّ. ما جعل الأمر أشبه بمحاولة اشعال نارعلى ظهر سفينة في ريح عاصفة».
فواقع التعليم الجامعي، وفق رياء، «مُزرٍ والبنية التعليمية تعاني وتنزف»، مؤكدة أن ليس هناك منظومة تعليمية متراصة ومتماسكة. ويعاني التعليم من الفوضى، حيث يتم إنشاء المؤسسات التعليمية بشكل مفكك، اضافة إلى السيطرة على المناهج التربوية»، موضحة ان «الشرخ كبير في إدماج الطلاب»، داخل عملية تربوية متكاملة، «من دون أن ننسى مشكلة توجيه التخصصات التعسفي التي غالبا ما تؤدي إلى إنشاء جيل لايؤمن بما يدرس لكنه فقط يساير الوضع المفروض عليه»، وفق ما تقول.
يؤكدُ الطالب المطرود تعسفاً من الجامعة إثر الإضراب الأخير أحمد عبد الله ان ضعف الأداء الاقتصاديّ وتردّي الأوضاع الاجتماعية في موريتنيا، واداء الحكومة تجاهها، يشكل اهم عوائق التعليم العالي في البلد على النحو التالي من حيث الصعيد الخدماتي: مشكلة المنحة؛ مشكلة السّكن؛ مشكلة النقل؛ بُعد الخدمة الجامعية عن الطالب؛ مشكلة الحصول على المذكرات؛ غياب التأمين الصحيّ؛ مشكلة المطعم الجامعي؛ ومشكلة عدم وجود مكتبة عامة يستفيد منها الطلاب في البحث العلمي».
يكاد الإجماع اليوم يحصل بين طلبة جامعة نواكشوط على سوء وضع حال جامعتهم، من حيث الخدمات التعليميّة المُقدّمة. ففضلاً عن المشاكل التي عُرضت أعلاه، هنالك مشاكل أخرى كثيرة، لاتنتهي عند ولاءات المؤسسة التقليديّة النافذة، والفساد الإداريّ الجمّ، وسلطوية الإدارة، والتحرش الجنسيّ. يحصلُ ذلك كله في سياقٍ عامّ، تعاني فيه المؤسّسات الرسميّة التابعة للدولة بجميع أنواعها فشلاً ذريعاً… وهاجس الطلاب لا يزال سؤاله مطروحاً: إلى متى سنبقى أسرى هذا التردي؟