طلع البدر عليهم… وطلع بوتين علينا!

حجم الخط
9

تهيّبت قبل أن أشاهد تسجيل الفيديو لفرقة الكورال الكندية مرحبة بأخوتنا من اللاجئين السوريين بنشيد «طلع البدر علينا».
النشيد الذي استقبَل به الأنصارُ في المدينة المنورة مهاجري مكة، وعلى رأسهم الرسول العربي الكريم محمد (ص) وصحبه. ذلك اللقاء بين المهاجرين والأنصار الذي كان له ما بعده، فغيّر تاريخ العرب والبشرية، إذ احتضن رسالة كان سر نجاحها ووقودها العدل والإنصاف الاجتماعي والرحمة. فرأى المظلومون في الأرض بها ملاذهم، والمستعبدون حريتهم، والضعفاء قوتهم، وفي الآية الكريمة» يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، أن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». وفي حديث مرفوع أن الرسول (ص) قال: «يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بتقوى الله».
كان هذا الموقف الأممي الواضح كلمة السر في انتشار الرسالة الجديدة، حتى أن ملايين من البشر تبعوها بدون قتال، وفقط من خلال علاقات التجارة والمعاملة الإنسانية الحسنة، والنموذج الطيب الذي قدّمه حاملو الرسالة الجديدة.
هاجر الرسول وصحبه اتقاء لشر قادة قريش، الذين رفضوا التغيير والثورة الاجتماعية الجديدة، وأصرّوا على التمسك بامتيازاتهم والاستمرار بظلمهم وغيهم وغرورهم وتكبّرهم وعنادهم والاستئثار بخيرات الوطن، وهي الأسباب نفسها التي تدعو العرب في أيامنا هذه للهجرة هربا من الظالمين والمستبدين في بلدانهم.
بعد أكثر من أربعة عشر قرنا على الهجرة النبوية الشريفة، يهاجر العرب آلاف الكيلومترات هروبا من ظلم بني جلدتهم! نرى العرب هاربين نجاة بأرواحهم وأعراضهم خوفا من أبناء جلدتهم أكثر من خوفهم من الغزاة الخارجيين.
كنا عندما نسمع «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع» نذكرالتكافل الاجتماعي بين الثوار حاملي رسالة التغيير وحاضني ثورتهم من الأنصار، التكافل فرضه الأنصار على أنفسهم وهم مسرورون، هكذا كنا قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، وهذا لم يأت من فراغ، فقد كانت النخوة وإغاثة الملهوف حتى في الجاهلية من أهم صفات العربي الذي يتفاخر بها، ولها أصول، فواجبك كعربي حتى في الجاهلية حماية من يدخل إليك طالبا النجدة، حتى لو كان عدوّك، وإن لم تفعل يلحق بك العار، وهذه قوانين متعارف عليها في الشرع العربي حتى يومنا هذا في كثير من المناطق، خصوصا في البادية. وهي معروفة باسم «الطنابة»، فالطنيب له حقوق، وهو الملهوف يدخل بيتك طالبا الحماية، يمسك بحبل الخيمة الأساسي (الطنيب) ويقول «أنا طنيب عليك يا شيخ فلان». وحينئذ يصبح له حقوق الحماية والأمن على المضيف، مثل حقوق المهاجرين الذين يضمنون سلامتهم بعد دخول حدود دولة تحترم نفسها وتحترم المواثيق الدولية.
عندما تسمع فرقة كورال كندية تنشد طلع البدر علينا وبطريقتها، تصاب بالقشعريرة أولا، وتشكر كندا وشعبها ونظامها على هذه الأريحية، التي كان الحزب الليبرالي قد أعلن أنه سيقوم بها إذا ما فاز بالانتخابات، وقد فاز ونفذ وعده. تشعر بأن الإنسانية لا حدود لها، ولكنك تشعر بمزيد من المرارة والأسى، بل وتشعر بالمهانة والمذلة، فقد أصبحنا أمة تطرق كل باب لتستجير به من ظلم ذوي القربى.
كانت الحركة الصهيونية تعلن في الصحف حتى قبل سنوات قليلة عن استعدادها لنقل أي عربي فلسطيني من داخل مناطق 48 إلى كندا أو أستراليا، تتعهد بأن توفر له جواز سفر ومواطنة وعملا مضمونا، شرط أن يبيع لها ما يملكه في فلسطين وبأسعار مغرية، ولكن لم يستجب لهذه الدعوات أحد، ربما أفراد أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وتمسك الناس وما زالوا يتمسكون في وطنهم رغم الاحتلال وعنصريته وممارساته القمعية ومضايقاته اليومية التي لا تحصى، من المفجع أن ترى ملايين العرب يتركون كل شيء وراءهم في أوطانهم ليبحثوا عن ملاذ آمن في بلاد الآخرين، ومن العجيب وجود هذا العدد الكبير من البلدان الإسلامية التي انضمت إلى تحالف إسلامي واسع لمحاربة «الإرهاب»، ولكنها لا تشكل ملاذا آمنا للملهوفين من المسلمين، فلا هي تدعوهم إليها، ولا هم متحمسون للهجرة إليها، إلا الدول المحاذية والتي تستقبلهم اضطراريا.
«طلع البدر علينا» في كندا تقول الكثير الكثير من حيث لا يدري أو يدري من اقترحها لاستقبال الأخوة اللاجئين، هي مرهم على الجرح الملتهب، ولكنها صفعة وعار لكل عربي ومسلم كان سببا في هجرة أبناء جلدته.
وأنت ترى رئيس حكومة كندا يحتضن أطفال سوريا، وترى طلاب المدارس الكنديين والأوروبيين يحتضنون أطفال العرب والمسلمين، لا يسعك سوى القول «طلع البدر عليهم»، طلعت الرحمة والإنسانية والأممية على هذه الأمم، وصلتهم رسالة المهاجرين والأنصار، وصلتهم رسالة النخوة والرحمة وحماية الملهوف!
أما نحن فطلع علينا تجار الأوطان والطوائف والمذاهب والقبليات، وتجار القومجية والعنجهية والعناد والجشع، لنصبح غرباء في أوطاننا مطاردين مستنجدين على أبواب الأمم.
طلع البدر على كندا يا رسول الله، واختلط علينا الإرهاب بمحاربي الإرهاب! طلع علينا «داعش» بتخلفه ودمويته وجهله، وطلعت علينا من خلاله أصابع المخابرات الدولية مع كل ألوان العداء واللؤم، تحرّكه فيرتكب جرائمه حسب الطلبية، ليزداد الإسلام تشوّها واغترابا وبُؤسا!
طلع علينا الوحوش، وها هي أنيابهم تقطر دما، بعدما عجزوا عن البقاء في سلطانهم بقوى شبيحتهم، استقدموا الشبيح الدولي فلاديمير بوتين ليطلع علينا بطائراته وصواريخه وغواصاته وبدمويته وجرائمه باسم محاربة الإرهاب، لأن مصلحة روسيا كما يراها في بقاء نظام تقيأه شعبه، وبات مثارا لاشمئزاز كل من يملك ذرة من الإنسانية.

٭ كاتب فلسطيني

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شفاء النعيمي - كندا:

    مقال رائع …….جزاكم الله كل خير!
    اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل أنحاء المعمور. اللهم عليك بالطغاة الظالمين فانهم لا يعجزونك يا قوي ويا متين !
    وحسبنا الله ونعم الوكيل !

  2. يقول د. ، خليل كتانة- قائد كتائب مثقفي الشعراوية- طول كرم- فلسطين.:

    ( سؤال صد رد )

    هل هاجر تلك هم الاطفال. من ظلم بشار الاسد. أم من ظلم داعش وإخواتها؟ سؤال برسم الاجابة من قبل الكاتب الاديب. سهيل كيوان. معالجة الاسباب أنجع من معالجة النتائج ……………….. والوقاية خير من العلاج…………………؟؟؟؟؟؟؟؟

  3. يقول رياض حبيب:

    كلمات من ذهب، شكرًا لك أستاذ سهيل.

  4. يقول خالد، أمريكا:

    أكثر من ٦٠٪ من أهلنا السوريين لا يريدون تقيوء الدكتور القائد بشار حافظ الأسد يا أستاذ سهيل. على كلٍ هيا ننتظر الإنتخابات وعندها نعرف حجم من يريد إبتلاع الدكتورالقائد بشار حافظ الأسد ومن يرد لفظه كما تقول!! وسلام سلٌم!!

  5. يقول Samaher:

    جميل ما جدت به الكاتب سهيل ..حقيقه يلامس قلب القاريء عنوة …
    هذه المواقف حقا هي لمسه انسانيه مؤثره من جهة ومن جهة اخرى تمس الوجدان بوابل من المرارة والأسى ..بعدما كنا امة يحتذى بها بأننا خير امة اخرجت للناس تحمل دين التسامح والمحبه اصبحنا امة ترفع شعار المهانه والمذلة، حقا فقد أصبحنا أمة تطرق كل باب لتستجير به من ظلم ابناء جلدتها ….
    اين حاموا هذه الامه..؟؟ بكل غصه تمنيناها لو كانت مبادره اخويه من جيران الشعب السوري ..الا ليتكم يا صناع الموت تتعلموا من صناع الحياة..
    لربما بعين متفائله سنرى بالمهاجرين ما نتمناه لاسلامنا كما بلغنا به رسولنا الحبيب “ليدخلن الأسلام كل بيت في الأرض” …
    بعين متفائله وبغض النظر اينما طلع البدر علينا ام عليهم ..وكيف سيكون هلال بوتين في ارض المسلمين لا زلنا نؤمن حد اليقين بأن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويهدم دولة الظلم ولو كانت مسلمة..

  6. يقول خليل ابورزق:

    جميل. و لكن لا تخدعك حركات و تمثيليات السياسيي من بيجن الى السادات الى تاتشر الى ميركل الى ترودو وغيرهم و غيرهم.
    لا تنس ان المانيا و كندا من اكبر مؤيدي و داعمي اسرائيل بداية. و وجود اسرائيل اصلا هو سبب تقسيم بلادنا و عدم استقرارها.
    و لا تنس ان المانيا و كندا بحاجة دائما لمهاجرين و ان اللاجئين السوريين نخبة جيدة بالنسبة لغيرهم. و لاحظ انهم يوطنوهم هناك الى الابد.
    انهم يا سيدي يسرقون البشر
    التدخل الخير هو في اطفاء الحرائق و تقديم المساعدات للاجئين السوريين في مناطق آمنة داخل بلادهم او في الدول المهاجرة.
    الاردن و لبنان استقبلا اكثر من ربع سكانهما على الرغم من قلة مواردهما و على الرغم من انهما ليسا سببا في مآسي المنطقة بل ضحية لها
    هل المانيا مستعدة لاستقبال 20 مليون لاجئ و كندا 8 مليون لاجئ حتى يصلوا الى مرتبة الاردن و لبنان؟؟؟

  7. يقول يوسف ابن تاشفين:

    صدقت يا سيدي سهيل ومقالك يثلج الصدر وكان حبة ادفل ازالت صداعي. هناك ممن يدعون انهم مثقفون تشم في مقالاتهم رائحة السم الذي ينخر في جسد الامة ويزيده تقتيلا وتفتيتا وهناك من الاعراب من يفضل الاستنجاد بالمستعمر على الاستنجاد من ابناء جلدته فاصبحنا اقواما تضرب بعضها بعضا، واؤكد لك ان هناك من العربان من يتمنى ان تدمر روسيا تركيا ويكرهون اي شيء له صبغة اسلامية. لذلك لا غرابة ان اقرأ ما قرأت في مقالك من حصائد هذا الكره البيني التفتيتي المقيت الذي جعلنا لقمة سائغة للمستعمر وكأغنام ضائعة في امصار تكاد الانسانية تكون فيها معدومة واتمنى ان لن تصدق المقولة المشهورة الشعوب على دين ملوكهم ولكن في ذلك شيء من الحقيقة.

  8. يقول اسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    شكرا يااخي كيوان لقد تقيأنا بشار الاسد وشبيحته ونظامة القبيح وكل هذة الانظمة العربية من امثاله وهو الذي جاء بداعش اصلا حتى يبقى عالقا في السلطة وبدعم من بوتين وخامئني والله يعينا عليهم وعلى قباحتهم واجرامهم ضد الشعب السوري اما بالنسبة لكندا والمانيا طبعا هم بحاجة لطاقات بشرية ولكن ماقامت به ميركل كان باحترام للقيم الانسانية وتحدي لكل اصحاب السياسة البائسة في الغرب التي ترفض السوريين وغيرهم فقط لانهم مسلمين او عرب! هنا نقطة فاصلة في التفكير بين دكتورة في الفيزياء اي ميركل وحققت نجاحها بيدها وبقدرتها وعاشت حياتها في اسرة متوسطة وابوها كان قسيسا وعاشت في المانيا الشرقية سابقا وتعرف هذة الانظمة القبيحة وبين دكتور في طب العيون حصل على شهادته فقط لانه ابن رئيس وجاء الى السلطة وهو بلا ادراك للسياسة والسلطة وثبت ان ذكائة محدود ومن حولة اشبه بعصابة تسيّر هذا الاجرام ويقوم به بشار هو ونظامه بنزالة وقباحة قل مثيلها في التاريخ اما الذين استغلوا هذا القرار التاريخي لميركل وجاءوا الى اوربا دون الحاجة لذلك وحتى ان بعضهم جاء من دول الخليج او ان بعضهم من اعوان وانصار النظام وسرقوا من اموال الشعب السوري فهي مسؤولية تقع على عاتقنا نحن السوريين والعرب في فضح امرهم وفضح ااستغلالهم لمعانات كثيرا من المهاحرين الذين دمر النظام ديارهم وحياتهم وقتل كثيرا من افراد عائلاتهم وقد التقيت بعضا متهم هنا في المانيا وكل الشكر للغالبية العظمى من الشعب الالماني او السويدي او النمساوي او الكندي الذين رحبوا باللاجئيين وعبورا عن ايمانهم بالحضارة الانسانية

  9. يقول عابر سبيل:

    الظاهر أن الكروي استقال أو مل التعليق؟!

إشترك في قائمتنا البريدية