ظاهرة الممثل الذي يكرر أداء الأدوار نفسها… نمطية مملة أم تأكيد فني؟

طرابلس ـ «القدس العربي» : في معجم المعاني يعرف النمط بأنه: «اسم منسوب إلى نَمَط»، والصورة النمطيّة هي «ما يعدّ تمثيلاً أو تطبيقًا لصورة أو نوع تقليديّ على طريقةٍ واحدة، لا تغييرَ ولا جديدَ ولا إبداع فيه إجراءات نمطيَّة، صفة لشخصٍ نظريّ غير تطبيقيّ». هذا في معجم المعاني، أما في الفن فهو فعل متكرر بالشكل نفسه والأداء نفسه لشخص واحد، قد يكون نجما معروفا في السينما أو المسرح أو الدراما، ما يجعل فعله معروفا سلفا عند المشاهد، ويعرفه الجمهور بشكل ولازمة لا تفارقه في كل الشخصيات التي يقدمها في أعماله، فهل تكون هذه نمطية مقصودة؟ وهل تعد عيبا لنقص فيه، أم هي مجرد تراكم يضاف لتجربة الفنان؟ هذا ما أردنا معرفته من خلال آراء بعض الفنانين والكتاب والنقاد المتخصصين.
ترى الناقدة الأردنية رانيا عقلة حداد أن الفنان يجب أن يسعى دائماً لسبر كُنه الشخصيات المتنوعة التي يلعبها، والتي لكل منها عالمها الخاص، الذي لا يتوافق مع فكرة النمطية. كذلك يرى الكاتب والباحث العراقي محمد سعيد الأمجد أن النمطية من الممكن أن تكون مجرد تراكم يضاف لتجربة الفنان، لكنـها لا تعـد تراكـما يُصـاغ في شكل معرفي أو خبرة فنية في مجـال الإبـداع المسـرحي أو السـينمائي.
ويرى عبد العزيز الأبيض أن النمطية المستمرة إن لم تكن عيبا صارت عيبا، حيث أن التمثيل هو إقناع المشاهد بما يشاهده في العمل الفني، فالممثل يلون وكأنه يضع أقنعة لإقناع المشاهد بالشخصية التي يقدمها، فإن لاحظ المشاهد أن الممثل يتحرك بالقناع نفسه دائما، فإنه لن يقبل حتى شخصيته الحقيقية، لكن إذا كان الممثل متغيرا دائما سيقبله في كل الأشكال كما سيقبله، كما هو في الحقيقة. وتأتي الشاعرة والكاتبة الليبية كريمة الشماخي لتصف أسلوب التنميط الأدائي بالكارثة التي لا تقل عن البراكين المتفجرة هنا وهناك، فالنمطية هي قتل الإبداع برتابة قد تكون مملة، فالإبداع الفني للممثل لا يقتصر على أداء دور مرسوم له سلفاً، أو لتقمص شخصية كتبها الآخر، وإنما يتكون بالابتكار الجديد دائما حين يضفي لمساته الشخصية على مجمل الأدوار، فالتراكم الكمي لا يضيف أي شيء للفنان سوى عبء الكلمات، فمثلا المخرج الراحل شادي عبد السلام مخرج فيلم «المومياء» ظل في تاريخ السينما علامة بارزة، على الرغم من وحدانية إبداعه الفني، وكذلك شهدت فترة الجاهلية شعراء القصيدة الواحدة، وقد خلدوا بسبب جمال هذه القصيدة وتفردها. فالسلوك النمطي ليس عيباً في حد ذاته، وإنما مؤشر لوجود خلل ليس في الممثل وحده، وإنما في الجهاز الفني والإعلامي والسينمائي والتلفزيوني، إنها حالة مشتركة في هذه النمطية وأن مسؤولية الفنان فيها قليلة جداً.

الممثل والمناخ الفني العام

من هذه الوجهة يرى الممثل الليبي عمران راغب المدنيني أن الممثل هو الفنان القادر على التنوع في عطائه حتى يستطيع أن يجمع حول هذا العطاء الفني العديد من الأنماط في المجتمع، ويرضي الذوق الجماهيري بنسبة مرتفعة، ولكن قد يضطر الفنان لحصر نفسه في قولبة معينة تفرضها ربما الظروف المحيطة به، هذا من جانب وقد يستسهل هو هذه النمطية فيحصر نفسه فيها. والأمر نفسه يراه السينمائي الليبي عمر صالح، ويوضح كيفية استغلال بعض المخرجين حاجة الممثل للعمل والظهور، حيث يختار المخرج هذا الممثل أو ذاك في قالب جاهز يصبح حبيسه دائما، فإما أن يخرج منه بالحصول على فرصة أفضل ــ هذا إن أتته هذه الفرصة ــ أو يبقى حبيس القالب الذي تم وضعه فيه مسبقا من قبل المخرجين، ولا خيارات أمامه للتغيير سوى البحث عن مكان عمل مختلف وفرصة رهينة بالظروف الإنتاجية ومخرج يبحث عن موهبة دفينة لا تكون واضحة في الشكل فقط، وهذا الأمر يكاد يكون نادرا في ظروف العمل الفني الليبي الذي عاصرناه وعملنا ضمنه لسنوات طوال.
ويرى الكاتب والناقد الليبي منصور بوشناف أن النمطية تعني ثبات وجمود الأشكال والأساليب وترسخها كشكل نهائي لا يتوقف عن التكرار، وتحولها من أداة لتنظيم سير الحياة والإبداع إلى زنازين وقيود تكبل تطور الحياة والعملية الإبداعية في الحياة والتفكير. لذا عانت الآداب والفنون بمختلف أشكالها «النمطية « والجمود نتيجة هذه النمطية، وظلت تكرر نفسها وظلت في حاجة دائمة لمبدعين متمردين يخرجون عن النمطية السائدة إلى آفاق جديدة. إن تجربة أبوتمام في الشعر ونازك الملائكة والسياب ونزار قباني ثم محمود درويش وتجارب طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والطيب صالح وغيرهم من حملة مشاعل التنوير والتجديد ظلت المنقذ الأهم للخروج بنا من موات وجمود النمطية إلى آفاق أرحب وأحدث .

النمطية وملاذ الممثل الآمن

ترى الشاعرة المغربية صباح الدبي أن النمطية بطبيعتها البنيوية شكل جاهز متكرر لا تتحقق فيه شروط الخرق التي يتطلبها العمل الفني المتميز والخالد، وكل ما لا يحقق الدهشة لحظة التلقي يفشل في تحقيق نشوة الإبداع، لذلك فهي عيب ينبغي تجنبه ومقاومته بكل ما أتيح للفنان من وسائل. ويضيف الناقد العراقي جبار وناس أن النمطية تعد من العيوب التي تلاحق الممثل حينما يستكين إلى تراكم خبرته في بعض الأحيان، وهذا يشكل حالة سلبية في طريقة الأداء لديه، فالتمثيل هو حالة إبداعية يصل إليها الممثل حينما تتجلى عنده ممكنات الإبداع المحفزة له ومنها ليونة الجسد وتواشج الصوت، مع القدرة المستحدثة والناتجة باشتغاله مع موجودات العرض المسرحي والمتواجدة بفعل التشكيل السينوغرافي الصحيح على خشبة المسرح. وقد تصبح النمطية أداة نجاح مضمونة للممثل، كما يرى المخرج المسرحي والأكاديمي الليبي عمر هندر، فالنمطية عند الممثل هي تقديم العديد من الشخصيات الدرامية بأسلوب معروف وثابت وليس فيه الكثير من التجديد، حيث قد يستغل الممثل مميزات معينة لديه ويقوم بإعادة استخدامها مع العديد من الأدوار والشخصيات الأخرى، رغم اختلاف القصص والمواقف.
وأعتقد إن الابتعاد عن التجديد ليس في صالح الممثل مهما طال الزمن، ذلك أن المشاهد سرعان ما سيكتشف ذلك ويمله، علما بأن العديد من الممثلين الكبار، خاصة في مجال الكوميديا، هم ممثلون نمطيون في حقيقة الأمر رغم نجاحهم. ولكن ولأن الفن والإبداع مقترنان بالتجديد دائما أعتقد أن النمطية عيب، أكثر منها ميزة مهما تفوق الممثل من خلالها.
ويرى الناقد اللبناني جمال فياض أن النمطية تعد عيبا بالفنان ونوعا من الاستسهال، إضافة إلى عيب في المخرج الذي لا يطالب الفنان برسم شخصية مميزه وحضور مختلف. وهذا العيب ينسحب على أغلب الفنانين العرب. وعندما يحاول الفنان أن يؤدي شخصية ما بشكل مختلف يصبح حديث الصحافة والناس. هذا إذا أجادها. لننظر إلى الممثلات المصريات مثلا .. فكلهن ثابتات على شكل واحد ونمط واحد، هي إلهام شاهين بالصوت والحضور نفسيهما في كل أفلامها، هي فاتن حمامة في كل أفلامها، هو نور الشريف في كل أفلامه ومسلسلاته، بينما نلاحظ أن صلاح عبد الله شخصية تتنوع باستمرار، كذلك خالد الصاوي، الذي دائما يعيش الشخصية بحضور مختلف، أما خالد صالح فهو شخصية تتغيّر باستمرار، هنا تظهر الموهبه الحقيقية وهذا سرّ النجاح. إن مجرد تغيير بسيط في الأداء يوصل الفنان إلى نجاح كبير، وهذا التغيير يكون إما من الفنان وموهبته وسعيه للتغيير، أو المخرج الذي يستنبط من نجمه أمرا يميّزه عن باقي أدواره مع الآخرين. فالنمطية عيب قاتل ومحبط، وليست أبدا تراكم خبرات حياتية وفنية.
ويضيف مهندس الديكور المغربي يوسف صالح فكري قائلا: لا أظن أن هناك شخصا في أي مكان يقبل أو يحب التكرار في أي شيء يمارسه أو يتعامل معه، فكيف بالعمل الفني الذي ننتظره بشوق لنرى موضوعا جديدا وشخصيات جديدة والجديد دائما مشوق ومثير، لكن إذا جاء هذا العمل الجديد بشكل وموضوع مكرر فإنه يصبح مملاً من بدايته، إضافة إلى الاستعانة بشخصيات فنية معروفة في العمل الفني بالأداء والشكل نفسيهما، فستكون بدورها في غاية الملل وميتة. هذا ما يسمونه نمطية، والنمطية نهاية أو تسجيل نهاية للفنان وحتى العمل الفني، لأن الحياة كلها تستمر بالتجديد والجديد، والإنسان بطبعه يحب الجديد والمجهول.

ظاهرة الممثل الذي يكرر أداء الأدوار نفسها… نمطية مملة أم تأكيد فني؟
نجوم في السينما والمسرح و التلفزيون رفضوا المغامرة خارج «ملاذهم الثمثيلي»
محمد القذافي مسعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول balli_mohamed:

    لابأس اد اسمح المنبروشكرافي البد اية اضع بعض النقط حضرتني الساعة تحت ظل هد االتقريرالمنبري الفني السينمائي فاالمنبرحريص على نقل الأعراس الفنية باالكلمة والكتابة كد الك اي يحلل وينتقد بلغة الفن بين قوسين من يدرس المسرح المنافس القوي لسينما ويتخرج من جامعته يكون على ثروة من العلم والمعرفة واداالثحق باالسينما يكون اجمل لأنه سيتغير كثيرا اي انه سينتقل من صورة الى صورة ولن يجد الملل اليه سبيلا فتراه على خشبة المسرح والأستديوا صورمتنوعة ومختلفة وكد الك السينما ومزيد امن التوضيح الممثل المحنك وكد الك الجنس الثاني من دورالى دور هد الايشبه د اك وقد يصعب احصاء الأدوار الثي لعبها طيلة حياته نعم المسرح مع التجديد ود ائما والسينما .

إشترك في قائمتنا البريدية