الرياض ـ «القدس العربي»: مع احتفال المملكة العربية السعودية بمرور عام على تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، لاشك ان عهدا جديدا بدأته المملكة، شهدت فيه السعودية والمنطقة الكثير من المتغيرات السياسية وحتى العسكرية بسبب النشاط الديناميكي للسياسة الخارجية للسعودية التي فعل فيها العهد «السليماني» النشاط السياسي السعودي متبعا أساليب أكثر «براغماتية» في التعامل مع الدول والقوى العربية والاقليمية والدولية.
وبدا ان الملك سلمان جاء للحكم ومعه مشروع سياسي يجعل المملكة مرتكزا لتحالف عربي إقليمي يقيم من خلاله توازنا إقليميا مع إيران التي أصبحت قوة إقليمية صاحبة مشروع للهيمنة على العالم العربي.
ومن أجل ذلك لاحظنا ان الملك سلمان بعد ان عمل على إعادة ترتيب أوضاع مملكته من الداخل وأوضاع البيت الخليجي، بدأ يعمل على إعادة ترتيب أوضاع النظام العربي الرسمي، من خلال إعلان تحالف عربي، صحيح انه شكل من أجل حرب اليمن، لكن الملك أراده ان يكون بداية لتحالف عربي سياسي وعسكري، جناحاه السعودية ومصر.
ولكن الملك وجد ان مصر بسبب ظروفها وسياستها المترددة غير قادرة على تحمل أعباء قيادة هذا التحالف، وان دولا عربية كان من الممكن ان يكون لها الدور الرئيسي فيه- الأردن والمغرب – لا يمكن الاعتماد عليها، ومن أجل ذلك وجدت المملكة نفسها لوحدها تتحمل عبء مواجهة المشروع الإيراني الذي أصــبح بنـــظر الرياض هـــو والإرهاب، الخطران الأكبر اللذان يهددان مصالحها ومصالح المنطقة العربية.
والمملكة وجدت ان سياستها السابقة التي كانت تتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع خصومها وأعدائها السياسيين، صبت في صالح إيران ومشروعها الشيعي، الذي نجح في السيطرة على اليمن من خلال جماعة الحوثي، وأوشك أن يبسط يده على سوريا بعد أن بسطها على العراق.
فمنذ تأسيس المملكة عام 1932 على يد الملك عبد العزيز آل سعود، وحتى وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، والمملكة تُسَيِّر سياستها الخارجية وفق ثوابت مصالحية تهدف داخليًّا إلى خلق الاستقرار والتعايش بين أطياف المجتمع، وخارجيًّا إلى الإبقاء على محيط مسالم غير مهدِّد لأمنها ومصالحها.
والملك سلمان جاء فوجد ان المحافظة على ثوابت أهداف الدولة السعودية ومصالحها يحتاج إلى أساليب جديدة في العمل السياسي والتحرك الإقليمي والدولي أهمها الحزم والعزم، وعدم الانتظار.
لذلك لم يكن أمام الملك سلمان من بد سوى أن ينتفض دفاعًا عن أمن واستقرار نظامه السياسي، في مواجهة الدور الإيراني المتصاعد في المنطقة، الذي أوشك أن يطوق المملكة من كافة الجهات، ليس فقط من الشمال وإنما كذلك من الجنوب، مدعومًا بشركائه في اليمن والعراق، وقد وصل الأمر بقادة النظام الإيراني للتصريح علانية بأنهم أصبحوا يسيطرون على أربع عواصم عربية، هي لبنان وبغداد ودمشق، وأخيرًا صنعاء.
فهكذا استعجل الحرب على اليمن قبل ان يستكمل الحوثيون قضم ما تبقى من السلطة في اليمن وما يعنيه ذلك من أن يصبح اليمن الجار الجنوبي لبلاده مركزا للنفوذ الإيراني.
وبدأ يعزز تحالفات المملكة مع تركيا من أجل تحقيق هدف الرياض وانقرة المشترك باسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه من خلال تقديم مزيد من الدعم العسكري واللوجستي لفصائل المعارضة السورية المقاتلة، وحاول في ذلك التفاهم مع روسيا لاعطائها دورا أكبر في حل الأزمة السورية على أساس رحيل بشار الأسد، لذا لم يمانع في تدخل عسكري روسي في سوريا يكون هدفه النهائي إعطاء الدور الأكبر لموسكو في الحل السياسي.
ورغم ان الرياض لها تحفظات على سياسة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما «المترددة وغير الحاسمة وحتى الغامضة «في المنطقة، والتي ساهمت بتمدد النفوذ الإيراني وعودة الدور الروسي كلاعب رئيسي في حل الأزمة السورية، إلا انها لم تثر أي خلافات مع واشنطن، بل عملت على متابعة اتصالاتها وتحالفاتها معها.
وكل ذلك في نهج «براغماتي» يقول ان الخلاف مع الآخرين لا يمنع من التواصل معهم بحثا عن مصالح مشتركة.
لذا تقيم الرياض تحالفا استراتيجيا مع تركيا رغم ان انقرة تتبنى حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي ولها خلافات كبيرة مع مصر وصلت إلى حد القطيعة، والرياض عملت على الاستمرار في احتواء مصر، رغم السياسة المصرية المترددة والتي أظهرت ان القاهرة لا توافق على بعض السياسات السعودية لاسيما تجاه سوريا، لذا دفعت النظام المصري لتشكيل مجلس العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
كل ذلك يؤكد ان النهج البراغماتي للسياسة السعودية في عهد الملك سلمان استطاع على الأقل كبح جماح المشروع الإيراني في المنطقة، وهذا ما أغضب إيران وهي ترى ان الرياض أصبحت العقبة التي تعترضها، فاحتدم الصراع الإيراني السعودي، وكل طرف يستخدم أدواته وأسلحته، السعودية تستخدم سلاح تخفيض أسعار النفط من أجل الضغط على إيران اقتصاديا، ونفوذها الدولي – الذي تفتقده طهران – في حين إيران تستخدم أدواتها المحلية في الدول العربية، الأحزاب والتنظيمات الشيعية، وتصعد العداء ضد السعودية، حتى تستخدم الشيعة كأدوات تهدد الاستقرار والأمن في السعودية ودول الخليج الأخرى.
إذن ما يميز عهد الملك سلمان في عامه الأول هو إتباع سياسة الحزم مع خصوم المملكة وأعدائها وهذا يعني مواجهتهم سياسيا وعسكريا حتى ولو أدى الأمر ان تخسر المملكة الكثير من عوائدها المالية.
ويرى مراقبون ان مواجهة المملكة للمشروع الإيراني الذي يهدد مصالحها وأمنها يحتاج إلى ان يكون هناك مشروع عربي بديل للمشروع الإيراني، وهذا لابد ان يكون واضحا للعرب حتى يلتفوا حول المملكة التي يرون انها تتصدى للمشروع الإيراني ولكن بدون تأييد واسع لدى الرأي العام العربي الذي اخترقه الإعلام الإيراني.
سليمان نمر
ملك سلمان بن عبدالعزيز هو ملك فيصل جديد (الله يرحمه و يوسع القبره و يدخله جنة)
شتان بين الثرى والثريا