عبد المنعم العمراني مدير مكتب قناة «الجزيرة» في المغرب: شهادة عن عنصرية الاحتلال هي أدنى ما يمنحه صحافي للشعب الفلسطيني المحاصر 

حجم الخط
1

يوم الأحد الماضي، 29 تموز/يوليو، كانت سفينة تحالف اسطول الحرية تعب مياه البحر المتوسط نحو قطاع غزة، برسالة رمزية لفك الحصار عن مليوني إنسان فلسطيني يعانون منذ أكثر من 11 عاما حصارا إسرائيليا لا إنسانيا.
خارج المياه الإقليمية الفلسطينية، قامت القوات البحرية الإسرائيلية بعملية قرصنة جديدة، هاجمت السفينة واعتقلت الناشطين عليها واحتجزتهم ليعانوا في سجونها ما يعانيه آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، كان من بينهم الزميل عبد المنعم العمراني مدير مكتب قناة «الجزيرة» في المغرب، الذي يروي لـ«القدس العربي» تفاصيل هذه المعاناة.

○ كيف ولدت فكرة سفينة جديدة في اسطول الحرية؟
• بدأ «تحالف اسطول الحرية» استعداداته لرحلة هذا العام من أجل كسر الحصار على غزة أواخر السنة الماضية في النرويج والسويد. والتحالف يجمع عددا من جمعيات المجتمع المدني المتفرقة والمنتمية لدول كثيرة من العالم. يقومون بمثل هذه الرحلات، مرة كل سنة أو سنتين، من أجل الاستمرار في إثارة انتباه العالم وحكومات الدول الغربية إلى الحصار اللاأخلاقي والظالم الذي تفرضه إسرائيل على 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، في تعارض صارخ مع مقتضيات القانون الدولي.
○ تم تكليفك بتغطية رحلة السفينة، ألم يخطر في بالك ما عاناه زملاء سابقون في السجون الإسرائيلية؟
• تلقيت اقتراح مسؤولي قناة «الجزيرة» بالمشاركة في رحلة كسر الحصار كصحافي مطلع شهر رمضان الماضي. ترددت شيئا ما قبل أن أوافق، بعد الحديث إلى بعض الأصدقاء المقربين، اتخذت قراري ووضعت زوجتي وأولادي وأهلي أمام الأمر الواقع، وأقدم لهم اعتذاري على القلق الذي عاشوا فيه أثناء الرحلة وخاصة أثناء مدة الاعتقال. قبل الرحلة، قلت مع نفسي «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» وهنا أريد أن أشير إلى أمر هام: أنا لست ببطل، الأبطال هم الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة وأدنى ما يمكن لصحافي مثلي أن يمنح لهم هو أن يقدم للجمهور شهادة أخرى عن معاناتهم وعن غطرسة وجبروت وعنصرية «الدولة الإسرائيلية».
○ الانطلاق كان من ميناء باليرمو الإيطالي؟
• يوم 16 تموز/يوليو سافرت من الدار البيضاء إلى روما ومنها إلى ميناء باليرمو في جزيرة صقلية الإيطالية. هناك كانت ترسو سفن الأسطول: «العودة» و «الحرية» و «فلسطين» وأمضينا أربعة أيام في ورش خاصة للتعريف بمهمة أسطول الحرية وفي تدريبات على كيفية التعامل مع الحياة أثناء الإبحار وفي طرق التعامل مع احتمال تعرض السفن للقرصنة من قبل الجيش الإسرائيلي. ولما ينتظرنا في حالة ما إذا اعتقلنا من استنطاقات واستفزازات واحتمال أن نتعرض للتعنيف وربما للأسوأ. كانت هذه الاجتماعات تشرف عليها مجموعة من نشطاء تحالف أسطول الحرية وقباطنة البواخر، ومنهم من سبق له أن شارك في رحلات سابقة ويعرف الكثير عن سجون إسرائيل وعن أساليب الكذب والخداع التي يستعملها الإسرائيليون عندما يقتادونك إلى معتقلاتهم.
○ سفن قديمة ورجال طاعنون في السن وعليكم ان تتحملوا مشاق البحر ومواجهة احتمالات؟
• سفينة «العودة» التي كنت على متنها هي في الأساس سفينة صيد نرويجية، يعود تاريخ بنائها إلى عام 1964. طولها حوالي 19 مترا وتتألف من ثلاثة مستويات: في الأسفل غرفة المحرك وغرفة أخرى لتخزين مؤن الرحلة وأيضا المساعدات الطبية التي كان يفترض تسليمها لأهالي غزة، في المستوى الأوسط يوجد مكان صغير عبارة عن فضاء لإعداد الطعام، وفي المستوى نفسه توجد مراتب خشبية هي أماكن النوم أو لنقل غرف كل واحد من المشاركين. طولها وعرضها هو بطول وعرض سرير نوم لشخص واحد من تلك التي كنا ننام عليها في الأحياء الجامعية. عليها تنام وأنت محاط بأغراضك الشخصية التي تقع عليك مسؤولية الحفاظ عليها أثناء رحلة الإبحار. كنا 22 شخصا على متن «العودة» منهم أربعة صحافيين: أنا وزميلي مصور «الجزيرة» مروان متيجي وهو جزائري، وصحافي أسترالي اسمه كريس، وآخر من سنغافورة اسمه جيسون. البقية هم الناشطون المتضامنون ومنهم أعضاء طاقم السفينة وعلى رأسهم هيرمان ريكستون، قائدها وربانها الأول: شاب من النرويج عمره 28 سنة سبق وأن شارك واعتقل في رحلات سابقة، شديد الذكاء ومناهض للصهيونية ويؤمن بأن تغيير أي واقع بئيس وغير عادل يمر عبر نضال الإنسان من أجل تحقيق ما يرى أنه عدلا. جنسيات المتضامنين متعددة: الأغلبية كانت من النرويج والسويد، ولكن كان هناك متضامنتان من إسبانيا (لوسيا وإيميليا، وهما ممرضتان) ومشاركة بريطانية من أصل ياباني اسمها الدكتورة سوي، وهي طبيبة تبلغ من العمر 70 سنة أو يزيد. كما كان هناك مشاركان من إسرائيل هما جوناثان شبيرا وزوهارشامبرلين، ومشاركون من كندا والولايات المتحدة ونيوزيلندا والدنمارك وفرنسا وماليزيا، أما معدل الأعمار على المركب فهو حوالي 56 سنة. أصغر مشارك ربما يبلغ عمره 27 سنة وأكبرهم عالمة اجتماع نرويجية اسمها غيرد وعمرها 75 سنة أو أكثر.
○ الأيام الأولى في البحر كانت تداول الحكايات وتمضية الوقت استعدادا للوصول إلى غزة أم للاعتقال؟
• إسرائيل وكعادتها كانت تمارس ضغوطا على الحكومة الإيطالية من أجل عدم السماح للأسطول بالإبحار. ولكن في الديمقراطيات الغربية هناك أيضا السلطات التي يتمتع بها رؤساء المجالس البلدية المنتخبة ومنهم عمدة باليرمو الذي عبر عن تضامنه مع الأسطول وقدم له كل الدعم والمساندة الممكنة. ومع ذلك تطلب الأمر شيئا من التمويه قبل مغادرة ميناء باليرمو في اتجاه ميناء إيطالي آخر هو ميسينا. لكن سفينة العودة لم تدخل ميسينا وإنما انطلقت بمحاذاة سواحل صقلية إلى أن وصلنا للمياه الدولية ومنها أبحرنا في اتجاه غزة. أما البحر الأبيض المتوسط فعلى الرغم من الانطباع الذي تتركه لدينا الأخبار القادمة من خضمه عن اللاجئين والمهاجرين ونعتبر مخطئين أنه صغير، فهو بحر كبير ومترامي الأطراف. أبحرنا تسعة أيام وفي اليوم التاسع وقع الهجوم. قبل ذلك مرت بعض اللحظات العصيبة خاصة عندما تعطل المحرك في إحدى الليالي وكان البحر هائجا بشكل غير عادي وبقينا لساعات تتقاذفنا الأمواج إلى أن تمكن المهندس النرويجي أرنيه، من إعادة تشغيل المحرك لننطلق من جديد. كان المشاركون يتقاسمون القيام بأعمال متعددة يجب القيام بها على متن الباخرة، كل واحد له دوام معين من أربع ساعات، ثم يستريح أربع ساعات أخرى ليعود للقيام بواجباته لأربع ساعات أخرى وهكذا دواليك. أحيانا يشعر البعض بالملل أو بدوار البحر أو برهبة ما قد سيحدث، ولكن يتدخل آخرون لشحذ الهمم أو للترويح عن النفوس بإثارة ذكريات ما أو حكاية مواقف معينة، ثم هناك النقاشات السياسية والاجتماعية عن القضية الفلسطينية وعن قضايا بلد كل واحد منا وعن الأسباب التي دفعته للمشاركة في الرحلة.
○ هل كان الاحتكاك الأول بالإسرائيليين مفاجئا لكم؟
• يوم الأحد 29 تموز/يوليو تلقت سفينة العودة أول اتصال لاسلكي من البحرية الإسرائيلية في حدود الساعة 12 بتوقيت غرينيتش. طلبوا فيه من السفينة أن تحدد وجهتها وأن تغير مسارها لأنها تدخل منطقة حظر دولي. كنا حينها في المياه الدولية على بعد حوالي 45 ميلا بحريا من شواطئ فلسطين. جواب مساعد قائد «العودة» وهو بحار دانماركي اسمه ميكيل، متخصص في قانون البحار كان حازما: «نحن سفينة نرويجية، ترفع علم النرويج، وتبحر في المياه الدولية، وتمارس حقها في المرور البريء وهو حق يكفله القانون الدولي… وجهتنا تخصنا… لا علاقة لنا بالبحرية الإسرائيلية وليس للبحرية الإسرائيلية الحق في سؤالنا أو استفسارنا عن أي شيء كان».
ظل ميكيل يردد هذا الجواب في حواره مع البحرية الإسرائيلية لمدة ساعتين وربع تقريبا، قبل أن يأتي تحذير إسرائيلي بأننا قد نتعرض لعواقب ما، يتحمل قبطان السفينة مسؤوليتها. بعد التحذير مباشرة، بدأت تبدو لنا في الأفق من خلفنا سفينة عسكرية من نوع «كورفيط» قبل أن تظهر سفينة من النوع نفسه على يميننا أي على الجهة الجنوبية وأخرى على يسارنا أي على الجهة الشمالية. كنت حينها بصدد إجراء اتصال رابع بغرفة الأخبار في الدوحة عبر هاتف يعمل بالأقمار الاصطناعية وما هي إلا لحظات حتى انقطع الاتصال ولم يعد ممكنا، ثم بدت لنا قطع بحرية متنوعة، أصغر حجما من السفن الثلاث، كانت تسرع في اتجاهنا. أحصينا أنا والزميل كريس 10 إلى 12 قطعة بحرية من مختلف الأحجام، ثم تمت المداهمة وتوقيف السفينة والسيطرة عليها نهائيا وهي على بعد 40 ميلا بحريا من شواطئ فلسطين، في المياه الدولية، وهذا يعتبر بمثابة عملية قرصنة طبقا للقانون الدولي، وتم ذلك بعد تعنيف قائدها هيرمان الذي تعرض للضرب في وجهه وبطنه وأرجله عدة مرات. كما تعرض مساعده شارلي لصعقات بالمسدس الكهربائي خمس مرات، وتلقى النقابي النيوزلندي مايك صعقتين اثنتين الأولى في عنقه والثانية على خده الأيسر. كما تعرض جميع النشطاء والركاب إلى التعنيف والدفع والسب والشتم. وبعد أن أجلسونا في الجزء الخلفي من السفينة، أفرغوا جيوبنا وحقائبنا الصغيرة من أغراضنا الشخصية مثل حافظات النقود والبطائق وجوازات السفر وساعات اليد وعلب السجائر والولاعات… الخ. وكان عليهم إعادة تشغيل المحرك الذي كان هيرمان قد أوقفه، والوحيد الذي يمكنه القيام بذلك هو المهندس النروجي أرنيه، لكنه رفض، ليعود ويشغل المحرك بعد أن هدده الإسرائيليون بأنهم سوف يعذبون القائد هيرمان ويلقون به في البحر. ثم بدأت رحلة الاختطاف إلى ميناء أشدود الإسرائيلي الذي لم نصله إلا بعد حوالي ست أو سبع ساعات، ونحن جالسون على الأرض، تحت شمس حارقة، يحرسنا جنود ملثمون ومدججون بأسلحة متنوعة، وتحيط بنا من كل جانب سفن الحرب الإسرائيلية.
○ كان التعامل معك كصحافي أو ناشط مغربي؟
• في ميناء أشدود كانت الآلة الإعلامية والاستخباراتية لجيش ودولة الاحتلال كلها حاضرة، كاميرات ومصورون بلباس عسكري في كل مكان. وصلنا إلى هناك في حدود الساعة 11 ليلا بتوقيت فلسطين، تفتيش دقيق لأول مرة، ثم فحص طبي، ثم استنطاق عن دوافع القدوم لإسرائيل. شخصيا كان جوابي هو أنني صحافي ولم آت لإسرائيل وإنما تم اختطافي في المياه الدولية وتجريدي من جواز سفري ومن أشيائي الشخصية واقتيادي إلى أشدود ضدا على إرادتي. بعدها كان هناك تفتيش آخر أكثر تفصيلا، ثم ترحيل على دفعات من أربعة إلى خمسة أشخاص إلى معتقل «جيفعون». وصلناه في حدود الساعة الرابعة صباحا من فجر يوم الاثنين 30 تموز/يوليو تفتيش جديد، ثم وضع في الزنازين مع قطعة رغيف باردة وحبة خيار.
○ عوملتم كأسرى أم كمحتجزين؟
• أثناء الاحتجاز في المعتقل كانت هناك تحقيقات مستمرة، ودائما الأسئلة التي ذكرتها نفسها، ولكن كنت أشعر بأنهم يريدون التخلص منا بأسرع وسيلة، لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم لصوص، سرقوا أرضا ليست أرضهم وشردوا شعبها. ثم تم عرضنا على قاض قال لنا بأنه حدد جلسة أولى للمحاكمة يوم الأربعاء 1 اب/أغسطس، ولكن قبل يوم الجلسة زارنا محام من جمعية «عدالة» وقال بأنهم يريدون ترحيلنا، كل إلى بلد جواز سفره، قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في القانون الدولي وهي 72 ساعة.
ويوم الثلاثاء 31 تموز/يوليو، تم اقتيادي في المساء إلى معتقل تابع لمطار بن غوريون، هناك سلمت لي حقيبة ملابسي، وفي صباح الأربعاء 1 اب/أغسطس تم اقتيادي للمطار حيث خضعت من جديد لتفتيش مفصل ودقيق، قبل أن أصعد لطائرة مصرية، جواز سفري سلم لطاقم الطائرة، وحينها علمت أنه يتم ترحيلي للدار البيضاء عبر القاهرة، التي مكثت فيها لحوالي 7 ساعات. هناك حقق معي الأمن المصري، الذي تصرف بشكل لبق ولكن كان واضحا أنه يريد التخلص بشكل يخلي مسؤوليته أمام الدولة التي وضعتني في طائرته، أي إسرائيل. بعد الوصول إلى الدار البيضاء تم تسليمي للأمن المغربي الذي كان تصرفه جيدا وأنهى الإجراءات الأمنية المتبعة في مثل هذه الحالات بسرعة كبيرة.
○ هل من كلمة أخيرة؟
• إسرائيل تحاصر غزة منذ سنوات، وتمنع أهالي غزة وصياديها من الحياة الكريمة. أسطول الحرية لعام 2018 كان هدفه تسليم مساعدات طبية لمستشفى الشفاء في غزة وإهداء باخرة الصيد «العودة» لصيادي غزة. هؤلاء الصيادون تمنعهم إسرائيل من تجاوز 3 ميل بحري عندما يبحرون من ميناء غزة، الذي يعتبر الميناء الوحيد في المتوسط الذي ليس فيه أي نشاط تجاري. قانون البحار يقول إن المياه الإقليمية لأي بلد أو إقليم هي 12 ميلا بحريا، وإسرائيل اختطفت سفينة «العودة» على بعد 42 ميلا بحريا من شواطئ فلسطين، في عرض المياه الدولية، وهذه عملية قرصنة يعتبرها خبراء القانون الدولي إعلان حرب على الدولة التي كانت السفينة المختطفة ترفع علمها.

11HAW

عبد المنعم العمراني مدير مكتب قناة «الجزيرة» في المغرب: شهادة عن عنصرية الاحتلال هي أدنى ما يمنحه صحافي للشعب الفلسطيني المحاصر 

حاوره: محمود معروف

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عزمي:

    حفظك الله ورعاك وسدد خطاك واكثر من امثالك

إشترك في قائمتنا البريدية