تساءلت قبل أن أقرأ كتاب «جمال عبد الناصر: «الحلم والحضور» ما دافع مؤلفه هاني سليمان الحلبي إلى إنتاجه؟ هل هو فعل تكريم في الذكرى المئوية لولادة القائد التاريخي؟ أم تعبير عن حزن عشيةَ مرور نحو خمسين سنة على غيابه الفاجع؟ هل هو للبرهان على قدرة المصريين وسائر العرب على استعادة هذه الظاهرة في زماننا؟
الجواب وقعتُ عليه في إهداء الكتاب كما في تحليلاته المعّمقة وباقة توصياته في الخاتمة، الدافع مزدوج:
«تحية إلى الرجال والنساء الناهضين، العاملين بصبر وعزم لوحدة الأمة وحريتها، ولاسيما رجال المقاومة ونساءها، أحياء وشهداء».
«فسحة نقاش محبّ لغلاة العقائد والأفكار ودعوة للنقد الذاتي والتصويب وتوسيع المشترَك وتعميقه لنكون معاً مثالاً يستحق الانتصار».
في أثناء قراءة الكتاب تأكدت من صدق دعوة الكاتب وجدّية السعي إلى تحقيقها. ذلك أن المؤلف، الذي أسمح لنفسي بتوصيفه باحثاً خلدونياً، اعتمد منهجيةَ رائد علم الاجتماع السياسي العربي والعالمي عبد الرحمن بن خلدون في مقاربة الواقعات والظاهرات، التي انطوت عليها شخصية جمال عبد الناصر في حلمه وحضوره. أجل، كتاب هاني سليمان الحلبي هو، بحق، دراسة رائدة في تاريخ التجربة الناصرية من منظور اقتصادي اجتماعي، خلافاً لدراسات وتحقيقات سابقة كانت في معظمها عبارة عن رواية او تسجيل لواقعات سياسية وعسكرية فحسب.
إلى ذلك، كنتُ ظننتُ، عندما تفرّست في فهرس الكتاب، أن باقة التوصيات في خاتمته هي خلاصة الدروس والعِبَر والنصائح التي يودّ المؤلف تزجيتها الى جمهور القراء، كما إلى أهل الرأي والقياديين والمقاومين «الناهضين العاملين بصبر وعزم لوحدة الامة وحريتها» وفق ما جاء في صفحة الإهداء، لأكتشف أنها توصيات موجهة، بالدرجة الأولى، إلى الباحثين المهتمين بمقاربة موضوع عبد الناصر، أو سواه من الموضوعات والقضايا الأساسية والاستراتيجية في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
في باقة التوصيات يشرح هاني سليمان الحلبي أسلوبه المعتمد في تأريخ التجربة الناصرية وتحليلها (ومقاربة قضايا وموضوعات مشابهة) من حيث التدرج في التحليل من عرض خصائص الإقليم المصري الطبيعي، وخصائص البناء الاجتماعي والنفسي المصري لرصد علاقات التأثر والتأثير المتبادلة بين الاقليم والخصائص النفسية للشعب في النمط القيادي الناصري.
في تحليل النهج القيادي الناصري نقع على ظاهرات لافتة، أبرزها مركزية الدين الاجتماعية والسياسية، وبالتالي انتشار التفكير الغيبي، وتبؤ النزوع الديني والاستجابة له مرتبةً عالية عند المصريين، ما أدى إلى اجتماع سلطة الدين والسياسة لدى القائد المصري على مرّ العصور وتكريس اتوقراطية مطلقة متوارَثَة في الأسر الحاكمة.
يلاحظ المؤلف أيضاً ان السيطرة المطلقة للمؤسسة الدينية، واضطرار السلطة السياسية الى مراعاة ذلك، أسهم في تكوين استنقاع وطني عام، اصبحت معه «دعوة التجديد هجينة ومساعي التطوير والتغيير مستنكرة او مستغربة». نجم عن ذلك تقديس السلطة وتعظيمها، وتقديس القائد وتعظيم شخصه، ما أدى إلى خلو الواقع المصري عموماً من حراك تغييرٍ يخلق دينامية منتجة.
يستشهد المؤلف بظاهرة لفتت ابن خلدون في زمانه، مفادها أن السلوك المصري التقليدي، والنزوع المحافظ على الموروث بتدينٍ أولي وفطري قد يولدان تسليماً وسكوناً، مدللاً على ذلك بملاحظة ذات دلالة: «ثمة بُلدان لا يعرف القلق منها سبيلاً الى قلب السلطان لندرة الثورات فيها. ففي مصر، مثلاً، لا تجد غير السيد المطاع والرعية المطيعة». تكررت هذه الفكرة في رأي أحمد حسين، زعيم ومؤسس حزب «مصر الفتاة» وأحد مُلهمي عبد الناصر، بقوله: «أدى (عبد الناصر) دوره في حياة مصر كحاكم مطلق، وهو ليس أول حاكم مطلق في تاريخ مصر، ولن يكون آخرهم، فالشعب المصري أسلس الشعوب انقياداً للحاكم، وهو يغري دائماً حكامه، بل يدفعهم إلى الانفراد بالحكم ويحوّلهم إلى طغاة مستبدين».
بعكس ما يوحي به هذا الكلام، لم يكن عبد الناصر طاغيةً مستبداً. صحيح انه ابن مجتمعه وموروثاته الثقافية والاجتماعية، لكنه تمكّن بوعيه وكفاءته ورؤيته الثاقبة إلى واقع وطنه والتحديات التي تواجهه من تخطي هذه المعوّقات وأن يعلن: «نجتمع معكم لنضع التقاليد الجديدة لمستقبل الوطن الحرية التي نسعى إليها تبدأ من تحرير الفكر أولاً، وهي الحرية التي تُبنى على الكرامة وتحرير الفرد والرزق، والتي لا يمكن لأي فرد ان يستبدّ باسمها ، لأنها تدعو الى المُثُل العليا».
ولا تحجب شعبيته الكاسرة عن ناظريّ عبد الناصر متطلبات الواقع فتراه يعلن في خطابٍ له في مدينة حلب بتاريخ 1960/2/18: «إن اي نظام ثوري يستند الى الجماهير وحدها لا يكفي. لا يكفي أن يكون الشعب وراءه راضياً ومؤيداً، إنما يحتاج الى اكثر من ذلك. يحتاج إلى أن يكون الشعب أمامه موجهاً وقائداً». وعملاً بهذا المفهوم، اعتبر نفسه مسؤولاً عن هزيمة 1967 فتنحّى مفسحاً في المجال أمام الشعب ليولي غيره مهمة القيادة.
هذه السلوكية الوطنية الغيرية لا تشفع لعبد الناصر عند باحثين كثر أخذوا عليه ابتعاد نظامه عن الديمقراطية البرلمانية، وتركيزه السلطة في شخص الرئيس القائد ومراكز قوة غير منتخبة. هاني الحلبي يتصدّى لهؤلاء مُذكّراً بأن ديمقراطية صندوق الاقتراع وحدها في غياب المجتمع المدني ومؤسساته هي ديمقراطية عاجزة عن تطوير الدولة، كما عن تعميق وعي المواطن. هذا التخلّف في وعي الشعب وإدراكه لمسؤولياته الوطنية والاجتماعية والتلذذ بشقشقة الكلام، دفعت عبد الله القصيمي يوماً الى وصف العرب، وليس المصريين فقط، بأنهم «ظاهرة صوتية».
لا يتوانى المؤلف عن تحديد مواطن الضعف في التجربة الناصرية، وتعداد أخطاء قائدها في ميادين وازاء تحديات عدّة، لكنه يبقى متوازناً في التحليل والتقييم، إذ يحرص على إبراز إنجازات ثرّة حفل بها سجل عبد الناصر القيادي، وهي إنجازات تاريخية بكل المعايير الموضوعية، ليس أقلها:
بناء السيد العالي، وهو أضخم سد في العالم.
إطلاق ثورة صناعية ولاسيما في ميدان التصنيع الحربي.
تطبيق مجانية التعليم ومحاربة الأميّة وإقرار حقوق المرأة.
إبرام اتفاقية الجلاء البريطاني عن مصر عام 1955.
تأميم قناة السويس عام 1956.
إقامة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا 1958.
الإسهام الرئيس في تأسيس حركة الحياد الإيجابي ومن ثم منظمة عدم الانحياز.
تحقيق الإصلاح الزراعي وتحديد الحد الأدنى للرواتب.
غير ان إنجازه الأعظم، بحسب السجين السياسي السابق شريف حتاته، هو «أن العالم لن يرى مرّة اخرى خمسة ملايين من الناس يبكون معاً».
قد يتساءل القارئ: هل تسليط الكتاب الأضواء على الجوانب الحية من تجربة عبد الناصر محاولة لزرع الاعتقاد بأن بالإمكان استعادتها في زماننا؟
جوابي: إن جمال عبد الناصر ظاهرة تاريخية فريدة يصعب تكرارها، ولاسيما في زمن القنوط والحبوط والانحطاط العربي الراهن.
كاتب لبناني
د. عصام نعمان
د. نعمان المحترم
ولماذا لا تذكر سيءات عبد الناصر !
هل كل فترة حكمه انتصارات و إنجازات؟
ام هناك هزاءيم و تمسك بالسلطة؟
اولا: عبد الناصر لم يضع دستور لمصر ،،،بقى تداول السلطه بين ضباط الانقلاب١٩٥٢
ولا اعرف باي حق يحكمون ؟
الى ان اكتشف الشعب المصري انه لا وجود لناءب الريس مبارك !
و قام بثورته ،،و اسس دستور لاختيار رءيس الجمهوريه ،،،إذا لماذا لم يضع عبد الناصر هذا الدستور؟
الجواب : لأنه متمسك بالسلطة و دون حق أيضا
ثانيا : عبد الناصر زعيم مهزوم في حرب ١٩٦٧
كان الأجدى به ترك السلطه ،،،حتى لو خرج آلاف المصريين مطالبين ببقاءه،،،
لأن يوجد الملايين لا يريدونه ،،
كان مسلط على رقاب المصريين بواسطه اجهزه آمنه و مخابراته،،ولم يدع لاي حزب بالعمل او المعارضه ،،،وكأن وجوده هو فرض رباني
شكرا
بعض النظر عن إنجازات عبد النّاصرالتي عددها الكاتب ومعلق الكتاب دون الذكرعن إخفاقاته ونكساته ، فإن مصر العظيمة ما زالت تتجرع كأس التّخلف الذي تركه عبدالنّاصر وراءه ، كأس العسكر ومن والاه .
استعادة ظاهرة عبد الناصر واقع قائم وممتد. الهزائم تتوالى ، والقهر يتزايد، والفشل بلا حدود. أما تجذرالفكر الغيبي، أي الإيمان بالإسلام فتللك عقدة العقد. نسأل الله السلامة!
فيما يتعلق بعبدالناصر يتعامل معه اغلب الشعوب العربية بالعاطفة اكثر من المنطق والعقل ويحورون التاريخ الى مصلحته ، هناك جيل كامل من العرب مخدوع به وهو جيل النكسة الجيل الذي رضي بخديعة عبدالناصر الذي صور الهزيمة وغير اسمها الى النكسة ، انه جيل عاش وترعرع على خطبه الرنانة وعلى صوت العرب ،جيل الخنوع وهو نفسه الذي امتد لزمان السادات ومبارك وهو نفس الجيل الذي صف في طوابير لينتخب السيسي الحمد لله ان هذا الجيل الخانع على وشك الانقراض .
عبدالناصر لاشك علامه فارقه بتاريخ العرب الحديث والمصري والعربي خاصه والاقليمي عموما
عبدالناصر كان ذو نزعه استقلاليليه شديدة وظهرت فعلا بتأسيس حركه عدم الانحياز وقانون الاصلاح الزراعي وترميم قناه السويس وتحدييه القوي الاستعمارية الثلاث الرافضه لمشروع إكمال بناء السد العالي.
لكن عبدالناصر و مجموعه الضباط الاحرار خلقت أو أنجبت جمهوريات و انظمه شمولية تحكم بالحديد والنار وافرغت المجتمع المصري والعربي من بدائل حكم جديده أو مؤسسات قوية سياديه وزرعت هيمنه المؤسسه العسكريه علي الحياه السياسيه والاجتماعية والاقتصاديه.وخلقت دور غير محدود للبوليس العسكري والأمني.
فمعظم الأنظمة العربية المتصارعة علي ساحه الربيع العربي والثورات اليوم ،هي جمهوريات و انظمه تشكلت علي النموذح الناصري و ولدت بظروف مشابهه للخقبه الناضريه وتقدس التجربه الناصريه.
انحطاط المنطقة العربية بدأ من عهد عبد الناصر