عبيه عاصمة أول إمارة عربية إسلامية على الساحل الشامي، قرية لبنانية عريقة ضاربة في الجذور للدور الذي لعبته في تاريخ جبل لبنان سياسياً وعمرانياً وعلمياً وثقافياً ودينياً في القرون الوسطى والحديثة، والتي لا تزال معالمها شاهدة على تلك المكانة جيلاً بعد جيل.
تقع عبيه على سفح جبل يعرف بـ»مطيّر عبيه»، على علو يصل إلى 850 مترا تُشرّف مباشرة على بيروت والشواطئ البحرية، بحيث يمكن رؤية الساحل الممتد من خليج عكار شمالاً وإلى جبل الكرمل في فلسطين جنوباً وحتى جبال جزيرة قبرص في حال صفاء الطقس.
ذاك الموقع الإستراتيجي من الناحية العسكرية جعلها مقصداً للتنوخيين في زمن الخلافة العباسية. والتنوخيون قبائل أو عشائر عربية من بني فراس وبني عبد الله قدموا في النصف الثاني من القرن الثامن ميلادي، في مهمة حماية ثغور الساحل ضد غارات الروم البيزنطيين البحرية، فانتشروا في الجبال المشرفة على ثغر بيروت واستقروا في عبيه، واتخذوا منها مقراً لـ»قاعدة» أولى الإمارات العربية في لبنان، عرفت بـ»إمارة الغرب»، وامتدت من بيروت إلى المناطق الجبلية المحيطة.
تولت عبيه الدفاع عن بيروت في وجه الغزاة. ولعل تلك الصورة النثرية لممثل وزارة الثقافة والتعليم العالي اللبنانية في مؤتمر عن تاريخ عبيه ترسم ملامح الدور الذي لعبته القرية وأمراؤها: «بين عبيه، وبيروت العصور الوسيط، حكاية رعاية.. حكاية الجبل المشرف على الأزرق الواسع، المتربّص بمراكب الأعداء وجحافل الغازين.. حكاية ضد حملات الصليبيين. تنام بيروت فوق رمالها، وتسهر عبيه على المرتفع، وكلما لاح في البحر هجوم تقدّم الفرسان يقاتلون ويصدون وينتصرون.. كان لعبيه فضل الدفاع عن بيروت».
سريانية الأسم والمعنى
عبيه الكائنة في قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان تبعد عن بيروت 22 كيلومتراً، وتزخر بطبيعة نادرة وأشجار كثيفة، حتى أن بعض المؤرخين يعيد اسمها إلى أصول سريانية، وتَعني الأرض الكثيفة الشجر. ولكن الأهم ما تحتضنه من معالم عمرانية لا تزال تطبع القرية وتؤكد مكانتها على الرغم من الإهمال الذي أصابها لعقود من الزمن، ويد الحرب التي امتدت إلى بعض مواقعها الدينية والأثرية.
كان التنوخيون قبل الفتح الإسلامي كغيرهم من القبائل العربية في بلاد الشام من المسيحيين، ومع الفتح اعتنق أكثرهم الإسلام. ثم قبلوا الدعوة التوحيدية قبيل العام 1017 ميلادية، وهي الجماعة التي تعرف بـ «الدروز» المنتشرة اليوم بين لبنان وسوريا وفلسطين والأردن بشكل أساسي.
ومع قدوم الحملات الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر ميلادي، سقطت بيروت وأصبحت بارونية تابعة لمملكة بيت المقدس اللاتينية، بعد عشر سنوات من محاولات التنوخيين صد الهجمات عنها، فاحتموا في المناطق الجبلية وأعادوا تنظيم قواهم، ونحجوا في الحفاظ على «إمارة الغرب» واستمرارها كإمارة وراثية، وعادوا وساهموا مع السلطان صلاح الدين الأيوبي في بيروت.
عمارة فريدة
أمراء عدة تعاقبوا على الإمارة التنوخية التي استمرت حتى 1633، لكن أشهرهم كان الأمير ناصر الدين الحسين بن خضر الذي ساهم القرن الرابع عشر في استقرار الإمارة وفي القيام بحركة عمرانية واسعة سواء في بيروت أو عبيه التي الحق أجزاء جديدة بمباني والده، وبنى سبيلاً وحماماً ومسجداً وقبة وقاعة، وجَرَّ مياه عين الشاغور إلى حارة عبيه التنوخية التي تعرف بـ»القصور المشرفة» لكنها تشبه كل شيء اليوم إلا القصور بعدما طالها النيسان في انتظار أن يتم ترميمها للحفاظ عليها، كجزء من تراث البلدة ومعالمها الأثرية.
ويعتبر الباحث نديم حمزة الذي تولى رئاسة «لجنة إحياء تراث عبيه» لفترة من الزمن أن ما تمّ إغفاله ليس فقط تاريخ التنوخيين، إنما تاريخها الحديث كمنارة علم وهدى، حيث يؤرخه مع حركة الأمير السيد عبدالله التنوخي، الذي اتخذ من العلم وسيلة، ومع قدوم الإرساليات الغربية واتخاذها عبيه محطات لها بدءاً من الآباء الكبوشيين، ثم الأمريكان، فالمدرسة الداوودية. وهي مدارس خرّجت من البلدة ومن جبل لبنان وسوريا نخباً ثقافية لعبت دوراً ريادياً في حركة التهضة الفكرية والثقافية في لبنان والعالم العربي».
الآباء الكبوشيّون
ووفق المراجع التاريخية، فإن تاريخ الآباء الكبوشيّين في عبيه يرتبط بتاريخ الأمراء المعنيين ولاسيما الأمير فخر الدين الثاني الذي تعرف عليهم خلال إقامته عند دوق توسكانا في إيطاليا. فنسج معه علاقات مميزة آلت لاحقاً في القرن السابع عشر إلى تقديم مبنى أضحى ديراً وميتماً مقابل أن يكون فيه طبيب يهتم بأبناء المنطقة. لكنهم غادروا عند إندلاع الثورة الفرنسية ليعودوا مجدداً ويفتتحوا مدرسة فيها. وجعل الكبوشيون، حسب الباحث نديم حمزة، من عبيه رسالة تبشير في القرى المجاورة خاصة، وفي الجبل عامة، بالتعاون مع الكهنة الموارنة.
ولم يقتصر الأمر على الآباء الكبوشيين، بل تأسست على يد الرسليين الأمريكيين في مطلع القرن التاسع عشر المدرسة العالية الأمريكية التي كانت نواة الكلية السورية الإنجيلية في بيروت، والتي أصبحت عام 1866 الجامعة الأمريكية في بيروت، وكلية اللاهوت التي انتقلت إلى رأس بيروت وأضحت «كلية اللاهوت للشرق الأدنى».
ومن المدارس التي تجاوزت شهرتها حدود عبيه، كانت المدرسة الداوودية التي أسهم المتصرف داوود باشا، في زمن المتصرفية، مع أعيان الدروز في تأسيس المدرسة التي عرفت باسم المتصرف «الداوودية» بعد أن تمّ جمع أوقاف الدروز العامة في وقف واحد سمي بوقف الداوودية لتأمين مستلزمات ونفقات المدرسة والتعليم فيها كمدرسة داخلية مجانية. تلك المدرسة اليوم أضحت في عهدة الجامعة اللبنانية التي افتتحت معهداً للعلوم التكنولوجية فيها.
وكان هناك أيضاُ دار العلم العثماني وهي كناية عن مدرسة معارف (رسمية) ابتدائية انشأتها متصرفية جبل لبنان سنة 1895 واستمرت حتى نشوب الحرب العالمية الأولى. كما تمً إنشاء مدرسة راهبات مار يوسف، وهي مدرسة ابتدائية للبنات انشأتها الراهبات في أواخر القرن التاسع عشر، وكانت تعلم الفتيات فنون التطريز والخياطة.
ولعل من أبرز المعالم التربوية المعاصرة في عبيه هو مؤسسة «بيت اليتيم الدرزي» الذي أنشأه العلامة عارف بيك النكدي في بيروت1941 لمساعدة الأيتام وأبناء الفقراء، ونقلها إلى بلدته سنة 1955، حيث تضم اليوم نحو 500 طالب وطالبة تُقدّم لهم كافة الخدمات من تعليم وسكن ومأكل وحاجيات.
عمارة فريدة
وما يميّز القرية الآثار القديمة التي تعود إلى القرن الثامن ميلادي. فالقصور والبيوت والدور تتوزع على كامل البلدة تزينها نقوش فن الخط العربي والزخارف الهندسية والنباتية ومنحونات في داخلها وعلى واجهاتها. وتعود تلك العمارات في مجملها إلى الأمراء والتنوخيين والشهابيين وآل نكد من «البكوات» الذين حكموا المنطقة في فترة من الزمن.
ومن الآثار المشهورة، هناك حمام عربي وقناة مياه تصل من شاغور عبيه إلى عين الحمام، ويعود بناؤهما إلى القرن الرابع عشر ميلادي. وهناك سرايا تعرف بإسم سرايا الأمير منذر بن علم الدين سليمان، متولي بيروت في عهد الأمير فخر الدين، وهو الذي بنى في بيروت الجامع المنسوب إليه والمعروف بـ»جامع النوفرة». كما من الأبنية ما يعرف بـ»إيوان عبيه»، وهو بناء تنوخي يعود للقرن الخامس عشر مع اضافات أجراها الأمير قعدان شهاب عليه، ويعرف بقصر الأمير قعدان، وهو أصبح من الأملاك الخاصة.
ويربط بين العمارات التنوخية سوق قديم يعرف بـ»سوق عبيه القديم» يغلب على طابعه المعماري العقود والقناطر الحجرية، لكن هذا السوق يعتبر اليوم من أطلال القرية الذي ينتظر أن تصله يد الترميم.
قبلة الدروز
ما يلفت في عبيه، وجود العدد الكبير من المعالم الدينية، التي لا تقتصر على الدروز، وإنما أيضاُ على المسيحيين بتنوع مذاهبهم، إذ قد لا تكون هناك قرية في لبنان تحتوي على سبع كنائس تعود إلى مختلف المذاهب المسيحية، وهي كنيسة سيدة المعونات، وكنيسة المخلّص للروم الأرثوذكس، والكنيسة الإنجيلية، وكنيسة مار جاورجيوس للروم الكاثوليك، وكنائيس مار سركيس ومار مارون وباخوس للموارنة.
لكن عبيه تعتبر في الزمن الحاضر قبله الدروز، وذلك لاحتوائها على مزارات عدة: منها مزار الشيخ عسّاف بن صالح أمين الدين، وهو من العبّاد الأوائل الذي أقام في خلوة بناها في المطيّر- عبيه، ومنها أيضاً الشيخ أحمد أمين الدين الذي تولى مشيخة العقّال وأصلح خلافاً وقع بين الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط، فلقّبه الأمير بشير بالشيخ الرضي، ومنها كذلك مزار الشيخ أبو حسين محمود فرج المعروف بالتقوى ودقة المسلك، والمتوفي في سنة 1953.
أما القبلة الحقيقية للدروز، فهي مقام الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي، الذي ولد سنة 1417 وتوفي سنة 1479 ميلادية. وهو الملقب بـ»الأمير االسيد»، وعرف برؤيته الإصلاحية وبسعة العلم والإطلاع على جميع المذاهب الإسلامية، وقد أمضى فترة 22 سنة في جمشق، حيث علّم واجتهد في الفقه الإسلامي وترك تراثاً عقائدياً للدروز من شروح ورسائل وتفسيرات لغوية كان لها الأثر الفريد في تطوير الرؤية للتراث التوحيدي وما زال أبناء ومشايخ الطائفة يجهدون في مراعاة آرائه في المسك التوحيدي حتى اليوم.
ورغم وجود هذا الكم من الأبنية التراثية والتاريخ الغني والبيئة الطبيعية الفردية، فإن عبيه تعاني من تقصير شديد يطال بنيتها التحتية ومعالمها التاريخية وبيئتها الطبيعية، منه ما أسهمت فيه الحرب اللبنانية وتعّرضت المنطقة إلى التهجير، ومنه ما يعود إلى ضعف إمكانات الدولة في تخصيص الأموال اللازمة للحفاظ على معالم البلدة وتراثها.
ويقول رئيس بلدية عبيه غسان حمزة أن ما يسعون إليه اليوم أن يعيدوا إحياء المكانة التي كانت تحتلها البلدة على مر العصور. والطموح هو وضع عبيه على خريطة السياحة من جديد. فهي كانت مركز استقطاب للجبل، ومن أوائل القرى التي أضاءت شوارعها بالفوانيس، وشيدت فنادق وصل عددها إلى سبعة، وأنشأت مصانع الحرير، وتميز سوقها بتنوع حرفه وبضائعه. وأمام عجز الدولة عن المساهمة في إطلاق ورشة تأهيلية للمعالم والآثار، فإن البلدية وجمعياتها ومؤسساتها ومجتمعها المدني اتجهت نحو المبادرة من أجل تأمين التمويل لإعداد مخطط توجيهي يحدد الأوليات وسبل الترميم المطلوبة من أجل ضمان تمويل من المؤسات الخارجية التي تعنى بالآثار والتاريخ والبيئة والتراث. فالهدف هو تعزيز السياحة البيئية والتراثية والدينية.
ففي الأمس القريب، ومع قرنٌ مرّ على الظهور الأول للسيدة العذراء في فاطيما ـ البرتغال، شهدت عبيه حدثاُ دينياً بارزاً، تمثّل باختيار رئيس الطائفة اللاتينية في لبنان المطران سيزار أسايان لدير سيّدة الانتقال للآباء الكبّوشيين في عبيه لاحتضان تمثال اليوبيل المئوي للعذراء فاطيما. حصل ذلك في شهر أيار/مايو الماضي. ومذ ذاك التاريخ وإلى اليوم، يحج مئات المؤمنين من المسيحيين إلى عبيه من أجل التبرك بالعذراء في مقابل مئات من الدروز الذين يقصدون مقام السيد عبد الله للتبارك.
مشهد ليس من شأنه فقط أن يعزّز السياحة الدينية فحسب، بل أن يعزز نموذج العيش المشترك والسلام، والأهم أن يمتّن مصالحة الجبل بين المسيحيين والدروز، التي تحتاج إلى إرادة صادقة وتنقية ذاكرة في عمل دؤوب.
“في مقابل مئات من الدروز الذين يقصدون مقام السيد عبد الله للتبارك”
هذا لعمري خبر جد غريب إذ أن الدروز لا يسمون “عبد الله” أبداً بل لا يسمون عبد متبوع باسم الجلالة كعبد الرحمن وعبد الرحيم إلخ…ولم أسمع بكل حياتي عن اسم درزي واحد يسمى عبد…وأتحدى ذلك، مع أنني عشت زمناً مع الدرزو وفيهم الكثير من الأفاضل.
اسم خالي عبد اللطيف.. وفي عائلتي يوجد عبد الله واحمد ومحمد..
وانت ” لا تكفر احد معاذ الله”.. عم تقول عن الدروز طائفة وثنية.؟ يا عيني الواضح انك ما بتعرف شو الوثنية لحتى تعمل هالاستنتاج.. وما بتعرف مين هنن لدروز وشو يعني توحيد..
عيش حياتك ولا تشارك حدا رأيك وقت تكون مانك متأكد من معلوماتك
عذرا عالحديّة.. بس ثقتك استفزتني
أضافة إلى ما سبق، الدروز ليسوا مسلمين هم يقولون ذلك عن أنفسهم فأنا لا أكفر أحد معاذ الله. وأهم معتقد عندهم يتنافى مع العقيدة الإسلامية ألا وهو تناسخ الأرواح فالدروز طائفة وثنية منغلقة على نفسها فهم يؤمنون أن عدد الدروز ثابت لا يتغير فما أن يموت أحدهم حتى تستقر روحه بمولود جديد!!