عثرت على قصيدة

حجم الخط
0

زيزي شوشة: لم يتبق لنا سوى الحكايات المبتورة، وبعض الصور الفوتوغرافية التي بالكاد نتناولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أما الشارع فلم يعد لنا، أشياء كثيرة لم تعد لنا، هل يعني ذلك أن نفتش عن الحياة في مكان آخر؟
كنت دائما ما أردد هذا السؤال «هل أفتش عن الحياة في مكان آخر؟»، وبعد ليالٍ طويلة من القلق، والاضطراب، والمزاج السيئ الذي وصل في أحيان كثيرة إلى الاكتئاب، عثرت على هذا المكان، وكان هو نفسي.
لقد عثرت على نفسي متلبسة، وفي يدها قصيدة. هذا ما تركته لي الثورة، لقد عثرت على قصيدة مختبئة، معبأة بالغاز المسيل للدموع، مجروحة بالنهار القاسي، لكنها حتما، لا تصدق الشعارات، ولا تضع حول يدها الصغيرة، تلك القيود الأيديولوجية الدامية.
لقد عثرت على الشعر الذي هو بعيد حد الغرابة، يا لها من فرحة عارمة، أن أعثر على الشعر، يعني أنني عثرت، على الجمال، وسط هذا القبح. لهذا أنا أحب الثورة كأغنية حزينة دفأتني في ليلة باردة، وفي الوقت نفسه، أتحاشى الذهاب إلى ميدان التحرير، لست بحاجة لاستعادة تلك الأيام، أو تذكر الشعارات التي سقطت على الأسفلت، كي أكتب، الثورة دائما بداخلي، تغذي القصيدة، وتعريها، في الوقت نفسه.
ما زلت أذكر، ذلك اليوم، 24 يناير/كانون الثاني 2011. الضباب لم يكن عاديا، كان هناك شيء ما يلوح في الأفق. قبل هذا التاريخ بفترة قصيرة، تعرفت بالصدفة على مجموعة من الأصدقاء، فيما بعد ستجمعنا خيمة واحدة في ميدان التحرير، ثم يفرقنا السعي المرهق، وراء لقمة العيش.
قبل موقعة الجمل، بساعة واحدة، خرجت أنا وأحد الأصدقاء، من الميدان، لمقابلة رئيس مجلس إدارة الجريدة، المغمورة التي كنا نعمل بها، للحصول على 250 جنيها- كان هذا هو المبلغ الذي أحصل عليه شهريا- وهناك في إحدى غرف الجريدة المتهدمة، كان وجه صديقي ممتلئا بالدم، وكان علي، أن أنتزع منه قطع الزجاج التي اندست في لحمه، حيث سقط زجاج الشباك بالكامل، ليشوه وجهه.
الشاش الأبيض على وجه صديقي، الذي لم يشارك في موقعة الجمل، كان رمزا للبطولة، والنضال، وكان عليه هو الآخر أن يصدق هذا الأمر. فلا يزال هذا الصديق، ينام على حلم الثورة في الشوارع، ولم يعرف بعد أن الشارع لم يعد لنا، ولم يصدق أنني في غرفتي الشاحبة، أتحاشى الذهاب إلى ميدان التحرير، خوفا من ضياع القصيدة في وضح النهار الذي صار قاسيا.

عثرت على قصيدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية