والتعبير هذا استخدمته في معرض حديثها عن السياسات الإسرائيلية تجاه فلسطينيي 1948 والفلسطينيين في الأراضي المحتلة صديقة مصرية تعمل لدى مؤسسة مالية دولية وتذهب لأسباب مهنية إلى الدولة الوحيدة في عالم اليوم التي لا زالت تعتاش على جريمة الاستعمار الاستيطاني. لعدة النصب الإسرائيلية مكونات عديدة؛ حديث متواتر عن حكم القانون، وادعاء متكرر بصون حقوق وحريات المواطنين دون تمييز، واحتفاء بالانتخابات الديمقراطية التي تشارك بها أحزاب تمثل فلسطينيي 1948، واختزال لواقع الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية ووقائع العنف والحصار الممنهجين ضد أهل غزة إلى مقولات عن «الحرب المشروعة» على الإرهاب والإرهابيين وعن حماية المدنيين في إسرائيل من اعتداءات الفلسطينيين «غير الراغبين» في السلام.
مكونات عدة النصب الإسرائيلية هذه، وهدفها هو طمس الحقيقة بشأن التمييز الذي يعاني منه فلسطينيو 1948 وجرائم الاحتلال والاستيطان والحصار التي ترتكب في الضفة الغربية وغزة والترويج لإسرائيل كواحة للديمقراطية، سرعان ما تتهاوى فاقدة للمعنى والمضمون ما أن يسلط ضوء النهار على «حكم القانون» الذي من جهة يمكن المستوطنين من اغتصاب الأراضي الفلسطينية وطرد أصحابها دون مساءلة أو محاسبة، ومن جهة أخرى لا يردع الآلة العسكرية الإسرائيلية لا عن القتل الممنهج للمدنيين الفلسطينيين حين يقاومون سلميا في الضفة وغزة ولا عن استخدام القنابل المحرمة دوليا.
سرعان ما تنزع المصداقية عن عدة النصب الإسرائيلية ما أن ينظر في يوميات التمييز ضد فلسطينيي 1948 الذين ينتقص من حقوقهم وحرياتهم الشخصية والمدنية والسياسية، فلا يسمح لهم وهم مواطنون إسرائيليون ببناء المنازل في قراهم ومدنهم بل تصادر أراضيهم وتهدم بيوتهم، ويمنعون إجمالا من سكن القدس، ويهمش التدريس باللغة العربية في كافة المراحل التعليمية في مسعى إجرامي للقضاء على الهوية العربية، ويتوالى فصل موظفي العموم بين صفوفهم بادعاء تورطهم في التحريض ضد دولة إسرائيل لكونهم انتقدوا الجرائم التي ترتكب في الضفة وغزة أو طالبوا فلسطينيي 1948 بعدم التجند في «جيش الدفاع»، وتكثر ضدهم الممارسات العنصرية التي تروج لها بعض وسائل الإعلام مثلما تتردد أصداؤها بين جنبات المؤسسة التشريعية (البرلمان) وفي قاعات المحاكم.
أما الانتخابات البرلمانية الدورية المحتفى بها كدليل الديمقراطية الأبرز وأداة لتمكين فلسطينيي 1948 من اختيار ممثليهم في الكنيست والتأثير في صناعة القوانين والسياسات العامة وتخصيص الموارد المالية، والتي يشارك بها بالفعل سياسيون عرب وأحزاب سياسية عربية (عدد النواب العرب في الكنيست الحالي الذي أجريت انتخاباته في 2015 هو 16 من إجمالي 120 نائبا، علما بأن نسبة العرب تتجاوز 20 بالمئة من إجمالي سكان إسرائيل)، تلك الانتخابات حصادها الدائم هو أغلبيات برلمانية تمرر قوانين عنصرية وتمييزية. ومن الأمثلة ضرورية الذكر في هذا الصدد يأتي قانون الجنسية الذي يشترط القسم على «يهودية دولة إسرائيل» لمن يحمل جنسيتها ويعطي للمحاكم الحق في إسقاط الجنسية عن «المتورطين في مخالفات تمس أمن الدولة»، والأمران يمكن توظيفهما لسحب الجنسية عن فلسطينيي 1948 الذين يرفضون الاعتراف بيهودية الدولة أو الذين تدفع السلطات باتجاههم باتهامات فضفاضة كالتحريض ضد إسرائيل والتعاطف مع الإرهابيين وتستطيع المحاكم إسقاط جنسيتهم.
ومن بين القوانين التمييزية أيضا قانون خصخصة أراضي اللاجئين الذي يخول الحكومة الإسرائيلية نزع ملكية الأراضي التي كانت سابقا بحوزة أسر فلسطينية أجبرت منذ أربعينيات القرن العشرين على الارتحال واللجوء إلى المنافي وصادرتها السلطات، ويمكن قانون الخصخصة الحكومة من نقل ملكية الأراضي المصادرة إلى الدولة ثم طرحها للشراء والبيع ضاربة عرض الحائط بحقوق أصحابها الأصليين. وفي التحليل الأخير، تصطنع مثل هذه القوانين بيئة «أبارتيد الأمر الواقع» التي تحيل فلسطينيي 1948 إلى خانات مواطنة الدرجة الثانية وتنزع عن تشدق حكومات إسرائيل بمواطنة الحقوق المتساوية كل معنى ومضمون.
وفي الضفة الغربية التي يواصل الاستعمار الاستيطاني المدعوم والممول والمحمي حكوميا ابتلاع أراضيها، يسهل تفكيك عدة النصب الإسرائيلية باستدعاء قواعد القانون الدولي والقرارات الأممية التي تجرم الاستيطان في الأراضي المحتلة ولا تعترف بالفوارق الوهمية التي يختلقها البعض للتمييز بين ما يسمونه مستوطنات وما يشيرون إليه كمستوطنات غير شرعية، فكل المستوطنات لا شرعية لها وهي عنوان جرائم اغتصاب للأرض الفلسطينية وانتهاك لحقوق الشعب الفلسطيني لن تسقط بالتقادم. تتهاوى مكونات عدة النصب الإسرائيلية المستندة إلى الادعاء بكون الدور العسكري والأمني لسلطة الاحتلال في الضفة الغربية هدفه هو مواجهة الإرهاب وحماية المدنيين، فمصادرة الأراضي لبناء المستوطنات وطرد السكان الفلسطينيين من القدس الشرقية ومنع المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى والاعتداءات المتكررة لعصابات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وجرائم تهديم البيوت التي ترتكبها القوات الإسرائيلية تمثل جميعا صنوفا من إرهاب دولة الاحتلال ومن إرهاب المستوطنين المحتلين ضد الفلسطينيين الذين تمتنع أغلبيتهم الساحقة عن التورط في جرائم إرهاب أو أعمال عنف ضد المدنيين الإسرائيليين وتدين كل ابتعاد عن الالتزام بالمقاومة السلمية للاحتلال وللاستعمار الاستيطاني.
وبالمثل أيضا لا تصمد طويلا الادعاءات الإسرائيلية فيما خص قطاع غزة، فالحصار والضربات العسكرية المتتالية واستخدام الذخائر المحرمة دوليا وقتل المحتجين السلميين كما يحدث هذه الأيام في «مسيرات العودة» جميعها ممارسات تندرج في خانات إرهاب دولة الاحتلال وخانات الممارسات الانتقامية ضد شعب يرفض الاستسلام للظلم ويأبى التنازل عن حقه في تقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وطرد المحتل وإعادة اللاجئين من الشتات.
٭ كاتب من مصر
عمرو حمزاوي
يجب على الكُتاب العرب والمسلمين وصف هؤلاء الغُزاة والمحتلين بالصهاينة
أما الأرض فستبقى فلسطين رغماً عن العالم كله
ولا حول ولا قوة الا بالله