أنور عشقي، اللواء السعودي المتقاعد، يغرّد على «تويتر» باسمه الشخصي، كما يعلن مراراً وتكراراً؛ الأمر الذي لا ينطلي على العارفين بأنه في عداد حلقة ضيقة مقرّبة من هرم صناعة القرار في المملكة، وبالتالي فإنه غالباً لا ينطق عن هوى شخصي في المسائل العامة وذات الحساسية الخاصة. وقبل أيام، في ذروة التطاحن العسكري الذي شهدته مدينة عدن بين ميليشيات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وألوية الحماية الرئاسية، الذي أسفر عن سقوط المجمّع الحكومي في المعاشيق؛ غرّد عشقي هكذا: «الحل في اليمن يكمن في أن تكون حكومة في الشمال برئاسة زعيم من الشمال وليكن أحمد علي صالح، وحكومة في الجنوب ولتكن بقيادة عيدروس الزبيدي، في ظل قيادة فيدرالية برئاسة عبد ربه منصور هادي، والله الموفق».
تلك كانت إشارة أولى إلى أنّ الرياض، أو على الأقلّ خيارات محمد بن سلمان، بوصفه راعي المغامرة العسكرية السعودية في اليمن؛ ليست على تناقض تامّ مع السلوك العسكري الانفصالي الذي انزلقت إليه ميليشيات عيدروس، بل قد ترى فيها خطوة عملية من أجل إعادة خلط الأوراق في الجنوب، على نحو يلبّي مصالح الإمارات العربية المتحدة هناك، دون أن يضرّ بالمصالح السعودية في مناطق الشمال. «شمال» و«جنوب»، إذن، وفق المنطق الذي ألمح إليه عشقي في تغريدته؛ والثنائية، ذاتها، ترددت أصداؤها في تصريحات الزبيدي. وهذا الأخير شدد على تقصير حكومة أحمد بن دغر «الفاشلة»، التي «خنقت شعب الجنوب، من خلال رداءة الخدمات وتعطلها، بدءاً بأزمات الوقود والعطش وغلاء الأسعار، وارتفاع الدولار»؛ كما أطلق تصريحه الأكثر دراماتيكية، بأنّ «الجنوبيين يجب أن يشاركوا في أي مفاوضات سلام قادمة»، وبدا فيه كمَنْ ينطق باسم «دولة» أخرى وليس المجلس الانتقالي» وحده.
التطورات اللاحقة أوضحت حدود هذه «الهبة» العسكرية، حين تدخلت قوات التحالف التي لا يملك الزبيدي رفاه عصيان أوامرها، فانسحبت ميليشياته من المعاشيق، ولاح أنّ الوضع استتب إلى الحال التي كانت عليه قبلئذ. ليس من دون طارئ كبير، في واقع الأمر: أنّ خلط الأوراق قد ابتدأ بالفعل، إذْ لم يعد «المجلس الانتقالي الجنوبي» مجرّد ميليشيا يقودها لواء/ محافظ سابق للعاصمة المؤقتة عدن، بل صار يزعم ـ زوراً وبهتاناً، أو تعبيراً عن شرائح اجتماعية وسياسية فعلية ـ النطق باسم معادلة الجنوب بأسرها؛ ولن يطول الوقت حتى يسعى إلى مصادرة قضية الجنوب التاريخية، ويستولي على «حراك الجنوب» العريق إياه.
لم يكن مستغرباً، والحال هذه، أن فادي باعوم، رئيس المكتب السياسي لـ»الحراك الثوري لتحرير الجنوب»، انتقد بشدّة ممارسات الزبيدي المتأرجحة والمتناقضة، خاصة بعد إعلان الأخير تعاطفه مع حزب «المؤتمر الشعبي العام»، ومع العميد طارق صالح نجل شقيق علي عبد الله صالح. وقال باعوم: «المجلس الانتقالي يؤكد وقوفه مع شرعية هادي، ويسقط حكومته، ويحاصرها ويهدد بطردها من عدن، فيطرد بن دغر [الحضرمي] ويبقي طارق [الشمالي] في عدن»؛ معتبراً أنّ ما شهدته عدن ليس سوى «صراع الأدوات لا غير، وفاقد الشيء لا يعطيه».
وعلى نحو ما، وريثما ينقشع غبار المعارك الأخيرة (في انتظار جولات قادمة؟)؛ من الإنصاف الافتراض بأنّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يواصل سداد ديون متراكمة، لقاء تبعيته التامة للرياض وإملاءات التحالف، من جهة أولى؛ وكذلك لتصفيات الحساب الصغيرة والضيقة، التي وضعت نجله (قائد ألوية الحماية) وجهاً لوجه أمام ربيبه (الزبيدي)، من جهة ثانية. وذاكرة عدن المعاصرة تسجّل أنّ عيدروس، الجنرال/ المحافظ، كان قد نظّم للرئيس تظاهرة تأييد «مليونية» في ساحة العروض، تنديداً بخطة الأمم المتحدة للسلام؛ فكيف يُلام قائد ميليشيات «الانتقالي» إذا طُلب منه اليوم أن يذكّر هادي، راعيه السابق، بأنّ الرعاة الجدد كفلوا له ورقة تفاوضية… ذات نواجذ!
صبحي حديدي
*للأسف حرب (اليمن) طالت أكثر
مما يجب بسبب تخبط جميع الأطراف
وعدم وضوح الهدف من هذه
الحرب المجنونة..؟!
*كان الله في عون الشعب اليمني المنكوب.
سلام