لندن ـ «القدس العربي»: انضم الشاب الفرنسي بول بوغبا، لقائمة المُهددين بالطرد من جنة المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، بعد توتر العلاقة بينهما على «الصعيد المهني»، منذ قدوم صاحب القميص رقم (7) الجديد أليكسيس سانشيز من آرسنال، في الصفقة التبادلية التي انتقل بموجبها صانع الألعاب الآرميني هنريخ مخيتاريان إلى أصحاب الجزء الأحمر من شمال لندن، رغم أن أغلب أنصار النادي والنقاد الرياضيين، توقعوا حدوث العكس تماما، على الأقل كان من المُفترض أن يجد أغلى لاعب في العالم سابقا، حرية أكثر في الثلث الأخير من الملعب، في ظل وجود لاعب بجودة وحجم هداف تشيلي التاريخي، قادر على خلخلة أي دفاع وفتح مساحات للاعب الوسط الحر القادم من الخلف إلى الأمام بدون مراقبة.
بداية الصدام
من شاهد بوغبا مع يوفنتوس سواء تحت قيادة أنطونيو كونتي أو مع ماسيميليانو أليغري، ما زال يتذكر لمحاته الإبداعية والدور الكبير الذي كان يُقدمه، خصوصا في الشق الهجومي، بتواجده في الأماكن الصحيحة، وحُسن تصرفه بالكرة، في مكانه المُفضل كصانع ألعاب وهمي يأتي من الجهة اليسرى عندما تتحول طريقة 3-4-3 إلى 4-1-4-1 ونفس التحول يحدث في طريقة 4-3-3، لكن من سوء طالعه أنه اصطدم منذ البداية بإستراتيجية «سبيشال وان»، وفلسفته باعتماده على طريقة 4-2-3-1 في جُل المباريات، هذا في حد ذاته، أعاق توهج بوغبا بألوان ناديه السابق من الناحية «الفنية»، بخلاف الضغوط النفسية التي تعرض لها، لحاجته لإظهار كل ما لديه في أسرع وقت، ليُثبت أنه يستحق المبلغ المدفوع فيه!
ورغم أن شريحة لا يُستهان بها من الجماهير صنفت موسم بوغبا الأول مع اليونايتد على أنه «جيد»، لكن في حقيقة الأمر هو لم يكن كذلك، بدليل أنه حتى بعد الهالة الإعلامية الضخمة، اكتفى بتسجيل خمسة أهداف، في دوري كالبريميرليغ، من المفترض أن جُل فرقه تلعب بطرق هجومية، وبلغة الكرة «دوري مليء بالمساحات الشاغرة»، عكس الكالتشيو المعروف بأساليبه الدفاعية البحتة، ولنا في صلاح خير مثال. صحيح الدوري الإيطالي هو من أعاد الفرعون إلى الحياة مع فيورنتينا وروما، لكن مع ليفربول أصبح صلاح حديث العالم أليس كذلك؟ أما بوغبا… فالواقع يقول أن أوضاعه تسير من سيئ إلى أسوأ تحت قيادة مورينيو.
كان طبيعيا أن تُبادر وسائل الإعلام البريطانية بالتكهن حول الضحية المُنتظرة لصفقة أليكسيس سانشيز، والأغلبية اتفقت أن خوان ماتا سيكون الأقرب، لدرجة أن اسمه اقترن بالعودة إلى ناديه السابق فالنسيا في آخر ساعات الميركاتو، لكن مع الوقت تبين أن أكبر الضحايا حتى الآن هو بوغبا، فهو لم يختف بريقه (قبل مواجهة إشبيلية)، بتراجع مستواه، الذي تسبب في استبداله مرتين في الأسابيع الأخيرة أمام نيوكاسل وتوتنهام وجلوسه على الدكة بعد ذلك، بل وصلت الأزمة لأبعد من ذلك، بعشرات التقارير التي تُراهن على رحيله من «مسرح الأحلام» قبل أو بعد كأس العالم، استنادا للتصريحات المنسوبة إليه، بخصوص ندمه على خطوة العودة إلى بيته القديم، ويُقال أيضا أنه يدفع ثمنها بجلوسه على المقاعد، أما مورينيو، فاعترف على الملأ أن عدم ظهور بوغبا بشكل جيد، هو سبب جلوسه على مقاعد البدلاء.
كلمات «المو»، أوقدت شرارة الهجوم عليه شخصيا قبل اللاعب، لاتهامه بعدم استغلال موهبة متفجرة كبوغبا، بإيجاد طريقة أو أسلوب «يستوعب» الأخير وسانشيز معا، وبالنظر إلى الطريقة المُفضلة لمورينيو في الوقت الراهن وهي 4-2-3-1، بالاعتماد على بوغبا كلاعب وسط دفاعي محوري، سنفهم سبب معاناته، لأنه تأسس على اللعب بأريحية بدون التقيد بالركض في أمتار مُعينة، وكأنه «قطعة شطرنج» في يد المدرب، والآن وفي وجود وفرة غير مسبوقة في مركز المهاجم السريع مثل ماركوس راشفورد وأنطوني مارسيال والمتألق في الآونة الأخيرة جيسي لينغارد وقبلهم أليكسيس سانشيز وشريكه الأساسي روميلو لوكاكو، سيكون من الصعب جدا أن يُعيد مورينيو أفكاره لإرضاء بوغبا على حساب الفريق.
ما حل بوغبا؟
حتى تتفجر موهبة الدولي الفرنسي مع اليونايتد قبل فوات الآون، يتعين على مورينيو أن يُعدل أسلوبه لـ4-3-3، بوضع بوغبا كلاعب وسط حر، يقوم بنفس الدور الذي يلعبه إريكسن مع توتنهام أو باولينيو مع برشلونة، وقبلهما كان فرانك لامبارد وتشافي، لكن هذا سيأتي على حساب اثنين من الثلاثي راشفورد ومارسيال ولينغارد، لأن ثنائي الوسط الآخر يجب أن يكون من أصحاب النزعة الدفاعية، وأفضل شريك قادر على القيام بالمهمة جنبا إلى جنب مع ماتيتش هو الإسباني أندير هيريرا، الذي فقد مكانه هو الآخر، بعدما كان من أهم الأعمدة الأساسية طوال الموسم الماضي، بل كان يحسده الجميع داخل النادي على علاقته المتميز جدا بمدربه البرتغالي، إلا أن خان العهد، وقام بدعوة أحد رفاقه لمشاهدة تدريبات الفريق من أرض الملعب، منذ تلك اللحظة لم تعد العلاقة بينهما كما كانت في السابق، إلا إذا قرر المدرب التضحية باثنين من ثلاثي الهجوم الشباب، لعمل توازن في الوسط من جانب، ولإعطاء بوغبا الحرية التي يبحث عنها في الثلث الأخير من الملعب، كي يُظهر قدراته الخاصة في المراوغة والتسديد أمام منطقة الجزاء من جانب آخر.
ويبدو منطقيا أن مورينيو لن يُجازف باللعب ببوغبا وهيريرا بجانب ماتيتش، على حساب اثنين من ثلاثي الهجوم الشاب، وبقاء الوضع كما هو عليه لفترة أطول، سيفتح المجال أكثر نحو نهاية مستقبل واحد من الاثنين، إما مورينيو أو بوغبا في فصل الصيف المقبل، فالأخير لن يَقبل لعب دور لاعب المحور المدافع الثاني لفترة طويلة، فما بالك لو تكرر سيناريو استبداله وإجلاسه على مقاعد البدلاء! في الغالب ستصدق التوقعات التي تربط مستقبله بريال مدريد. الاحتمال الثاني أن يفشل مورينيو في تحقيق الأهداف التي دفعت الإدارة للتجديد معه لعامين إضافيين بخلاف عامه المتبقي.
مورينيو عدو النجوم؟
هذا الانطباع أُخذ عن مورينيو منذ بدايته في عالم التدريب، عندما تحدى البرتغال بأكملها، وأصر على إجلاس الحارس الشهير فيتور بايا على مقاعد البدلاء، في ثاني مواسمه مع بورتو، بقرار تأديبي، حتى في ولايته الأولى مع تشلسي، دخل في صدام عنيف مع المدافع الفرنسي ويليان غالاس، انتهى بانتقال اللاعب إلى آرسنال عام 2006، ومع الإنتر لم يسلم منه ماريو بالوتيلي، ومؤخرا بدأ يُلاحقه وصف «عدو كرة القدم»، بسبب أسلوب «الحافلة»، الذي يلعب به أمام الفرق الكبيرة على ملعبها، وأيضا لتساهله في بيع النجوم، كما فعل مع صلاح ودي بروين وقائمة عريضة تضم أسماء من نوعية ليوناردو بونوتشي (مــع الإنتر)، ولوكــاكو ومـــاتا وفيليـبي لويس وبيتر تشيك وخــوان كوادرادو (في ولايته الثانية مع البلوز).
الشاهد أن بوادر الصدام بين مورينيو وبوغبا ليست الأولى من نوعها، فبجانب الأمثلة الأخيرة، دعونا لا ننسى أبدا أن «سبيشال وان» كان السبب الرئيس في رحيل أسطورة حراسة ريال مدريد إيكر كاسياس، ولو امتدت ولايته أكثر من النادي الملكي، لكان ابن جلدته بيبي أول المغادرين في صيف 2013، بعدما أعلن انحيازه للقديس كاسياس في منتصف الموسم، ومعه الرأس الكبير رونالدو، الذي دخل في مشادة كلامية مع مورينيو أمام الشاشات، بعدما أهدر فرصتين أمام فالنسيا في موسم «المو» الأخير، وتأكد العداء بعد رحيل المدرب الذي قال: «لم يكن رونالدو يتقبل النصائح الخططية، كنت أحدثه فلا يستمع… هناك من يظنون أنفسهم أكبر من التعلم والتطور كلاعبين… دربت لاعبين عظماء في سن صغيرة مثل ريفالدو وفيغو وغوارديولا ورونالدو، وأعني هنا رونالدو الحقيقي».
ومن ينسى ما فعله في أسابيعه الأخيرة في ولايته الثانية مع تشلسي؟ هذه المرة كانت الضحية الطبيبة الإنسانة إيفا كارنيرو، التي أُهينت أمام الملايين، فقط لأنها قامت بعملها لإسعاف إيدين هازارد من إصابته، والفريق منقوص لاعبا، وهو ما برره المدرب على أنه «جهل» من الطبيبة، لأنها أجبرت تشلسي على لعب أكثر من دقيقة بتسعة لاعبين أمام سوانزي! لكن بعد فترة قليلة، أُقيل من منصبه ولم يكن مضى على تتويجه بلقب البريميرليغ أكثر من ستة شهور، وهذا بطبيعة الحال بعد سلسلة من الصدمات العنيفة مع النجوم، الذين اتهمهم بـ»الخيانة» أثناء عودته من رحلة ليستر الأخيرة، وهو في انتظار الإقالة بعد الهزيمة أمام كتيبة كلاوديو رانييري، والمفارقة أنه باستثناء فترة عمله في إيطاليا مع الإنتر، كانت دائما مشاكله تتفجر مع بداية موسمه الثالث مع فرقه السابقة، لكن الشيء المُلاحظ أنها بدأت مُبكرا مع اليونايتد، فعلى مدار موسم ونصف الموسم اصطدم بلوك شو وفل جونز وكريس سمولينغ وتسبب في رحيل مخيتاريان، وفي نهاية الموسم الماضي لم يُشرك دي خيا في نهائي الدوري الأوروبي، والسؤال الآن: هل سيجد مورينيو ضالة بوغبا داخل تشكيلة اليونايتد الأساسية؟ أم سينجح بإستراتيجيته ويُجبر اللاعب إما على البقاء لخدمة الفريق أو البحث عن مجده الشخصي في مكان آخر؟