عزل غزة عن مصر قائم منذ عهد حسني مبارك. ما يقوم به حالياً عهد عبد الفتاح السيسي هو عزل مصر عن غزة. هل هو مقدمة لاعتزال مصر قضية فلسطين… او ما تبقّى منها؟
عزل غزة جرى بأساليب عدة، التحكّم بالمعابر، التحكّم بانتقال الافراد والجماعات، التحكّم بالتبادل التجاري ومفرداته وبالغذاء والدواء، منع وصول السلاح والعتاد، وتوسيع شقة الخلاف بين حكومتي غزة ورام الله.
صحيح ان بعض ضباط الجيش المصري غضّوا النظر، بعلم مبارك أو من دون علمه، عن قيام تنظيمات المقاومة الفلسطينية في غزة بحفر انفاق تربط القطاع بسيناء، ما مكّنها من نقل اسلحة وصواريخ ورجال وعتاد وسلع ومواد عبرها بانتظام، لكن المفارقة اللافتة انه مع انهيار نظام مبارك عقب ثورة 25 يناير 2011 اشتدت رقابة القوات المسلحة المصرية على المعابر وانتقال الافراد والمواد والاموال عبرها، بل كادت الحركة عبر الانفاق تتوقف بعد حرب «اسرائيل» الاخيرة على القطاع هذا العام.
عملية عزل غزة تعاظمت مؤخراً بقيام السلطات المصرية بتدابير من شأنها عزل مصر عن القطاع، بإقامة شريط بري عازل في منطقة رفح بطول 13 كيلومتراً وعرض لا يقـل عن 500 متر، ما يـؤدي الى قسمة المدينة المصرية الفلسطينية المتداخلة الى جزءين، واقامة خندق مائي وراءه للحؤول دون حفر انفاق تربط القطاع بسيناء، هذا ناهيك عن تدمير ما تبقّى من الانفاق التي كان بوشر بإزالتها في بداية عهد محمد مرسي، والتشدد في اغلاق البحر لإحكام الطوق على القطاع من جميع الجهات.
رافق هذه التدابير القاسية حملة اعلامية مركّزة على المقاومة الفلسطينية في غزة عموماً وحركة «حماس» خصوصاً. القائمون بالحملة ينتمون الى نظام السيسي، كما الى اوساط مبارك. غايتهم تأجيج اتهام «حماس» بأنها حركة «إخوانية» وانها تدعم الاخوان المسلمين على جميع المستويات، وبالتالي توفّر السلاح والعتاد للتنظيمات الإرهابية التي تعتدي على الجيش المصري في سيناء، كما على المنشآت الاقتصادية الحيوية، ومنها خط الغاز المصري الذي (كان) يموّن «اسرائيل» والاردن.
صحيح ان تدمير الانفاق واقفال المعابر وإغلاق البحر في وجه الفلسطينيين في قطاع غزة ليس نهاية العالم، وانه في مقدور تنظيمات المقاومة التزوّد بالسلاح والعتاد بطرق شتى، لكن ذلك كله يطرح اسئلة ثلاثة مفتاحية:
اولها، ما الغاية المتوخاة من هذه التدابير القاسية؟
يعتقد بعض المراقبين والخبراء ان الغاية منها الحجرُ على المقاومة في قطاع غزة وشلّ حركتها وتنفيس فعاليتها، كثمن تُقدمه مصر الى الغرب الاطلسي و»اسرائيل»، لقاء قروض ومنح مالية ومساعدات اقتصادية وفنية تحتاجها مصر في هذه المرحلة، وليس من سبيل الى الحصول عليها إلاّ من دول الغرب الاطلسي وحلفائه الإقليميين.
ثانيها، هل التدابير القاسية المتخذة مُجدية فعلاً؟
يتردد في الاوساط القيادية الفلسطينية ان جدواها محدودة، ذلك ان في وسع المقاومة تجاوزها بجملة تدابير «علاجية»، ليس اقلها حفر انفاق اخرى في مناطق بعيدة نسبياً من منطقة رفح ومتصلة بعمق سيناء. كما في وسع المقاومة اعتماد طرائق معقدة في البر والبحر لنقل الاسلحة وبعض التجهيزات الخاصة الى داخل القطاع. غير ان أفعل وسائل «المعالجة» ما قامت وتقوم به تنظيمات المقاومة، وهو تصنيع بعض الصواريخ محلياً وتجميع بعضها الآخر مما يمكن تهريب قطعه الاساسية الى القطاع.
ثالثها، الى اين من هنا؟
لعله السؤال الأهم والأخطر. ذلك ان عزل غزة عن مصر، تحت الارض وفوقها، وعزل مصر عن غزة، براً وبحراً، يشكّلان نهجاً سياسياً مغايراً يمكن ان يؤدي، عاجلاً او آجلاً، الى اعتزال مصر القضية الفلسطينية. وعندما تعتزل مصر القضية على هذا النحو لا يبقى لها سبيل وبالتالي دور تلعبه على الصعيد الاقليمي. اجل، فلسطين هي المدخل الطبيعي، السياسي والإستراتيجي، لتعاطي مصر مع محيطها القومي والاقليمي، وعندما تفقد هذا المدخل او تعطله يصعب عليها كثيراً تعويضه بأي سبيل او مدخل آخر.
الى ذلك، سيؤدي انتهاج هذه السياسة الانعزالية الى ردة فعل سلبية وربما الى اختلالات مؤذية في الداخل المصري، بسبب افتقاده الى اسباب مشروعة.
صحيح ان بعض قادة «حماس» ذوو اصول «اخوانية «، لكن الحركة نفسها، قيادةً وسياسةً واداء مقاوماً، ليست اخوانية. ولو كانت «حماس» اخوانية لما حظيت بالدعم السياسي واللوجستي الذي سخت به عليها كل من سوريا وايران وحزب الله. حتى بعد الإشكال الذي نجم عن دعم بعض انصار «حماس» في مخيم اليرموك الفلسطيني لتحركات المعارضين في الشهرين الاول والثاني من مظاهرات ما يُسمّى «الربيع العربي» في درعا ومدن سورية اخرى، فقد أمكن تسوية الإشكال بدليل عدم توقف حزب الله وايران عن دعم جميع تنظيمات المقاومة في قطاع غزة، الذي تجلّى في ردها الصاروخي المؤثر على «اسرائيل» في حربها الاخيرة على قطاع غزة.
من المفارقات اللافتة ان تظهير سياسة مصر الانعزالية يتزامن مع تصعيد حكومة نتنياهو هجمتها الاستيطانية الضارية على القدس والضفة الغربية، كما اعتداءات مستوطنيها على المسجد الاقصى، بقصد احتلاله وتقسيمه. اكثر من ذلك، اذ تشكو مصر من تصعيد التنظيمات الإرهابية الموالية لـِ»القاعدة» عملياتها في سيناء ويعلن بعضها بيعته لـِ»الدولة الإسلامية داعش»، يشكو ضابط رفيع في القيادة العسكرية الإسرائيلية من قيام سلاح الجو الامريكي بقصف مواقع «داعش» في سوريا بدعوى أن من شأنه ان يقوّي نظام الرئيس بشار الاسد، مؤكداً ان سوريا وايران وحزب الله و»حماس» تهدد «اسرائيل» اكثر مما تفعل «داعش».
كل ما تقدّم بيانه يؤكد ان الخطر الاول والحقيقي الذي يواجه مصر ليس «الاخوان» في المقاومة الفلسطينية بل «اسرائيل» العدوانية التوسعية ومن يقف معها ووراءها، وان قضية فلسطين هي قضية المصريين مثلما هي قضية الفلسطينيين، ذلك انها مدخل مصر وطريقها الى استعادة دورها القومي والاقليمي.
٭كاتب لبناني
د. عصام نعمان
مع الأسف أن الطعنة للمقاومة تأتي من الخلف
ومن مصر وجيشها بالذات
لا زلت أكرر أن من قتل السادات عسكري من جيش مصر
لا أستبعد انقلابا على الانقلاب بسبب الظلم الواقع على بعض أفراد الجيش
ولا حول ولا قوة الا بالله