بيروت ـ « القدس العربي»: تحوّلت الصحافة في لبنان فعلاً إلى مهنة المتاعب وباتت تخبىء لأقلامها المفاجآت يوماً بعد يوم. ويمكن القول إن شهر نيسان/ابريل تحوّل إلى نيسان أبريل الأسود على عالم الصحافة والإعلام في لبنان. وإذا كانت صحيفة «السفير» تجاوزت مؤقتاً قرار الاقفال في الأول من نيسان وحوّلت الأمر بالفعل إلى «كذبة أول نيسان»، إلا أن كل القرارات التي نزلت على رؤوس الإعلاميين في لبنان لم تكن كذبة بل كانت حقيقة بدءاً بإقفال مكاتب قناة «العربية» بقرار مفاجىء إلى وقف بث قناة «المنار» على الشركة المصرية للأقمار الاصطناعية «نايل سات» وصولاً إلى اقفال مكتب الموقع الالكتروني «الشارقة 24 « وتسريح موظفيه.
وإذا كان كأس الاقفال المر لم يطل بعد مؤسسات إعلامية أو يهدّد بحجب البث عنها إلا أن الصحافيين اللبنانيين باتوا لا يُحسدون على ما يعيشونه بل إنهم باتوا يدفعون أثماناً باهظة نتيجة تورط فريق لبناني في لعبة المحاور الاقليمية متخذاً من لبنان رأس حربة في الصراع الدائر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنبراً إعلامياً لاستهداف دول الخليج تحديداً والعروبة بشكل عام، ومستغلاً قوة ونفوذ الإعلام اللبناني للتصويب على الأنظمة العربية وخصوصاً ما يسميه حزب الله «نظام آل سعود» مطلقاً الاتهامات ومستعيداً الدعاية السياسية التي كانت سائدة في الأنظمة الديكتاتورية والفاشية لتجييش الرأي العام ومخاطبة الغرائز بدل مخاطبة العقول.
هذا التخاطب غير المعهود في اللغة السياسية من قبل حزب الله، وهذا القتال على أكثر من جبهة في سوريا واليمن والعراق وحتى إنشاء خلايا في مصر والبحرين مضافاً إليها امتناع لبنان عن التصويت على قرار إدانة الهجوم على السفارة السعودية في إيران والانضمام إلى الاجماع العربي، دفع بدول مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ القرار بفرض عقوبات على الدولة اللبنانية بدءاً بوقف الهبة السعودية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار ثم قرار منع السفر للرعايا الخليجيين إلى بيروت وصولاً إلى القرارات ذات العلاقة بالإعلام من اقفال مكاتب «العربية» إلى كاريكاتير «الشرق الأوسط» الساخر من الدولة اللبنانية وصولاً إلى قرار «نايل سات» بفرض ضوابط على مضمون ما تبثه القنوات التلفزيونية لعدم إثارة النعرات الطائفية بعد قرار «عرب سات» بحجب بث قناة «المنار». فبدأ الإعلاميون يشعرون بأنهم يتحوّلون الى ضحايا للأزمات السياسية ويعيشون متاعب السياسة وسلبياتها. وبحسب الإعلامية دنيز رحمة فخري في قناة MTV فإن «عالم الإعلام يعيش بلا شك أوقاتاً صعبة في لبنان وخوفاً على المستقبل، ونشهد على اقفال مكاتب عريقة مثل «العربية» ولا أعرف إن كانت الأسباب فقط أمنية. فإذا اعتمدنا بيان «العربية» فهم يعزون الامر إلى أسباب أمنية ولكن لا يمكن فصل مثل هذه الخطوة عن الضغط على حزب الله». وقالت لـ «القدس العربي» : « نتيجة هذا الأمر لدينا الآن 27 إعلامياً وضعوا على قارعة الطريق في ظل علامات استفهام عن ماهية مجالات العمل في لبنان، في وقت تتأخر فيه معظم المؤسسات الإعلامية في دفع الرواتب، وكانت صحيفة «السفير» على وشك الإقفال، ويحكى عن عزم جريدة «النهار» الانتقال إلى الموقع الالكتروني».
وقال الصحافي في جريدة «الأنوار» احمد عز الدين لـ «القدس العربي» إن «الإعلام في معظم بلدان العالم ليس مشروعاً تجارياً بل هو مشروع سياسي يعبّر عن رأي فريق، ومن دون الدعم السياسي والمالي لا يمكن للإعلام أن يستمر. وإن اقفال الأبواب الخليجية على الإعلام اللبناني حالياً هو بمثابة الكارثة، وإن كان البعض يصارع للبقاء إلا أنه لن يتمكن من ذلك خصوصاً أن القوى اللبنانية غير قادرة لا من ناحية الدعم السياسي ولا من ناحية التمويل على أن تعوّض الدعم الخليجي وتحافظ على استقلالية المؤسسة. وأعتقد أن المؤسسات الإعلامية إما ستحد من رواتب الموظفين أو ستستغني عن قسم منهم وتصل إلى محظور خطير».
وتقول الصحافية الاقتصادية فيوليت بلعة «جيد ان يستنكر عشاق الصحافة ما يتهدد الصحف، وان كانت الأزمة تطول وبصمت مؤسسات إعلامية أخرى. فشبكات التلفزيون والمواقع الالكترونية تعاني بدورها نتيجة لأزمات عديدة تضرب هذا القطاع… بدءاً من توّقف سيل المال السياسي بعدما تغيّرت أجندات الأنظمة العربية التي لم تعد في حاجة إلى منابر كما في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، مروراً بانهيار إيرادات سوق الإعلانات بعدما ضاقت على أصحابها ليتقلّص حجمها إلى أقل من 100 مليون دولار، وصولاً إلى ارتفاع تكاليف التشغيل في مقابل تراجع البيع لمصلحة تقدم الصحافة الالكترونية المجانية… وهي من أحد نتاجات ثورة التكنولوجيا التي قلبت المقاييس والأعراف والقواعد».
وبناء على تقليص التمويل السياسي وتراجع الموارد الإعلانية، تتجه الصحافة المكتوبة إلى مرحلة «ترشيق» مالية على أمل تحصين مقومات المناعة من خلال تقليص حجمها شكلاً ومضموناً لتتلاءم مع مرحلة التقشف وشد الأحزمة. وبات الإعلام اللبناني يخاف أن تسقط وظيفته على غفلة بسبب العقوبات السياسية والمالية، وأن ينشغل عن رسالته في الدفاع عن حقوق المواطنين والمصلحة العامة ولاسيما أن الصحافة التي كان يفخر بها العالم العربي وظلّت ملجأ المواطنين لعقود طويلة في وجه تجاوزات السلطات ضمن اطار ديمقراطي إكتسبت عن جدارة لقب السلطة الرابعة، وبقدر ما كانت هذه الصحافة حرة بقدر ما كانت تترعرع الديمقراطية التي ميّزت لبنان عن الأنظمة العربية رغم علامات الاستفهام التي ترتسم حول ارتباطات بعض الصحف ووسائل الإعلام بدول عربية أو إقليمية أو احتكارها من قبل أصحاب السلطة السياسية.
سعد الياس