عشرات النواب العراقيين يواصلون اعتصامهم واشتباك بالأيدي وتراشق بالزجاجات ورئيس البرلمان يدرس احتمال حل المجلس للخروج من المأزق الحالي

بغداد ـ «القدس العربي» ووكالات : شهدت جلسة مجلس النواب (البرلمان) العراقي، أمس الأربعاء، منازعات ومشادات وصلت إلى حد الاشتباك بالأيدي والتراشق بالزجاجات بين نواب عن «ائتلاف دولة القانون» – الذي ينتمي له رئيس الوزراء حيدر العبادي – ونواب أكراد.
ومع بلوغ الأمور هذا المستوى قرر رئيس المجلس سليم الجبوري رفع الجلسة لمدة ساعة واحدة. ولاحقا أفاد التلفزيون العراقي انه يدرس احتمال حل المجلس في ظل احتدام الأزمة السياسية. ونقل التلفزيون النبأ عن متحدث باسم الجبوري لم يكشف عن اسمه.
وجاء إعلان رفع الجلسة بعد مداولات شابتها الفوضى وتشاجر خلالها نواب أثناء مناقشة خطة لإعادة تشكيل الحكومة بهدف مكافحة الفساد. وقال النائب جوزيف صليوة عن «التيار المدني الديمقراطي» (ليبرالي له 3 مقاعد في البرلمان) «إن رئيس البرلمان، سليم الجبوري، رفع الجلسة ساعة واحدة بعد الشجار وبانتظار حضور رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، استجابة لطلب نواب معتصمين داخل البرلمان» منذ أول من أمس.
وذكر مصدر مطلع من داخل مجلس النواب لـ«القدس العربي» أنه مع بدء جلسة البرلمان، وقعت الإشكالات عندما قدم النائب مشعان الجبوري طلبا لإقالة الرئاسات الثلاث، فاعترض النواب الكرد ووقعت مشادات بينهم وبين مشعان الذي تتسم علاقتهم به بالتشنج. كما حصل تبادل اتهامات وشتائم بين نواب من كتلة القانون بينهم عالية نصيف وكاظم الصيادي، وبين نواب كرد خرج عن كل القواعد، في خطوة فسرها بعض النواب بأنها مقصودة لتخريب الجلسة. وقد أعلن النائب الكردي شوان طه الداوودي من داخل الجلسة أن النواب الكرد «يسحبون تواقيعهم من طلب تغيير الرئاسات الثلاث ولن يشتركوا بهذه المهزلة»، حسب تعبيره. كما ذكرت النائبة صباح التميمي ان العديد من نواب اتحاد القوى سحبوا تواقيعهم من طلب إقالة الرئاسات الثلاث بعد ان اتضح ان هدفه هو رئيس مجلس النواب فقط.
وكان النائب عن التحالف الكردستاني، بختيار شاوي، أعلن ان الحملة التي بدأت لجمع التواقيع لإقالة الرئاسات الثلاث وصلت إلى 168 توقيعاً، وهو عدد كاف لإقالة الرئاسات الثلاث.
وأشارت نورة البجاري، النائبة عن «تحالف القوى الوطنية» (أكبر كتلة سُنية داخل البرلمان) إلى «وقوع اشتباك بالأيدي وتراشق بزجاجات المياه الفارغة بين نواب عن دولة القانون ونواب أكراد، بعد اعتراض الأخيرين على تكسير عدد من اللوحات التي كتبت عليها أسماء قيادات كردية في الأماكن المخصصة لجلوسهم أثناء اعتصام مجموعة من النواب داخل البرلمان». وأضافت أن «النواب الأكراد اعترضوا على الأمر مما أدى إلى الاشتباك بالأيدي».
ومنذ أول من أمس الثلاثاء، يواصل عشرات النواب العراقيين اعتصامهم داخل مقر البرلمان، للمطالبة بإقالة سليم الجبوري إثر تأجيل جلسة تصويت (الثلاثاء) على مرشحي رئيس الوزراء، حيدر العبادي، للتشكيلة الوزارية الجديدة التي اقترحها، إلى (اليوم) الخميس. وقدّم العبادي، الثلاثاء، كابينة وزارية جديدة تضم مرشحين من الكتل السياسية، بخلاف الاتفاق الذي تبناه مقتدى الصدر (رئيس التيار الصدري) وأحزاب سياسية أخرى بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن متناول الكتل السياسية.
ويأتي كل هذا على خلفية أزمة سياسية حادة بين مطالبين بالإصلاح وقوى سياسية نافذة مهيمنة تتمسك بالامتيازات وتقاسم المصالح في بلد أنهكته الصراعات والاقتصاد المتعثر.
ويسعى رئيس الوزراء، العبادي إلى إجراء تغيير حكومي من خلال تسمية وزراء تكنوقراط مستقلين أكاديميين بدلا من أغلبية وزراء حكومته الحاليين المرتبطين بأحزاب سياسية، وهو الأمر الذي تعارضه الأحزاب المتمسكة بسيطرتها على البلاد.
وفي الظاهر والعلن، تؤكد الكتل السياسية انها تختار المرشحين إلى الحكومة بهدف تنفيذ هذه الإصلاحات المطلوبة بشدة. لكنها في الواقع تفرض مرشحين موالين لها لضمان حصتها في المواقع السيادية والرئيسية في البلاد.
وحاليا يمثل «التيار الصدري» – الذي يتزعمه مقتدى الصدر والممثل بـ»كتلة الأحرار» داخل مجلس النواب، أبرز الأحزاب التي تقف إلى جانب العبادي في مساعيه للسير في إصلاحات هدفها محاربة الفساد وتحسين الخدمات الحياتية التي يشكو منها المواطنون.
وبدأ عشرات النواب الاعتصام، يوم الثلاثاء، في قاعة اجتماعات مجلس النواب، إثر إعلان رئيس المجلس تأجيل جلسة تصويت على قائمة تضم 14 مرشحا إلى الحكومة قدمها العبادي بالاتفاق مع الكتل الكبيرة. ويعتبر المعتصمون ان هذه القائمة فيها «محاباة» للأحزاب السياسية.
ويطالب هؤلاء بالتصويت على قائمة مرشحين كان قدمها العبادي الأسبوع الماضي وتتألف من 16 من التكنوقراط والمستقلين والأكاديميين، لكنه اضطر للتراجع عنها تحت ضغط الأحزاب السياسية.
وقال النائب اسكندر وتوت: «الاعتصام، الذي استمر ليلة أمس بمشاركة أكثر من خمسين نائبا، مستمر حتى تنفيذ مطالب النواب». ويشارك في الاعتصام نواب يمثلون كتلا سياسية مختلفة.
وذكر مصور صحافي غربي ان حوالى ثمانين نائبا كانوا داخل قاعة الاجتماعات. وردد النواب بعد ان صعد أحدهم على طاولة وهتف «نعم نعم للإصلاح.. كلا كلا للمحاصصة»، الشعار نفسه. وانتشرت في المكان أفرشة استخدمها النواب للنوم داخل القاعة الليلة قبل الماضية.
ووبرغم تأجيل جلسة التصويت إلى اليوم، أكد وتوت وقتها انعقاد جلسة طارئة بعد ظهر الأربعاء (أمس) «بحضور او عدم حضور رئيس المجلس».
وذكر مصدر في مكتب رئيس البرلمان في وقت لاحق ان الجبوري سيعقد جلسة طارئة لمجلس النواب برئاسته، بناء على طلب قدم له الثلاثاء من 61 نائبا.
وتفجرت الخلافات والمشادات بين الكتل والنواب بعدما عقدت هذه الجلسة الطارئة أمس بحضور 174 نائبا لمناقشة إصلاحات الأوضاع والتشكيلة الوزارية المقترحة.
وقالت النائبة زينب الطائي، من التيار الصدري المشارك في الاعتصام، «المطلب الرئيسي للنواب هو إقالة رئيس المجلس ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية (فؤاد معصوم)». وتابعت: «وقع أكثر من 150 نائبا على هذه المطالب». واعتبر النائب مهدي الحافظ ان «الاعتصام تعبير عن حاجة وطنية ويجب ان يحقق أهدافه وبدونه ستستمر المشاكل في البلاد».
ويقول المحلل السياسي هشام الهاشمي ان «ما يحدث سببه خلافات على المصالح الحزبية والطائفية والقومية (…) والكتل السياسية تخوض صراعا بعيدا عن مصالح الشعب».
وعن مطالب الإقالة، ان «العراق لا يمكن له ان يبقى بدون الرئاسات الثلاث لكونه يمر بانهيار اقتصادي وأزمة أمنية». وهو يرى ان «المشكلة ستحسم (…) ما دام رؤساء الكتل السياسية متفقين على ورقة الإصلاح».
ووقع الرؤساء الثلاثة وأغلب قادة الكتل السياسية الاثنين وثيقة «الإصلاح الوطني» التي تضمنت خطوات متعددة للإصلاح، من دون تحديد أي موعد لتنفيذها.
وكان اقتراح العبادي سلسلة من الإصلاحات شملت تعيين «تكنوقراط واكاديميين من أصحاب الاختصاص» بدلا من مسؤولين معينين على أساس حزبي في الحكومة، بمثابة حل لأزمة نتجت عن اعتصام نفذه انصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر لمدة أسبوعين عند مدخل المنطقة الخضراء في بغداد، للمطالبة بإصلاحات وحكومة تكنوقراط تؤمن الخدمات وتوقف الفساد في الدولة. ولم ينه اعتصامه إلا مع إعلان خطة الإصلاحات.
واستمر تولى مرشحي الأحزاب الكبيرة خلال السنوات الماضية للمناصب الوزارية المهمة في البلاد بدعم من أحزابهم التي تريد السيطرة على الموارد وتعزيز نفوذها.
وتحدث رئيس كتلة ائتلاف الوطنية النيابية كاظم الشمري لـ«القدس العربي» فقال إن اعتصام النواب «سيستمر ولن يتوقف حتى تحقيق مطالبنا بتشكيل عملية سياسية تتجاوز المحاصصة الطائفية». وأضاف أن الكتلة ـ التي يرأسها إياد علاوي ـ كانت «أول من أيد سحب الثقة من الرئاسات الثلاث وتقديم ورقة إصلاحات شاملة، وهو مطلب لن نتنازل عنه».
واعتبر رئيس ائتلاف «متحدون»، اسامة النجيفي، أمس، اعتصام النواب داخل البرلمان «خروجا عن الدستور»، مستنكرا المساس برئيس مجلس النواب سليم الجبوري.
ودعا «إلى ضرورة احترام هيئة رئاسة مجلس النواب ويؤكدون تأييدهم لها، واللجوء إلى الحوار الهادئ، بعيدا عن محاولات فرض الارادة أو تعطيل المعايير والأسس الديمقراطية المعتمدة. وينبغي في كل الأحوال أن يعتمد الدستور كرابطة أساسية عليا».
ومن جهة أخرى أعلنت قيادة عمليات بغداد فرض حالة «الانذار ج» لتجنب حدوث أي طارئ على خلفية الأحداث السياسية الأخيرة وإمكانية عودة الاعتصامات في العاصمة. وقالت القيادة ان «القطعات العسكرية من الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب ومكافحة الشغب دخلوا في حالة الانذار ج وهناك انتشار أمني كثيف وخاصة في جميع مداخل ومخارج المنطقة الخضراء».
وفي ردود الأفعال على تمرد النواب، خرجت تظاهرة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد تأييدا للاعتصام الذي نفذه عدد من النواب داخل قاعة البرلمان ورددوا هتافات ضد الفساد والمحاصصة السياسية.
وأنتشرت القوات الأمنية قرب التظاهرة وقطعت الطرق المؤدية اليها ضمن إجراءاتها الأمنية. كما نظمت مجاميع من المواطنين والناشطين المدنيين في عدة محافظات، منها البصرة وميسان، اعتصاماً للمطالبة بتغيير الرئاسات الثلاث وتأييد مبادرة اعتصام النواب في مبنى البرلمان.
ويشير المراقبون إلى أن العراق مقبل على مشروع سياسي غير واضح مع إصرار النواب المتمردين على تغيير الرئاسات الثلاث بدءا من رئيس مجلس النواب.
وهذا يفتح الأوضاع على جميع الاحتمالات في ظل وجود فراغات سياسية في أبرز ثلاثة مناصب في العراق إذا تم سحب الثقة عنها.

مصطفى العبيدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية