عضلات أخلاقية

من المثير للاهتمام النظر في العلاقة بين التدين والأخلاق والتي تبدو أحياناً وكأنها علاقة عكسية في مجراها. من الملاحظ أن المجتمعات التي تركز على تدينها وتمعن في إعلانه يتراجع فيها مستوى التمسك بالأخلاق أو الانضباط الضمائري النابع من برمجة داخلية للعقل والتفكير. لا أعتقد أن لهذه الظاهرة علاقة مباشرة بنوعية الدين أو تعاليمه، ولكن على ما يبدو تنمو هذه الظاهرة في تربة من الشعور بأمان أبدي وأفضلية بشرية تجعل من التدين وسيلة تبرير للكثير من الأفعال اللاأخلاقية. فالإنسان المتدين، أياً كان دينه، ينغمس في شعور بوصوله للحق المطلق وباعتلائه منصة الأفضلية بين أنواع البشر، هذا بالاضافة إلى ضمانه الجنة الأبدية بعد الموت، أياً كانت أخطاؤه طالما هو استمسك «بدين الحق» كما يعتقده ويراه، كل ذلك يزوده بشعور بأمان يسمح له بإطلاق وحش رغباته. تلاحظ هذه الظاهرة بقوة في مجتمعات الأديان الحديثة بشكل أكبر، فأوروبا المسيحية، إبان القرون المظلمة والوسطى، انغمست في حياة لا أخلاقية وانتهاكات بشرية وظلم وقتل واستبداد ارتكازاً على حماية الكنيسة وغفرانها للذنوب، وأحياناً كثيرة غالبة انطلاقاً من تعاليمها. وكذا فعلت اليهودية في مجتمعاتها التي أعلت الفرد اليهودي وأعلنته «مختاراً» بين البشرية، فمهما كثرت أخطائه وعلا استبداده، ستأتيه المغفرة وسينال رحمة وثواباً أبدياً.
لم يختلف تأثير الأسلمة كثيراً على مجتمعاتنا التي يعيش أفرادها تحت مفهوم «خير أمة» والتي مهما نال أفرادها من عقوبات فإن مصيرهم الجنة الأبدية طالماً هم على دين الإسلام. ترتخي العضلات الأخلاقية للأفراد بإهمالهم تحريكها وترييضها اعتماداً على تدين يعفيهم من التفكير والحكم على الأمور ويضعهم في دائرة أمان أبدية تضمن توفيق الخالق لهم دنيوياً وإثابته أخروياً طالما هم على هذا الدين، وكأن العضوية في حد ذاتها تصرف أخلاقي يكفي للحماية والإثابة.
هذا الشعور بالحماية والاستعلاء يصنع حاجزاً بين الناس والتفكير والتدبر والشعور بالمسؤولية تجـــاه أفعالهم، دافعاً بهم للإساءة ثم تقصي التــوبـــة المضـــمونة أو أحياناً لإيجاد تبريرات ومخـــــارج لهذه التصرفات من خلال فتاوى مفصلة على مقـــاس الرغبة تضع ضمير الإنســان في الثلاجة وتمنحه هذا الشعور البارد بالأمن والراحة إبان ارتكاب الخطأ الأخلاقي الذي لا يحتمل تبريراً أو منطقاً.
حضرتني هذه الأفكار في أكثر من موقف مؤخراً، آخرها كان وأنا أناقش إحدى الصديقات حول الانتخابات القادمة، حيث أعلنت الصديقة يأسها من أي اصلاح حقيقي في العالم العربي برمته، وبالتالي توجهها لتأييد وترشيح قريب لها هي غير مقتنعة بصلاحيته ولكنها مؤمنة بخدماته وفعاليته في تيسير أمورها الشخصية. سألتها: بعيداً عن أي كلام فلسفي حول المبادئ والأخلاق، ألا تخافين؟ قالت متفاجئة: مم؟ قلت من الله، ألا تؤمنين به وبجنته وناره، أليس هذا التصويت مخالفاً للأخلاق ويستوجب غضبه؟ وكأن الفكرة أتت من مكان بعيد غريب لم تجبه هي من قبل، قالت: الله أعلم بظروفنا وبمعاناتنا ويغفر لنا. حوار مشابه تم مع طالبة متدينة، تحرص على حجابها وفروضها، تناقش كثيراً وبإخلاص وقدرة رائعين في الفصل دفاعاً عن الدين بكل جوانبه، ولكن عندما تغيبت عن الدرس، أخبرتني أن والدها يستطيع استخراج عذر طبي لها من مستوصف المنطقة، سألتها: أليس هذا حرام يتناقض تدينك؟ نظرت في مبحلقة وكأن الفكرة لم تحضرها من قبل وساد صمت لم يكن من عادتها.
فاصل غريب يرتفع عالياً بين ادعاء التدين وبين ممارسات الناس لحياتهم اليومية، ولربما هو هذا الإدعاء الذي يشكل هذه الحياة اليومية. فجأة تنفصل حياتهم عن كل المثاليات التي يبشرون بها، الصدق، الأمانة، التساوي بين البشر، وغيرها، حيث تجدها جميعاً تنتهك وبشكل يومي وطبيعي ورقراق وكأن هذا النفاق الحياتي جزء طبيعي ومتوقع لا يتجزأ من الحياة اليومية.
لست أرمي هنا للمثاليات وللحديث عن المبادئ، ولكنني في الواقع أسائل نقطة منطقية تماماً وأنانية تماماً، فالإيمان بوجود إلهي وثواب وعقاب تحت مظلة أي دين كان، يستوجب خوفاً من الخطأ والإساءة، على الأقل تجنباً لعقوبة دنيوية أو لحرق أخروي، كما هو متوقع في الأديان الحديثة، إلا أننا نرى أن التدين يدفع بأصحابه، على عكس المنطق، إلى استمراء الخطأ والاستهانة بالإساءة بل أحياناً تبريرها، من خلال شعور بأمان مطلق وأفضلية خارقة بالإضافة إلى التوافر المستمر للتبريرات والفتاوى والمخارج الدينية التي تمكن الإنسان من أغراضه.
إنها التركيبة البيولوجية والنفسية العجيبة للإنسان التي تمكنه من الالتفاف حول كل منطق واضح لتحقيق أغراضه واشباع أنانيته، وتلك تركيبة يتطلب إصلاحها ثورة فكرية أقرب للثورة الغربية في تقييمها للدين الذي أصبح في غير مأمن من منافسة المنطق والأخلاق الوضعية، لم تعد للدين السلطة المطلقة التي يمكنه من خلالها دحض المنطق ومعاندة المبدأ والتفكير السليم، أصبح لزاماً على الدين تبرير تعاليمه وتفسير مواقفه والرضوخ في أحايين كثيرة للمنطق وللعلم وللضمير الانساني. طريق طويل وشاق شقته أوروبا في ألف سنة، أما نحن، فلربما علينا أن نحسبها بالسنة الضوئية.

 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلمى:

    الدكتورة ابتهال , لا أحد يختلف معك في ما تفضلت به عن الفصل بين النظرية و التطبيق ، ان صح التعبير، عند كثير من المسلمين وانحسار التعامل الأخلاقي فيما بينهم , و هو موضوع يستحق الطرح و المناقشة بموضوعية و اشكرك علىطرحه ،لكني أختلف معك في الاستنتاج الفضفاض الذي توصلت اليه في بداية مقالك لتفسير هذه الحالة و الخلط الواضح بين ظروف تاريخية مختلفة تماما و مجتمعات مختلفة و كأن ” التدين” واحد و التطور أو ” التخلف” المجتمعي يسير بوتيرة واحدة. الاسلام ، قبل كل شئ، نظرية في السلوك الانساني يستند الى عقيدة واضحة و يتطلب الالتزام بشريعة محددة و محور تلك العقيدة و الشريعة علاقة الفرد مع ربه و مع نفسه و مع الناس ، و كلما اقترب الفرد من ربه و كلما تفقه بدينه كلما تصالح مع نفسه و مع مجتمعه و كلما حسن خلقه. المشكلة في أن ثقافة الكثيرين ليست اسلامية بهذا المفهوم و في التخلف الذي يعيشه كثير من المجتمعات الاسلامية الذي حصر مفهوم ” التدين” في مظاهر معينة . لقد كان مجتمع المدينة المنورة ” متدينا” و كان تدين الفرد به يجعله أكثر خلقا و أكثر خوفا من خالقه و رغبة في ارضاءه بسبب فهمه لدينه و لو قارنت ذلك المجتمع بالمجتمع الذي أفرز الحروب الصليبية ، مثلا، و هوالأقرب تاريخيا اليه لوصلت لنتائج مختلفة عن الدين و المجتمعات المتدينة. المشكلة في زماننا و في أنفسنا و في ضعف ثقافتنا التي ساعد في افرازها اوضاع سياسية و مجتمعية , غياب الحريات في لبها، و لكن ذلك موضوع آخر.

  2. يقول موريتانيا:

    إنه مقال مليء بالمغالطات ،وينم عن جهل صاحبته بروح الأديان السماوية،ولاسيما الدين الإسلامي الحنيف الذي يقوم أساسا على مكارم الأخلاق ،حيث يقول رسولنا الكريم :”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”ويصفه الله سبحانه وتعالى بقوله :”وإنك لعلى خلق عظيم”فمن غير المنطقي إذن أن يدعي مدع أن التدين يدفع صاحبه إلى التحلل من الأخلاق ،بل العكس هو الصحيح.كما أن الخلط بين سلوك بعض المسلمين السيء من جهة ،والدين الإسلامي من جهة أخرى أمر يجافي المنطق.للدكتورة أن تعادي الأديان ،وتعتبرها “أفيون الشعوب “فذلك شيء يخصها .ولكن ليس لها أن تقوم بقلب الحقائق،وتزييف الوقائع تحت ستار مكافحة التخلف والسعي للتنوير.

  3. يقول فؤاد مهاني (المغرب):

    هناك خلط للكاتبة المحترمة بضربها لأمثلة الديانات الوضعية والكتابية المحرفة من مسيحية ويهودية لأنها اعتقادات فاسدة لم تبقى على أصولها الصحيحة والتي كانت سببا في تأخر الغرب لسيطرة الكنيسة على الشعوب في العصور الوسطى التي كانت تحارب العلم والتقدم والإبتكار بخلاف ما كانت عليه الحضارة الإسلامية التي هي من أسباب تقدم ونهوض أوروبا من سباتها التي أخذت بالأسباب بعد تخلصها من كل ما يعرقل تقدمها.فقد توصلوا إلى بعض الأشياء كان يحضنا عليها الإسلام وموجودة في أمة إقرأ.طبقوا العدالة الإجتماعية والشورى بانتخابات نزيهة صعدوا إلى القمر : يا أيها الذين آمنوا إذا استطعتم أن تنفذوا إلى أقطار السموات والأرض إلى آخر الآية.فهذه كلها إذا رجعنا إلى الوراء كنا من وضع أسسها وخضناها فانطلقوا هم منها فلنا السبق في اكتشاف الدورة الدموية واكتشاف أمريكا والطيران إلى غير ذلك.إذن فالمشكل ليس في النصوص الإسلامية ولكن فينا نحن معشر المسلمين.بالنسبة للسلوكيات الفردية للمسلم والمتناقضة مع الإسلام تحضرني هنا حديث للنبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام قيل له لامرأة تقيم كل الشعائر الإسلامية وتقيم الليل ولكنها تؤذي الناس كثيرا فقال هي في النار وقيل له إن امرأة أخرى أقل عبادة من المرأة السالفة ولكنها لا تؤدي احد ولا تفعل أعمال قبيحة فقال هي في الجنة مما يدل على أن الإسلام دين معاملة قبل كل شيء وما انتشر هذا الدين
    إلا بحسن السلوك والأخلاق الحميدة واحترام الأديان ولإعتراف بالآخر وليس بتقطيع الرؤوس وتفجير القنابل وقتل الأبرياء.

  4. يقول اكرم / المانيا:

    اولا اشكر الدگتوره الخطيب على هذا المقال الممتاز . لكني صراحة اوافق الكثير من الاخوه والاخوات المعلقين على ان في المقال غلط وخلط بين الدين ذاته و فهم المتديين بهذا الدين له . فالاديان السماويه جائت لترسيخ القيم والاخلاق حتى المحرفه منها فاخطاء الاوربيين في العصور الوسطى لم يكن سببها الدين وانما من فسر الدين للناس وادعوا فهمه .
    فالاديان جميعها حتى غير السماويه منها مليئه بالحث على المبادئ اللتي فطر الله الناس عليها وترسيخها . أما ديننا الاسلامي الحبيب فقد جاء ليتمم هذه الخصال الحميده كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاه ولسلام ( انما بعثت تمم مكارم الاخلاق).
    اسئل الله ان يحسن اخلاقنا

  5. يقول م. حسن:

    يوجد نوعان من الفكر الإنساني , رأسي ديني سماوى وأفقي لا ديني أرضي . الفكر الرأسي يعني الإيمان بالله والحساب في الآخرة والجنة والنار , إرتكاب خطأ أخلاقي قد يرجعة المؤمن الي شيطان أو أرواح شريرة للتملص من المسؤولية الشخصية والحساب عنة مؤجل . باب التوبة دائما مفتوح للتطهر . الفكر الأفقي فكر وجودى لا يؤمن بالأديان أو بوجود اللة , لكنة يؤمن بالقيم والمبادئ الإنسانية من صدق وإحترام وقوانين وضعها بشر خبراء في المعاملة والمسؤولية الشخصية عن الأفعال والأقوال , إذا إرتكب خطأ أخلاقي يحاسبة القاضي بلا تأجيل لمنع تكرارها . فهل التدين شرطا للأخلاق والمعاملة الحسنة وإحترام إنسانية وحرية الآخر ؟ العقاب الوجودى علي الأخطاء الأخلاقية يدفع بالأخلاق الي التحسن أكثر وأكثر حتي تصبح من المسلمات اليومية .

  6. يقول أحمد العربي - لندن:

    بعيدا عن التشكيك بالاديان السماوية ماعاذ الله و لكن الواقع و من ملال مشاهدة تصرف البعض (و هذا لا يعني الشيء الصحيح) هو ان علاقة الانسان بربه و دينه غالبا ما تكون مفصولة عن علاقة الانسان بالآخرين و المجتمع …. و السؤال هو ماذا نفع الدين صاحبه لان الله يحاسب على الأفعال و يمكن ان يغفر لما له من صلاة و صيام الخ و لكن لا يغفر عن حقوق الآخرين.

    و السؤال الذي اعتقد ان د ابتهال أوردته بين السطور هو … اذا كان المؤمنون و المتدينون لا يستطيعون الفصل بين العبادات و الأخلاق او تصرفات غير إنسانية … فما فائدة الدين في قيادة المجتمع … و لماذا الإصرار على منهج عقيم لا يولد تطور و ارتقاء بالانسان …

    احد الأمثلة الموجودة جدا في الغرب هو تصرف الكثيرين من العرب و المسلمين من إساءة استخدام نظام التأمين و الدعم الاجتماعي … تراه يعمل بالسر في تجارة او شي اخ. ولكن في نفس الوقت يطالب الحكومة بدفع راتب له على انه عاطل عن العمل و تراه يصلي و يصوم و يزكي و كان شي لم يكن !

    1. يقول رياض- المانيا:

      اخي احمد العربي، وهل السؤال البسيط ( البريء) المشروع الذي ارادت د. ابتهال طرحه وتوضيحه يحتاج الى كل هذا الخلط الغريب ام ان وراء الاكمة ما وراءها؟ يا اخي احمد تصرفات بعض المسلمين هنا او هناك اكيد تؤلم وتسيء ولكنها تمثل اصحابها، فهل لا يوجد اوروبيون يفعلون ما ذكرت، مع ان دينهم قوانين البلد وبالرغم من ذلك لا يلتزمون بها. على المسلمين ان يكونوا قدوة حسنة وان يتقوا الله ربهم والسلام

    2. يقول سلمى:

      أخ أحمد، الانسان الذي تصف بأن علاقته مع ربه تكون مفصولة عن علاقته بالناس و المجتمع هو انسان علاقته مع ربه غير سليمة اصلا و لكننا نرى مظاهر ما نعتقد انها تلك العلاقة . أما من أشارت اليهم الدكتورة , و هم موجودون, فهم يتوهمون أنهم متدينون و الله أعلم بعباده و أعلم بمن يخادع نفسه , لكنهم ليسوا كل المتدينين و يجتمعون مع كثير من غير المتدينين في ما يقومون به. لكن بصورة عامة, الدين ان فهمه الانسان صلح خلقه و صلحت حياته و قد يكون الانسان ذا خلق حسن دون دين و لكن بقية أمور حياته و آخرته لن تكتمل و تصلح .

  7. يقول لحسن المخلوفي/// المغرب:

    للأسف في مجتمعاتنا العربية فكر ة التدين الشكلي حاضرة في عقول الناس وهي معيار الحكم لدى الكثيرين في العمل والمعاملات وكثيرا ما يكون هناك تناقض ما أحوجنا إلى تدين الجوهر في زمن كثرت فيه الأقنعة

  8. يقول Issa Mohamed, Jordan:

    Marhaba Dr. Khateeb, I like to thank you for your educated article , and I wish Alquds Al Arabi to publish this same article once a week just to read the different comments out of iys audence who really needs education.

  9. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    انساق بعض الأخوة المعلقين الى توضيح الواضحات ، و ارادوا بنية طيبة لاشك ان يثبتوا ما لا يحتاج الى اثبات من ان الدين و الإسلام بالخصوص يحث على الأخلاق بل هو الأخلاق ، فنبي الإسلام يذكر بوضوح و يقصر هدف بعثته من انها متممة لمكارم الأخلاق كما انه يحصر بإداة حصر لا ريب فيها ان الدين هو المرادف المباشر للمعاملة و حسن الخلق.
    ذلك كما ذكرت من الواضحات ، و توضيح الواضحات من الفاضحات كما تقول العرب.
    السيدة الفاضلة كاتبة المقال ، لم تنكر ذلك ، بل هي تؤكد ان نصوص الدين تدعوا الى الأخلاق ، لكنها هي هنا تستمر في ايصال رسالتها و هدفها في الحياة من خلال هذا المقال و كل المقالات التي سبقت ، هي تريد ان تقول ان نصوص الدين مطلقة ، و ان البشر اذا ما استندوا الى نصوص الدين فأنهم يصبحوا موقعين بأسم الرب و متحدثين بأسمه و بالتالي يغلفوا افعالهم بقداسة آلهية ، سواء منهم من استغل نصوص الدين و فسرها بإتجاه ان يطغى و يستبد و يقتل ، او حتى من تخلّق بالخلق الحسن ، لكنه جعل من التزامه بالدين حجة لأن يجعل من نفسه وصياً على الآخرين و اعطى لنفسه مكانة الخيرية و الأفضلية بين البشر ، و بناءاً على ذلك ، فإن رسالة الدكتورة ابتهال ،هي فصل الدين عن كل نشاط حياتي ابتداءاً من السياسة و انتهاءاً بالأخلاق ، و هو اس و اساس و تعريف العلمانية الشاملة ، هذا ما تريد الدكتورة ايصاله و قوله بإختصار هنا و في كل ماسبق من مقالات مثل مختصرات عنوانينها
    لا اريد أن اكرر ما تفضل به الأستاذ رياض من المانيا ، و وضح الفارق بين الإديان السماوية و غيرها ، من جهة و بين الإسلام و اي دين آخر سماوي حتى ، فقد كفى و وفى ، كما تفضل ايضاً و بين سبب اقصاء اوربا للدين “المنحرف و المحرّف” عن الحياة عندما استخدمت نصوصة “المحرّفة” للقمع و الإستبداد و الرجعية و محاربة العلم !الفارق أن الإسلام ليس كذلك لأنه دين بنسخة ربانية غير محرّفة ، البشر قد يفعلون ذلك، لكن دوماً هناك النسخة الأصلية الحقيقية !
    للحديث بقية ….

    1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      تتمة …

      أس الأختلاف مع السيدة كاتبة المقال و المغالطة الكبيرة في طرحها هو اختلاف المرجعية و المسطرة و الفهم …واضح ان الدكتورة ابتهال مرجعيتها ما يسمى بالأنسانية و بالتالي الأخلاق قيمة وضعية و نسبية يتعارف عليها البشر ، اساس الفهم الخاطئ لدى تفسير الأخلاق ذات المرجعية الدينية لدى الدكتورة ، هو تفسيرها المقلوب لأية الخيرية في القرآن ، هذه الآية هي تكليف وليس تشريف او فوقية ، الخيرية تأتي بعد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر المرتبطين بالأيمان بالله ، وعند الحساب هناك و ليس في هذه الدنيا ، قيادة الأمم لأتأتي بالقسر و انما بالأختيار نتيجة اللإلتزام الأخلاقي و الحضاري و اليقين بمرجعية الخالق و توحيده ، وهو ما حصل في فترات التفوق الحضاري الإسلامي. دليلي على ان آية الخيرية هي تكليف ، هي آية اخرى تنص ،” ليس بأمانيكم و لا أماني اهل الكتاب ..من يفعل سوءاً يجز به و لا يجد له من دون الله ولياً و لا نصيرا” اللغة و اضحة .. ليس من خيرية بالأماني و الأنتماء و انما بتحقق الشروط ، هي خيرية التكليف، جزاءها قيادة الأمم نحو الخير في الدنيا و الفوز بالجائزة الكبرى في الآخرة. وهذا اس وجوهر استخلاف الإنسان في الأرض لعمارتها.
      المثل الذي ضربته الكاتبة بتلك الطالبة المحجبة الملتزمة ، هو مثل عليها و ليس لها ، ففضلاً عن انها ضمن أمثلة لحالات منفردة ساقتها الكاتبة ، قد يقابلها عشرات و ربما مئات الأمثلة من الطرف المقابل الذين ليس مرجعيتهم دينية و قد يقومون بأمور و احتيالات اسوء بكثير ، ومرة اخرى ضرب لنا الأستاذ رياض من المانيا مثال قاصماً يلجم و يفحم اولئك المبهورين بمرجعية الغرب على اطلاقها كما هو حال الكاتبة و اخوة معلقين اخرون ، اعود الى مثال الطالبة الملتزمة دينياً ، الكاتبة من حيث لا تعلم استخدمت معها مبدأ اسلامي عظيم هو : وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ، فعندما ذكرتها ان ما تفعله مخالف لعقيدتها و ما تدعو اليه ، اعترفت انها لم تحر جواباً على خلاف طبيعتها مما يدل على ان تذكيرها ارجعها الى مرجعيتها و ربما جعلها تصرف النظر و ردعها ، وهذا اس المطلوب فكل ابن آدم خطاء لكن العبرة بمن يسترجع و يتوب!
      ربما بالمقابل ، ستجد من اولئك الذين بلا مرجعية دينية او ذو مرجعية براغماتية ، عندما سيجد فرصة لخرق القانون دون ان ينكشف ، حتى لو تذكره و تنصحه ، لن يرتدع و يبقى سادراً في غيه ، وليس ذلك بالتأكيد ما تدعو اليه و تبغاه الدكتورة ابتهال!

    2. يقول رياض- المانيا:

      تحية طيبة الاخ د. الشيخلي من العراق الحبيبة وشكرا جزيلا للتعليق القيم المفيد فبارك الله فيك وتقبل تحياتي

    3. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      بارك الله بك أخي رياض ، أهنئك على سعة علمك و سرعة بديهيتك واجاباتك العلمية الدقيقة ، كثّر الله من امثالك ، و كحل عيوننا برؤية الأقصى محرراً

      تقبل خالص تحياتي .

  10. يقول أ.د.خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته وبعد…

    فشكراً لمقال د. الخطيب وكذلك تعليق الاخوين رياض من ألمانيا و د.أثير من العراق وأنا متفق مع رأييهما وتحليليهما الدقيق…

    لقد سبق لي أن علّقت على مقال سابق للاخت أبتهال نشر في القدس العربي العام الماضي وحينذاك قلت بأنها بعيدة عن الاديان السماوية (وتطبيقاتها ومخرجاتها) بما في ذلك الدين الاسلامي الحنيف…وبالتالي فهي في الاقل علمانية التفكير ولبرالية القلم وفي الاقصى فهي تتوسم أمور أكثر من العلمانية واللبرالية… وفي كافة الاحوال علينا أن نذكّر الدكتورة الفاضلة ببعض ما ورد في كتاب الله المجيد حول أمور يمكن أن تكون غائبة عنها…

    أولاً: الحق تبارك وتعالى يصف نبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم في القران المجيد في سورة القلم بأنه على الخلق القويم والعظيم الذي يليق بنبوته صلى الله عليه وسلم:

    وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4).

    ثانياً: في سورة الانبياء يذكّر سبحانه وتعالى ان محمّد صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين:

    وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)

    ثالثاً: في سورة اَل عمران يقرر جل وعلا أن الاسلام هو دين الله الحق ولن يقبل من الانسان غيره يوم القيامة

    وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)

    رابعاً: في سورة الحجرات يقول مالك الملك تبارك وتعالى أنه خلق البشرية وجعلهم شعوب وقبائل للتعايش والتعارف وبأن أفضلهم وأكرمهم عند الله هو أتقاهم

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

    بهذه الايات الاربع المحكمات يمكن أن نخلص للقول أن حسن الخلق يكمن في الاقتداء بالنبي الاكرم صلى الله عليه وسلم وأن الاسلام هو الدين الحق الذي لن يقبل غيره يوم الحساب وأن تقوى الله وطاعته هي بالضرورة تعكس حسن الخلق وأن أكرم البشر عند الخالق جل جلاله هو أتقاهم…

    وبذلك يا دكتورة أبتهال أعتقد بأننا (المسلمون) لا نحتاج الى مقياس” السنة
    الضوئية ” للعودة الى كتاب الله المجيد وللسنة النبوية المطهرة بغية أصلاح حال الامة…فهذان هما نبراس ومشكاة الامة المحمدية الى قيام الساعة.

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية