«عقدة الأسد» تعيق التقدم للأمام… وإشارات عن تخلي موسكو عنه سرا وفي انتظار اعترافها علنا…

حجم الخط
2

لندن ـ «القدس العربي»: تتقدم الجهود نحو حل الأزمة السورية خطوات سريعة في محاولة لوقف حمام الدم قبل دخوله عامه الخامس. وجاء اجتماع نيويورك يوم أمس الجمعة نتيجة للجهود التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر في فيينا وتحركات أمريكية ـ روسية لتقريب وجهات النظر خاصة في مسألة مصير بشار الأسد ودوره في العملية السياسية.
وجاء اجتماع وزير الخارجية جون كيري مع الرئيس فلاديمير بوتين لحل مظاهر الخلاف في الموقفين الأمريكي والروسي المتعلق بموضوع الأسد.
ونقلت وكالة أنباء «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله «ما حصلنا عليه هو نهاية لبقاء الأسد»، وأضاف أن «الروس وصلوا لنقطة قبلوا فيها سرا برحيل الأسد بعد نهاية عملية الانتقال السياسي مع أنهم لم يعبروا عن استعدادهم للتعبير عن موقفهم علنا».
وأكدت الوكالة أن عددا من المسؤولين الغربيين أكدوا تصريحات الدبلوماسي في وقت اتفقت فيه الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران والدول الأوروبية على مدى زمني للعملية الانتقالية تبدأ في الأول من كانون الثاني/يناير وتمتد على مدار 18 شهرا تنتهي برحيل الأسد.
ورغم التقارب في المواقف إلا أن جولات المحادثات المتعددة لم تؤد لإنهاء الخلافات العميقة خاصة في ظل وجود دول لا تزال ترى أن الاسد هو الحل لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
ويرى دبلوماسيون أن روسيا عبرت في مسألة الأسد عن مرونة أكثر من إيران. وينبع التشدد الإيراني من أنها دعمت الأسد منذ بداية الإنتفاضة السورية ووفرت له المساعدة المالية والعسكرية واللوجيستية وعمقت من تدخلها في الأزمة خلال الأشهر الماضية وسقط عدد من كبار جنرالاتها في المعارك ضد المعارضة السورية.
وعليه فالتخلي عن الأسد سيؤدي إلى فقدانها التأثير. ونقلت «رويترز» عن الدبلوماسي الغربي قوله إن «إيران لم تصل بعد إلى هذه النقطة». وقال مسؤول آخر إن المفتاح للحل هو كيفية دفع كل من روسيا وإيران للتخلي عن الأسد. وقال «يجب أن يتخليا عنه ولكن دفعهما للتنسيق معا لن يكون سهلا». ويقول مسؤول غربي بارز أن روسيا لديها قائمة بأسماء من سيحلون محل الرئيس السوري ولكنه لم يقدم تفاصيل حول هذا الموضوع. ولا يعرف إن كان لدى إيران نفس القائمة أم لا. وتظل «عقدة الأسد» من أهم القضايا التي تعوق التوصل لحل سياسي في ظل تعنت المعارضة السورية ومطالبة الدول الداعمة لها مثل تركيا والسعودية.
ولوحظ تغير في الموقف الأمريكي من مسألة الأسد، فقد اتفق وزير الخارجية كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على تأجيل مسألة الأسد والتوافق على أرضية مشتركة وهو ما كان مرشدا لمحادثات جنيف الشهر الماضي ونيويورك أمس الجمعة.

اتهام

ولعل التغير في الموقف الأمريكي أو الغموض كان وراء اتهام صحيفة «واشنطن بوست» إدارة باراك أوباما بالإذعان للموقف الروسي المتعلق بمصير بشار الأسد. وقالت إن روسيا التي تواصل طائراتها القصف اليومي للمعارضة المدعومة الغربية واستهداف المستشفيات والمخابز والمعابر الآمنة لا تزال تصر على بقاء الرئيس السوري «المنقوع بالدم» في السلطة ولأمد غير معلوم، وهو الذي يريد استبعاد جماعات المعارضة من المفاوضات بزعمه أنها «إرهابية». ولم يمنع هذا كيري الذي اجتمع مع الزعيم الروسي بوتين يوم الثلاثاء من القول إن أمريكا وروسيا «تؤمنان بنفس الرؤية».
وتعلق الصحيفة إن «هذا هو وللأسف الوضع على ما يبدو، ليس لأن بوتين غير من موقفه» بل الإدارة. وقد طالبت هذه قبل أربعة أعوام برحيل الأسد الذي قتل آلافا من شعبه بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والتعذيب وغيرها من الأفعال الشنيعة و«لكن الإدارة المتحمسة للتقارب مع بوتين أخذت شيئا فشيئا بالتراجع عن هذا الموقف».
وكان هذا واضحا في الخطوة للوراء التي خطاها كيري يوم الثلاثاء عندما قال «لا تبغي الولايات المتحدة وشركاؤها ما يطلق عليه تغيير النظام». وعلق قائلاً إن مطالب المعارضة رحيل الأسد «ليس نقطة البداية» للحل خاصة أن الولايات المتحدة وافقت على بقائه في السلطة في فترة التفاوض على نقل السلطة. ولاحظت الصحيفة تراجعا في خطاب البيت الأبيض في سياسته السورية خاصة اعتقادها أن الأسد ليس مؤهلا لقيادة سوريا في المستقبل، ولكنها تتفق مع بوتين على ضرورة تقرير المستقبل للسوريين أنفسهم. وهو ما سيقودنا إلى طريق مسدود في ظل إصرار الأسد على عدم التحاور مع المعارضة السورية التي يعتبرها إرهابية.
وترى الصحيفة أن تراجع الإدارة عن «تغيير النظام» يبعث رسالة إلى بوتين وحلفائه الإيرانيين حول بقاء بنية السلطة في دمشق والتي حصل من خلالها الروس على قاعدة عسكرية في طرطوس فيما استخدم الإيرانيون سوريا كممر لأسلحتهم التي يرسلونها إلى حزب الله في لبنان.
وترى الصحيفة أن اجتماع نيويورك هو جزء من خطة كيري الذي يأمل في وقف إطلاق نار يقود في النهاية لتسوية سياسية. وهنا ترى الصحيفة أن وقفا لإطلاق النار يشمل الغارات الجوية السورية والروسية سيكون إنجازا كبيرا حتى لو فشلت المفاوضات السياسية. وهذا يعني حسب الصحيفة نوعا من التعايش بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتلك التي تديرها المعارضة وستقود بالتالي للتركيزعلى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي الوقت الحالي تظل هذه آمال كبار ليس لسجل نظام الأسد الصارخ في عدم احترام اتفاقيات وقف إطلاق النار المدعومة من الأمم المتحدة بل ولأن روسيا لا تنظر للأزمة السورية بالطريقة نفسها التي ينظر فيها الغرب لها. وعليه تقول الصحيفة إنها «ستشارك كيري آماله العراض عندما سيتوقف القصف الروسي وعندها سنرى أن المواقف الأمريكية والروسية قد تقاربت».

عقدة الأسد

وضمن محاولات فهم الحل السياسي ومنظوره كتب كل من أندرو تابلر وأوليفيه ديكوتجينه من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني بحثا يرى أن عملية فيينا تمثل تحولا على طريقة الإنتقال السياسي.
وناقشا في بداية المقال الخطوات التي تم تحقيقها من فيينا إلى الرياض ونيويورك ولكن العقبة تظل مرتبطة بـ «عقدة الأسد» والتي تتعلق بالدور الذي يمكن للرئيس السوري لعبه وصلاحيته للترشح في الإنتخابات الرئاسية مستقبلا.
ففي الوقت الذي أكدت فيه المعارضة انها لن تقبل ببقاء الأسد في مؤتمرها الأسبوع الماضي الذي عقد برعاية سعودية في الرياض أكد الأسد من جانبه أنه لن يتحاور مع جماعات «إرهابية». ومن هنا يرى الكاتبان أن نتائج محادثات نيويورك ستكون محددة للعملية السياسية التي بدأت في فيينا.
وناقش الباحثان ما اتفق عليه من أهداف عامة إلا أن ما لم يتم تحديده هو كيفية تحقيق الإنتقال السياسي. ولا يعرف طبيعة ما اتفق عليه بين بوتين وكيري، فهل تعني العملية الإنتقالية التي تم التوافق عليها في فيينا استبعادا للأسد من الهيئة الإنتقالية التي تم الحديث عنها في بيان جنيف عام 2012 أم أن هذا يعني ضم عدد من رموز المعارضة في إدارة تحت قيادته؟ ويضيف الكاتبان أن العلاقة بين وقف إطلاق النار والعملية السياسة ليست واضحة.
فلم يتم الحديث عن الخطوات الأولى لعملية الإنتقال السياسي وبداية وقف إطلاق النار. فالمعارضة لن تسكت مدافعها بدون رحيل الأسد في مرحلة ما.
والسؤال الآخر، هل ستكون الأمم المتحدة قادرة وبصورة واقعية على مراقبة وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد.
ويرى الكاتبان أنه «تم تحقيق أرضية مشتركة في فيينا حول عدد من القضايا الرئيسية لكن هناك حاجة لتوضيحات أكثر». ويعلقان أن أهم التطورات التي حدثت في فيينا حدثت على هامش المؤتمر، فقد حضر وزيرا خارجية السعودية وإيران اللقاءات وعبرت الدولتان في الأسبوعين الماضيين عن استعداد مشوب بالحذر للتعاون معا.
وعينت الرياض سفيرا جديدا لها في طهران والذي ملأ فراغ المنصب الذي شغر لأشهر. وبحسب دبلوماسي إيراني «تم التوصل لمستوى من المفاوضات» بين العاصمتين.
ويشير الكاتبان هنا إلى أن موعد الأول من كانون الثاني/يناير لبدء المفاوضات حول العملية الانتقالية كانت حافزا جيدا لدفع المعارضة كي تعيد ترتيب نفسها.
ومحادثات الرياض كانت جزءا من هذا رغم انها استبعدت الأكراد منها. وما نتج عن مؤتمر الرياض رغم اعتراضات بعض الجماعات السلفية مثل «أحرار الشام» تظل إيجابية وخطوة على الطريق الصحيح.
وفي النهاية يرى الكاتبان أن عملية هادئة لحل «عقدة الأسد» ضرورية لحل الأزمة السورية وفسح المجال أمام عملية الإنتقال السياسي. وطالما ظل الأسد أو جزء من نظامه يسيطر على الحكومة الإنتقالية فالتوصل إلى حل سيظل قاتما. ولهذا السبب يرى ثلاثة كتاب أمريكيين أن الحل يكمن في وقف إطلاق النار وإقامة محاور تقبل بالأمر الواقع حتى يتم حل الأزمة السورية.

خطة للحل

ففي مقال مشترك لكل من فيليب غوردون، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي والمسؤول السابق في البيت الأبيض (2013- 2015) وجيمس دوبنز الزميل الباحث في مؤسسة راند والمسؤول السابق في الخارجية الامريكية وجيف مارتي محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة راند مقالا في «واشنطن بوست» وهو عبارة عن «خطة واقعية للسلام في سوريا» تبدأ كما قالوا بوقف إطلاق النار.
وجاء المقال تعليقا على اجتماع مجموعة دعم سوريا الذي انعقد في نيويورك وشاركت في 20 دولة.
وعلق الكتاب الثلاثة على عقد الاجتماع بأنه «معجزة» في حد ذاته لأنه جلب إلى طاولة المفاوضات دولا بأهداف ومواقف متناقضة: السعودية وإيران، روسيا وتركيا والولايات المتحدة. ومجرد اجتماعها هو تعبير عن استعداد لوقف ضحايا الحرب ومواجهة أزمة اللاجئين وجاء بعد سقوط الطائرتين الروسيتين- مدنية وعسكرية، بالإضافة لهجمات باريس وبيروت وكاليفورنيا.
ويعتقد الكتاب أن المجموعة الدولية لسوريا هي بداية جيدة لأن الحرب لن تنتهي إلا عندما تجتمع القوى الخارجية والتي تغذي الحرب وتتفق على حل.
ومع ذلك لا بد من الاتفاق على الأهداف وتعريفها. ولهذا يعتقد الكتاب الثلاثة أن الأهداف الحالية التي اتفق عليها وهي إصلاح مؤسسات الدولة السورية وتشكيل حكومة جديدة وتحديد «الجماعات الإرهابية» وخطة لعقد الانتخابات وهي أهداف سامية ولكن للأسف فليس هناك منظور لحل طويل الأمد حول اتفاق ممأسس كما لم يتم الاتفاق على قيادة جديدة. وفي ظل الخلافات القائمة بين اللاعبين حول مصير الأسد فالبحث عن إطار شامل سيعني استمرار الحرب والتشرد وعدم الاستقرار وهي عوامل تسهم في زيادة معدلات التشدد وصعود تنظيم الدولة الإسلامية.
وعليه يتقدم الكتاب بمدخل محدود يعتمد على خطوات مختلفة. وبناء عليه تركز مجموعة الدعم الدولية على تأمين وقف إطلاق للنار وتأمين طرق تطبيقه ويتبع هذا التفاوض حول إعادة تشكيل سوريا.
ويعترف الكتاب أنه من الصعب الاتفاق على هذا المدخل لكنه يظل أكثر واقعية مما اتفق عليه من أهداف عريضة في فيينا. ويظل أفضل من الخيار الحالي وهو مواصلة التصعيد والدمار.
ويقول الكتاب الثلاثة «تؤكد خطتنا على أهمية الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية، ولكنها تقوم على الواقع وتأخذ بعين الاعتبار أن أجزاء من سوريا تسيطر عليها جماعات إثنية مختلفة تلقى دعما من قوى خارجية.
ويمكن أن تتفق هذه القوى ووكلاؤها السوريون وبشكل مبدئي على تحديد ثلاثة محاور آمنة: واحد يسيطر عليه النظام في الغرب وثان يسيطر عليه الأكراد في شمال- شرق البلاد وثالث غير متجاور في الشمال والجنوب وتديره الجماعات المعتدلة من المعارضة السورية.
وسيتم إنشاء محور رابع في وسط وشرق سوريا والذي يسيطر عليه تنظيم الدولة وهو هدف الجميع. وستلعب القوى الخارجية وهي روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والأردن دور الضأمن للقوى المحلية وتعمل على التزامها بشروط وقف إطلاق النار».
ومن أجل رسم حدود الهدنة بين المحاور الثلاثة فقد تحتاج القوى المشاركة فيها لتبادل أراض فيما بينها.
وسيجد النظام السوري صعوبة في التخلي عن مناطق في حماة وحلب وتركها بيد المعارضة. ولكنه سيعوض من خلال انسحاب المقاتلين من المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق.
ويتبع الاتفاق على المحاور ووقف إطلاق النار اجتماع ترعاه الأمم المتحدة للقوى السورية المعارضة والتي تم قبول دور لها في العملية السياسية وذلك من أجل التفاوض على مستقبل سوريا. ويعترف الثلاثة بصعوبة إعادة توحيد سوريا من جديد وربما أفضت المفاوضات لشكل من الفدرالية أو الكونفدرالية.
ويحتاج التوصل لاتفاق بين الأطراف المتنازعة إلى منح حكم ذاتي موسع بما في ذلك السيطرة على الشؤون الأمنية وإدارة الشؤون اليومية للسكان في المناطق الجديدة. وربما احتاج المفاوصون للاتفاق على شكل من أشكال مشاركة السلطة تقوم على الانتماء الطائفي. وقد يحتاج المشاركون للاتفاق على تعديل الدستور يتم من خلاله توزيع السلطات والإنتخابات يحرم الأسد من الترشح فيها مرة ثانية.
وستكون هذه القضايا أمام السوريين لمناقشتها برعاية أممية وبمشاركة من القوى الخارجية. وفي الوقت الذي سيقول فيه النقاد أن الأسد لن يقبل بحكم المعارضة على أجزاء من سوريا ولن تقبل المعارضة التوقف عن القتال طالما بقي الأسد في السلطة، وعليه فوقف إطلاق النار لن يحل الأزمة.
وهذا كلام صحيح لكن تقديم ضمانات للأسد باستمراره في السيطرة على دمشق والمدن الساحلية قد يكون كافيا له ولداعميه لوقف الحرب بدلا من استمرار القتل بدون نهاية في الأفق.
وفي السياق نفسه فلم يقدم للمعارضة من قبل خطة تضمن وقف البراميل المتفجرة وهجمات النظام وحكما ذاتيا مدعوما من القوى الدولية ومقبولا من النظام، ويتضمن وصول المواد الغذائية التي يحتاجها السكان وتبادل السجناء وعملية سياسية لحل أزمة سوريا السياسة والقيادية.
ويعترف الثلاثة بالتحديات التي تواجه تطبيق خطتهم ولكنها تظل أحسن من الحفاظ على الوضع القائم وأكثر عملية من البدائل المتوفرة حاليا.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مراقب.المانيا:

    التحليل السياسي فيما يتعلق بمصير الرئيس الأسد غالبا يكون خاطئ .هناك فئة لا بأس بها ستدافع ببساطة عن النظام .وماذا يفعل بوتين أو أوباما .إنها فترة إطالة الحرب ليس الا.

  2. يقول د. راشد - المانيا:

    بدون رحيل بشار بن حافظ لن تقف الحرب يده ملطخة بدماء نصف مليون سوري
    بداية السلام في سوريا رحيل هذا الشخص وبعدها ستنتهي داعش لوحدها بدون جهد كبير

إشترك في قائمتنا البريدية