(1) كتبت على هذه الصفحات قبل أكثر من عام أحذر بأن «صوملة مصر» لم تعد خطراً محتملاً، بل أصبحت واقعاً ماثلاً، وليس فقط في سيناء التي تعتبر الصومال بالنسبة لها دولة مستقرة. فقد تفجرت الصراعات القبلية في أسوان، وأصبحت الإسماعيلية والسويس، بل وبعض أحياء القاهرة، ساحة حرب مفتوحة. سبق ذلك تحول الجيش إلى ميليشيا، والدولة إلى عصابة، والقضاء إلى شلة مافيا. والنهاية معلومة.
(2)
كنت أدليت بتلك التحليلات في مؤتمر دولي شارك فيه عدد من صناع القرار في دول نافذة، وقد كررت ذلك في أكثر من لقاء من هذا النوع، كان آخرها قبل أسابيع قليلة. وزدت هذه المرة فقلت إن سياسات الدول الغربية تسهم في هذا الانهيار المتسارع، لأنها تتعامل مع مصر وغيرها من منطلقات الحسابات قصيرة المدى ومبدأ تقليل التكلفة. ولهذا يجري تجاهل تداعيات الكوارث في بداياتها، ولا يأتي التحرك إلا بعد أن يسبق السيف العذل، وبتكلفة أعلى بكثير.
(3)
ضربت مثلاً لذلك بما حدث في سوريا، حيث كان التدخل الحاسم في بداية الأزمة يكفي لردع الأسد وغل يده عن تدمير بلاده وتشريد نصف سكانها. أسوأ من ذلك ما سبق في العراق من حصار خانق دام عقدين من الزمان، وحول العراق من واحدة من أغنى الدول العربية الجاذبة للمهاجرين إلى دولة تصدر طالبي اللجوء. وختمت بالقول: تخيلوا ما سيحدث عندما تنهار دولة مثل مصر سكانها قرابة المائة مليون. كم من ملايين اللاجئين سيتدفقون على أوروبا؟ عندها فقط سيستفيق صناع القرار، ولكن كالعادة بعد فوات الأوان.
(4)
ما يحدث هذه الأيام في مصر فاق أكثر توقعاتنا قتامة: دولة منغمسة في التدمير الذاتي بصورة تذكر بالتراجيديا الإغريقية، حيث يحقق البطل نبوءة هلاكه عبر سعي حثيث للهرب من قدره. هذا هو عين ما حدث من قبل في الصومال واثيوبيا، حيث التعامل بشراسة مع خصوم كانوا مسالمين إلى إشعال حروب أهلية متعددة الجبهات أسقطت النظام وقسمت البلاد في الحالين.
(5)
عوامل حسم الصراع المصري لم تعد في يد النظام وحلفائه، بل هي في يد المعارضة. فالنظام إلى انهيار محتوم، عبر سياساته التدميرية وصراعاته الداخلية. وهو حالياً يعيش على أنبوب تغذية خليجي غير قابل للاستمرار، وإلا لجر الخليج معه إلى الهاوية. وما تتبعه المعارضة من استراتيجيات هو ما سيحسم القضية.
(6)
كنت قد نصحت الإخوان في مصر عقب انقلاب السابع من يونيو/حزيران عام 2014 بعدم الانجرار إلى المواجهة مع النظام الجديد، وأن ينسحبوا من الميدان مؤقتاً للتأمل في الأخطاء التي أدت إلى كارثة الانقلاب. فلا يمكن لوم أعداء الديمقراطية على إسقاطها وعدم توجيه قسط أكبر منه لمن قصر في حمايتها. فمن عجز عن الدفاع عن الديمقراطية (بل حتى عن مراكز حزبه وجماعته) وهو في القصر الجمهوري، سيجد صعوبة أكبر في استعادة الديمقراطية وهو في داخل سجن. ومن غير المنطقي قيادة معركة استعادة الديمقراطية بنفس الأساليب والرؤى والقيادات التي سمحت بتدميرها، بل ساعدت في ذلك.
(7)
النظام المصري قام نيابة عن الإخوان بواجب امتصاص الغضب الشعبي الذي كانت عناصر النظام القديم غذته بأكاذيب واختلاقات، وذلك بما ارتكب من جرائم وبما عرى به نفسه من ممارسات فضحت كل مستور. ولكن ليس من الحكمة، ولا من المسؤولية في شيء، التعويل على أخطاء وخطايا نظام يجتهد في تدمير نفسه وتدمير مصر معه، كاستراتيجية لإنقاذ مصر.
(8)
من الواضح كذلك أن استراتيجية المعارضة السلمية لم تعد قابلة للاستمرار، لأنها لا تجدي مع نظام فاشي لا يتورع عن كبيرة، بما في ذلك تشريد وإبادة المصريين من أجل البقاء في النظام، شأنه في ذلك شأن وليه في سوريا. وفي هذا المجال، فإن دفع الشباب إلى الاستمرار في التظاهر والاحتجاج السلمي لن يجدي سوى في إنهاك المعارضة. فإما أن تختار المعارضة الحرب المفتوحة، أو تنسحب تكتيكياً من الميدان لتجميع صفوفها ووضع استراتيجية جديدة لاستعادة الديمقراطية، وليس لاستعادة «شرعية» مرسي.
(9)
بوسع المعارضة، وعلى رأسها حركة الإخوان، أن تساعد النظام على شنق نفسه، وذلك عبر كافة أساليب التصعيد. والأرجح أن هذا هو ما سيحدث، لأن ما ارتكبه النظام وما زال في حق آلاف الضحايا سمم الأجواء. وعقلية الثأر في مصر لا تقتصر على الصعيد وسيناء، وبالتالي فإن حلقة جهنمية قد خلقت في رأينا بعض مظاهرها في سيناء التي خرجت بالكامل عن سيطرة النظام. وتتواتر الأنباء عن مناطق في قلب القاهرة، مثل المطرية، وقرى كثيرة في أنحاء مصر أصبحت «مستقلة» عملياً عن سلطة الدولة. وعما قريب قد يصبح السيسي ومقربيه مثل حبيبهم الأسد، لا يتحكمون إلى في محيط القصر.
(10)
ولكن من الحكمة تجنب هذا السيناريو إن أمكن، وذلك عبر استراتيجية معارضة خلاقة، تطور تحالفاً عريضاً لاستعادة الديمقراطية، وتقدم تنازلات للشركاء والمعارضين معاً. وتبدأ الاستراتيجية بإعلان التوافق على استعادة الديمقراطية بدون الإصرار على عودة مرسي، والاستخدام الإبداعي لوسائل التواصل الحديثة لتبديد مخاوف وشكوك الخصوم، والسماح للأجيال الشابة بأن تتصدر المشهد تماماً كما كان الحال أيام ثورة يناير.
(11)
ما لا جدال فيه هو أن مصر تنحدر بصورة متسارعة نحو الهاوية. بل لعله حان الوقت لأن نقرأ على مصر السلام، فهي في حكم كيان بائد مندثر. ولكن كما هو الحال في كل الأحكام التي تتعلق بالشأن الإنساني، فإن الإنسان المصري قادر، لو أراد، على تغيير مسار الانحدار الذي يبدو محتوماً. إلا أن المحلل العاقل، وإن كان لا يستبعد المعجزات، فإنه لا يفترضها كمعطيات. وما تقوله القرائن هو أن مصر الدولة قد انهارت بالفعل. وما ندعو الله له ونحض المصريين عليه هو أن يجتهدوا في تدارك الأمر بكل طاقاتهم، كان الله في عون المصلحين منهم.
❊٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
د. عبدالوهاب الأفندي
محمد مرسي هو رمز الشرعية
فهو الوحيد الذي أنتخب ديموقراطيا بمصر
وعودته تعني عودة الديمقراطية بدستورها المنتخب
ولا حول ولا قوة الا بالله
نجح السيسي في 3 امور اساسية :
قتل المصريين بدم بارد وحبسهم وتعذيبهم
تجويع وتعطيش وسجن فلسطيني غزة المساكين .
ودعم امن اسرائيل القومي . .
سيدى
هل يمكن ان تدلني على كتاب واحد من ادبيات الاخوان يتحدث عن الديمقراطية؟
من اين اتيت بمعلومة الإسماعيلية و السويس أصبحت ساحه حرب مفتوحه؟
و شكرا
نتمني ان لا تصل الامور في ام الدنيا الي اسوا من ذلك لكن الشئ المؤسف جدا عدم تدخل القاده العرب والمسلمين في امر مصر ولا الدول التي تنادي بالديمقراطيه للمساهمه في ايجاد حل للقضيه المصريه حتي تتوقف الة الحرب والقتل وكأن هنالك جهات بعينها تريد ان تمحو جماعة الاخوان وكنسها تماما من المشهد السياسي المصري وهنالك كثير من الدول الاسلاميه وقفت ودعمت السيسي والدال علي القتل كفاعله
بارك الله فى الدكتور عبدالوهاب الأفندى ، فهو سليل عائلة كريمة بالمنصورة بجمهورية مصر العربية ، هاجر بعضها إلى الجزء الجنوبى من مملكة مصر والسودان ، فى القرن التاسع عشر ، وهذه هدية للدكتور عبدالوهاب الذى من المؤكد أنه يعرف هذا .
نحن يا أستاذنا العزيز نحتاج إلى عدل الإسلام أكثر من وهم الديموقراطية ، التى تغنى بها كل الحكام الطغاة فى الوطن العربى فى القرن العشرين . ونحن لا نريد الحرية التى تخالف شرع الله ، ولكننا نريد الكرامة الإنسانية لأنها متعلقة بالله عز وجل ” ولقد كرمنا بنى أدم ” أما الحرية والتى أوصلت أوباما إلى تأييد عملية زواج المثليين فملعونة ملعونة ملعونة ، سيدى الأستاذ الدكتور عبدالوهاب مصر تحتاج إلى عمر بن الخطاب وحفيده عمر بن عبدالعزيز مصر تحتاج إلى الخليفة السادس نور الدين محمود استاذ صلاح الدين الأيوبى ، مصر تحتاج وبشده إلى الشريعة الإسلامية وخاصة الحدود ، والتى ستعيد الأمور إلى نصابها وتسترجع أموال مصر المنهوبة فى الداخل والخارج ، مصر تحتاج إلى محمد صل الله عليه وسلم ” إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ” .
أكثر ما ينشر في هذه الجريدة الغراء عمقا و اكثر مقالاتها حيادا و انصافا و بعدا عن العواطف و التمني هي مقالات الدكتور. أستمتع جدا بقراءتها و تدعوني للتفكير . له جزيل الشكر.
تحياتي الحارة للدكتور عبد الوهاب الأفندي, الذي أحترم آراؤه وكتاباته.
لكنني أجد الدكتور دائماً يتحدث عن المعارضة, وهنا تمثلها الأخوان_ وكأنهم يملكون زمام أمورهم.
المعارضة حقيقة تُجر دائماً, وفي جميع الحالات, في السلم وفي الحرب, إلى أفعالها, وهي لاتملك أن تغير شيئاً, وقد رأينا فترة حكم محمد مرسي, الذي كان محاطاً بكل الدولة التي تعاديه, بل وبقسم كبير من الشعب.
الحقيقة, أن المعارضة الآن لا تملك من الأمر شيئاً, وما يجري سيكون على كل حال.
أما الانهيار الذي ينتظر مصر_ فقد تنبأت به منذ الثمانينات, لأن بذوره كانت مغروسة في المجتمع المصري, وقد أنبتت الآن.
اتفق مع د. عبد الوهاب في معظم ما ذهب اليه في تحليله ، بإستثناء جلد الضحية أيضاً !
نعم ارتكب الأخوان أخطاء سياسية بداية من ترشيحهم لمنصب الرئيس ، و من المهم بل من الواجب توجيه النقد اليهم و الى كل من يكون في السلطة بغية الإصلاح و بغية التحسين و حتى لا يحول صاحب السلطة ، سلطته لتكون مطلقة فينتهي و البلد الى مفسدة مطلقة ، كل ذلك مفهوم ، و لم يقصر د. عبد الوهاب و لاغيره في هذا الشأن ، و المهم النوايا والمنطلقات بطبيعة الحال.
اما و ان أُسقطت الشرعية بالطريقة الهجينة التي شهدناها ، وانقلب العسكر على الشرعية شر انقلاب ، فإن ما جرى منذ ذلك الحين هو خطايا و ليس أخطاء ، و تحول الرئيس الشرعي و فصيله الذي كان ينتمي اليه الى ضحية و ضحايا تسلخ في سلخانة الإنقلاب و في سجونه و من على فضائيات ملأه و حملة مباخره ليل نهار ، زوراً و بهتاناً ، فليس من النبل و لا من الشهامة و لا من الخلق القويم و لا حتى من المصلحة أن نلوم و نهاجم و نجلد بالضحية مهما اختلفنا معها اليوم .
فالضرب في الميت حرام و الأشد حرمة الضرب في الحي الذي يحتضر ، خاصة ان الذي يضربه و يجلده ، هو مرتكب كل الخطايا التي ادت بك يا دكتور عبد الوهاب ان تقول بحق على مصر السلام.
الوضع الان في مصر مثل الوضع في سوريا عندما اندلعت الانتفاضة وذلك من زاوية ظلت مهملة تماما حتي قبل بضعة ايام : الشارع، خاصة الاخوان وقاعدتهم التي لايمكن الاستهانة بقوتها وتأثيرها علي قيادتها، تطلب المواجهة المفتوحة حتي إسقاط سلطة الانقلاب. والاخير مستعد لاستعمال اقصي درجات القوة للبقاء في السلطه.
معني هذا ان قيادة الاخوان لاتستطيع التنازل عما تطلبه قواعدها وسقوط النظام بالقوة مستحيل وستكون النتيجة هي سيناريو الكارثة السورية – العراقية- الليبية- اليمنية الخ.. والحل ؟
في سوريا، بعد خراب مالطه، بدأت فيما يبدو بعض اطراق المعارضه، او علي الاصح بعض الدول الداعمة لبعض اطراف المعارضه، الحديث عن تنازل متبادل يبقي بشار بسلطات محدوده ( حل يقبله داعموه الروس خاصة ) مقابل صيغة لاقتسام السلطة التنفيذة والتشريعية معها.