لولا أن المشهد العربي مخضب بأنهار من الدماء، وأن دولا عــــربية عريقـــة وضاربة في جذور الحضارة الإنسانية تحولت إلى ساحات لحفلات قتل عبثي، وحروب طائفية همجية خرجت من ظلام عصور غابرة، ومعارك إقليمية وقودها الأبرياء، وإرهاب متنكر في شكل جهاد يجذب كالمغناطيس مرتزقة ومتاجــــرين بالدين والسياسة والوطن من شتى بقاع الأرض، لكانت السخرية أو الكوميديا السوداء الاحرى من القراءة النقدية الجادة في تحليل هذا الواقع السوريالي العربي.
ويصعب على المراقب العربي أن يقرر من أين يبدأ، وأين ينتهي إن كانت ثمة نهاية. ولنقف اليوم بهذه الهوامش السريعة أمام سوريا «قلب العروبة» عن استحقاق، البلد الجميل والفريد من نوعه الذي تحول إلى «تراجيديا تاريخية» تستعصي على قريحة أشد المؤلفين دموية وسوداوية.
اولا:
بعد ارتفاع الاسهم في بورصة التكهنات حول الحل السياسي، ظهر وزير الخارجية السعودي في موسكو ليقوم بدور «جهيزة التي قطعت قول كل خطيب»، عندما أعلن الاسبوع الماضي أن «الأسد انتهى» مع انه مازال يرتكب المجازر، كما رأينا قبل أيام في دوما، ثم يعلن انه يريد «ان يرحل الاسد سلما أو حربا مع بقاء المؤسسات»، وحيث أن سوريا مثل أغلب الدول العربية لا تملك اي مؤسسات سوى الامنية والعسكرية، تكون الترجمة العملية لكلام الوزير انه يريد أن يرحل من أمر بالقتل على أن يبقى من ارتكبوا القتل بأيديهم طوال السنوات الماضية (..). ناهيك عن إمكانية بقاء نظام أو مؤسسات في بلاد تمت «شخصنتها» على مدى عقود، ثم ورثها الابن عن ابيه، وهو ما كتبت منددا به ومحذرا منه حينئذ، في ما كان بعض الزعماء المعارضين حاليا يباركون تعديل الدستور، ليكون على «مقاس الوريث». وفي مقابل موقف سياسي كهذا يفتقد إلى رؤية متماسكة، التزم الوزير الروسي المخضرم سيرجي لافروف موقفا دبلوماسيا دقيقا، خلاصته أن «الشعب السوري وحده يملك الحق في أن يقرر مصير نظامه»، فسارع بعض الذين يفكرون بالتمني إلى ترجمته على أنه «تراجع عن التمسك بالاسد».
ثانيا:
الواقع أن نظام بشار الأسد مدين بكثير من الشكر لاكثر اعدائه ومعارضيه الذين جملوا وجهه القبيح، إذ أن الذين خطفوا ثورة نبيلة وحولوها إلى حرب طائفـــــية اهلية بغيضة، مستعينين بجيــــش من الارهابيين من أعداء الحياة والحضارة والإنسانية مهما تتنوع اسماؤهم وعناوينهم، باعتبارهم «البديل» الذي سيأتي لسوريا بالحــــرية المنشــــودة (..)، لا يقلون في الحقيقة إجراما عن النظام نفسه.
لقد انسحقت سوريا وانذبح شعبها وتشرد، ودمرت حضارتها، بين من رفعوا شعار «بقاء الاسد أو نحرق البلد» ومن يطبقون عمليا سياسة «رحيل الأسد أو نحرق البلد».
وبعد أن كانت سوريا تحافظ على ثقافة مستقرة من الليبرالية الاجتماعية، في ظل الحكم الديكتاتوري، تبعثرت بين عصور ظلامية من الانتقام الطائفي والاضطهاد للمرأة والأقليات، ولم يتردد النظام الشمولي في الاستفادة من هذا الوضع، باعتباره، ولو مؤقتا، الخيار الأقل خطرا إقليميا، والقابل للتعامل معه، في مواجهة صعود حركة تكفيرية عالمية تضرب من أقصى الأرض إلى أدناها.
ثالثا:
أما على الصعيد السياسي، فللاسف الشديد ليس ثمة ضوء في نهاية النفق، اذ لم تنضج المعطيات بعد، سواء اقليميا أو دوليا، ولا يوجد طرف واحد يستطيع أن يقرر حلا سياسيا يتطلب وجود إرادة سياسية حاكمة، ولا تغيب عنها الدول الاساسية، خاصة الولايات المتحدة التي بدأت تعيش فعلا أجواء الانتخابات الرئاسية، ما سيؤجل أي موقف حقيقي تجاه سوريا إلى الإدارة المقبلة التي يتوقع أن تكون جمهورية برئاسة جيب بوش، وهو أعلن بالفعل انه سيعتبر «داعش مركز الشر في العالم»، ما قد يصب هذا في مصلحة النظام السوري.
ويتعين كذلك وجود رؤية سياسية واقعية اقليمية متماسكة لإنجاز الحل بمشاركة مصر وايران ودول الخليج. والى أن يحدث هذا سيكون طبيعيا، أن يتكرس وجود النظام كأمر واقع، فيستقبل وزير خارجيته في سلطنة عمان وغيرها، ويتكرس تعاونه الامني السري أو العلني مع دول عربية وأجنبية من حقها أن تقلق من عودة الارهابيين من سوريا إلى اراضيها، ومن السذاجة أن يستغرب أحد هذا الأمر في ظل الانتشار السرطاني للارهاب التكفيري في الاقليم بل والعالم.
ويجمع كثيرون على أن الموقف المصري يشكل اهمية خاصة، وهو ما يفسر هذا الصراع المحموم عليه بين الفرقاء الاقليميين، وهذا مبحث اخر يتطلب دراسة متأنية لتطورات ذلك الموقف رسميا وشعبيا، منذ انطلاق الثورة في درعا، حتى غابت لمصلحة من «مذهبوها وطوأفوها»، متوهمين انه من الممكن أن يختصروا مصر الكبيرة في مذهب أو طائفة، وكأنهم يريدون منها أن تنتحر بالتخلي عن روحها القومية العروبية، التي طالما قادت الامة بأسرها والهمتها، والاستسلام امام هؤلاء التكفيريين أو المغول الجدد، مع الاعتذار للمغول طبعا.
أخيرا
على المستوى الشخصي، ليس عندي سوى حزن واسئلة، لا استطيع أن انسى وجه طفل سوري من ابناء درعا كان خرج يوما مطالبا بالحرية والكرامة، ورأيته في دولة مجاورة وقد انتهى به الحال ماسح احذية اقرب إلى متسول (مع ملاحظة انه محسوب على «الفئة المحظوظة» التي تمكنت اولا من البقاء على قيد الحياة، ثم اللجوء إلى الجوار). تراه كيف يشعر وهو يستعيد مشاهد الدم، ويتابع المجازر وقطع الرؤوس وسبي النساء وتدمير الاثار، وسياسيين فاشلين أو متربحين و»ناشطين ومحللين فضائيين» تتصاعد مكاسبهم مع فيضانات الدم؟ هل هذه ثمار ثورته النبيلة؟ أمن أجل هذا وهؤلاء التكفيريين والمرتزقة ثار محقا وزملاؤه من أجل الانعتاق؟ وكيف يرى هذه الامة التي شاء حظه العاثر أن يولد فيها؟ كيف يرى هويته؟ بل هل سيريد أن تكون لديه هوية اصلا، فيما الناس يقتلون لمجرد انهم سنة أو شيعة أو مسيحيون أو ايزيديون أو اعرب أو اكراد أو غير ذلك؟ اي مستقبل ينتظره؟ بل والأحرى اي مستقبل ينتظر أمة كهذه؟
كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»
خالد الشامي
تحفة ادبية وسياسية من افضل ما قرأت عن الازمة في سورية. قلم عروبي منحاز الى الشعب السوري وليس النظام الاجرامي او المعارضة التي تتاجر في دماء سورية ونكبتها. شكرا للكاتب المحترم والقدس.
مأساة العرب الوحيدة هي بالعسكر
فبعد التحرر من استعباد الاستعمار لنا جاء استعباد العسكر
المشكلة هي بالهزائم المخجلة المدوية التي يقلبوها لانتصارات
مذابح العسكر ببلادنا كثيرة وتتجاوز مذابح الاستعمار
فها هو عسكر الجزائر بالعشرية السوداء
وعسكر مصر ب3-7 الأسود
وعسكر صالح ووو
لم نرى الا الخراب والهزائم والفساد والاستعباد منهم
متى سيرجع الفاشلون لثكناتهم – فكل فاشل بالدراسة تجده بالعسكر
ولا حول ولا قوة الا بالله
تحية للكاتب المحترم
عند بداية الثورة لم يكن هناك داعش أو إرهاب وعليه
من أوجد الإرهاب ورعاه وتاجر به؟
لماذا لم يعمل العرب والغرب على إسقاط الأسد ؟
لماذا يسكت العالم على إجرام عصابات الأسد؟
ما مصلحة نظام السيسي بالتعاون الأمني مع جزار سوريا ؟