غرناطة ـ «القدس العربي»: أحرز الفيلم الياباني «النور يضيء فقط هناك»، لمخرجته ميبو أو، ذهبية الحمراء المخصصة لأفضل إخراج في الدورة التاسعة لمهرجان سينما الجنوب الذي يقام في غرناطة الإسبانية.
«يظهر الفيلم عالما من الشخصيات التي تم إبداعها برومانسية في جوانبها الأكثر أصيلة لها من المحيط، تاركا جانبا التكنولوجيا والثقافة العريقة. فالفيلم يحمل سمات متماسكة من حيث البناء النصي الصلب ولغة واضحة في تقديم ما تعتزم مخرجة الفيلم حكيه» هذا ما أعلنته لجنة التحكيم مبررة اختيارها.
ويحكي الفيلم، الذي تدور أحداثه في إحدى المدن الساحلية في اليابان، قصة رجل مصدوم يدعى تاتسو يقضي أيامه تائها بدون هدف ولياليه في شرب الخمر لنسيان ماضيه. وفي أحد أماكن الترفيه يلتقي بالشاب تاكوجي الخارج لتوه من السجن تحت المراقبة ودون تفكير يدعوه إلى بيته الرث الموجود خارج المدينة. حيث يلمح تاتسو، منذ اللحظة الأولى، والد صديقه الذي يقضي يومه ممددا على السرير ووالدته الفاقدة للإحساس وشقيقته الكبرى شيناستو المتعبة من الحياة، وسرعان ما ينجذبان لبعضهما، غير أن هذه العلاقة الرومانسية ستعتبر ترفا لا يمكن قبوله سواء من تاكوجي المنغلق عاطفيا أو من قبل الفتاة التي تعاني من خيبة أمل، فهي تبيع جسدها لدعم الأسرة ولإخراج شقيقها من السجن. وأمام إصرارهما في استمرار علاقتهما سيتمسك تاكوجي بصديقه فتتشابك مصائرهم. ولبناء حياة أفضل كان عليهم أن يمروا باتخاذ خطوات حتى يفلتوا بقوة خارج سلسلة من الأحداث التي صادفوها ذات عواقب وخيمة.
وهذا الفيلم يعد ثالث عمل إبداعي للمخرجة ميبو أو التي تم تتويجها أيضا في المهرجان العالمي للفيلم في مونتريال وتعد واحدة من أفضل صناع السينما المستقلة في اليابان والتي تترجم رأيتها المميزة للعالم وإبدائها لتعاطفها مع الشباب الذين يعيشون على هامش المجتمع.
فيما حاز المخرج هشام عيوش على فضية المهرجان عن فيلمه «حمى» لأفضل فيلم عربي، بعد نيله ثقة طلاب شعبة «سينما جنوب» والاتصال بجامعة غرناطة، وهو إنتاج مغربي، فرنسي، إماراتي، قطري وسبق للفيلم أن فاز بجائزة في مهرجان فيسباكو في مراكش.
ويتناول «حمى» قصة بنيامين الطفل الذي أقفل بالكاد 13 سنة لكنه يشبه محاربا صغيرا في حالة عراك مع الحياة، مع الكبار ومع نفسه. فمنذ أن كان عمره خمس سنوات عاش متجولا بين الملاجئ، لكن سجن والدته التي ستكشف له عن وجود والده. ومنذ ذلك الحين تحول هدف الطفل الوحيد إلى مغادرة المأوى المؤقت، ليقرر، بعد منحه الخيار من طرف الأخصائي الاجتماعي ، الذهاب للعيش مع والده الذي لا يعرفه…فوالده رجل في الأربعينيات لا يزال يعيش مع والديه في ضواحي باريس. وهو رجل في حالة صحية حساسة لم يسبق له أن تجاوز الحي وراض على وضعه ، فقط ينتظر دوره في قدوم الموت. لكن مع وصول هذا الطفل المتهور والمندفع ستتغير حياته حيث يبدو عاجزا تماما.
ففي الضواحي، يتسم كل شيء بالتطرف. حيث يسود العنف قبل كل شيء، لكن ومع ذلك، هناك أيضا شعرية وبهجة عارمة في العيش وهذا هو ما ألهم هشام عيوش لنقله للشاشة الفضية.
وعادت برونزية الحمراء وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة تقديرا لمستوى الفيلم الإيراني «اليوم»، للمخرج رضا ميركريمي» الذي يتطرق إلى العالم الذي تحتل فيه الذكورية الأسبقية والذي يعالج دون كلام، وبإنسانية عميقة ما يتعارض مع ما هو سائد».
ويتناول قصة سائق سيارة أجرة يقوم بنقل شابة إلى المستشفى عند مشارف نهاية يوم عمله، دون معرفة ما ينتظره …. مع هذه القصة البسيطة، المخرج الإيراني رضا ميركريمي، يقدم رواية عن الناس الذين يساعدون الآخرين دون أن يعرفوهم مسبقا ولا يكشف عن هويتهم حتى بعد الانتهاء من مساعدتهم . ويشكل أيضا عدم الكشف عن الهوية عنصرا مهما للإثارة والحبكة في الفيلم. هذا البعد الذي تم بناؤه الدرامي على أساس حوار الحد الأدنى، لأن الحديث في كثير من الأحيان يسبب سو ء الفهم….لنتساءل هل يبقى سائق سيارة الأجرة صامتا في مدينة كبيرة مثل طهران عندما يواجه الشدائد وسط مجتمع غاضب، وهل سيكون قادرا أن يستنبت زهرة صغيرة في عالمه المتسم بالعزلة؟
ووجهت لجنة التحكيم تنويها خاصا للفيلم البرازيلي «بوانت بلانك» لمخرجته تيريسا جوسورون لأن الفيلم «يثير موضوعا كونيا يتعلق بقضية حساسة مثل الفساد في الشرطة. ويوضح المخرج ذلك بجرأة وشجاعة. ويشكل الوثائقي اتهاما ورصدا لممارسات الشرطة ليس فقط في البرازيل ولكن في كل أمريكا اللاتينية».
وضمت المسابقة الرسمية كلا من فيلم «تمساح» للمخرج الفلبيني فرانسيس خافيير باسيون و»نيكثي يوث» لمخرجه سيبس شونغوي لا مير من جنوب افريقيا، «شركاء في الجريمة» لجونغ تشي شانغ من التايوان، «نقطة بياض» لتيريسا خيسورون من البرازيل، الفيلم الإيراني «اليوم» للمخرج رضا ميركريمي والفيلم التركي «لماذا لا أستطيع أن أكون تاركوفسكي» لمورات دوزغونوغلو، «وحيدون» للمخرجة البيروفية خوانا لومباردي، «ذكريات على الحجر» لشوكت أمين كوركي من العراق، «حمى» لهشام عيوش من المغرب، إضافة إلى الفيلم الياباني المتوج في هذه الدورة «النور يضيء فقط هناك» للمخرجة ميبو أو.
وبالإضافة إلى المسابقة الرسمية عرفت الدورة التاسعة تقديم أقسام أخرى استطاع من خلالها المشاهد الإسباني التعرف على تجارب أخرى منها قسم «شاشات مفتوحة» حيث تم عرض6 أفلام وتميزت بعرض فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد والذي ترشح باسمه لنيل جائزة الأوسكار وفاز بجائزة لجنة التحكيم مسابقة «نظرة أخرى» في مهرجان كان السينمائي. وفي قسم «قريبا رغم بعده» تم عرض4 أفلام، «السينما العابرة» بأربعة أفلام كذلك، «سينما الجنوب» ثلاثة أفلام ثم قسم «الجزيرة» التي أشرفت عليه قناة «الجزيرة» القطرية وتم عرض خمسة أفلام من اختيارها. وعرفت الدورة إحداث قسم جديد يحمل اسم «السينما والصحة» بالتنسيق مع المدرسة الأندلسية للصحة العامة لتشجيع الخبراء في ميدان الصحة لمناقشة موضوعات غالبا ما تكون من المحرمات، أو تدخل ضمن حقوق الأقلية أو التي تعد ضمن الاستبعاد الاجتماعي وذلك قصد توليد نقاش للمساعدة في إيجاد حلول مختلف الجماعات والأفراد. وتم خلالها عرض ثلاثة أفلام وتنظيم موائد مستديرة.
وبتنسيق مع مؤسسة أورو عربي تم تنظيم عروض خاصة للفيلم الأمازيغي ونشاطات موازية لفرق موسيقية أمازيغية، وتخصيص فضاء لعرض مجموعة من الأدوات التي تستخدم عادة في الموسيقى الأمازيغية في المغرب والجزائر وتونس، موريتانيا، ليبيا، مالي والنيجر.
واعتبر خوسيه سانشيز مونتيس مدير المهرجان أن «سينما الجنوب تتماهى مع ما هو أفضل في غرناطة بماضيها، بحاضرها وقبل كل شيء، بمستقبلها. مستقبل بلا حدود يسوده التضامن والاحترام. فالشاشات ستنير والعالم الحقيقي أو المتخيل سيملؤها صورا».
وأعلنت أنا غوميز، المندوبة الإقليمية للثقافة والرياضة في حكومة الأندلس، في تقديمها للمهرجان على أنه «يمثل فرصة مثالية للجمهور لاكتشاف أعمال سينمائية غير معروفة في بلادنا، وتقديم وجهة نظر صناع السينما أنفسهم ينتمون لأكثر من عشرين جنسية. فدور سينما الجنوب ستتميز بمشاركة عالية للعنصر النسوي في المسابقة، بما في ذلك الإدارة والمنتجين والممثلات اللواتي «سيأخذن المشاهدين لرؤية حياة النساء بعيون جديدة في بلدان أخرى، في بعض الحالات تعتبر غير مفضلة، ناهيك عن اللواتي ليس لديهن حقوق على الإطلاق».
كما يشكل معلمة ثقافية لربيع المدينة الأندلسية لمواصلة صنع أفلام في مناطق مثل افريقيا أو آسيا أو أمريكا الجنوبية مرئية للمشاهدين حتى يتعرف على ثقافات أخرى.
وتألفت لجنة تحكيم المهرجان في دورته التاسعة من ثلاث شخصيات متخصصة في عالم السمعي والبصري وضمت خبير الاتصالات والمخرج لويس ضوفوور من الأروغواي والأستاذ والمخرج الوثائقي مويسس سلامة، الذي ولد في مليلية والمتخصص في شمال افريقيا بالإضافة إلى رئيسة اللجنة المخرجة المغربية فريدة بن اليزيد التي تم تكريمها لثراء مسارها السينمائي ولمسيرتها كمخرجة سلطت الضوء على المجتمع الأمازيغي وجهودها المبذولة لنشر التبادل الثقافي ودعمها مهرجان سينما الجنوب منذ نشأته ولشكرها على حضورها لغرناطة مرة أخرى.
وضمن قسم خاص تم عرض ثلاثة أفلام لها وهي فيلم «فرونتيراس» أي حدود بالإسبانية و»النساء في الموسيقى الأمازيغية» و»عبر الوديان المزهرة».
وأعلن منظمو حفل التكريم في مجلة المهرجان أنه «يشكل فخرا وجود أهم مخرجات السينما المغاربية في لجنة التحكيم للدورة، ففريدة بليزيد ظلت لسنوات عديدة المرأة الوحيدة التي تدير الأفلام في المغرب. وتكونت في فرنسا، ركزت بقوة خلاقة وخصوصا في تناولها السينمائي على عالم المرأة المعقد والهوية والجنس من منظور المجتمع المغربي والذي عالجته بمعرفة متعمقة لواقع المرأة في بلدها».
وخلال مسيرتها الفنية أخرجت وكتبت سيناريوهات أفلامها مثل «كيد النساء» و»باب الجنة مفتوح على السماء» و»الدار البيضاء يا الدار البيضاء» واقتباسها للسينما تحت اسم «خوانيتا بنت طنجة» لواحدة من رواياتها المفضلة «الحياة القاسية لخوانيتا» والتي كتبها أنخيل باسكيز «la vida perra de juanita» . فقصة الكتاب سمحت لها بتناول اثنين من موضوعاتها المفضلة: طنجة المدينة المتعددة الثقافات والتي ولدت فيها والتي تحبها كثيرا، وبطبيعة الحال، المرأة القوية والمعذبة من طرف العالم المحيط بها وكتبت أيضا سيناريو فيلمي «عرائس من قصب» للجيلالي فرحاتي «البحث عن زوج .امرأتي» لمحمد عبد الرحمان التازي.
خالد الكطابي