لن نرجم بالغيب في البحث عما يمكن للاتفاق النووي أن يغير من سلوك إيران وسياستها التوسعية عبر الاقليم لكي نتفاءل أو نتشاءم. فهذا الرهان الأوبامي متروك للزمن. وهو ما يضفي صفة «التاريخي» الرائجة على ما جرى في فيينا في الرابع عشر من هذا الشهر.
قد يكون الرهان صحيحاً على المدى الطويل. فالسياسة الإيرانية اتخذت وضعية القط المحاصر منذ نجاح ثورتها الإسلامية في العام 1979. الحرب التي شنها عليها نظام صدام حسين في 1980، واستمرت ثماني سنوات، دفعت بإيران إلى طريق العزلة الخانقة التي ستتعزز بالعقوبات الأمريكية والدولية. فيما ستندفع نحو التسلح النووي بعدما باتت في وسط ثلاث دول ذات أسنان نووية: إسرائيل والباكستان والهند، إضافة إلى روسيا.
وكان لهذه العزلة ثمنها الداخلي المتمثل بصعود التيار الأكثر تشدداً وإيديولوجيةً داخل النظام، على حساب التيارات العقلانية المرنة سياسياً، فضلاً عن تدهور الوضع الاقتصادي للطبقات الوسطى حاملة قيم الحداثة والاعتدال مقابل صعود نجم الإيديولوجيين «الطبقيين» أو الشعبويين من أمثال أحمدي نجاد. انطوت صفحة نجاد هذا من غير أن تنطوي النجادية التي يمثلها أصلاً ولي الفقيه. وكانت لصعود حسن روحاني دلالتان: فهو من جهة بمثابة إغراء للغرب بالانخراط في الحوار مع طهران، وهو ما تحقق من خلال اندفاع أوباما لطي صفحة العداء المديدة مع طهران. ومن جهة ثانية امتصاص للنقمة الشعبية على النظام بعد الثورة الخضراء في ربيع 2008، على أمل إطالة عمر النظام، الأمر الذي من المحتمل أن يوفره الانفتاح الأمريكي – الغربي على إيران، وبضمنه رفع العقوبات وفقاً للاتفاق النووي.
ولكن، على المدى القصير، سيكون السؤال: أين سيصرف نظام ولي الفقيه المليارات الإيرانية المجمدة التي سيتم ضخها مجدداً في مطلع العام 2016، إضافة إلى واردات النفط التي من المحتمل أن ترتفع بعد رفع الحصار؟ هل على استعادة العافية للاقتصاد الوطني ورفع المستوى المعيشي للطبقات الدنيا الأكثر تضرراً من العقوبات؟ أم على الميليشيات الشيعية الموالية للحرس الثوري في العراق ولبنان واليمن وسوريا؟ هذه الأسئلة تبقى معلقة. لكن المؤكد أن تيار التشدد في إيران لن يتلاشى بين ليلة وضحاها بفعل اتفاق نووي يبرر مضمونه مشاعر الانتصار التي أعقبت التوقيع في إيران، ليس فقط لدى عامة الشعب المهتمة أكثر برفع العقوبات، بل كذلك لدى التيار المتشدد الذي اعتبر أنه جنى ثمرة تشدده باتفاق أعرج لا يقضي على أحلام إيران النووية، بل يؤجلها وحسب. سيكون لدى التيار المتشدد، إذن، الكثير مما يعزز من موقعه داخل النظام، بما يتيح له مواصلة الاستثمار في التمدد الاقليمي عبر وكلاء محليين من ميليشيات شيعية، وأسدية (في سوريا).
أين هو «عقل الدولة» الإيرانية من هذين الميلين في المجتمع والسلطة السياسية: المتشدد الذي يسعى نحو التوسع الاقليمي من جهة، والمعتدل الذي ينحو نحو الاستقرار والانفتاح على العالم والازدهار الاقتصادي من جهة ثانية؟ يمكن القول إن التيارين يتكاملان لتحقيق الغاية نفسها. فإيران تسعى أصلاً، من خلال مد نفوذها الاقليمي، إلى اعتراف المجتمع الدولي بها قوة اقليمية ذات كلمة مسموعة في المحافل الدولية، وفي مأمن من المخاطر على أمنها القومي، كحال المخاطر المتمثلة في جيرانها النوويين. تريد إيران ألا يتكرر ذلك الوضع الكارثي حين فرض عليها صدام حسين حربه الطويلة المدمرة. ولا يمكن أن يتحقق الاستقرار والازدهار الاقتصادي إلا بدولة قوية قادرة على ردع خصومها.
بهذا المعنى، ليست مشكلة الجوار العربي مع إيران قوية قادرة على دفع المخاطر عن نفسها. بل مع ضعفه الخاص ومشكلاته المزمنة غير المحلولة، كتلك التي دفعت ببعض من مكونات شعوبها (الشيعة مثلاً) إلى أن تتحول إلى أدوات في خدمة التوسع الإيراني، أو كأنظمة دكتاتورية فاسدة مستعدة لتدمير بلدانها مقابل عدم التخلي عن الحكم، ولبيع سيادتها الوطنية إلى الدولة الإيرانية مقابل استمرارها في الحرب على شعبها. الاتفاق النووي الذي من شأن تداعياته أن يجعل إيران صاحبة الكلمة الأولى في الاقليم، هو بمثابة ساعة الحقيقة بالنسبة للسياسة العربية برمتها. وإذا كان الدعم الإيراني لنظام الأسد الكيماوي هو الشماعة التي يتمسك بها كثيرون لتبرير هزيمة عملية التغيير الديمقراطي في سوريا، فماذا عن البلدان العربية الأخرى التي تتوهم أنها نجت من استحقاقات التغيير الضروري لأن موجة الربيع العربي لم تمسسها؟ أليس الضعف العربي أمام إيران، وقبل ذلك إسرائيل، هو بسبب استنقاع الأوضاع في ظل أنظمة أبدية فاشلة رائزها الوحيد هو التمسك بالسلطة والثروة؟
ربما الرد الأسوأ على الاتفاق النووي مع إيران هو إطلاق سباق تسلح جديد بدعوى التوازن مع القوة الإيرانية، الأمر الذي تشجعه إدارة أوباما التي لم تر من طريقة لـ»طمأنة حلفائها التقليديين» إلا بتزويدهم بمزيد من السلاح. وكذا فيما يتعلق بدعوات إلى اندفاع الدول الخليجية نحو مشاريع نووية بنفس ذريعة التوازن الاستراتيجي. يعرف السوريون جيداً ثمن ذلك «التوازن الاستراتيجي» الذي حققه حافظ الأسد بشراء السلاح الكيماوي الذي سيسلمه ابنه مقابل تمديد تمسكه بالسلطة فترة إضافية، بعدما استخدمه لضرب الشعب الثائر عليه.
الأفضل هو أن يعتاد العرب على التعايش مع جارهم النووي الجديد ويلتفتوا إلى حل مشكلاتهم الداخلية المزمنة. فالحريق المشتعل داخل البيت ليس سببه إيران.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
فالحريق المشتعل داخل البيت ليس سببه إيران.
– انتهى الاقتباس –
أختلف معك يا أستاذ بكر هذه المرة ,
لقد تدخلت ايران ببيتنا العربي للنخاع !
فماذا تسمي ما يحصل وسيحصل ببلادنا ؟
فايران تدخلت بين كل الطبقات ودمرت الوطنية
ولا حول ولا قوة الا بالله
.
– الأمر ليس مسألة اعتياد بل تنافس .
أعتذر مسبقا عن العامية و بالفعل لخراب بيتنا اسباب متعددة و كثير من حرائقه أشعلناها بانفسنا أو كانت عندنا للأسف قابلية الاشتعال و مع ذلك ” بس لو هالجار يضل ببيته و يكف شره عنّا لانه ”