بلا شك، أن لشخصية مدير قنوات «أم بي سي» الدكتور علي جابر كاريزما خاصة، وقد صقلها الرجل بحكم المعرفة الإعلامية الأكاديمية، والتجربة العملية الطويلة في مواقع كثيرة وكان آخر ما أبرز مقدرة الرجل الأكاديمي الوسيم بشعره الأبيض وهدوئه القاسي، في برنامج Arabs Got Talent الذي تنتجه قنوات «أم بي سي» بترخيص من النسخة العالمية الأصلية للبرنامج. ولا أشك أن استنساخ البرنامج عربيا على قنوات «أم بي سي» فكرة ساهم فيها الرجل نفسه، وهو أيضا من رأى في شخصه وشخصيته ما يناسب تقمص دور سيمون كويل، نجم البرنامج بنسخه العالمية في لجان التحكيم، وهو الحكم الأقسى والأكثر صعوبة لنيل رضاه.
هذا كله، لا يمنع أن للدكتور الذي استطاع أن يجعل لقب «عميد» ماركة مسجلة باسمه، هنات وهفوات تكشف نقاط الضعف لديه، ولعل أبرزها، هي انبهاره بأي قادم من الغرب، على مبدأ «الإفرنجي برنجي»، وهذا ليس عيبا مطلقا، لكن التمادي فيه مثير للقلق أحيانا.
لأكثر من موسم؟ لاحظناه مفتونا بمشاركين قادمين من أوروبا أو أمريكا، وكأن هذا الحضور الجغرافي يمنحهم نقطة شفاعة أمام قسوته المعهودة، وفي الحلقة الأخيرة للأسبوع الفائت، كان واضحا في انحياز هواه «الغربي» نحو المشارك القادم من إيطاليا اللبناني الأصل، سيمون العاني، رغم أن الرجل فاز بلقب نسخة أجنبية من البرنامج؟
لكن الأكثر لفتا، كان حدة مدير عام القنوات على مقدمة الفقرات في البرنامج، ريا أبي راشد، والتي أبدت رأيها بفرقة مشاركة، فرد عليها جابر بقسوة وحدة أحرجتها وجعلتنا نفكر بطريقة الرجل الحازمة في إدارة قنوات «أم بي سي»، وربما هي المنهجية التي تجعلها فعلا رائدة صناعة الترفيه في العالم العربي.
وهذا كله لا يمنع أن نتعاطف مع أهم مذيعة ترفيه في العالم العربي، وأقصد ريا أبي راشد، وهي في الحقيقة منتجة وصحافية في المجموعة، وتحمل شهادات أكاديمية عليا ومتخصصة في الاقتصاد والسينما والصحافة والإذاعة، ومكنتها قدرتها على التحدث بأربع لغات بطلاقة على أن تكون أول صحافية عربية تقدم للعالم العربي من داخل هوليوود ما هو حصري.
سيرة حياة «باب الحارة»
لكن، لـ «أم بي سي» أيضا هناتها وهفواتها، ولعل أكبر خطاياها هي استمرارها في تقديم السلسلة الأزلية التي يبدو أنها لن تنتهي إلا بقيام الساعة، وأقصد سلسلة «باب الحارة» العصي على الخلع، وها نحن ندخل موسمه التاسع، و تعلن الشبكة أنه على خريطة برامجها الرمضانية، مع شارة الأغنية وبرومو بصوت يتحدث بلهجة شامية متكلفة جدا.
لقد كتب الكثير عن هذا العمل، الذي بدأ جيدا وانعطف في كل مواسمه انعطافات درامية كثيرة تستحق أن تشكل بحد ذاتها مسلسلا جديدا اسمه «سيرة حياة باب الحارة»، ورغم كل ما قيل وكتب وأذيع عن المسلسل، خصوصا في الأخطاء التاريخية، التي أعتقد أحيانا أنها مقصودة لتشويه التاريخ السوري، فإن المسلسل مستمر في غيه وضلاله وتضليله، حتى صارت الشام، زينة الدنيا، مختزلة بحارة يتزعمها حلاق غاضب دوما، و«عضوات» حارة في عملية بحث دائمة عن طواحين هواء يقاتلونها.
المسلسل في كل جزء يحاول أن يتصنع التطور التاريخي في أحداثه، ولا أدري إلى أين يريد منتجوه الوصول بنا، ولا أتخيل أن موسم هذا العام سيحمل مفاجآت تاريخية جديدة، إلا إذا أعلن «فرن أبوبشير»، أنه سينتج خبر «التوست» و»الباغيت» الفرنسي!
كاميرا الموبايل تتفوق على التلفزيون
استيقظنا يوم 15 أيار/مايو الجاري، على ذكرى النكبة، وهي تسمية اصطلاحية في غير محلها لكنها درجت منذ أطلقها أول مرة المؤرخ اللبناني الراحل قسطنطين زريق. ونحن مع الرأي الذي يذهب إلى تعريفها وتسميتها بالجريمة، بدلا من نكبة.
وطبعا كانت «ذكرى النكبة» إحتفالية حزينة في أغلب القنوات الفضائية وعنوان نشرات الأخبار، كي لا ننسى، وكأننا ننسى، لكن «مكثورين الخير» تلك المحطات العربية، التي لا تزال تفكر بفلسطين.
برامج، وتقارير صحافية ونصوص قرأها مذيعون ومذيعات بأصوات مقعرة وحزينة، كلها لم تؤثر بالأحاسيس المتبلدة من كثرة جرعات البيانات والخطب الإنشائية، كل التقنيات الحديثة في عمل التقارير المتلفزة مع كل موسيقى النايات الحزينة لم تفلح بتحريك المشاعر، واذا تركت الشاشة، وفتحت على الفيسبوك، تجد فيديو مصور بكاميرا جوال عادية، المصور هو الأديب والقاص الفلسطيني زياد خداش، والمكان أرض ما في بيت نبالا المدمرة، والبطل، عمة زياد، الحجة حليمة، التي ما أن وصلت قطعة الأرض تلك، حتى رمت عن ظهرها سنوات العمر الطويلة، وركضت نحو بئر ماء، تصرخ: دارنا هان..هان هان.
وصوت زياد خلف الكاميرا يسألها: وين؟ وهي تجيب كأنها ترى فعلا دارا: هان هان.
كانت تشير لأرض خالية يتوسطها بئر ماء مهجور.
وقتها تحركت كل مشاعرنا مرة واحدة، فرحنا لفرح عمتنا حليمة، ودمعنا لتلك الخسارة الفادحة التي نتواترها جيلا بعد جيل، وأدركنا معنى النكبة في صوت عمتنا حليمة.
أدركنا في الموسم التاسع والستين للنكبة، أن النكبة هي أن لا نتذكر مكان البيت… ولا نحدد موقع البير، كما فعلت عمتي حليمة.
والنكبة… أن ننسى للحظة قيمة الزيت النبالي.. وحواضر تاريخية مهمة مثل بيت نبالا، سيدة زيتون حوض المتوسط كله.
كان فيديو الهاتف النقال للأديب الفلسطيني المقدسي زياد خداش، بلا عمليات مونتاج ولا عميد يدير مجموعة قنوات ولا بهرجة ستوديوهات ولا مخرجين، ولا مؤثرات ولا موسيقى، قادرا بكل عفوية أن يقذفنا إلى فلسطين، وأن يرمينا في وجع النكبة.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
باب الحارة من إنتاج مؤسسة تابعة للنظام السوري المؤلف والمخرج والممثلين من مؤيدي النظام.يقدم على قناة مقربة من اصحاب القرار في السعودية.اية مفارقة ؟!