عندما ضاقت الجزائر والمغرب بـ50 سوريا

حجم الخط
25

بينما استقبلت ألمانيا منفردة 800 ألف لاجئ سوري، ضاقت الجزائر والمغرب مجتمعَين بـ54. 54 لاجئا تسببوا في أزمة دبلوماسية بين البلدين، وصلت إلى استدعاء السفراء. هذا العنوان العريض لقصة ـ مأساة ـ حقيقية انتهت، ولو إعلاميا ومؤقتا، لكنها تخفي الكثير.
المسألة هنا بوجهين. الأول يخص العلاقة الثنائية بين الجزائر والمغرب، والتي تتأرجح منذ ربع قرن بين سيئة وأسوأ، ولا يبدو أنه بقي في الدنيا شيء يستطيع إصلاحها. والثاني يخص مقاربة الدول «الشقيقة»، وبينها الجزائر والمغرب، لسوريا ومأساة شعبها. وهي مقاربة بائسة، تتأرجح بدورها بين سيئة وأسوأ، من الخليج إلى المحيط.
أولاً لأن حكومتي الجزائر والمغرب، فوق أنهما غير جاهزتين (من كل النواحي والأصعدة) لموضوع اللاجئين السوريين (وغير السوريين)، تترصد إحداهما للأخرى بشكل لا يمكن أن يؤدي إلا إلى أزمة ويزيد الوضع سوءا.
كان بإمكان البلدين استقبال تلك المجموعة من اللاجئين وإيوائهم وترتيب حياتهم إلى نوع من الكرامة والأمان. وهناك فعلا لاجئون سوريون بالمئات يعيشون في البلدين، لكن كلتا الدولتين رفضتا الـ54، لأن الواحدة منهما تسعى للإساءة إلى الأخرى أمام الرأي العام الدولي من خلالهم وبهم.
وما سهّل الأزمة وعجّل بها، تمسكُ اللاجئين ذاتهم بالسفر إلى أوروبا، لأنها أكثر ضمانا لمستقبلهم ومستقبل أولادهم، وعملهم على تحقيق ذلك من الجزائر أو المغرب بحكم الجغرافيا.
قضية الـ54 هي حلقة أخرى من مسلسل صامت مستمر ضحاياه لاجئون أفارقة يتقاذفهم البَلَدان على خط حدودهما. هناك حرب حقيقية في مناطق الحدود ومساحات التهريب المستباحة بين البلدين، وقودها شبان أفارقة يصلون من دول الساحل إلى الجزائر ومنها إلى شمال المغرب أملا في التسلل نحو أسبانيا.
وإذا كان الوصول إلى الجزائر صعبا ويستغرق جهدا خارقا وزمنا طويلا، فالوصول إلى المغرب أصعب وأكثر تعقيداً بحكم الحدود المغلقة بين البلدين والتأزم المستمر في علاقاتهما، والذي يجعل من أولئك المساكين وقوداً وذريعة.
إذاً، هي حرب صامتة ومفتوحة، المهاجرون إحدى أدواتها الجديدة والمختلفة. فعندما تطرد الجزائر دفعة من المهاجرين أو تسيء معاملتهم، يسارع المغرب إلى استقبالهم أو إعلان استعداده لإيوائهم، ليس حبا فيهم أو رأفة بهم، بل نكاية في الجزائر وبحثا عن إحراجها أمام المنظمات الدولية. والعكس صحيح.
واقع الحال أنه لا أحد أفضل من الآخر. لا الجزائر جنّة للاجئين والمضطَهدين، ولا المغرب أرض الأحلام. ولا يتوقف هذا الحكم على حكومتي البلدين، بل ينسحب على المجتمعين الجزائري والمغربي وتشابههما في مقاربتهما السلبية للاجئين، من حيث معاملتهم وقلة إكرامهم وحتى اللغة البغيضة والمصطلحات السلبية المستعملة في وصفهم. هذا الواقع غير المرحِّب يجعل من البلدين مجرد أرض عبور، للأفارقة والسوريين معا، لن يبقى فيها إلا المكرَهون ممن تقطعت بهم السبل.
الوجه الآخر لهذه الحالة المخزية، هو درس يجب أن نقف عنده جميعا ونتوارثه جيلا عن جيل. إنه يخص معاملتنا كـ»أشقاء» لـ»أشقاء» آخرين دمرت حرب طاحنة حياتهم وحطمت أحلامهم وقضت على مستقبلهم.
عندما احتاج السوريون إلى مَن يسندهم ويخفف عنهم، اختفت فجأة كل مفاهيم الأخوَّة والدين والجوار والعرق والقومية التي صمّت أذاننا، رسميا وشعبيا، طيلة حياتنا. وحلت محلها الأنانية والجحود التي كان من نتائجها أن عدد من استقبلتهم الدول العربية والمسلمة مجتمعة من سوريين، يقل عن عدد من استقبلتهم ولاية ألمانية واحدة. وكان من نتائجها أن ملايين اللاجئين السوريين في أوروبا سبَّبوا لدولها وحكوماتها صداعا أقل بكثير مما سبّبه الـ54 للجزائر والمغرب.
يجب هنا استثناء تجارب الأردن ولبنان وتركيا، لأن هذه الدول استقبلت اللاجئين السوريين مضطرة ومكرهة. لو خُيّرت الدول الثلاث بشأنهم، لرفضت استقبال أي أحد وطاردتهم في الحدود. ولو استطاعت لأقفلت في وجوههم الحدود وأقامت الأسلاك الشائكة المكهربة. أما عندما استقبلت منهم مَن استقبلت بحكم الأمر الواقع، ها هي تسيء معاملتهم وتضيّق عليهم في الداخل، وتتاجر بمآسيهم أمام الخارج، وفيها من يبتز الحكومات الأوروبية بهم.
وما ساهمت به الدول العربية، منفردة أو عن طريق الجامعة العربية، ماليا لصالح اللجوء السوري في الداخل والخارج، لا يساوي شيئا أمام دور ومساهمة الاتحاد الأوروبي الذي تناهز أرقامه التسعة مليارات يورو.
أصلا لا يُعرف عن جهة عربية معلومة تنظم الأعمال الخيرية الموجهة للسوريين، إلا من جمعيات يتيمة مبعثرة هنا وهناك، ترعاها الحكومات في نهاية المطاف. ذلك أن الحكومات تتحكم في «فعل الخير»، أولاً، ولأن ثقافة عمل الخير الجماعي في المجتمعات العربية والمسلمة قليلة، وإن وُجدت فهي عقيمة، ثانيا.
فقط يجب أن يتذكر السوريون أنهم ليسوا وحدهم. الأفغان لم ينتظروا شيئا من «أشقائهم» في الدين عندما احترقت بلادهم. والصوماليون كذلك. والجزائريون توجهوا إلى فرنسا وأوروبا في تسعينيات القرن الماضي.
إنها محنة تتجاوز السوريين وأعمق من الخلاف الجزائري المغربي.

٭ كاتب صحافي جزائري

عندما ضاقت الجزائر والمغرب بـ50 سوريا

توفيق رباحي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول وائل + الجزائر:

    يا أخي لماذا الجحود…في الجزائر يوجد إخواننا السوريين بالآلاف..أنا تاجر وكل يوم يأتي عندي السوريين..والحمد لله لا نعتبرهم لاجئين فهم أهل البلد…ثم أن الحكومة الجزائرية هي الدولة الوحيدة التي لم تضعهم في الخيم…بل أعطتهم شاليهات مجهزة…أشبه بالمنازل…ثم قصة 54 لاجيء…أرادو الوصول لأوروبا وليس الجزائر من طردتهم…المغرب فقط حجزهم حتى يفعل فعلته ويشوه الجزائر وبعها يتركهم يعبرو لاسبانيا…..يا أخي لوكان المغرب يستقبل اللاجئين كما يتبجحون لماذا يفرض عليهم الفيزا…أما في الجزائر يدخل السوريين بدون فيزا وليس وليد اليوم فمنذ الستينات والجزائر لا تفرض الفيزا على السوريين وإلا كيف يصل السوريين للجزائر…لو أتيت لمذار الجزائر الدولي سترى تدفق إخوتنا السوريين لبلادنا…فنحن لا نفرض عليهم الفيزا مثل المغرب

    1. يقول عزيل خليل بريكة:

      انصحك ان تاتي الى مسجد من مساجد بريكة وترى كيف يعامل السوريين فكل يكرمهم ويحترمهم حتى الصدقة تعطى لهم ولا تعطى للجزائريين بجنبهم.
      ويعاملون معاملة حسنة وبلغة لطيفة عكس ما ادعيت يبدو انك لا تعرف المجتمع الجزائري.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    الأمير عبد القادر ابن محي الدين المعروف بـ عبد القادر الجزائري هو كاتب وشاعر وفيلسوف وسياسي ومحارب، اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر. ولد قرب مدينة معسكر بالغرب الجزائري يوم الثلاثاء 6 سبتمبر 1808 الموافق لـ 15 رجب 1223 هـ، رائد سياسي وعسكري مقاوم قاد (جيش أفريقيا)[1] خمسة عشر عاما أثناء غزو فرنسا للجزائر هو أيضا مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمز للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار والاضطهاد الفرنسي.
    خاض معارك ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق وتوفي فيها يوم 26 مايو 1883.
    – من الويكيبيديا –
    أحفاد هذا المناضل الفذ هم سوريون لا زالوا بسوريا !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول سمير:

    السؤال السليم و مع صعوبة التضاريس و الجبال كيف و صلوا نساء و اطفال إلى الحدود بدون مساعدة الجنرالات. …و لأن بطاطا تساوي 100 دينار و الثوم أغلى من البترول …ضاق النظام بهم لأنه عجز عن توفير الطعام لشعبه و أراد إغراق المغرب لأن قضية البوليزاريو كانت أمام مجلس الامن

    1. يقول ALI ALGERIA:

      لو كان الامر كما تقول لما تواجد اكثر من 100000مغربي يلجؤن بطريقة غير شرعية للعمل في الجزائر

  4. يقول هشام. ع:

    لابد بداية من التفريق بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي في المغرب من هذه المأساة الإنسانية على حدودنا الشرقية, فالمجتمع المدني والجمعيات الحقوقية استنكروا مقابلة جفاء السلطات الجزائرية اتجاه اللاجئين السوريين بجفاء آخر من الجانب المغربي وشجبوا سلوك السلطات الأمنية بإبقاء الأشقاء اللاجئين السوريين عالقين في الحدود في ظروف لاإنسانية وطلبوا السلطات باستقبالهم إيوائهم وفق ما تقتضيه الروابط الأخوية قبل المواثيق الدولية في حماية ورعاية حقوق اللاجئين. فيما تحججت السلطات المغربية بأنها تسعى إلى ضبط دخول اللاجئين لترابها لتفادي تسلل عناصر إرهابية قد تندس في صفوف اللاجئين وأنها رغم تواضع الإمكانيات المتاحة فقد تم تسوية وضعية أزيد من 6400 لاجىء سوري يستقرون في المغرب وأنها لن ترفض طلبات اللاجئين الذين يقدمون طلب عبر سفارة المغرب بالجزائر للأشقاء السوريين المتواجدين على التراب الجزائري و الذين يريدون دخول المغرب.
    اتهمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان الحكومة الجزائرية سنة 2012 بتسليم 60 لاجئاً للسلطات السورية، ممَّن فروا نتيجة الظروف الأمنية. واتهمت المنظمة العربية السلطات الأمنية الجزائرية بأنها تنسق مع الأمن السوري لرفض دخول بعض طالبي اللجوء، حيث إنها تحتجز العشرات من اللاجئين في منافذها البرية والجوية من المطلوبين؛ بغرض تسليمهم للسلطات الأمنية السورية.
    فيما أدان منذ أسبوع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بسورية (وهو منظمة غير حكومية) حكومة الجزائر لإبعادها 55 لاجيئ سوري نحو الحدود المغربية, وأشار البلاغ المنشور في الموقع الرسمي للمنظمة أنها ليست المرة الأولى التي تقدم فيها السلطات الجزائرية على مثل هذه الإجراءات.

  5. يقول سليمان يعقوب:

    بلاد العرب اوطاني من الشام لبغداد!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  6. يقول سوري:

    اولا اشكر الاستاذ توفيق على هذا المقال الرائع والمحق في كلامه
    اود ان اقول ان سوريا ومنذ فجر التاريخ كانت ولاتزال ارضا مفتوحة امام اخوانها العرب فهي استقبلت اللاجئين الجزائريين الذي لجأوا الى سورية مع الامير عبد القادر، وكان منهم حتى وزراء ورؤساء وزراء وعبد الرحمن خليفاوي احدهم كما استقبلت سورية اللاجئين اللبنانيين خلال حرب الخمسة عشر عاما واللاجئين العراقيين بالملايين، وقد قاتل السوريون إلى جانب الثوار الجزائريين إبان ثورتهم على فرنسا، وقد ساهم السوريون وبشكل فعال في التعليم في الجزائر، وفي الاستثمارات في المغرب والسوريون شعب عمول لايرضى على نفسه ان يكون عالة على احد، وللاسف اليوم ان نجد أن اوربا ” النصرانية ” وتركيا تستقبل السوريين وهي سعيدة بهم ويشكلون اليوم اضافة نوعية لها بعملهم وابداعهم وثقافتهم، في حين أن دول عربية توصد ابوابها دونهم وتغض الطرف عن محنتهم بل بعضها يدعم قاتلهم المجرم بشار الكيماوي ابن ابيه ابو المسالخ البشرية لكن الشعب السوري لن ينسى من وقف الى جانبه، ومن طعنه في الظهر، ومن قتل ابناءه

  7. يقول كاظم غيظه الجزائر:

    يا سبحان الله. الجزائر تعج بالاجانب من يسعون للقمة عيشهم افارقة اتراك صينيين وحتى من الفيتنام ومئات الالاف من المغاربة ولم تتضايق منهم لا الحكومة ولا الشعب الجزائري. فهل تتضايق من ثلة من اللاجئين السوريين.
    قليل من الحياء
    كل ما في الامر ان الحدود البرية مغلوقة واذا كان هؤلاء اللاجئين دخلوا الى المغرب بطريقة غير شرعية فكيف يريد المغرب ادخالهم بطريقة شرعية للجزائر ومالذي يثبت للجزائر ذلك.
    الاخوة يرون الحدود المغلقة يمكن ان تفتح اضطراريا وانسانيا لهؤلاء والجزائر ترفض ذلك وترى ان هذا استغلال للاجئين وللجزائر.
    وكان على المغرب لو كان صادقا حقا ان يرحلهم جوا ويتحمل تكاليف ذلك .لكن كعادته لا يترك لا شاردة ولا ورادة للاساءة للجزائر وهو منبت السوء ومصدرلكل الافات من مخدرات وتهريب وتجارة رقيق و عصابات الجريمة المنظمة.

  8. يقول علي عيسى - الأردن:

    لا أحد يذكر عند الحديث عن السوريين عدد الاجئين في الخيام و المقيمين السوريين في الأردن المقدرة بنسبة ٢٠٪ من سكان الأردن!
    شو ألمانيا ٨٠٠ ألف هذه أرقام غير حقيقية

  9. يقول ابو نذير:

    السوريون بعد اندلاع الحرب الاهلية توافدوا على بلدهم الجزائر بالاف المؤلفة لسببين الاول ان اغلبهم من اصول جزائرية من سلالة الامير عبد القادر الذي هاجر الى سوريا بعد نفيه مع ثلاثة الاف جزائري و السبب الثاني لاتوجد فيزا بين الجزائر و سوريا منذ استقلالها بسبب الروابط الاسرية بين الشعبين .و الاجؤون القادمين الى الجزائر استقر البعض منهم عند عائلاتهم و الباقي تكفلت به الدولة و اسكنتهم باقامات الشبا ب عبر القطر الجزائري وتكفلت الدولة بهم و بتمدرس اطفالهم مع الجزائريين .اما 54 سوري الذين دخلوا المغرب فكانت غايتهم اوروبا و ليس البقاء بالمغرب و طريقة دخولهم ربما بمساعدة مهربين لان الحدود مغلقة و المهربون يعرفون المسالك الوعرة الخفية عن المراقبة .و لكن كان على المغرب معاملتهم كلاجئين سوريين و يشفق عليهم و لحالهم و ليس المتاجرة بماساتهم بهدف الدعاية العدائية لجارته الجزائر

  10. يقول مسعود بومعزة الجزاير:

    من قال الجزائر تطرد السوريون فهو كاذب100% فهم بعيشون مع اخوانهم في الجزائر حسب مستوايتهم صاحب المهنة عايش سلطان وصاحب الاخلاق والقبم عابش مثل كل الناس والمتكاسل والمتسول دخله يفوت راتب مدبر مؤ سسةهذا حسب ما نراه يوميا اما باقي التفسيرات فهي سياسية كيدية حسبالظروف

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية