قبل نصف قرن لم تكن تهمة الإرهاب تعني أنك إسلامي جهادي، بل شيوعيا لأن من عمم مصطلح الإرهاب وجعله مسيسا هو الولايات المتحدة، فهي تصنف الدول والمنظمات حسب درجة عدائها لها.
يمكن ان تكون جزارا وقاتلا كإسرائيل والسيسي، لكنك لست إرهابيا لأنك حليف للولايات المتحدة، بل يمكن ان تكون إسلاميا جهاديا وتحصل على استقبال في البيت الأبيض من ريغان، ومديح من ثاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، إذا كنت تقاتل اعداءهم، كما حصل مع الفصائل الأفغانية التي قاتلت الروس والشيوعية بالثمانينيات، حين كان الخطر الشيوعي هو الذي يشغل بال الامريكيين لا البعبع الاسلامي. والمفارقة أن الولايات المتحدة تنجح في كثير من الاحيان في الهيمنة على وعي خصومها، وجعلهم في موقف دفاعي عن تهمة مسيسة كالإرهاب، ويشغلون أنفسهم في تبرئة ذواتهم من هذه التهمة وكأنهم يأخذونها على محمل التوصيف الحقيقي، وينقاد الناس بسهولة للتماهي مع النقاش بالتهم الموجهة إليها، ليصبح شغلهم الشاغل نفي تلك الصفة عنهم.
الثورة السورية مثلت أحد الامثلة الحية على هذه القضية في زماننا الراهن، بتركيز جزء كبير من خطابها على نفي الإسلاموية والتشدد الديني، خشية من هذا التصنيف الغربي، بهدف الحصول على دعم الغرب الذي لم يأت. والمفارقة أن مقاربة مشابهة حصلت في سوريا قبل اكثر من نصف قرن، تكشف التلاعب الامريكي بوعي الشعوب بوضعهم دائما في موقع المتهم، ودفعهم بالنتيجة لتبني خطاب ذي أفكار وقيم ترمز للتبعية للغرب، رغبة في كسب رضا القوة العالمية الكبرى، ففي الخمسينيات كانت بعض القوى السياسية في سوريا تسعى لإثبات القطيعة مع الشيوعية عدوة الولايات المتحدة، ولعل ما قادنا لهذا الحديث هو تقرير تم نشره مؤخرا على قناة «بي بي سي» يظهر مراسل القناة وهو يتجول في دمشق نهاية الخمسينيات، ويلتقي عددا من المواطنين في الشارع وبعض السياسيين، يسأل المراسل البريطاني السكان وكأنه محقق: هل أنتم شيوعيون؟ هل تحبون الشيوعية؟ يأتي الجواب سريعا من الاشخاص المحيطين به (لا.. لا.. نحن لا نحب الشيوعية، نحن نحب الرأسمالية). مشهد يذكرنا بحديث مشابه لناشطي الثورة في سوريا لوسائل الإعلام الغربية التي ملت وهي تسألهم هل أنتم إسلاميون؟ وهم يجيبون منذ خمس سنوات آملين أن يجدوا آذانا صاغية (نحن لسنا داعش، نحن وطنيون معتدلون، نحن خرجنا من أجل الحرية والديمقراطية).
ولكن آذان الغرب مع ذلك استمعت لرواية الأسد أكثر منهم، رغم أن خطابه اللفظي مليء بالعداء للغرب ومحو القارة العجوز من الخريطة. الطريف في الامر ان احد الاشخاص في تقرير «بي بي سي» التاريخي، أجاب بطريقة لافتة، إذ قال للمذيع «نحن لسنا شيوعيين لأننا بلد اسلامي» يا لها من مفارقة.. قبل خمسين عاما تتم طمأنة الغربيين (بأننا اسلاميون.. لا تقلقوا). اما اليوم فالاسلاموية اصبحت هي الصفة البديلة للارهاب لا الشيوعية، فحسبما اختلف اعداء امريكا يختلف تعريف الإرهاب، ويختلف بناء عليه خطاب ردات الفعل الذي يغزو عقل الجماهير. أحد رجال الأعمال الذين التقتهم «بي بي سي»، كان جوابه مختلفا كليا، قال إنه يدعم الشيوعية، وانتخب القيادي الشيوعي خالد بكداش، مضيفا «أفضل ان اكون شيوعيا مئة مرة على ان تضيع بلادي بيد اسرائيل، كما حصل مع إخواننا، انتخبت خالد بكداش لأننا مللنا من شرح وضعنا للغربيين». يضحك المذيع البريطاني، فيكمل الرجل «انتخبته للفت انتباه الغربيين اكثر»، لو كان هذا الرجل في زماننا لوصف بالـ»متدعشن».
نصف قرن مضى، والغربيون مستمتعون لحماسة الجماهير العربية بالاصطفاف بالطابور لمنح صكوك البراءة من الإرهاب، وحدهم الذين فهموا اللعبة ونفضوا أيديهم من العم سام، غضبت منهم امريكا، بعضهم تمكنت من تطويقه كما حصل مع الزعيم الفلسطيني الراحل ابو عمار، الذي تحدى وزير الخارجية الامريكي كولن باول، والذي قال له في لقائه الاخير به في المقاطعة في رام الله «سنتركك لمصيرك»، ليموت أبو عمار مسموما، لكنه ظل رمزا خالدا عند شعبه، الذي تعلم منه ربما درسا يقول، إن الذي دعم وأنشأ اسرائيل لا يمكن ان يكون ظهيرا للعرب ضدها.
أما حديثا فإن الذين فهموا اللعبة مبكرا، نجحوا في مناوئة الامريكي بخطاب هجومي مقابل، ومشروع خارج عن الوصاية الامريكية في المنطقة، وتحولوا من عضو في محور للشر وأكبر راع للارهاب، حسب الوصف الامريكي النظري الى شريك حربي في مكافحة الارهاب في العراق وسوريا، يزور السفير الامريكي جرحاه في مستشفيات بغداد ليذكرنا بلوحة لاحد رسامي الكاريكاتير الغربيين، يظهر فيها اوباما يحتضن روحاني، وكلاهما يقول للاخر: «شيطان، لكنه ليس كبير حقا، شرير لكنه ليس إلى ذلك الحد».
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
وائل عصام
من حق أمريكا أو روسيا والغرب بشكل عام، أن تشتغل كل دولة لمصالحها وتستخدم أي مصطلح لمعنى المعاني في قاموس لغة الدولة الخاص بها، خصوصا وأننا في أجواء العولمة واقتصادها الإليكتروني، الدولة وروتين الوظيفة فيها يتطلب آلة بلا ضمير، وعلى ضوء ذلك تكون مناهج تعليمها، ولديك الإمارات العربية المتحدة وما حصل فيها في عام 2008 من إفلاس، أفضل دليل عملي، فمحمد بن راشد لا أظن هناك من يُشكّك من جرأته في محاربة الروتين، وضرب القوانين عرض الحائط، من أجل إنجاز أي شيء لتطوير الدولة، والدليل وزارة السعادة وخلع أبواب كل مدير في عام 2016، ولكن البرمجة اللغوية العصبية، لا يمكن أن تنتج شخص مثل محمد بن راشد، ولذلك تفهم لماذا قامت بتعيين أول آلة (روبوت) كرجل أمن وطبيب، فما بالك ببقية وظائف الحكومة الإليكترونية إذن؟! فهل هذا يعني أن الإنسان هو أهم ما لدى حكام دولة الإمارات؟ كما أعاد الشيخ محمد بن راشد ما قاله ملك الأردن الحسين بن طلال والد زوجته، من أن المواطن هو أغلى ما نملك، وأن طموح الدولة الاستغناء عن الاعتماد على مواد الطاقة في تمويل ميزانية الدولة؟ فالقانون للتنظيم وليس لنهب واستعباد الإنسان، أليس هناك تعارض وتناقض بين الكلام وبين ما يحصل على أرض الواقع؟ فمن يظن أن ذكاء الآلة، أفضل من ذكاء الإنسان، جاهل كائنا من يكون، ودليلي على ذلك ترجمة غوغل للغة الإنسان كممثل لذكاء الآلة، لذلك لا بد في عام 2017 من مناهج تعليم تعمل على إنتاج موظف يقوم بتشغيل الآلة و صيانتها و تطويرها، وقبل ذلك منافستها، في وظيفة لدى الحكومة، فالكثير لم ينتبه إلى أن العولمة واقتصادها الإليكتروني أنهت صلاحية اقتصاد الفرد (الرأسمالي/الشيوعي والمختلط كما هو حال الصين) وحان وقت ابداله باقتصاد الأسرة (مشروع صالح التايواني)، ، فيجب تطوير مفهوم الحكومة الإليكترونية إن كان من خلال مشروع الفاتح التركي أو مشروع القدوة السنغافوري، بل وحتى رؤية المملكة 2030، إلى مشروع صالح التايواني (اقتصاد الأسرة) في اعتماد لغة الاقتصاد، من خلال لوحة المفاتيح (التقنية) والحرف (الأصوات والموسيقى)، والكلمة (القواميس وهيكل اللغة)، والجملة (الحوار والتواصل والتكامل بالتجارة)، للوصول للحوكمة الرشيدة كما يُريد البنك الدولي (بالحاضنات والتخلص من الموظف الفضائي/الآلة)، أي تكون قريتك، مدينتك، وزارتك أو محافظتك أو إمارتك رافد لميزانية الدولة وليس عالة عليها.