عندما يزعزع المال عرش الرئاسة الجزائرية

الضجة التي أثارتها صفقة بيع مجموعة الخبر الإعلامية لرجل الأعمال يسعد ربراب غير قابلة للفصل عن السياق السياسي العام الذي تعيشه الجزائر. وهذا السياق السياسي موبوء ومأزوم هذا عنوانه هذه المرة: انتخابات الرئاسة عام 2019، والتمهيد لها من خلال الانتخابات النيابية العام المقبل ثم الانتخابات البلدية.
وقبل ذلك، التمهيد لها من خلال ترتيب المسرح بالنقاشات السياسية الهامشية والقصص الاجتماعية الزائفة والبطولات الوهمية، وكذلك الضرب تحت الحزام عندما يتطلب الأمر ذلك.
الانتخابات الرئاسية المقبلة ليست مجرد تصويت على رئيس جديد يحل محل رئيس قديم. بل تخص مصير معبد كامل هناك من يتمنى ويريد هدمه، وهناك من سيعمل المستحيل للحفاظ عليه.
عهد الرئيس بوتفليقة تفوق على كل العهود الأخرى في تشجيع صناعة اللصوصية ونهب المال العام، فخلق طبقة من الحلفاء الانتهازيين الذين يخشون اليوم ضياع مصالحهم، تقابلها طبقة أخرى من الرافضين والحانقين الذين لم يبق لهم حلم آخر غير وضع حد لهذه الفواحش السياسية والاقتصادية المستشرية.
واقع الحال السياسي في الجزائر اليوم هو هذا: آل بوتفليقة ومن يلتفون حولهم من انتهازيي التجارة والأعمال والسياسة، مصممون على ترتيب البيت بشكل يحافظ على مصالحهم، وينجِّيهم من الحساب، إذا ما دقّت ساعته. ولهذا هم مستعدون لكل المؤامرات والدسائس، وجاهزون للحروب السياسية والقانونية والإعلامية اللازمة لذلك. في يدهم الترسانة القانونية والإدارية والمالية، وأجهزة التزييف والتزوير. والأهم من كل ذلك، لا يفتقرون للإرادة.
في الجهة المقابلة مجتمع فقدَ القدرة على الاستجابة للألم والوخز، فلم يعد يستفزه أو يثيره شيء، وخصوم سياسيون مشتتون، إمكاناتهم محدودة وأساليبهم غير ناجعة.
ومثلما التفَّت حول آل بوتفليقة أطياف متناقضة لا يجمع بينها غير الاصرار على الحفاظ على المصالح الآنية المباشرة، التفَّت حول المعسكر الآخر أطياف متناقضة يجمع بينها اتفاقها على كره القطب الأول والقناعة بأن خلاص البلاد في التخلص منه.
وسط هذا السياق اشترى رجل الأعمال يسعد ربراب، المنتسب للمعسكر «الآخر»، مجموعة الخبر الإعلامية. وفي خضمه رفض القطب المقابل السماح له بامتلاك المجموعة.
أن تمتلك مجموعة الخبر بوزنها المادي والمعنوي، يعني أنك امتلكت، رمزيا، إحدى قلاع «الصحافة المستقلة» في الجزائر. ويعني أنك اقتربت، ماديا ومعنويا من صحيفة الوطن (ناطقة بالفرنسية) صاحبة النفوذ الكبير.
امتلاكك مجموعة الخبر يعني أنك تمتلك جزءا من أدوات إنجاح أو إفشال المخططات السياسية في البلاد. في الحالة التي أمامنا وسياقها، يعني القدرة على التشويش على خطط معسكر الرئاسة لترتيب البيت بعد عبد العزيز بوتفليقة وفقا للمصالح المادية والمعنوية التي تحققت لهم. وإذا كنت تمتلك القوة المالية التي تسمح لك بالإنفاق على المجموعة وتجهيزها لمعركة 2019 الرئاسية، فأنت حتما جعلت من نفسك عدوا رئيسيا وهدفا مشروعا للمعسكر الأول.
ادعاء وزير الإعلام حميد قرين أنه قرر، باسم الحكومة، تعطيل الصفقة فقط لأنها غير قانونية، مجرد تضليل للرأي العام. الرجل ينتمي إلى الحكومة الصدق آخر همها، ولا يساوي نجاحها في اختلاق الأزمات غير فشلها في إيجاد الحلول لها.
ما لا يجرؤ وزير الإعلام على الإقرار به أن الحكومة في حالة حرب مع ربراب. كانت هذه الحرب صامتة ثم أصبحت منذ شهور علنية استعملت فيها الحكومة في الأسبوعين الماضيين أقذر الأسلحة والأساليب. وما لا يجرؤ أحد على الإقرار به، هو هل كانت الحكومة ستعترض بهذا الإصرار لو أن علي حداد، مثلا، رجل الأعمال المنافس لربراب والمتموقع مع معسكر آل بوتفليقة، هو الذي اشترى مجموعة الخبر؟
مشكلة ربراب أنه لم ينزل هكذا صدفة من السماء. الرجل قضى العشرين سنة الأخيرة في تخوم الحكم، ويستحيل تصديق رواية أنه لم يستفد إطلاقا من موقعه القريب من الحكم. شبكة العنكبوت والبنية البيروقراطية الرهيبة في الجزائر تمنع أي شخص، مهما كانت عبقريته، من النجاح مثلما نجح ربراب ما لم يستفد من دعم معين في مستويات من الحكم غير بسيطة.
والبناء على هذا الاعتقاد يقود إلى اعتقاد آخر هو أن الرجل استفاد من نظام الحكم وصمته إلى أن اختلف معه.
بعض الفرضيات تذهب أبعد من ذلك وتربطه بقائد جهاز المخابرات المعزول اللواء ـ الأسطورة ـ محمد مدين، وتقول إن الأخير كان حاميه من غول البيروقراطية، ومفتاحه للأبواب المحكمة الإغلاق.
الفرضية الأخرى تدحض المزاعم أن مدين أُقيل فاستسلم وذهب إلى بيته يلعب الدومينو، وترجح أنه هو الذي يضرب بواسطة ربراب، لأن الاعتقاد السائد أن مدين ليس مجرد شخص معزول، بل شبكة من النفوذ المتغلغل في الأجهزة الإدارية والمالية والدبلوماسية.
لن يشفع لربراب إعلانه (مقابلة مع تلفزيون فرانس 24 الجمعة الماضية) أنه لا طموح سياسيا له. قد يكون الرجل صادقا، لكن المشكلة ليست فيه وطموحه، بل في كون تحركاته تعيق طموح معسكر آخر: يحق له الطموح ولا أحد يمانع ما لم يمس ذلك الطموح بطموحات آخرين. وممنوع عليه أن يتحرك ولو بلا طموح، طالما كان هذا التحرك يهدد طموحات أخرى!
الجزائر اليوم في وضع خطير يشبه ما عاشته في خريف 1998 عندما دفعت معركة مماثلة بين أقطاب الحكم الرئيس اليمين زروال إلى الاستقالة. الفرق اليوم أن الجزائر بلا زروال. العزاء الوحيد أنها تعودت على هذه المعارك ولم تعد تستجيب للألم والخوف. إنها مُخَدَّرة.

٭ كاتب صحافي جزائري

 

عندما يزعزع المال عرش الرئاسة الجزائرية

توفيق رباحي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الشعب الجزائري لن ينتظر طويلاً, فالوضع الإقتصادي قد إنكشف على لا شيئ ! والسؤال الملح هو : أين ذهبت أموال الشعب
    قد تحدث ثورة جياع برمضان فالأسعار بإزدياد وكذلك البطالة والتضخم وإنخفضت قيمة الدينار الفعلية وكذلك الأمن والنزاهة
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول ماجدة / المغرب:

      نطلب الله خيرا يا أخي داود !!!
      ليس هناك جياع بالجزائر رغم تأزم الوضع الاقتصادي جراء انهيار أسعار النفط
      هل يعتقد الاخوة بالخليح ان كل العالم العربي جوعى إلا هم ؟!!
      سبق ان سمعنا من اخ خليحي ذات مرة هنا على صفحات القدس يصف اهل المغرب بالجياع
      الحقيقة عي غير ما يسمعه الواحد منا بأذنيه او يقرأه هنا او هناك
      الحقيقة تبقى عند اهل البلد فقط
      كنا يقول علماء الحديث: خذوا العلم من أفواه الرجال ، أقول هنا : خذوا الحقيقة من أصحاب الشأن

    2. يقول الكروي داود النرويج:

      كشف تقرير جديد للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر والذي حددته الأمم المتحدة يوم 17 أكتوبر من كل عام أن 10 ملايين جزائري يعيشون تحت خط الفقر، حيث دق هواري قدور الأمين الوطني المكلف بالملفات المختصة ناقوس الخطر مؤكدا من خلال دراسة قام بها أن نسبة الفقر قد ازدادت بشكل ملحوظ في الجزائر، بالرغم من أنها سادس مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وثاني منتج للنفط بإفريقيا بعد نيجريا، مؤكدا أن سنة 2014 سجلت 1932000 أسرة فقيرة مع زيادة بـ 340 ألف أسرة فقيرة مقارنة بالسنة الماضية 2013 التي كانت 1.628.000 أسر فقيرة.

      icon-linksتغطيات ذات صلة
      article-preview
      منتجات “أطلس سطيف” نحو أسواق…
      article-preview
      فاتورة واردات السيارات تتراجع بـ70 بالمائة…
      article-preview
      السندات تمتصّ أموال “الشكارة” وتخلق…
      article-preview
      9 آلاف مليار في خزينة الدولة خلال 120…
      article-preview
      هذه خطة المركزية النقابية لإنجاح القرض…
      prevnext
      وأضاف أن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ترى بأن مظاهر الفقر في المجتمع الجزائري تتجلى من خلال تدهور المستوى المعيشي وسوء الخدمات الصحية والبطالة وتزايد الراغبين في الهجرة بأي ثمن وانتشار ظاهرة التسول وأطفال الشوارع والدعارة وتشغيل الأطفال وانتشار الأحياء الفوضوية على شكل الأكواخ القصديرية.

      ومن جهتها أعلنت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أنها ناضلت في الماضي ولازالت تناضل من أجل إسماع صوت الفقراء، ومطالبة الحكومة الجزائرية بالتحرك الجدي والعاجل، “لأن القضاء على الفقر يستوجب إعادة النظر في السياسة الاقتصادية وعلى الأخص منها توزيع عادل للثروات من خلال نظام عادل للأجور مع محاربة اقتصاد الريع والفساد الذي شمل كل الميادين السياسية والاقتصادية”.

      كما ترى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن انتشار الفقر في الجزائر راجع الى انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقرها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في التنمية والحق في العمل، الحق في الصحة، الضمان الاجتماعي، والتعليم،السكن اللائق، والعيش الكريم، والبيئة السليمة.
      – عن بوابة الشروق بتأريخ 2014/10/17 –
      مع تحياتي وإحتراماتي للأخت ماجدة وللجميع
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول توفيق - الجزائر:

    السلام عليكم،
    قد يكون صحيحا أنه ليس لربراب أي طموح سياسي، و لكنه يريد سياسيين يكونون في متناول اليد. من هم في سني يذكرون الحملة التي قادتها جريدته “Libérté” ضد رئيس الحكومة بلعيد عبد السلام سنة 1993، حتى تمت إقالته؛ و ذلك كان بسبب أن بلعيد عبد السلام هاله أنه في بلد على حافة الإفلاس، قبل عام من ذهابنا لصندوق النقذ الدولي، كان سي ربراب ينعم بالقروضن وحده، ليستورد لنا الحديد (المصاب بإشعاعات نووية و القادم من أكرانيا : حسب رواية الجنرال بتشين).
    للعلم فإنه وقتها حتى الشركات الوطنية الكبرى، كانت لا تستطيع الحصول على قروض لصيانة معاملها.
    أنا هنا لا أدافع عن مجموعة الحكم ضد ربراب، لكني أقول أن ربراب هذا من ضمن منظومة الحكم التي استفادت، و هو اليوم في خصام مع النظام لأنه لم يعد وحده المستفيد.

  3. يقول مشري احمد الجزائر:

    الى ماجدة اذا كنت في رفاهية من العيش بسبب او اخر فلا تحكمي على كل الشعب الجزاري فهناك المظلوم وهناك المحقور وهناك وهناك

إشترك في قائمتنا البريدية