أتيح لي أن أشاهد أفلام الأوسكار جميعها، باستثناء فيلم واحد مرشح لأفضل فيلم أجنبي، وفيلم واحد مرشح لجائزة أفضل فيلم أمريكي. ولذا، في استطاعة المرء أن يقول إنه يتحرك في مساحة شبه آمنة، مع كل هذه المشاهدات، لأنه قادر على أن يدلي برأيه في أفلام فازت، شاهدها، وأفلام لم تفز شاهدها أيضًا.
إن ما أثير حول تجاوز هوليود لعنصريتها هذا العام، ومحاولاتها إعلان موقف من سياسات ترامب، أمر يحتاج إلى تفكير، بعيداً عن الاحتفاء المبالغ فيه بفوز ممثلين سود، وفيلم يعالج قضاياهم، وفوز فيلم إيراني، وآخر وثائقي يتناول العذابات السورية.
يكفي العودة إلى ردود الفعل الكبيرة التي قام بها عدد من النجوم العام الماضي، والتي وصلت إلى مقاطعة حفل أوسكار 2016، ومن بينهم سبايك لي، مايكل مور، وويل سميث، ليتبين لنا، أن ما حدد فوز أفلام هذا العام، ليس كله من نتائج النقمة على سياسات ترامب، وليس، أبداً، لتراجع عنصرية المتحكمين بهذه الصناعة الجبارة عن مواقفهم، فيكفي أن نستعرض بعض التصريحات الكبرى حول عنصرية هوليود، وانحيازات صناعة السينما فيها، وحجم التضليل والتشويه الذي ألحقته بشعوب بعينها، أو بحرمانها لبعض القضايا العادلة من أن تصل إلى الشاشة عبر انتاجات ضخمة، ليتبين لنا أن هذه الصناعة التي تفوق أرباحها مداخيل عدد كبير من الدول، لم تنهض على العدالة كأساس لها، بل استطاع بعض الأفراد فيها أحياناً أن يتمردوا، وكانوا، لحسن الحظ، على درجة من القوة، بحيث لم تستطع سلطة المؤسسة أن تقف في وجههم، لأنها تجارة، تجارة ترفيه، وحين يغدو أحدهم دجاجة ذهبية، فإنها حريصة على استغلاله، وعلى تكريمه، أو عقابه، كلما كان أحد الأمرين الأخيرين ضرورياً لها.
يكفي أن يطل المرء على مسيرة هذه الصناعة في أيام المكارثية، ويرى كم استغلت المغضوب عليهم من الفنانين والكتّاب، وامتصت دمهم، وامتطت هذا الدم لتحقق الأرباح، وكيف قامت باستغلال النساء، الأمر الذي دفع كثيراً منهن لإعلان الاحتجاج بصورة مباشرة وبصوت مسموع تماماً.
إن 96٪ من المدراء التنفيذيين في سلطة هوليود من البيض، وليست بينهم إمرأة واحدة أبداً، وسلطة كهذه بالتأكيد، ستكون المتحكمة بصورة كاملة في مصير الملونين والنساء.
«خلال مسيرتي المهنية كانت هناك لحظات تعرضت فيها للإهانة، الاستبعاد، والإهمال، وتقاضيت أجوراً أقل من زملائي الرجال، كل ذلك لأنني امرأة» تقول النجمة الشابة ميلا كونيس.
لقد تجلت عنصرية هوليود منذ عام 1915 بفيلم مولد أُمة، في زمن يحتضن العنصرية وخلفه تراث طويل من العنصرية، وهذا الفيلم هو العلامة الأبرز على ميلاد السينما الحديثة فعلاً، لكن عنصرية ذلك الفيلم الملحمي الطويل، كانت جزءاً أساساً في تأجيج نار العنصرية – كما تؤكد كثير من مراكز الأبحاث – فبعد أن كانت حركة كو كلوكس كلان تحتضر، جاء الفيلم وأعاد إحياءًها، بحث ظلت لعشرات السنوات بعد ذلك من أكثر النقاط السوداء في حياة البشرية.
لكن، وخارج ذلك الفيلم، ظلت هوليود دائماً واحدة من أدوات التمهيد لاستعمار البشر والسخرية منهم واحتقارهم، وتشويه صورتهم، وهي تمهد الطريق للدبابات والطائرات الأمريكية لاستباحة العالم. ولذا لم يكن غريباً أن تُكرِّم المؤسسة العسكرية الأمريكية (البنتاغون) مباشرة عدداً من صنّاع الأفلام، وتقف خلف أعمالهم، وتمنحهم الجوائز التقديرية، كما حصل مع سبيلبيرغ وفيلمه إنقاذ الجندي ريان، الذي حصد عدداً من الأوسكارات حُرِمَ منها الفيلم الأبرز الذي نافسه، وهو فيلم (خيط أحمر رفيع) لتيرانس مالك.
كما يمكننا أن نتذكر كيف عاقبت هوليود بطلة فيلم (حنا. ك) الذي تناول القضية الفلسطينية، وأنهت مسيرتها الفنية تمامًا، في حين استطاع كوستا غافراس مخرج ذلك الفليم، أن يتدارك الوضع ويخرج فيلماً عن الهولوكوست بعد فيلمه ذاك، كاعتذار، كي يُسمح له بالعودة ثانية إلى سينما هوليود. ولعل ما حدث مع ميل جيبسون هذا العام فيه الكثير مما يوضح الصورة.
لقد قدم جيبسون الفيلم الأبرز ربما، على صعيد الإخراج، والحكاية، والأداء الجميل، لكن ضمير هوليود الباحث عن ورقة يتستر بها، انحنى هذا العام ومنح فيلم ضوء القمر الجائزة، وهو فيلم أشبه بتلفزيوني، لا يرقى أبداً لمستوى وملحمية فيلم «هاكسو ريدج» لجيبسون.
وكما يقال عن تلفزيونية فيلم مون لايت، يمكن أن يقال عن الفيلم الإيراني (البائع)، الذي يصيب المشاهد بالملل الشديد في كثير من أجزائه، إذ لا يرقى هذا الفيلم إلى نصف مستوى الفيلم السويدي (رجل يدعى أوف) أو جماليات وروعة وسحر فيلم (تانّا) الاسترالي وأجوائه الطبيعية المبهرة، ولا يرقى إلى المستوى العميق للفيلم الدنماركي (أرض الألغام) وذلك الأداء الذي لعبه الرقيب القاسي، مع الجنود الألمان المنهزمين، الذين أجبروا على إزالة الألغام من الساحل الدنماركي بصورة تدعو للفزع.
لقد قررت هوليود فجأة أن لا تكون عنصرية، وهذا أمر غير منطقي، أما ما هو لا منطقي أكثر، فهو تصديق هذا الأمر والاحتفاء به، ومحو الوعي بتجربة سوداء عمرها أكثر من مائة عام، بقرارات، ليست أكثر من آنية، ويمكن أن تقف وراءها أسباب داخلية لا علاقة لها بتكريم مسلم بجائزة الأوسكار، وإبادة شعوب وتدمير أوطان مسلمة، وغير مسلمة، وحصارها وترك أولادها يموتون جوعاً، وهو أمر لم يحدث هذا العام، لكي تقف هوليود ضده فور حدوثه، بل إن الجرائم الأمريكية جرائم ممتدة، وساهمت فيها، تجميلاً، ودعماً، وشيطنة للآخرين هوليود نفسها. والأمر ينطبق على الفيلم الإيراني وفيلم ضوء القمر أيضاً، وما خلفهما من قضايا، بل جرائم أمريكية.
قد يبدو منطق دعم السود والأقليات -لا أعرف لماذا تسمى أقليات، مع أنها ليست كذلك فعلاً، هل العدد هو المعيار؟! إن الإنسان هو الإنسان – قد يبدو منطق هذا الدعم أخلاقياً لمن احتفوا بهذه الانتصارات الصغيرة الشاحبة، وهم يعرفون أنها قرارات، وليست حصيلة نتائج موضوعية، فمنطق الفوز الذي أوصل هذه الأفلام والأشخاص لمنصة التتويج لا يضمر في داخله أي نوع من الأخلاقية الحقيقية، لأنه وهو يكرِّم هؤلاء، كان يسفك دم أعمال سينمائية مهمة جداً، ودم أصحابها، وهو يحرمها من الفوز، أعمال تناولت قضايا إنسانية أرحب وأعمق وأكثر جوهرية في تمسكها بالجمال والحرية وسلام العالم.
لا يمكن أن تكون أخلاقياً، وأنت تطلق النار على العدالة، وحق الآخرين في أن يحظوا بالتكريم الذي يستحقونه، لمجرد أنك تريد أن تثبت ولو متأخراً أنك غير عنصري، فهذا النوع من نفي العنصرية ليس إلا تأكيداً لها.
إبراهيم نصر الله
إن أكثر الأفلام الأمريكية عنصرية هي أفلام جون واين مع الهنود الحمر وما شابهها التي صورت الهنود الحمر كقبائل همجية يجب قتلها والتي تعتدي على البيض المساكين الذين جاؤوا إلى هذه الأرض ليعمروها ويعيشون في سلام، وكانت تغطية فنية لأكبر مجازر ارتكبها الأمريكان ( البيض الذين جاؤوا من السجون الأوربية ليعيثوا فسادا في القارة الجديدة) بحق الهنود الحمر، السكان الأصليين للقارة الأمريكية كما فعل الاسبان في قبائل المايا والأستيك، ثم أفلام طرزان التي خلقت تلك الشخصية المعجزة التي يمكنها أن تحدث الحيوانات وتنتصر على بقوتها على السود الأفارقة الذين صورتهم هذه الأفلام كآكلي لحوم البشر، لتغطية الحملة الاستعمارية والاستعبادية لهؤلاء الذين جروهم بمئات الآلاف من القارة الإفريقية ليعملوا بالسخرة في حقول القمح والقطن وعندما طالبوا بحريتهم قامت الحرب بين الشمال والجنوب الذي يريد استمرار الاستعباد والعنصرية، وكم خدعنا عندما كنا صغارا بهذه الافلام وكنا جائما نناصر طرزان ضد السود والرجل الابيض ضد الهنود الحمر, واستمرت هوليوود بانتاج أفلام رامبو لتغطية هزائم امريكا في فيتنام ومثيلاتها من أفلام البطل الأمريكي الخارق,