عن إطلاق السيسي لمعركة الانتخابات الرئاسية المبكرة

كما توقعنا قبل أسبوعين، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي معركته المبكرة لخوض الانتخابات الرئاسية (إذا رغب الشعب المصري في ذلك).
وجاء الإعلان في حديث ماراثوني استغرق سبع ساعات مع رؤساء تحرير الصحف الثلاث الحكومية (بعضهم بسبب قربه من أجهزة الاستخبارات العسكرية).
وكان واضحا للمراقب أن الهدف الرئيسي للحوار المطول، وربما يكون مؤهلا بدخول سجلات (غينيس)، خلا سوى من أنباء قليلة، وأنه مجرد حوار دعائي بلا أي اسئلة قد تزعج الرئيس. وهذه محاولة لتفكيك هذا الحوار الماراثوني:
اولا- كانت إجابات السيسي محاولة صريحة للدعاية السياسية بهدف واضح أنه قرر الترشح للرئاسة، باستثناء (أنباء سارة تخص الشباب والنساء) وهذه في حد ذاتها جزء من الحملة الانتخابية المبكرة التي شنها رسميا في الحوار. إذ أن إطلاق ثلاثمئة من الشباب المسجونين في قضايا سياسية (لأسباب صحية خلال ايام) يهدف إلى تخفيف التوتر مع الشباب الذين رفضوا منحهم أصواتهم في الانتخابات الرئاسية الاولى. واذا كان هذا حوارا مهنيا حقيقيا لكان السؤال البديهي: ولكن تم الإعلان مسبقا عن قرار بإطلاق خمسمئة آخرين من الشباب المحبوسين وهو ما لم يحصل.. لماذا؟
وحيث أن إطلاق ثلاثمئة من بين الآلاف في السجون لا يكفي، فقد تعهد الرئيس بـ(عهدة ثانية من التأهيل للهيئات القيادية)، وهذا موضوع مهم، إذ أن ما يحتاجه الشباب هو إنهاء مشكلة البطالة وليس حصول عدة آلاف منهم على مناصب قيادية. أما مصر فما تحتاجه ليس القيادات ولكن الموظفين المؤهلين إداريا لإنهاء الكارثة الاقتصادية التي يتسبب فيها أكثر من ستة ملايين موظف، أقر الرئيس السيسي نفسه بأن الدولة لا تحتاج إلى بقاء اكثر من ربعهم.
ثانيا – أشار السيسي إلى قرار مرتقب (يليق بالنساء)، وهذا استدعاء صريح لقاعدته الانتخابية الرئيسية لتسانده في هذه المرحلة الصعبة.
ومن المعروف ان مشاركة المرأة في الانتخابات الاخيرة كانت فارقة في تحقيق فوزه. ولكن من الصعب توقع نتيجة موقفها في الانتخابات المقبلة، خاصة مع غضب ربات البيوت من الارتفاع الاستثنائي في اسعار الاغذية والكهرباء بشكل خاص. وقد أجرت إحدى السيدات مؤخرا اتصالا هاتفيا ببرنامج في قناة «دريم» على الهواء وطالبت السيسي مباشرة بالتوقف عن زيادة الضرائب بشكل خاص، في رسالة نادرة لابد انها تتناقض عما قاله في الحوار الصحافي من انه «يلتقي مع الناس البسطاء ولا يسمع منهم ما ينشر في وسائل الاعلام من شكاوى حول الوضع الاقتصادي». وهذا يمثل نوعا من التحذير المبطن للاعلام من تهديد مشروعه المعلن للسعي الى انتخابات رئاسية ثانية. ناهيك عن أنه ينفي أصلا وجود غضب شعبي من ارتفاع الاسعار (..).
ثالثا – ركز الحوار الرئاسي على تحسن الأمن باعتبار انه الإنجاز الأقوى تأثيرا بالنسبة للمصريين قائلا «انظروا إلى حالتنا الأمنية مقارنة بالأوضاع في دول الجوار»، وهذا موضوع شائك. فمن جهة لا يمكن إنكار أن الحالة الأمنية تحسنت بشكل واضح خلال عامين، إلا ان استخدام هذه الحقيقة مع افتراض ان مصر كانت تتجه حتما إلى هاوية الانهيار الأمني، كما في دول أخرى، يحتاج إلى تحليل أدق، إذ أن الأوضاع السياسية والأمنية والأيديولوجية في مصر تبقى مختلفة عن تلك الدول. وهكذا فإن النظام استخدم الوضع الاقليمي كنوع من الابتزاز السياسي للمصريين تمريرا لأوضاع سياسية معينة تشمل إحكام السيطرة على بعض المعارضين عبر إحكام القبضة الأمنية. وحتى مع التحسن الأمني، فإن النظام مطالب بتقديم تفسير لاستمرار الهجمات الإرهابية في سيناء، رغم أن الجيش المصري قدم مئات الشهداء هناك خلال العامين الماضيين. وحتما فإن العامل الامني سيبقى مؤثرا بالتوازي مع الناحية الاقتصادية في صنع القرار النهائي للمواطنين في الانتخابات المقبلة، وقد يكون فاعلا في تأمين ولاية رئاسية ثانية للسيسي، إلا اذا قامت ثورة شعبية ضد النظام ولهذا حسابات اخرى.
رابعا – من غير المستبعد ان يتخذ النظام قرارات مثيرة للجدل بشأن ملف الاخوان ما يمنحه القدرة على استعادة النخوة والمثقفين الذين انتقدهم في الحوار معتبرا أن (المرأة المصرية أفضل منهم في فهم الاوضاع)، والسبب انه يعتبر انهم لا يريدون ان يتورطوا في تأييد قرارات غير شعبية. وهذا ما يطرحه حاليا بعض انصار نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك كنوع من الثمن لدعم السيسي بدلا من أحمد شفيق رئيس وزراء مبارك الاخير. إلا ان مثل هذه التكهنات الإعلامية ليست إلا وهما زائلا. إذ أن شفيق لا يملك ان يقدم لدول الخليج اكثر مما قدمه السيسي، وان الذي فشل في الحصول على دعم الشعب والمؤسسة العسكرية معا في انتخابات عام 2012 لن ينجح في انتخابات 2018. وحتى إذا جادل أنصاره بإنجازه الوحيد المتمثل في صالة رقم 3 بمطار القاهرة، فان هذا ليس ما تحتاجه مصر اليوم.
خامسا: ومع ذلك هل سيكون هناك مرشحون منافسون حقا للسيسي؟ الواقع أن دعوة السيسي للاحزاب السياسية لـ(دعم الممارسة الديمقراطية) وهذه غائبة او شبه ميتة اصلا، لكنها في الحقيقة دعوة غير مباشرة لتقديم مرشح من الاحزاب للترشح في انتخابات الرئاسة الثانية بديلا للمرشح السابق الذي بدا وكأنه غير موجود اصلا، وهكذا يمكن تمرير الانتخابات دوليا على انها (ديمقراطية حقا) أو كأنها شبه كذلك. أما اذا كان يجب الحديث عن مرشحين عسكريين محتملين، فلا يمكن الحديث عن شخصيات انتهت مع الماضي، لكن علينا مراقبة قيادات عسكرية بارزة تتطلع الى المستقبل، وربما يمكن ان تكون امتدادا للسيسي نفسه، تماما كما ان السيسي يعتبر نفسه امتداد للمشير طنطاوي. إنها مجرد بداية لمعركة انتخابية قد لا تخلو من مفاجآت.
*كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

عن إطلاق السيسي لمعركة الانتخابات الرئاسية المبكرة

خالد الشامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    في الصحيحين : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ، قال : أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر
    والسؤال هو :
    أليست هذه الأربعة صفات من إنقلب على الشرعية ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول جود / الجزائر:

    قائلا «انظروا إلى حالتنا الأمنية مقارنة بالأوضاع في دول الجوار» .. كيف بمن يقوم
    بإنقلاب دموي في وضع إقليمي مشتعل ، أن يزعم أن أمن البلد صنيعه و إنجازه .

    الرجل لم يكن يعنيه أمن البلد ، كان عليه أن يقوم بالإنقلاب في توقيته الذي حدده
    صهيون و حاضنه الأمريكي . لماذا في هذا التوقيت بالضبط ؟ لأنهم خططوا لإدخال
    البلد في إحتراب أهلي ، و كان الوكيل يدفع بكل أشكال القمع و الإستفزاز لوقوعه .

    الحقيقة أن حكمة الإخوان هي التي جنبت مصر مآل دول الجوار ، و لو خانتهم هذه
    الحكمة لما تعسر على أي دولة العبث بأمن مصر .

  3. يقول عربي حر:

    تحية للكاتب المحترم
    كلهم يدعون أن لا رغبة لهم في الحكم
    وكلهم يدعون أنهم يحكمون بناء على رغبة الشعب
    فعلها من قبل صالح اليمن وقذافي ليبيا وغيرهم
    المشكل هنا أننا نعرف أنه إنقلاب عسكري وكل ما يجري في مصر الآن يؤكد أنه إنقلاب عسكري .
    فإن كانت 30 يونيو ثورة كما يزعم فلما تتصرف الثورة كالإنقلاب ؟
    أين أحزاب جبهة الإنقاذ ؟؟؟؟
    أين تمرد ؟؟؟
    أن ثوار السبوبة الذين كانوا يقفون بالملابس الداخلية أمام بيت وزير الداخلية ؟
    أين الملشيات المسلحة التي كانت تحرق مقرات حزب الإخوان إبان حكمهم ؟
    لماذا يصمت الجميع ؟ أم أن الميسترو القابع بالمخابرت لم يأذن لهم بالتحرك

  4. يقول عربي حر:

    يتبع
    مشكة المشاكل عند السيسي والخاصة بالإنتخابات هي
    أنهم قالوا أنه فاز ب 98 في المئة
    وهو يقول أن شعبيته زادت ولم تنخفض
    المعضلة هنا
    كيف نجري إنتخابات تبدو كإنتخابات ويفوز فيها السيسي بأكثر من 98 في المئة !!!

  5. يقول عصام مصر:

    الى الزملاء العرب نحن راضون عن بلادنا و نحب جيشنا و نثق فيه و ثورة الثلاثون من يونيو اكبر بكثير من ثورة يناير

    1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      من أنتم …؟!

إشترك في قائمتنا البريدية