يقترب موعد الاستحقاق الرئاسي لفترة جديدة في حزيران/ يونيو من عام 2018، وهذه محاولة بشأن «كشف حساب» مطلوب عن مدة الحكم الحالي، وهي أربع سنوات ـ حسب نص الدستور ـ والسؤال هو هل في مقدور الرئاسة الحالية تقديم «كشف الحساب» هذا؟ ولن يكون الرد على السؤال بنعم أو لا، إنما بمتابعة نهج الرئاسة المصرية وطريقتها في الحكم.
في البداية أشير إلى أن رئاسة السيسي استكملت سنوات حكمها المنصوص عليها في الدستور، ولم يتَّخِذ أي أحد خطوة لتغييرها أو إقصائها، كما حدث مع الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأُعطيت الفرصة له كاملة، رغم الثمن الذي دفعه المصريون على اختلاف مشاربهم، وكانت الرئاسة قد كشرت عن أنيابها من شهورها الأولى في الحكم، وتعاملت بقسوة غير معهودة ضد جميع القوى، باستثناء قلة مُهَجَّنة أمنيا ومُهَنْدَسة حكوميا، وعارية تشريعيا، ببرلمان على مقاس الرئاسة وكتائب صحافية وإعلامية، مقروءة ومرئية والكترونية، وصلت فيها البذاءة والسباب حدا من التدني غير مسبوق!
وكان الناخبون قد منحوا الرئاسة ثقة، ثبت أنها في غير محلها، وعادت بهم إلى ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ونجحت في اختطاف ثورة يونيو/حزيران 2013، والناس هم من لبوا ما طُلب من مال لتمويل تفريعة قناة السويس الجديدة، وقدموا 64 مليار جنيه في غضون أسبوع، وكانت رسالة واضحة أنهم ليسوا على استعداد لمد اليد أو الاستجداء، ولذلك لم يتوانوا في تقديم مدخراتهم يُموِّلون بها المشروع الملاحي. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فحين طلبت الرئاسة تفويضا لإطلاق يدها في حكم البلاد أعطوها التفويض، وبعد إتمام المشروع، لم تأبه بتقديم «كشف حساب» عن المليارات المدفوعة منهم عن طيب خاطر.
وحين حاولنا مع غيرنا التعرف على أوجه صرف تلك المليارات لم نجد سوى تقديرات غير رسمية، قُدّرت فيها التكلفة بـ 30 مليار جنيه، وما زال المبلغ الباقي، المقدر بأربعة وثلاثين مليار جنيه مجهولا، وكان ذلك بأسعار «ما قبل التعويم» وقبل التدمير المتعمد للعملة الوطنية بسنوات،.
وإذا كان المطلوب هو أن تتقدم الرئاسة بـ«كشف حساب» عن ما حصلت عليه من ثقة شعبية أُهْدِرت، وأموال سائلة بُدِّدت، ومصحوبة بشكوى دائمة من الفقر والعوز والعجز وقلة الحيلة، وأضحت الرئاسة مسؤولة مسؤولية كاملة عن إدارة ماكينة إشعال الأسعار، فلا تجد في العالم مسؤولا في العالم يدير هذه الماكينات إلا في مصر، فالرئاسة هي التي تقول: حجيب منين، بعد كل الأموال التي تسلمتها من الخارج، وحصلت عليها من المواطنين، وهي التي تعلن دوما رفضها لتحديد تسعيرة جبرية، وتراهن على الإفقار والخراب وإذلال الناس، وهي قادرة على مراقبة «طوب الأرض» وردعه، وأطقمها من شركائه التجار والمحتكرين والسماسرة هم المتحكمون في حياة المواطنين، وتبدو الرئاسة وهي ضاحكة سعيدة بذلك.
والرئاسة لا تطيق أن يبقى قرش واحد في جيب مواطن، فمرة تقول له «يصبح على مصر بجنيه»، ومرة أخرى تطالبه بتقديم ما لديه من «فكة أو فراطة»، تبقت من معاملات المصارف ومن البيع والشراء. وهذا الطبع استقر ببدع «الصناديق الخاصة»، ومنها صندوق «تحيا مصر»، ويتبع شخص الرئيس، ولا يخضع للقوانين ولا الرقابة والمحاسبة، ولم تمس «الصناديق الخاصة» للوزارات والهيئات والإدارات الحكومية والمحافظات، فقد تكونت لتعميم ونشر الفساد وتمكينه من الدولة والحكم، الذي يقف وراء رفض ضمها إلى الميزانية العامة، لأنها تجني الملايين من ورائها شهريا دون خوف من القانون وبعيدا عن المحاسبة.
وهناك مليارات عربية خليجية، دخلت «مغارة على بابا»، وقدرها موقع دويتش فيلة DF العربي الألماني في تقريره الاقتصادي بثلاثة وثلاثين مليار دولار، وزادت في تقديرات أخرى إلى ما فوق الخمسين مليار دولار. وكلها في رقبة الرئاسة، وبالمناسبة كنت في زيارة للكويت وقت انتفاضة يناير/كانون الثاني 1977 وفي لقاء مع شخصية كويتية مطلعة رد على ما أبديت من رأي عن أهمية التضامن العربي لتجنيب الاضطرابات، وكان رده أنهم لم يقصروا مع مصر، وقال عندما كان عبد الناصر حيا كنا نحن من يبادر بتقديم العون، واعتدنا معه أن تُحَرّر الصكوك باسم رئيس الجمهورية العربية المتحدة، ومعنى ذلك أنها لحساب الدولة، ولما حل السادات طلب المسؤولون تحرير الصكوك باسم أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية، ومعنى ذلك أنها صكوك لشخص السادات ومن الممكن ألا تدخل خزينة الدولة، ويتصرف فيها كما يحلو له، ولما استشعرت الكويت الحرج طلبت المشاركة في الإشراف على صرف الأموال التي تقدم منها للحكومة المصرية، هذا بالإضافة إلى قروض المؤسسات المالية العربية والدولية، وآخرها قرض صندوق النقد الدولي بـ12 مليار دولار..
ولنعد إلى الوراء قليلا فخوض انتخابات الرئاسة الحالية جاء أقرب إلى الاستفتاء، بجانب الاعتماد على ما للقوات المسلحة من رصيد في الشارع أدى إلى نجاح المشير بنسبة أصوات عالية وغير مسبوقة. إلا أن إشكالية الترشيح لمثل هذا المنصب لا يكفيه رصيد القوات المسلحة رغم أهميته، ويحتاج البرنامج السياسي والاجتماعي، وهو أساس العقد الاجتماعي يحدد العلاقة بين الحاكم والمواطن، ويمثل إطارا ودليلا للعمل ومسطرة لقياس ما تضطلع به الرئاسة، ومعيار لعملها في فترة حكمها، وافتقاد البرنامج في النظم السياسية الحديثة ينتقص من المشروعية السياسية والدستورية لرئيس الدولة «المنتخب».
ليس هذا فقط، ففيما بعد شَغل الرئيس لمنصبه يتعين عليه تقديم إقرار ذمة مالية، عند بدء شغله المنصب وعند تركه وفى نهاية كل عام. وجاء في نص المادة 145 من الدستور المصري «ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفى نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية». وحتى كتابة هذه السطور وعلى مدى ثلاث سنوات لم تتقدم الرئاسة بإقرار الذمة المالية للرئيس، وعدم استيفاء هذا الإجراء ينتقص من المشروعية السياسية والدستورية لرئيس الدولة «المنتخب» أيضا!.
ورئاسة لا تملك برنامجا، ولا تلتزم بتقديم إقرار ذمة مالية، وتقتطع لنفسها حصة من التبرعات في حساب خاص تتصرف فيه بمفردها، ولهذا انتهى بها الأمر إلى التفريط في جزيرتي تيران وصنافير، بغطاء برلماني مهلهل، يمثل أكبر عار في تاريخ البلاد. وفي مثل هذا المناخ الفاسد لا يمكن الاعتماد على الرئاسة في تقديم «كشف حساب» عن سنوات الحكم الحالية، وللتغلب على هذه المعضلة على المواطنين الاعتماد على أنفسهم، ووسائط التواصل الإلكتروني تيسر لهم ذلك، ومن السهل أن تبادر جماعة وطنية أو تجمع يتشكل من ذوي الكفاءة والسمعة الحسنة والسلوك المستقيم والالتزام الوطني، يبادر بإطلاق موقع إلكتروني بعنوان «كشف حساب الرئاسة» أو أي عنوان آخر يؤدي الغرض، وعن طريقه يتواصل المهتمون، وتتجمع آراء واقتراحات وتقارير ودراسات المشاركين، من الخبراء والاقتصاديين والسياسيين، وتتوفر المادة التي يُصاغ منها «كشف الحساب» المطلوب.
وبذلك يتم التغلب على ذلك النقص المزمن، ويتعرف الناخب على قصور الرئاسة الحالية، ويُحدد موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمطلوب أن متابعة هذا الأمر حتى بلوغ النتائج المرجوة.
٭ كاتب من مصر
محمد عبد الحكم دياب
ضع مكان جملة ٣٠ يونيو انقلاب عسكري دموي ستجد كل ما ذكره الكاتب مشكورا منطقيا ويتوافق مع الواقع .
بالمناسبة اين تمرد ؟
لم أكن أعرف أنه مازال هناك من يصممون علي العيش في الوهم حتي قرأت عبارات في هذا المقال من قبيل:”كان الناخبون قد منحوا الرئاسة ثقة”، ثبت أنها في غير محلها، وعادت بهم إلى ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ونجحت في اختطاف ثورة يونيو/حزيران 2013!!!ألم يشاهد الكاتب فضائيات السيسي وإعلاميوه وهم يلطمون من مشهد لجان إنتخاباته الخاويه علي عروشها؟!ألم يتأكد له أن مايسميه ثورة يونيو 2013 لم تكن أكثر من إنقلاب قام به العسكر؟!كل يوم تؤكد لنا النخبة الناصريه إنفصالها وإنفصامها عن الواقع وعن الشارع المصري وأنها لم تعد سوي هباء تذروه الرياح.