السؤال حول سر «الصداقة» بين ايمانويل ماكرون، الشاب المثقف المنفتح على العالم، وبين دونالد ترامب، الكهل الجاهل المنغلق على تعويذة «أمريكا أولا» سؤال معقول. ومعقوليته في فرضيته: أن التقارب السياسي يستلزم التشابه الشخصي. ولكن في التاريخ المعاصر أمثلة تثبت أنه ما هكذا تسير الأمور دوما بين قادة الدول. ومن أبرزها متانة العلاقة بين توني بلير، المحامي الحاذق الفصيح، وبين جورج بوش الوريث الغبي العييّ؛ وقوة التحالف بين ميتران، المتميز بسعة الثقافة التاريخية والأدبية، وبين ريغان الذي كان محدود الاطلاع ولم يكن يقوى حتى على قراءة القصاصات والملخصات!
ومع هذا فقد وجد المتابعون وجه شبه بين ماكرون وترامب: وهو أن كلا منهما قد هشم قوالب اللعبة السياسية في بلاده. الفرنسي بالقفز على جميع الأحزاب وإنشاء ديناميكية جديدة سرعان ما ثبت أنها ليست مجرد مسألة عرض انتخابي ذكي، بل هي استجابة سياسية مدروسة لطلب سوسيولوجي حقيقي (من فئات اجتماعية فاهمة وفاعلة) لم يكن الإطار المتكلس للحياة السياسية المعهودة يسمح باستيعابه. أما الأمريكي، فقد نجح في عملية قرصنة مشهودة ضد النخبة السياسية التقليدية، فبدا «بدويّا في المدينة» قادما من المجاهل، وشمشونا شعبيا هادما للهيكل الواشنطني على رؤوس ساسته وساكنيه. ولكن ماكرون لم يكتف بمحاولة احتواء ترامب بالمجاملة والمداورة. بل إنه تمكن، في اليوم الأخير من زيارته لأمريكا، من تبليغ رسالته السياسية الواقعية العاقلة لمن يريد أن يفهمها. إذ بعد ثمان وخمسين سنة بالضبط من الخطاب الذي ألقاه الجنرال ديغول أمام مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)، وقف ماكرون، الأربعاء، في المقام ذاته خطيبا ولكن ليس بالفرنسية، وإنما بالانكليزية التي كان أول من سبقه إلى الخطاب بها هو فاليري جيسكار ديستان. إذ لم يعرف عن الرؤساء(ومعظم الساسة) الفرنسيين إجادة اللغات الأجنبية. إلا أن ديستان كان يجيد الانكليزية(ويفهم شؤون الاقتصاد) مثل صديقه الألماني المستشار هلموت شميدت.
وقد نشر كثير من المعلقين في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد الخطاب، تعليقات مفادها أن ماكرون يتحدث الانكليزية أحسن من ترامب! ورغم ما في هذه التعليقات من الدعابة وروح المزاح، فإنها لا تبعد عن الوصف الجاد لواقع الحال. إذ لا يختلف مستوى ترامب اللغوي عن مستوى أعضاء الدرجة الدنيا في عصابة المافيا التي صورها المخرج فرانسيس فورد كوبولا في ثلاثية «العرّاب» السينمائية الشهيرة. حيث أن هؤلاء المافيوزيين الوالغين في الدماء كانوا يعجزون عن فهم بعض أسئلة أعضاء لجنة الكونغرس التي حققت معهم. كلما استخدم أحد أعضاء لجنة التحقيق كلمة أو عبارة فصيحة، مهما كانت بسيطة، نظر المجرم حوله مشدوها وتساءل: «آه؟؟ ماذا؟» فيضطر المحقق لإعادة طرح السؤال باستخدام كلمة أو عبارة عامية أو تقريبيّة، لعل وعسى!
الوحيد من جميع رؤساء فرنسا الذي لم يخطب في الكونغرس هو فرانسوا أولاند. ومع ذلك، فقد رسم أولاند في كتابه الصادر أخيرا بعنوان «دروس الحكم» صورة عن ترامب تدل على أنه أدرك مفتاح شخصيته. تحادث معه مرتين بالهاتف، فتبين له أن ترامب «يرجع كل شيء إلى مسائل المال والنقود، وقد أخذني الدوار لكثرة مليارات الدولارات التي كان يريد أن يوفرها» في إطار التنصل من الالتزامات الدولية. في المحادثة الثانية، طلب ترامب من أولاند إن كان يعرف مستشارين يمكن أن يضمهم للبيت الأبيض! انفجر طاقم الاليزيه بالضحك لغرابة الطلب. تمالك أولاند نفسه قبل أن ينطق باسم هنري كيسنجر «الذي لا يزال يتميز بحصافة الرأي رغم بلوغه الرابعة والتسعين». فماذا كان الجواب؟ «صمت ترامب طويلا. لقد فهم أني فهمت. فلم نزد على ذلك».
ولكن رغم هذا كله، يبقى للسؤال حول أساس «الصداقة السياسية» معقوليته. فقد كان التقارب السياسي بين ديغول وأيزنهاور، وبين بومبيدو ونيكسون، وبين جيسكار ديستان وهلموت شميدت، وبين أولاند وأوباما، قائما على تشابه شخصي قوي، من حيث حدة الذكاء وطول الخبرة ومتانة التكوين. كذلك هو شأن الإعجاب المتبادل بين بيل كلنتون وبلير، وإعجاب بلير وغوردون براون بتاتشر، وإعجاب كل من ديفيد كامرون وجورج أوزبورن ببلير وبراون، فقد كان قائما في الأساس على تشابه في مقومات الشخصية.
٭ كاتب تونسي
مالك التريكي
ملاحظة ذكية و مقال جميل شيق
قبل التعليق على هذه المداخلة ، أودّ القول ان صعود ماكرون على موقع الرئاسه المام الماضي ، كلنت حاجه وطنيه فرنسيه، كتلك التي تمت عندما اتي ديغول بعد غياب دام ٤ أعوام في ١٩٥٨ وشيد الجمهوريه الخامسة ودستورها الذي يحكم به منذ ذالك الحين ، كما كانت حاجه وطنيه وصول اليسار مع ميتران في عام ١٩٨١، واذا عدنا للموضوع ، فالسيد ماكرون يمثل حاجه وطنيه فرنسيه ملحه لفرض كل التغيرات الاقتصاديه والسياسه والاجتماعيه التي تجنبها غالبية رؤساء فرنسا السابقين ، تغيرات يعتبرها ماكرون وغالبية من الشعب الفرنسي، للحفاظ على مكانة فرنسا بأوربا والعالم ، كأحد اهم القوى العالميه، اما عن صداقته بترامب ، فماهي سوى اُسلوب يتوجه به ماكرون للشعب الامريكي الذي سيصوت قريبا للكنغرس الامريكي الذي يقرر السياسات الامريكيه، وله صلاحيات اكبر من الرئيس ترامب، ولندع جانبا أيتام لينين وستالين وبوتين وهم خليط من أشباه المثقفين والمتدينين الايديولجين وقادة اليمين المتطرف في في فرنسا على الاقل الذين يعشقون الجمود كمتدينو الأديان .وشكرا لكل مداخلات القدير مالك التريكي.