أعلنت وزارة التربية في تونس أخيرا مبادرة تتمثل في إبقاء المدارس مفتوحة أثناء العطلة الصيفية بهدف «احتضان جملة من الأنشطة الثقافية والرياضية المتنوعة» التي سوف تشمل «تحفيظ الأطفال الصغار القرآن الكريم». وقال وزير التربية ناجي جلول إن مبادرة تحفيظ القرآن الكريم وتنظيم مسابقات في حفظه تندرج في «سياق الإصلاح التربوي الذي يهدف إلى تجذير الناشئة في هويتهم العربية الإسلامية التونسية، مع انفتاحهم على الثقافة الكونية».
وأوضح الوزير أن «مهمة الإشراف على حصص تحفيظ القرآن الكريم لن توكل إلى جمعيات خيرية أو غيرها من الهياكل، بل ستكون تحت إشراف مشترك بين أساتذة التربية الإسلامية التابعين لوزارة التربية ووزارة الشؤون الدينية». وأكد أن هذه الحصص ستكون مجانية وسيشرف عليها «عدد كبير من الأساتذة والمعلمين المتطوعين» من مباشرين ومتقاعدين. ولعل الوزير قدّر أن تصريحاته ليست واضحة بما فيه الكفاية، فنفى أن تؤدي هذه المبادرة إلى تحويل المدارس الرسمية إلى «كتاتيب (أي مدارس قرآنية تقليدية) أو وضعها بين أيدي منظمات أو جمعيات مشبوهة». بل إنه أضاف، تذكيرا بالبسائط والبديهيات، أن تحفيظ القرآن الكريم يرمي إلى «صقل قدرات» الأطفال الصغار «في اللغة العربية».
ولكن رغم كل هذه التوضيحات، فقد أثارت المبادرة استنكارا. ولعل من أوضح أمثلة التعبير عن موقف الاستنكار ما نسبته وسائل الإعلام التونسية إلى الأستاذة الجامعية نائلة السليني، نقلا عن صفحتها على الفيسبوك، من تعليق بشأن ما سمته قرار الوزير «تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس قرآنية». فقد كتبت الأستاذة السليني: «منذ أن بلغني نبأ تحفيظ أبنائنا القرآن بالمدارس صيفا (..) لم أقدر على التفكير في المسائل التالية: ما هي المقاربة في تحفيظ الأبناء القرآن؟ وبدءا بأي سن؟ وهل سيصنفون القرآن إلى آيات عنف وآيات سلم؟ هل سيسعون، وهم يعتقدون أنّهم يقاومون الإرهاب، إلى حذف الآيات الداعية إلى القتل، وعددها يتجاوز المئات؟ (..) وعندما يسأل أبناؤنا، على سبيل المثال، عن معنى ‘واقتلوهم حيث ثقفتموهم’، أو عن الآية ‘قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ…’ (..) عندما يواجَه المجتمع بمثل هذه الاستشهادات من طرف أطفال عقولهم غضّة بماذا سنجيبهم؟ بأنّها آيات منسوخة؟ ونزيد الطين بلّة، ونغرقهم في مشاكل ما أنزل الله بها من سلطان؟ (..)».
أسئلة تطرح في سياق اجتماعي يسوده الخوف من انتشار تيارات التطرف ومن تكاثر المتنطعين الذين يفتون في الدين بغير علم فيضلّون الشباب ويغذون نوازع العدمية والإرهاب. ولكن هل يعني ذلك أن على عموم المسلمين أن يكفّوا عن تحفيظ القرآن الكريم لأطفالهم؟ هل وصلنا إلى زمن صار فيه تعليم القرآن، في بلد مسلم، مشكلة محفوفة بالمحاذير؟ أم أنه صار لزاما علينا اتباع «القراءة الأمنية» للقرآن التي طلع بها علينا الأمريكان؟ فقد كانوا هم الذين طالبوا السعودية، في مطلع عام 2002، بـ»إصلاح التعليم». وتبيّن أن الإصلاح عندهم يعني «إعادة تحرير» النص القرآني، أي اختصار المصحف بما يضمن الاستغناء عن «آيات القتال»!
إن القضية تتعلق، من حيث الجوهر، باستئناف (أو مواصلة) ما دأب عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرنا من تنشئة أطفالهم على التشبع بالنص التأسيسي في الحضارة الإسلامية (على الأقل لغاية «صقل قدراتهم في اللغة العربية»، كما قال الوزير، وذلك أضعف الإيمان!). ولكننا نكتفي بملاحظتين شكليتين. أولا، مجرد التذكير بأن النظام البورقيبي (المصنف علمانيا) لم يمنع تحفيظ القرآن. إذ لما كنا أطفالا تعلمنا نصيبا من القرآن في الكتّاب، ثم تعلمنا في المساجد في إطار أنشطة «جمعية المحافظة على القرآن الكريم» التي كانت تحظى عهدئذ برعاية الدولة. ثانيا، يجدر التنبيه إلى أن أقصى ما يمكن أن يتعلمه الأطفال الصغار في أسابيع الصيف هو بعض من قصار السور من «جزء عمّ»، أي من الحزبين الأخيرين في المصحف. فهل في هذه السور ما يستدعي إعادة تنشيط «القراءة الأمنية»؟ أو ما يدعو للخوف من الوقوع في مغبة «عدم الانسجام مع المعايير الدولية»؟!
٭ كاتب تونسي
مالك التريكي
أخيرا وزير التربية التونسي يُريد أن يخرج تونس ممّا أطلق عليه أحمد بيضون في مقاله اليوم بعنوان لبنان: الدولة الضحلة، فالجهل اللغوي يجعلك لا تفرق بين علم اللغة وعلم الكلام، أو ما بين اللغة وما بين اللسان، فكل بادية أو قرية أو مدينة أو ولاية أو إمارة أو محافظة أو دولة هناك لسان، وما بين دجلة والنيل نزل الوحي باليهودية والمسيحية والإسلام، ومع ذلك أنا لاحظت هناك فرق ما بين أهل وادي النيل عن أهل وادي الرافدين ألا وهو الحشمة بالنسبة لأهل وادي الرافدين والفرعنة لأهل وادي النيل، والحشمة دليل على الاعتراف بوجود الـ آخر، بينما الفرعنة تعني عدم الاعتراف إلا بوجود الـ أنا، ومن هنا أفهم لماذا وادي الرافدين كان مهد الحضارات لتدوين أول لغة ما بين الـ أنا (الرجل) والـ (المرأة) أي لغة الأسرة من خلال اللغة المسمارية، وتدوين أول قانون (لغة الدولة) من خلال مسلة حمورابي، وربما لهذا السبب نقل كورش عاصمته إلى بلاد وادي الرافدين بعد تحرير اليهود من السبي البابلي، وبعده الاسكندر المقدوني وكذلك علي بن أبي طالب، وبأوامره تم إكمال شكل الحرف وجمع وتدوين كل قراءات لغة القرآن في نص واحد؟!
في أجواء العولمة وأدواتها التقنية، على كل حكومة أن يكون هدفها كيف تجعل تكلفة منتجاتها منافسة، وإلا ستخسر مصدر من مصادر الدخل في أي مجال من المجالات، ومن هذه الزاوية مفهوم الحرب على الإرهاب، بالطريقة التي فرضها جورج بوش بعد فشلهم في إطلاق رصاصة واحدة طوال فترة ما حصل في 11/9/2001 وعلى ضوء ذلك أصدر قانون الوطنية لمفهوم الأمن أولا، سيجعل تكاليف أي منتج غير منطقي ولا موضوعي وبالتالي علمي فيخرجك من المنافسة الاقتصادية ويؤدي إلى إفلاس الدولة كما حصل في اليونان بعد عام 2008 إن لم يصل إلى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
الكثير لم ينتبه إلى أن رفسنجاني وخامنئي تقاسموا الدولة الإيرانية، بعد موت الخميني عام 1988، وموضوع تصدير الثورة أو إعلان حرب على الـ آخر (المسلم ممن لا يشهد من أنَّ علي ولي الله) الذي بدأه الخميني حال عودته على طائرة فرنسية معززا مكرما لقيادة ثورة ضد شاه إيران الذي تعاون مع العرب لإنجاح المقاطعة ضد كل من ساند الكيان الصهيوني في حرب عام 1973، هو أفضل وسيلة للتغطية على أي نوع من أنواع الفساد إن كان من قبل العلم الظاهر للعملية السياسية أو العلم الباطن للدولة العميقة، للضحك على المواطن ليبقى يدفع الخُمس/الضريبة لتجهيز الجيوش، تماما كما حصل من قبل جورج بوش بعد 11/9/2001 من خلال إعلان الحرب على الإرهاب بنفس مبادئ الخميني (المسلم ممن لا يشهد من أنّ علي ولي الله)؟!
…يتبع
…تكملة
فطريقة فهم الأستاذة الجامعية نائلة السليني للهجة أو اللسان التونسي على أنه اللغة الأم خاطئة، منذ متى دريد لحام له علاقة باللغة العربية مثلا، فهو يرفض حتى التمثيل في مصر، لأنّه لا يُريد أن ينتج أي عمل تمثيلي بغير لهجات سوريا؟ فعن أي قومية يتكلم من يؤمن بالفنيقيين؟! وأقول لكل علماني، الإسلام يمثله القرآن والسنة فقط، ولا تمثله دولة أو أحزاب أو أفراد، فمعجزة رسول الإسلام كانت لغة القرآن، واللغة شيء والفكر شيء آخر، ومن هنا إشكالية أهل الفلسفة ممن يُثير سؤال أيّهم أول اللغة أم الفكر؟ وفي أجواء العولمة وأدواتها التقنية تم حسم الإجابة لصالح اللغة، والترجمة والوقت كمعايير للمنافسة في السوق الحر، ومن هذه الزاوية نفهم سبب أزمة أهل الفكر/الفلسفة إن كان مثقف أو راهب وحتى السياسي بداية من وزير المالية السابق في اليونان في محاضرته على تيد عام 2016 بعنوان الرأسمالية ستأكل الديمقراطية مالم نتكلم؟!
الموضوع لم يكن منافسة وهمية ما بين المواطن والموظف في الدولة، كما يحتج المثقف والسياسي والراهب على الإطلاق تحت عنوان نظرية المؤامرة كما هو حال تفسير بشار الأسد ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح مثلا فما حصل لهم يختلف تماما عمّا حصل لصدام حسين إن كان في عام 1991 أو عام 2003، ثم المنافسة شيء، والصراع شيء آخر مختلف تماما، لأنَّ الفلسفة تنطلق أو بنيت على مفهوم اللون الواحد بعدة درجات، والشك كنقطة انطلاق بحجة سيكون طريقك للوصول إلى الحقيقة، ومن هنا كانت الفلسفة سبب للعنف والقتل بكل أنواعه، فالعنف والقتل شيء، والإرهاب شيء آخر مختلف تماما، والإسلام سمح بالإرهاب ولكن لم يسمح بالعنف والقتل على الإطلاق إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، كما هو حال السكين وطريقة استخدامها؟!
صحيح أن ما بين دجلة والنيل نزل الوحي لليهودية والمسيحية والإسلام، فلذلك لا يحق للمغرب العربي أن يظنوا هناك من يستطيع منافسة أهل المشرق العربي في موضوع الحضارة، كما يظن بعض المتفرنسين منهم، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك فرق بين أهل وادي الرافدين عن اهل وادي النيل، خصوصا وأنَّ مهد التدوين كان في وادي الرافدين على مر العصور، وآخرها كان تدوين لغة رمي حذاء منتظر الزيدي وفي بث حي مباشر على أحدث وسائل العولمة وأدواتها التقنية، على ممثلي الفساد في نظام الأمم المتحدة في عام 2008، ولذلك يجب أولا اختيار اللغة الصحيحة، لتكون وسيلة للحوار والفهم لمن يرغب في نقل صورة ما إلى طرف آخر، لأن بدون لغة مشتركة يتفق جميع الأطراف على معنى المعاني وهيكل الجمل في اللغة، لن يمكن رفع سوء الفهم، فكيف في تلك الحالة ستنقل الصورة؟ فمثلا كلمة الأعمى بدون همزة في الأخير وهناك عدة أشكال للألف يجب استعمال كل حرف في مكانه الصحيح.
ما رأيكم دام فضلكم؟