طريفة معظم القوى السياسية اللبنانية، عندما تعتبر كل واحدة منها نفسها المرجعية الصالحة لتحديد حجمها بدقة، والنصيب التمثيلي الذي لا يليق ما هو أدنى منه عدداً بها، في الندوة البرلمانية المقبلة، وقبل الانتخابات النيابية.
كيف يمكن لقوة سياسية أن تحدّد كم هي تمثّل من اللبنانيين، وقد مضى على آخر استحقاق تشريعي في هذا البلد سبع أعوام؟ بإستطلاعات الرأي الحزبية؟ بفعل إيمانيّ جوانيّ بأنها تمثّل وجدان الطائفة التي تنتمي لها، وبالتالي يقدّر هذا التمثيل الوجداني بكذا مقعد نيابي، وكذا وزارة؟ لماذا الانتخابات إذاً في هذه الحالة إن كان كل فريق يردّد على مدار الساعة أنّ حجمه يقدّر بهذا الكمّ، بل أنّ كل فريق يزن المقترحات المتداولة بشأن قانون الانتخاب إنطلاقاً من هذا التقدير المبني على شيء من الشعوذة؟!
بعض من الحيرة اللبنانية المزمنة بشأن قانون الانتخاب يمكن أن يجد تفسيره في هذا المنطق المُعَوّج. فأن يكون بإمكانك أن تدّعي حجمك التمثيلي سلفاً، قبل الانتخاب، وقبل إقرار قانون جديد للإنتخاب، وبعد سبع سنوات من آخر انتخاب، فهذا يتضمّن بين طياته الشعور بإنتفاء الحاجة أصلاً للإحتكام إلى صناديق الإقتراع. الانتخابات «الحقيقية» تصبح في مقام آخر، تصبح في «الصدور»، لا في الصناديق، وتصبح قضية هذه الصدور أن تكيّف الصناديق على هذا الحدس المعطى لها بأنّها تمثل كيت وكيت من الناس.
هذا النوع من استطلاعات الرأي الافتراضية والمقدّرة نتيجتها سلفاً، عند كل واحدة من القوى السياسية، يختلف بشكل جوهريّ عن تفاعل الأحزاب الانتخابية مع استطلاعات الرأي في الاستحقاقات التي تجري في البلدان الديمقراطية، ولو كانت هذه الاستطلاعات التي تعدّها مراكز متخصصة في الشأن غير محايدة، ولو أن نتائج عدد من الانتخابات في السنوات الأخيرة أتت مغايرة لتوقعات المراكز، ودفعت بهذه الأخيرة نحو أزمة حقيقية. على الأقل، تأتي الانتخابات في البلدان الديمقراطية لتظهر نتائجها قرب أو بعد توقعات مراكز الإستطلاع من النتائج، وحتى لو أتت النتائج مخالفة لتوقعات المراكز إلا أن هذه التوقعات تكون قد أثّرت على مجرى المعركة نفسه وعلى نتيجتها، وفي أحيان كثيرة بالضدّ من مرادها الضمنيّ. وإذا كانت توقعات المراكز المسبقة يمكنها أن تشوّش على أهمية أن يبقى في أي انتخابات بعد مجهول إلى لحظة إذاعة النتائج، فإنّ مغايرة النتائج لتوقعات الاستطلاعات تعدّ بحدّ ذاتها مؤشراً لمنسوب الديمقراطية.
في لبنان، ثمة أيضاً مراكز استطلاع، لكن المطلوب من معظمها أن تترجم بالرسوم البيانية للنتائج المستمزجة في الأفئدة أو الصدور. نفس الشيء بالنسبة لقانون الانتخاب. تعتبر معظم القوى السياسية اللبنانية أنّه من البديهي رفض أي استحقاق انتخابي ليست نتائجها فيه معروفة سلفاً. واليوم، أيّاً كان القانون، ولو ذهبنا بالترقيع والإعتباط إلى أقصى حد يمكن أن تصل اليه القدرة الإبداعية اللبنانية على الإستنساب، فإنّنا أمام استحقاق من الصعب الإطمئنان مسبقاً لنتائجه، وانعدام الاطمئنان للنتائج يبلغ ذروته في الطائفة السنية، لكنه موجود عند باقي الطوائف أيضاً، وعند المسيحيين أكثر مما عند الشيعة والدروز. صحيح أن كل قوة تسعى لطمأنة نفسها بقانون انتخابي يرضي ذائقتها وغرورها، في مقابل القوانين الانتخابية التي تتشفّع بها القوى الأخرى، لكن حتى بالقانون الذي تدعو إليه هي، فمن الصعب أن تطمئن إلى أن الحدس الذي يسكنها، والذي تقدّر على أساسه حصّتها، وتتكلّم عن حصّتها كما لو كانت «حقّاً»، وكما لو أنّ الانتخابات التشريعية تجري للمصادقة على حقوق تمثيلية، وليس للمزاحمة بين قوى مختلفة بل متواجهة بين بعضها البعض.
أكثر من ذلك: تحديداً، الثنائي المسيحي «عون وجعجع» يخوض معركة قانون الانتخاب كما لو كانت هي الانتخابات، بمعنى أنّه ثنائي يعتقد بأنّ حظوظه في الاستحقاق ستكون أعلى إن هو نجح في السير بمشروع القانون الذي يؤيده، ليس فقط لأنّه قانون سيكفل له شروطا أفضل لخوض المعركة حسب الدوائر ونظام التصويت، بل أيضاً لأنّ نجاح هذا المشروع سيكفل له تسويق القانون نفسه كـ«انتصار مسيحي» يتوجب على الناخبين المسيحيين شكره في الصناديق، ويصير المسيحيون بعد ذلك فئتين: واحدة شاكرة ممتنة وفيّة لمن استطاع بلوغ القانون الأفضل للطوائف المسيحية في الوقت الحالي، وثانية جاحدة بـ»حقوق المسيحيين»، أي بـ»حقوق الثنائي العوني القواتي» في الاستمرار بقيادة معركة الحقوق إلى المزيد من الملاحم «الاسترجاعية».
في البلدان الغربية تنوجد الديمقراطية في إشكالية عميقة مع فكرة التوقع المسبق لنتائج المعركة الانتخابية: من جهة التوقع المسبق يمكنه أن يوهن حماسة الناخب أو العكس، وأن يدفع مرشّح لتحسين حملته وفهم كيفية اجتذاب شريحة اضافية من الناس، أو لأن تؤثّر عليه التوقّعات إنفعالياً. أمّا في لبنان، يعتبر التوقّع المسبق لنتائج المعركة الانتخابية هو معيار الديمقراطية. «صحّة التمثيل» بالفهم اللبناني للمقولة تتحوّل إلى «صحة تمثيل» الأحجام التي تتخيّلها كل قوّة سياسية عن حجمها ودورها. في البلدان الديمقراطية، خمسة أشهر فاصلة عن الاستحقاق ليست مدة طبيعية لإقرار قانون انتخابي، إذ يفترض أن لا تكون المعركة الانتخابية متعلقة بقانون الانتخاب نفسه، وأن لا يجزى المرشّحون على أساس نصيبهم من ايصال مشروع قانون أو إحباط آخر: قانون الانتخاب ليس امتحانا والانتخابات شهادته. أمّا في لبنان، فمحنة مزمنة تعيق منذ نهاية الحرب إقرار قانون انتخابي جديد بمستطاعه أن يدوم على الأقل لبضعة استحقاقات نيابية متتابعة، ومعركة انتخابية تحدث على خلفية الصراع من أجل القانون الانتخابي العتيد، بدل أن تحدث بعد العلم بما هو القانون الذي سيجري عليه الانتخاب. في البلدان الديمقراطية، خمسة أشهر سابقة على الاستحقاق ليست فترة لإقرار قانون إنتخابي، لكنها فترة يمكن فيها لقوة صاعدة انتخابياً أن تتنامى أو أن تهبط. في لبنان أيضاً، بطبيعة حركية المعاش في أي مجتمع، لكن في ظل هيمنة ثقافة سياسية، وبلاهة تلفزيونية مواكبة، ترى أنّ الأحجام مقرّرة سلفاً، قبل الاستحقاق، وقبل قانون الانتخابات، وأنّ حجم كل فريق يقدّره هذا الفريق بنفسه، ويصير أمراً واقعاً من فرط ترداده كفعل إيمان ليل نهار.
يقول ماركس أن «البشر يطرحون المشاكل التي يمكنهم حلّها». ربّما كان بقاء قانون الانتخاب معضلة لا يمكن حلّها بشكل منهجي منذ ربع قرن هو بكل بساطة نتيجة لكونها «مشكلة غير مطروحة» أي مشكلة «لا داعي لها» بمعنى من المعاني. هل فعلاً الانتخابات التشريعية حاجة في بلد مثل لبنان؟ التخبّط بمشاريع قوانين الانتخاب طول الوقت دون الإستقرار على خيار يعتمد ويجرّب لدورات متتالية يعكس هلامية هذه الحاجة. بالمطلق، انتخابات تجري لتظهير أحجام تعتقد القوى أنّها أحجامها، هي انتخابات لا داعي لها، واذا كانت الحجة هي «الديموقراطية التوافقية» في كل مرّة، فالأفضل حينها أن تقوم هذه الديمقراطية على مبدأ الشورى أو اختيار كل جماعة، بأي شكل كانت عليه هذه الجماعة، دينية أو مهنية أو مناطقية، لمندوبيها، وليس الانتخاب!
فإن أضفنا إلى ذلك أن رئيس الجمهورية يفضّل الفراغ في السلطة التشريعية على الاحتكام لقانون ما قبل الحرب (المقرّ في زمن الهيمنة المسيحية على لبنان، والذي طالب المسيحيون بالرجعة اليه بعدها، وعدوا الرجعة اليه بعد صلح الدوحة عام 2008 انتصاراً لهم، ويعتبر العونيون والقواتيون انه يأكل حقوق المسيحيين الآن)، وعلى التمديد الثالث للمجلس الحالي. سهولة تفضيل الفراغ على هذا النحو هي توقيع إضافي على هذا الإقرار الدفين في المسرح السياسي اللبناني بأنّ الانتخابات لا داعي «انتخابياً» لها، وأنّ صحة التمثيل هي صحّة تمثيل وقائع سابقة على الانتخابات، وقائع لا تقبل الربح والخسارة من الأساس، وقائع بها يكتب قانون الانتخاب، وقائع يدّعي كل واحد أنّها له، وقائع حدسية، تخشى الدخول في التجارب، و»النسبية» في الوضع اللبنانيّ تحوّلت مع ابتذالها أكثر فأكثر إلى ما يشبه هذا الأمر، إلى ما يشبه «رهاب الحدس» من الدخول في التجارب. وهذا يجعل التجربة محتدمة أكثر، كما الفصام: دمج معركة «البحث عن» قانون انتخاب، بالمعركة الانتخابية نفسها، وفصل «صحة التمثيل» عن كل معاني «الصحة». «صحة تمثيل» ما هو سابق على الانتخاب، ولا تراعي صحّة الناخبين!
٭ كاتب لبناني
وسام سعادة
للحقيقة انه لشيء مخجل ان يتنافس النواب على قانون انتخابي ليظهر ايهم اكثر حجما وليس لخدمة الوطن الذي يحصلون منه على معاشات ومزايا وتقديمات وكاءنهم ورثوا النيابة ابا عن جد دون ان يسمحوا لسواهم ان ينجح او يترشح ويا ليتهم يخدمون الوطن بقدر ما يحصلون على المال والمميزات والدليل انهم خلال 7 سنوات لم يستطيعوا ان يفصلوا قانونا للانتخاب لارضاء الشعب ولكن لمحاولة السيطرة على الوطن والحصص والصفقات والعمولات من الفضاءح الكثيرة التي ازكمت الانوف منهم ومن زبانيتهم التي كل يوم نسمح عن فضاءخهم دون محاسبة من التحقيق القضاءي او التفتيش المالي والاداري ولم نسمع نتاءج اي تحقيق الا بلفلفة المواضيع وطمسها لاءنه من صنع كبار المسؤلين اصحاب الشرف الرفيع للاسف الشديد 0
ما يحصل الْيَوْمَ نذير شؤم على لبنان طالما تكتل كل طائفة موجه ضد من يخالف النافذ ضمن الطائفة المعنية ولا تستهدف مواجهة “الطوائف الأخرى” لذلك من المفترض ان تقوم معارضة جدية تحمل صوت المواطن لتصد أصوات الطائفيين والمذهبيين الذين يعيثون فساداً في البلد ويقضون على اَي أمل بالمستقبل لابنائه.