عن مقتل المهاجرين و«نداء» السيسي إلى نتنياهو: كفى إهانات

كان يفترض أن تمر زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للأمم المتحدة، التي تم الإعداد لها بعناية مشددة، بدون مفاجآت أو أخطاء أو كوارث إعلامية أو سياسية أو اقتصادية، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، خاصة في ساحل البحر القريب من مدينة رشيد في شمال مصر، حيث قتل على الاقل اثنان وخمسون مهاجرا غير شرعي، أغلبهم مصريون والباقي من جنسيات أفريقية وبينهم أطفال في مشاهد مأساوية، إلى جانب أحداث أخرى.
شخصيا مثل كل مصري، رأيت في هذا حادثا كارثيا حقيقيا، يعكس حجم الأزمة الأعمق، ويطرح أسئلة صعبة. ومن المثير للخجل أن بعض وسائل الإعلام تعاملت مع مقتل المهاجرين، مجرد واحد من حوادث السيارات على الطرق التي تشهدها مصر يوميا. ولا يعني هذا أي تقليل من خطورة تلك الحوادث التي أصبحت أحد أبشع أسباب القتل في البلاد، ولا أحد يهتم أو يقترح معالجة لها.
أما موضوعيا، فإن هذا التطور دليل اضافي على أن الموقف في مصر يزداد تعقيدا، خاصة من الجانب الاقتصادي، كما توقعنا هنا قبل شهور، وقلنا دائما إن الرئيس السيسي يبقى المسؤول الأول أمام المواطنين، وربما لا توجد حلول فورية لهذه الازمة، ولكن غياب الرؤية السياسية يدفعها نحو الانفجار الشعبي الذي يبقى محتملا، وإن كان لن يستفيد منه تكتل سياسي بعينه. كما أنه لا يبرر بعض الألفاظ الاعلامية المسيئة التي زادت في خارج مصر، ولا تتفق مع أخلاق المصريين وقيمهم، بل ازعم أنها تخدم النظام، وقد تبرر له اتخاذ قرارات قاسية في الداخل والخارج بدون التطرق هنا إلى تفاصيل.
وللأسف جاءت كارثة المهاجرين بعد يوم واحد من خطاب ألقاه الرئيس السيسي في اجتماع للامم المتحدة لمناقشة أزمة المهاجرين حول العالم. وركز فيه على المساعدات التي قدمتها مصر لـ»خمسة ملايين من المهاجرين، وحصولهم على خدمات صحية وتعليمية والاستفادة من الدعم الحكومي للأسعار». وكنت أتمنى أنه لم يذكر تلك الخدمات التي لا يحظى بها المصريون انفسهم، وكان يكفي أن يقتصر على توافر الامن والحرية للمهاجرين في العمل والحياة من غير مخيمات، كما في بلاد اخرى، وهو حقهم الطبيعي وسط مشاعر أخوية حقيقية من المصريين.
وليته كذلك تحدث عن «ظاهرة المهاجرين المصريين غير الشرعيين» (وهذا لفظ يبقى غريبا في الثقافة المصرية، ولم نعرفه إلا قبل شهور فقط من ثورة يناير). وما كان هؤلاء يخاطرون بحياتهم للأسف، لولا حالة الانسداد الاقتصادية، ومعها جوانب اجتماعية وسياسية تحتاج للدراسة، خاصة أن بعضهم ينفق ثمانين الف جنيه (نحو عشرة آلاف دولار بالسعر الرسمي) من أجل الجلوس على الارض داخل مركب كثيرا ما يفشل في الوصول إلى اوروبا. وقال احد المهاجرين الذين تم إنقاذهم امس الأول «بصراحة قررت المخاطرة لأني عاجز عن توفير تكاليف الزواج، وهذا يتكلف مئة وخمسين ألف جنيه). وهذا فشل سياسي مريع وتراكم للنظام، ولا يمكن فصله عن الكوارث و»المساخر» الحكومية التي يدفع ثمنها المواطنون، سواء في قضايا القمح ولبن الأطفال والأسعار والتعليم والصحة وغيرها كثير.

«نداء السيسي إلى إسرائيل»

هل لم يعد لدى العرب خاصة مصر، ما يفعلونه لمساعدة الفلسطينيين سوى تقديم «النداءات والاسترحامات والتوسلات» إلى شعب إسرائيل ورئيس حكومتها لتحقيق السلام بعد خطاب الرئيس السيسي الذي خرج فيه عن النص ووجه (نداء) جديدا أثناء خطابه في الامم المتحدة قبل يومين؟ ومن الذي أقنع الرئيس السيسي بذلك «النداء» الصادم من مقر الأمم المتحدة وكأنه سيكون أشد تأثيرا من ذلك الذي كان أعلنه فجأة اثناء اجتماع في صعيد مصر قبل عدة شهور؟ وكيف كان رد فعل الشعب الاسرائيلي امام تلك «الدعوة» السابقة لتحقيق السلام، وهم الذين انتخبوا نتنياهو على أساس واحد وهو ما قاله علنا: لن اسمح بقيام دولة فلسطينية؟ ترى هل نزلوا إلى الشوارع مطالبين نتنياهو بمجرد عقد لقاء مع الرئيس الفلسطيني؟
وهل قدم نتنياهو للسيسي في المقابل أكثر من قبول «هدية مجانية غير مسبوقة» منذ تسعة أعوام، تمثلت في استقباله لوزير خارجية مصر بلا منهج أو نتيجة واضحة باستثناء اتخاذ الصورة (العائلية) إياها؟ إن كل هذا الاستكبار، بل والتعنت الإسرائيلي إقليميا ودوليا، لا يمكن أن يلقي مزيدا من هذه «المكافآت» العربية، خاصة من مصر، لانه يؤدي إلى نتيجة عكسية، ومنها قتل ضحايا فلسطينيين، حتى يتوهم المرء أن الفلسطينيين هم من يعاقبون لاحتلالهم «الشعب الاسرائيلي» وليس العكس. ومن الأكرم للعرب أن يعلنوا الحقيقة المرة، وهي أنهم عاجزون وفاشلون في تحقيق السلام، كما اعترف آخرون بينهم بعض أكبر أصدقاء اسرائيل، عن التوصل إلى اتفاق مع حكومة نتنياهو. ويبقى هذا الخيار الأفضل سياسيا وواقعيا، من حيث انه لا يقدم لنتنياهو امام العالم صورة زائفة عنه وحكومته التي اصبحت منبوذة دوليا تقريبا، إلا عند بعض العرب. ومن الواجب حقا على السيسي وقف هذه «النداءات» المتكررة التي اصبحت مهينة للمصريين ومقام الرئاسة، حتى إذا كانت مبررة ضمن «موسم زيارات الصداقة السرية والعلنية العربية، خاصة الخليجية». ورغم ما تعانيه مصر من مشاكل عديدة وتراجع في مكانتها الاقليمية، إلا أن هذا لم يؤثر في مدى خصوصيتها استراتيجيا، بمثل هذه الردود الاسرائيلية. ولا يمكن فهم هذه «النداءات» التي لا تخدم إلا مكانة اسرائيل إقليميا، بينما تتجاهل القاهرة «نداءات» حقيقية بعضها معلن من دول اقليمية مهمة مثل ايران، لقيام مصر بدورها الطبيعي والتاريخي لحمل راية العرب والمسلمين، وهو ما قد يكون كافيا لجعل نتنياهو يستمع للنداءات، بل ربما قلب حسابات كثيرة في المنطقة.
وقد أظهرت وسائل إعلام عربية مقربة من إيران أمس الأول اهتماما خاصا بخطاب السيسي امام مجلس الامن بشأن وضع سوريا، وهو في محوره ربما لم يقدم جديدا في توجه السياسة المصرية في هذا الشأن، الا أن مجرد تثبيته واعلانه داخل الامم المتحدة وجد اهتماما دوليا واسعا، وان كان لم يحظ بترحيب من السعودية بشكل خاص، ولكنه أشار مجددا إلى أنه حان الوقت لإعادة النظر في الدور المصري اقليميا كما داخليا، وهذه قضية اخرى معقدة نتركها ليوم اخر.

كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

عن مقتل المهاجرين و«نداء» السيسي إلى نتنياهو: كفى إهانات

خالد الشامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    معظم من وقف ضد الإخوان في 30-6-2013 شعروا بالخيبة والندم من قرارهم العاطفي حيث خُدعوا بمقولة أخونة الدولة !
    لم تكن هناك أخونة للدولة بل كانت عسكرة مبطنة للدولة ساهم بها الفاسدين من رجال أعمال وإعلام وقضاء
    لو قامت إنتخابات شفافة الآن لفاز بها الإخوان بنسبة 70% لنظافتهم وصدقهم ووطنيتهم
    هناك 20 ألف معتقل من الإخوان الشرفاء بمعتقلات عسكر مصر
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د 0 عطوة 0 ايلياء:

    الكثير من دول العالم والعرب لا زالوا لا يفهمون نتنياهو وينظرون ان العلاقة مع هذا الشخص كما يحاو لهم وبمعاملة بشرية طبيعية ولاجل التعامل الصحيح يجب ان تكون بدراية بذلك الشخص وما يدور فى رأسه اى طريقة تفكيره 0 ان طريقة تفكيره 0 نابعة من فكر تلمودى يؤمن ويعتقد ان كل العالم ضده وعدوه بسبب انه من المختارين والمفضلين ومباح له دم ومال وعرض 0 الجوى 0 اى الكافر الغير يهودى فكيف تدخل تلك الفكرة عقول البشر

  3. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي
    ليست المشكلة في السيسي
    المشكلة فيمن صدق أن هدم أول ديموقرطية عبر آلية عد الرؤوس وتزوير المشاهد يمكن أن تؤدي إلى دولة محترمة فهو واهم .
    المشكلة فيمن تغاضى عن تحالف البلطجية والفلول وإعلام العار .
    المشكلة فيمن تناسى دعم أمريكا وإسرائيل واللوبي اليهودي للإنقلاب العسكري ويتعجب للأثمان المدفوعة لقاء المساندة .
    من قتل شعبه نهارا جهارا وجعل حركة المقاومة حماس عدوه فمكانه حلف نتنياهو .
    من إتهم مليار مسلم أنهم يريدون قتل كل العالم فطبيعي أن يتمنى فوز ترامب الذي يعادي المسلمين .
    وبدورنا نتعجب
    أين عشرات الملايين من المواطنين الذين خرجوا ضد فشل الإخوان ؟ هل ينعمون بالبحبوحة الإقتصادية ؟ هل تحسنت أحوالهم ؟ ما أخبارأم الدنيا وحتبقى أد الدنيا ؟
    أين جبهة الإنقاد ؟ أين تمرد ؟ أين بلاك بلوك ؟ أين ثوار السبوبة ؟أين …
    متى يعتذر ثوار 30 يونيو عن جريمتهم الكبرى في حق مصر ومستقبل مصر ؟

  4. يقول الجزاىر:

    تحية ل(عربي حر)ولكل مصري حر

إشترك في قائمتنا البريدية