لا يضيف فيلم بيليه شيئا كثيرا على ما كان يعرفه مشاهدوه عن حياته. ربما كانت تلك الاستعادة لخسارة البرازيل المعيبة في دورة 1950 من كأس العالم، ثم فوزها الكاسح في دورة 1958، هي ما أفاد به الفيلم متابعي تاريخ كرة القدم.
في تلك السنوات كانت البرازيل واقعة في أسر تكبّر الأوروبيين على رياضييها، هؤلاء الذين لم يستطيعوا مجاراة أساليب اللعب الجديدة، تلك التي جعلها الأوروبيون مدرسة وحيدة لن يتحقّق فوز لأحد من دون اتّباعها. كان مدرّب الفريق البرازيلي يحثّ لاعبيه على التشكّل في اللعب على طريقة ما يفعل الفريق الفرنسي، وكان هؤلاء اللاعبون كأنهم يواجهون معلّميهم أو ملهميهم.
على أيّ حال هذه واحدة من النقاط التي اتكأ عليها المخرج لإعطاء فيلمه قيمة تتعدّى نقل السيرة المبكرة من حياة بيليه. أي أنه يقول إن مباريات كرة القدم هي بمثابة مواجهة بين حضارات، بين تلك المهيمنة وتلك الأخرى الواقعة تحت سطوتها. لذلك كان إحراز البرازيل للكأس في 1984، ودائما بحسب الفيلم، سببا في نهضتها وارتفاع مكانتها بين الدول.
كل هذا أتاحه ذلك الشاب الخجول، إبن السبعة عشر عاما، بتسجيله في الدقائق العشرين الأخيرة من المباراة مع السويد، أربعة أهداف تامّة. تلك الدقائق العشرون لم تصنع نجما فقط، بل ساعدت في أن تتعرّف أمّة على نفسها، وأيضا بحسب ما يقول المخرج. كما أنها، إضافة إلى ذلك أعلنت عن أهلية الفقراء لمواجهة الأغنياء وتحقيق الانتصار عليهم. وقد تجلّى هذا بدءا من المشاهد الأولى من الفيلم حيث ظهر الأولاد في الأحياء الفقيرة يؤدّون فنونهم في ملاعبة الكرة، ثم في مواجهتهم، حفاة الأقدام، لفريق الفتيان المتغطرس، المتشكّل من أبناء السفراء والمبعوثين.
ذلك الشاب الصغير، الذي أذهله وأرجفه خروجه إلى الملعب السويدي، لم يكن يعلم أن آمال أمّة ستتعلّق عليه. كان قصيرا وفاقدا لأيّ وسامة أو أيّ ملمح كاريزمي، وهذا لم يكن في صالح النجومية، خصوصا أن الناطق السويدي ذاك أخذ يفنّد العيوب الخلْقيّة التي يعاني منها لاعبو الفريق البرازيلي. ولسنا نعرف إن كان مخرج الفيلم جيف زيمباليت قد اختار بطله هكذا عن قصد، كأنما ليعلمنا أن هذه النواة البطولية المتعثرّة هي التي ستصبح في ما بعد الأسطورة التي نعرف عنها جميعنا. كما ليعلمنا أيضا بأن البطولة ليست في حاجة إلى الوسامة، على غرار ما اعتادت تصويره الحكايات والقصص القديمة عن أن الأمير يجب أن يكون وسيما وأن المجرم يجب أن يظهر في هيئة مجرم.
ورغم ما أفاض فيه الفيلم من جعل كرة القدم بديلا رمزيا عن الحروب بين الحضارات والدول، إلا أن أهم ما يبقى منه هو التفاصيل المتعلّقة بمباريات كأس العالم بين 1950 و 1958. لا شيء آخر مما لا يعرفه المشاهدون أو يخمّنونه، يأتي به الفيلم. أحد المتابعين لسينما الأبطال الرياضيين قال إن ما يبقى من هذه الأفلام هو المعلومات الوثائقية التي تتخلّلها، هذا مع العلم أنّ الأشرطة الوثائقية التي سبق أن شاهدناها عن بيليه هي اكثر أهمية من هذا الفيلم في تبيان ما يتميّز به لعبه.
مرّة اخرى يتبيّن كم أنها متشابهة الأفلام التي تعيد إحياء سير المشهورين، وذلك في أنها لن تكون إلا سطحية، وتعليمية ومستهلِكة لمقولات كانت في وقت سابق على قدر من الأهمية. إذ ماذا يمكن أن يضيف المخرج على البطولة الناجزة المكتملة. بين من علّقوا على فيلم بيليه، وهم كثيرون، لم يعلن أحد عن إعجابه بما شاهد. آلان زيلبرمان كتب في «الواشنطن بوست» إنه «كان على مَن أنجزوا الفيلم أن يضيفوا قليلا من العمق، أو الشكّ، على السيناريو». ذاك لأن الإيجابية التامة المطلقة لا تصنع فنّا. ينبغي أن يُخترق ما هو معروف ومتّفق عليه بجرعة سمّ تعيد خلق ما كان استوى على هيئة مسالمة مطمئنة، لذلك سيكون من الأجدى أن تذهب السينما إلى ما تخبّئه وتنطوي عليه الصورة الخارجية وما يتفاعل تحتها، أو أن تعمل بنفسها على أن تكون هي التي تُشهر شخصيات لم يكونوا قد حقّقوا أيّ ظهور من قبل. الأمثلة على ذلك كثيرة، في السينما كما في الرواية كما في المسرح…إلخ.
ولن تضيف أهمية على الفيلم تلك المواقف المؤثّرة التي منها أن يحتضن والد بيليه ووالدته، عند انتصار ابنهما المتعثّر الفقير، ويذرفان دموعا تنتقل عدواها إلى الصالة، هنا في بيروت، حيث كنا نشاهد الفيلم. ذاك أننا، إن كنا بين هؤلاء الذين أصابتهم تلك العدوى، ندرك كم هو مخجل ذلك ومحرج، وكم أنها باقية فينا تلك الدرامية القديمة، العائدة إلى وقت ما كنّا أطفالا.
٭ روائي لبناني
حسن داوود