بغداد ـ «القدس العربي» ـ مصطفى العبيدي: تجتاح الشارع العراقي، مخاوف من تجدد ظهور تنظيم الدولة «داعش»، على خلفية تصاعد العمليات الإرهابية التي ينفذها، وسط مطالبات بضرورة التحرك لإنهاء أسباب ظهور التنظيم وعودته في بعض مناطق البلاد.
ويبدو أن فترة الهدوء والاستقرار في المناطق المحررة، عقب إعلان حكومة العراق القضاء على تنظيم «الدولة» في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لم تستمر طويلا، حيث تصاعدت أعداد الهجمات الإرهابية وتنوعت في العديد من مناطق العراق وخاصة التي حررتها القوات العراقية.
وفي مؤشر على مدى القلق من عودة التنظيم أشار ممثل المرجعية الشيعية في النجف الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة، إلى ان «المرجعية سبق ونبهت إلى ان المعركة مع داعش لم تنته وان انكسرت شوكتها وذهبت دولتها المزعومة» منبها إلى انه «ليس من الصحيح الانشغال بنتائج الانتخابات وعقد التحالفات، وترك القضاء على الإرهابيين وحماية المواطنين».
سكان المناطق المحررة من «داعش» ونوابهم، أبدوا مخاوف جدية لكون الظروف الحالية تشبه تلك التي كانت سائدة في مناطقهم قبل ظهوره 2014، مثل تذمر المواطنين من إهمال الحكومة لهم وعدم إعمار مدنهم المدمرة وملاحقات أمنية لشبابهم وتفشي الفساد بين المسؤولين الحكوميين وانتشار البطالة، مع مطالباتهم الحكومة والقوى السياسية التحرك قبل فوات الأوان ومنع تكرار المأساة.
وفي ظل الأزمة السياسية المتفاقمة بين القوى السياسية وتبادل الاتهامات بالتزوير في الانتخابات والصراع على تشكيل الحكومة الجديدة، برزت مخاوف بوقوف قوى سياسية وراء تصاعد الإرهاب، ومن ذلك توجيه بعض القوى السياسية أصابع الاتهام، إلى جهات كردية، في تحريك بعض العناصر الإرهابية أو التعاون معها، لخلخلة الوضع الأمني والضغط على حكومة بغداد، للسماح بعودة الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، إلى ما كانت عليه قبل 16 تشرين الأول/نوفمبر الماضي عندما سيطرت القوات الاتحادية عليها وخرجت القوات الكردية منها. فقد اعتبر محافظ كركوك وكالة راكان الجبوري، أن التفجير الانتحاري الذي استهدف مخازن مفوضية الانتخابات في كركوك، تم «بدوافع سياسية وليست إرهابية». كما أكد النائب التركماني السابق حسن توران، ان بعض القوى السياسية تسخر الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية وللتغطية على قيامها بالتزوير في الانتخابات الأخيرة. إضافة إلى إعلان القوات العراقية عن قتل عناصر كردية تقوم بأعمال إرهابية، منهم أحد أبرز قادة الإرهاب والخطف على الطريق بين بغداد وكركوك، وهو الكردي نوزاد هادي عباس الذي يعد واحداً من قيادات المجلس العسكري لتنظيم داعش.
وفي ردود الأفعال على التدهور الأمني، شدد رئيس الوزراء حيدر العبادي، على «أننا سنلاحق الخلايا المتبقية من الإرهاب في جحورها وسنقتلها»، مؤكدا رفض أي تفاوض مع «داعش». ولهذا الهدف زار مقر جهاز مكافحة الإرهاب في بغداد وأوعز إلى قادته «القيام بعمليات نوعية لتعقب الخلايا النائمة لداعش في العراق». كما وجه الطيران العراقي بشن غارات على مواقع التنظيم في سوريا.
ورغم الخلافات بين بغداد وأربيل حول المناطق المتنازع عليها وقضايا أخرى، فقد شكلت القوات العراقية والبيشمركه، بتشجيع من التحالف الدولي، غرفة عمليات مشتركة لمواجهة تصاعد نشاط التنظيم في بعض المناطق. وشنت قوات مشتركة عراقية كردية، وبإسناد من طيران العراق والتحالف الدولي، حملات عسكرية واسعة لملاحقة خلايا لتنظيم «داعش» في مناطق تواجدها، كما أعلنت قوات حرس الحدود العراقية الشروع ببناء سياج أمني وتشييد أبراج مراقبة على طول الحدود مع سوريا لمنع عمليات تسلل الإرهابيين عبر الحدود، إلا ان هذا الإجراء سيتطلب وقتا وامكانيات.
وواصل تنظيم «الدولة» شن هجمات جديدة على بعض القرى النائية ونقاط أمنية ومواطنين أثناء تنقلهم على الطرق الخارجية إضافة إلى زرع عبوات ناسفة في بغداد وبعض المدن وعلى الطرق، وأدت تلك العمليات إلى مقتل أو خطف عدد من المواطنين.
وفي متابعة لأوضاع مجاميع تنظيم «داعش» الذين يقدرون بأكثر من ثلاثة آلاف عنصر، تشير المصادر المطلعة إلى ان أبرز أماكن انتشار التنظيم هي صحراء الأنبار المفتوحة على سوريا، ومنطقة مطيبيجة في سلسلة جبال حمرين الوعرة بين صلاح الدين وكركوك، وصحراء الثرثار وجنوب الموصل وبعض مناطق من ديالى وجنوب كركوك.
ومن المؤكد ان الأزمة السياسية وانشغال القوى بالصراع على السلطة وخاصة بين حكومتي بغداد وأربيل، وإهمال المناطق المحررة وشؤون أهلها وعدم وجود برنامج جدي للعفو والمصالحة الوطنية، واستمرار وجود التنظيم في سوريا المجاورة، تعتبر بيئة مناسبة لعودة «داعش» الذي يعتاش على الأزمات، ما لم تتحرك الحكومة لمواجهة هذا الخطر.
11TAG