لندن ـ «القدس العربي»: يتركز الحديث منذ هجمات باريس وقبلها تفجيرات بيروت وإسقاط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء على البعد الدولي في استراتيجية «تنظيم الدولة» في العراق والشام.
وكان التنظيم واضحا في العدد الأخير من مجلته «دابق» عندما خصص ملفا عن «الصحوة الجهادية» في بنغلاديش وذكر عددا من الأمثلة عن العمليات التي قام بها المتعاطفون معه، منها اختطاف راهب إيطالي يدعى بيرو بارولاري.
ويمثل تمدد التنظيم تهديدا لـ»القاعدة» التي أعلن العام الماضي زعيمها أيمن الظواهري عن إنشاء فرع لها في جنوب آسيا، لكن الخروج الجهادي عالميا وإن غطى على ما يعانيه التنظيم من ضغوط، بفعل الضربات الجوية بعد تكثيف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من هجماته ودخول بريطانيا الحرب في سوريا، إلا انه أثار نقاشا بين مراقبي تطور حركته.
وقال بعضهم إنه سيتمدد فوق طاقته ويواجه مصير «القاعدة» نفسه، حيث أصبحت الفروع أقوى من الحركة الأم بسبب الهجمات المستمرة التي استهدفت قادتها في باكستان وأفغانستان ما أفقدها العقول المدبرة والتمويل والقدرة على السيطرة على فروعها، ولهذا تطور كل فرع بحسب الظروف التي صادفته.
وظهر فرع «القاعدة في شبه الجزيرة العربية – اليمن» كأكبر تهديد للولايات المتحدة بسبب منظره الشيخ أنورالعولقي ومحاولاته إرسال انتحاريين للعمق الأمريكي وتفجير طائرات أمريكية وكلها فشلت. وكذا ظهرت «حركة الشباب الإسلامي» في الصومال التي أعلنت الولاء لـ»القاعدة» وشنت هجمات ناجحة في أوغندا وكينيا وبشكل مماثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي شن مقاتلوه الشهر الماضي هجوما على فندق «راديسون بلو» في العاصمة المالية باماكو.
قيادة الجهاد
ويعتبر التنافس مع القاعدة على قيادة الجهاد العالمي واحدا من العوامل التي تدفع التنظيم للخروج من مناطق سيطرته والتوسع دوليا. ففي العدد نفسه من دابق (رقم 12) تحدثت المجلة عن «حمى الصحوة» الإسلامية في العراق والتي عنت فيها تلك القبائل التي دعمت الأمريكيين للتخلص من تنظيم القاعدة.
ومن ثم اختلف أبو بكر البغدادي مع الظواهري عام 2013 حول أهداف الجهاد، حيث رأى أن القاعدة فقدت طريقها.
وبهذه المثابة أصبح البغدادي الشخص الذي يمثل المسار الذي خطه زعيم القاعدة ومؤسسها أسامة بن لادن. وبخروج «تنظيم الدولة» من إطاره المحلي ـ بناء الخلافة على سوريا والعراق- إلى العالمي تكون أهدافه المرحلية قد توافقت مع تنظيم القاعدة.
وسواء كانت منافسة أم هروبا من الضغط المحلي فأصابع «تنظيم الدولة» واضحة في كل مكان، حقيقة أم إدعاء.
فالهجوم الذي نفذه سيد فاروق وزوجته تاشفين مالك على مصحة للرعاية الصحية في سان برناردينو – كاليفورنيا وقتلا فيه 14 من المرضى أعلن التنظيم أنه وراءه.
كما أعلنت الشرطة الماليزية عن اعتقال خمسة أشخاص يوم السبت للإشتباه في محاولات لضرب المصالح الروسية في تايلاند.
في أفغانستان
والتطور الأهم في تمدده ما كشفته صحيفة «التايمز» ومراسلها انتوني لويد عن أن مؤيدي التنظيم قرب جلال أباد الأفغانية استطاعوا هزيمة حركة طالبان في المنطقة ويسيطرون على محافظات في جنوب أفغانستان حيث اقسموا الولاء لأبو بكر البغدادي.
ويقدر الأمن الأفغاني عدد مقاتليه في أفغانستان بما بين 1.200- 1.600 مقاتل ويديرون أربع مناطق إدارية في محافظة جلال أباد وبالطريقة الوحشية نفسها التي يتبعها التنظيم في إدارة مناطق سوريا والعراق: قطع الرؤوس في الساحات العامة وتطبيق نموذج متشدد عن الشريعة والابتزاز.
وقدم لويد شهادات مزارعين من المنطقة منهم حاجي لال بور (40 عاما) الذي اعتقله التنظيم وابن عمه أحسن الله الذي قتل بسبب عمله في حرس الحدود الأفغاني. وذكر لويد أن فرع التنظيم «ولاية خراسان» يقوم بتوسيع مناطق سيطرته في شرق أفغانستان، وذلك بعد عام من تسليم الجيوش الغربية مسؤولية الأمن إلى القوات الأفغانية.
وهزم الجهاديون التابعون لولاية خراسان طالبان ويديرون حملة تجنيد في 25 من بين 30 منطقة أفغانية.
وقال إن الجهاديين في المنطقة يديرون ثلاثة سجون ويمارسون فيها التعذيب. وذكر حاجي لال بور أنه شاهد الجلادين وهم يعلقون السجناء بالمقلوب ويغمرون رؤوسهم بالماء و»كان من الصعب معرفة إن كانوا أمواتا أم أحياء بعد ذلك». ولا يختلف نمو التنظيم في أفغانستان التي تعيش حربا منذ 39 عاما عن تطوره في سوريا والعراق. فبعد انهيار السلطة الحكومية وخروج البريطانيين وهزيمة طالبان التي انقسمت بين تيارين معتدل يريد السلام وآخر متشدد يرغب بمواصلة المواجهة ملأ التنظيم الفراغ.
إلا أن ظهور الجهاديين في المنطقة فاجأ المراقبين الغربيين، ونقل عن دبلوماسي في كابول قوله إن «وجود داعش في أفغانستان هوعبارة عن تحالف مصلحة بين أفراد طالبان الساخطين وطالبان باكستان ومجموعة من المقاتلين الشيشان والأوزبك» ولهذا فهم في الوقت الحالي «لا يمثلون تهديدا كذلك في الشرق الأوسط، ولكنهم قد يمثلون خطرا بعد 3 أو 5 سنوات».
طلائع أولى
وبدأت طلائع التنظيم بالوصول في الخريف الماضي عندما وصل أفراد من قبيلة أوراك زاي من باكستان إلى محافظة أتشين جنوب مدينة جلال أباد.
وبحسب أسد الله (22 عاما) من محافظة أتشين «في البداية قالوا إنهم يبحثون عن ملجأ آمن من عملية عسكرية باكستانية وطلبوا منا حمايتهم» و»عاشوا معنا وكانوا طيبين وسمعنا شائعات عن وصول الراية السوداء».
ولم تبدأ موجة تدفق المقاتلين إلا بعد خمسة أشهر، ففي ربيع العام الحالي وصلت مجموعة ثانية وكانوا عبارة عن فصيل منشق عن طالبان باكستان.
ويقول أسد الله «بعد وصولهم أخرج الفريق الأول أسلحته وانضم إليهم» و»أعلن بعضهم ولاءه للبغدادي ورفع الراية السوداء وطلبوا منا التجمع في المساجد والبازارات وقالوا لنا إنهم سيحطمون الحدود بين باكستان وأفغانستان وسينشئون ولاية جديدة لـ»تنظيم الدولة» وبدأوا يصدرون الأوامر ويطلبون منا تغيير حياتنا». وحاولت قبيلة «شينواري» الموالية لطالبان التصدي للقادمين الجدد إلا أنها خسرت بعد أسابيع. وبعد هزيمة طالبان أخذ القادمون الجدد يقولون لنا إن «ملا عمر زعيم طالبان مات ولكن أبو بكر البغدادي زعيم داعش لا يزال على قيد الحياة».
وأضاف أسد الله أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند يذكر اسم البغدادي. وبعد تعزيز قوتهم في المنطقة أخذ أتباع التنظيم يفرضون أحكاما متشددة ودمروا المزارات الدينية واعتقال الناس بطريقة عشوائية وبناء على انتمائهم القبلي، خاصة أفراد قبيلة شينواري. كما واستبدلوا الأئمة الذين رفضوا الإنصياع لأوامرهم وجلبوا أئمة جددا من أفغانستان.
ويقول أسد الله أن الجهاديين شجبوا طريقة الناس في الصلاة و»قالوا لنا أننا لسنا مسلمين جيدين» و» طلب منا تغيير طريقة صلاتنا حتى كيفية الجلوس فيها».
ومن التزم من أئمة المساجد بمطالب «تنظيم الدولة» طلب منهم تسجيل أسماء من يداوم على الصلاة. ويعلق لويد قائلا «فجأة أصبح أبو بكر البغدادي موضوعا للحديث مع أن الكثير من الأفغان المحليين لا يعرفون الكثير عنه».
معسكرات
وأكدت صور نشرتها صحيفة «صندي تلغراف» وجود معسكرات تدريب لـ»تنظيم الدولة» في أفغانستان.
وأشارت أن أحد المعسكرات يحمل اسم «الشيخ جلال الدين» أو جلال الدين حقاني مؤسسة شبكة جهادية.
وتكشف الصور التي انتشرت على «تويتر» 40 مقاتلا ملثما وفي زي واحد ويحملون الرشاشات وقاذفات قنابل صاروخية أثناء حفل تخريج. وتزعم «ولاية خراسان» أنها افتتحت 3 معسكرات تدريب منها واحد يحمل اسم «أبو بكر البغدادي».
وتقول الصحيفة إن محاولات التنظيم للتوسع أبعد من إقليم نانغهار قوبل بالمقاومة من مقاتلي حركة طالبان.
ويعكس توجه «تنظيم الدولة» نحو باكستان ورحيل الجهاديين منه إلى أفغانستان مشكلة بناء جذور له في هذا البلد، حسبما يرى مدير مكتب «واشنطن بوست» في إسلام أباد تيم غريغ. ففي مقال له في الصحيفة جاء فيه إن التركيز على تاشفين مالك التي درست الصيدلة في جامعة ملتان الباكستانية ما بين 2007- 2013 وأن أعاد الضوء إلى وجود التنظيم في هذا البلد إلا أن الأدلة المتوفرة قليلة حول انتشاره في باكستان.
ولا يزال المحققون يبحثون عن أدلة حول تعاطفها مع «تنظيم الدولة» إلا أن الباكستانيين سيشعرون بالقلق من هذا التطور.
ليس بعد في باكستان
وفي الوقت الذي أوجد التنظيم لنفسه موطئ قدم في أفغانستان فلا دليل على تجذره في هذه الدولة النووية باكستان.
والسبب هو ما تعرض له السكان من هجمات قام بها متشددون كان آخرها هجوم العام الماضي على مدرسة في بيشاور تابعة للجيش وقتل فيها 157 استاذا وتلميذا.
ويقول المحلل الباكستاني محمد أميررانا إن الهجوم على المدرسة زاد من الدعم الشعبي للجيش وزاد من احترام السكان لجهوده في مناطق القبائل شمال – غرب البلاد الهادفة لتنظيفها من المتشددين. وقال إن «المساحة المتوفرة لخطاب العنف قد تقلصت».
وأضاف «يمكنك القول إنه لا يزال لدينا متطرفون ولكن الدعم الشعبي لأعمال العنف في انخفاض».
ويتذكر البرفسور رفعت حسن الدعم الواسع الشعبي لمدارس طالبان بعد هجمات إيلول/سبتمبر ولكن هذا كان قبل 14 عاما. وعندما يتعلق الأمر بـ»تنظيم الدولة»، «فالإستقبال العام له هو الإشمئزاز». وقال «اكتشف الناس الآن ما جلبه الإرهاب على باكستان». وقتل أكثر من 60.000 باكستاني في عمليات إرهابية أو في معارك مع الجيش. ويضف حسن «هناك جهود واعية من قبل الدولة والناس، خاصة منذ العام الماضي لتقديم وجه حضاري».
مناخ غير مناسب
ومع ذلك يناقش محللون إمكانية نمو التنظيم في باكستان. وفي آخر استطلاع لمركز «بيو» أجري في الربيع ونشرت نتائجه الشهر الماضي أظهر أن هناك إمكانية لانتشاره.
ووجد الإستطلاع أن 9% من الباكستانيين لديهم مواقف جيدة من التنظيم مقابل 28% حملوا مواقف سلبية.
واللافت للنظر أن نسبة 62% امتنعت عن إبداء النظر. وهو ما يثير المخاوف من انتشار تهديد التنظيم في بلد ترتفع فيه نسب الفقر ومطالب تطبيق الشريعة.
ويقول سيف الله محسود، مدير مركز الفتاة للأبحاث «كل العناصر موجودة»، و»لا يمكن بسهولة محو دروس الـ35 عاما الماضية». ويرى قاضي خليل الله، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية «لا مكان أو مناخ مساعد لنمو داعش في باكستان».
وتظل الصورة أكثر تعقيدا، ففي نيسان/أبريل عثر على أدبيات التنظيم في المكان الذي جرح فيه استاذ جامعي أمريكي بكراتشي.
وبعد شهر أعلنت جماعة موالية للتنظيم مسؤوليتها عن قتل 45 شيعيا بهجوم على حافلة وفي كراتشي أيضا. وتسلمت باكستان قبل فترة مواطنين ألقي القبض عليهما قرب الحدود التركية – الإيرانية في طريقهما إلى سوريا.
واكتشفت المخابرات الباكستانية أنهما مرتبطان بمجموعة عدد أعضائها 53 عنصرا. وفي الأشهر الأخيرة اعتقل الأمن في بيشاور 25 شخصا.
وعندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب الدولي فباكستان ليست حاضرة في النقاش. ومن بين 25.000 – 30.000 مقاتل أجنبي بصفوف «تنظيم الدولة» فهناك 500 مقاتل باكستاني فقط. ويرى مايكل كوغيلمان من معهد وودرو ويلسون الدولي للباحثين بواشنطن أن باكستان ليست فيها «فرص كثيرة كي ينمو «تنظيم الدولة» مثلما ازدهر في العراق وسوريا».
وفي بلد ثلثي سكانه في عمر الثلاثين أو أدنى فهناك فرص لأن يجد التنظيم أرضية خصبة. ويعتقد مشرف زايدي، المعلق الصحافي والمستشار الحكومي السابق أن هناك الكثير من الشباب يشعرون بالإهمال «وقد حققنا قفزات منذ عام ونصف، ولكن علينا الآن التأكد من أن التحدي ليس تنظيف مناطق القبائل بل مواجهة الشرور المغروسة في أعماق المجتمع والسلوكيات الاجتماعية».
فشل في الصومال
ولم ينجح التنظيم في بناء قواعد له في الصومال رغم محاولته جذب المقاتلين من حركة الشباب الإسلامي إلا أن قادة الحركة رفضوا التخلي عن ولائهم للقاعدة. وهدد المتحدث باسم الحركة أبو عبدالله قائلا «لو قال أحدهم إنه ينتمي لحركة إسلامية أخرى فاقتلوه». ورأت مجلة «نيوزويك» الأسبوع الماضي أن التهديد موجه للأفراد الذين بدأوا يغازلون «تنظيم الدولة».
وهو تعبير عن رغبة الجهاديين في الصومال في رؤية فعل على غرار ما يحدث في العراق وسوريا، وهو ما دفع جماعة «بوكو حرام» لتغيير اسمها إلى ولاية غرب أفريقيا. إلا أن حركة الشباب حافظت على ولائها لأيمن الظواهري منذ عام 2012 ورفض زعيمها أبو عبيدة المعروف بديري التخلي عن القاعدة، رغم انشقاق قيادات مثل عبد القادر مؤمن، الشخصية البارزة في التنظيم في منطقة بونتلاند الصومالية، مع 20 من أتباعه في تشرين الأول/أكتوبر. وردت الحركة بملاحقة المتعاطفين مع «تنظيم الدولة». ففي منطقة جوبا الوسطى تعرض أحد مسؤولي الشباب البارزين للملاحقة، وقتله أفراد التنظيم في كمين بسبب تعبيره عن مواقف متعاطفة مع «تنظيم الدولة».
ويقوم الذراع الأمني»أمنيات» بقمع المتعاطفين. ومع ذلك فلا تزال أعداد المنشقين قليلة، لكنها أول إشارة عن وصول تأثير «تنظيم الدولة» إلى شرق أفريقيا، وهو ما يمنحه موطئ قدم هناك.
وعلى العموم فستخسر حركة الشباب الكثير حالة قررت منح الولاء للبغدادي. فالصلات قوية، خاصة أن زعيم الحركة السابق أحمد عبدي محمد (غوداني) قاتل في أفغانستان وكان على علاقة مع أسامة بن لادن. وسيكون انضمام الحركة لـ»تنظيم الدولة» مجازفة غير محسوبة العواقب لأنه تخلي عن كل شيء مقابل لا شيء.
ليبيا ساحة المواجهة
وتظل الساحة الليبية هي الساحة التي نجح فيها التنظيم وبنى فيها حضورا واسعا خاصة في سرت معقل الرئيس السابق معمر القذافي.
وحذر يوم الثلاثاء تقرير للأمم المتحدة من أن ليبيا تظهر كمعقل قوي للتنظيم. ويرى مسؤولون أمنيون أمريكيون أن الفرع الليبي جذر نفسه في وسط الفوضى والحرب التي تشهدها ليبيا بعد ثورة عام 2011. وتقول تقارير إن عددا من مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق انتقلوا إلى ليبيا لتعزيز الفرع ولتحويله قاعدة دعم، حالة انهزم التنظيم في العراق وسوريا. وقدر تقرير الأمم المتحدة عدد الليبيين الذين انضموا للتنظيم في سوريا والعراق بحوالي 3.500 مقاتل عاد منهم 800 وانضموا للفرع المحلي.
ويرى حسن حسن الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في مقال نشرته «أوبزيرفر» أن المقاتلين الليبيين المنضوين تحت «كتيبة البتار» أنجزوا مكاسب للتنظيم، فهم الذين قمعوا تمردا قبليا العام الماضي في دير الزور وسيطروا على مناطق في مدينة كركوك العراقية.
ويمثل الليبيون غالبية المقاتلين فيها إلا أن مقاتلين أجانب في صفوفها، خاصة من بلجيكا وفرنسا وتونس. ولعبت «كتيبة البتار» دور قوة للعمليات الخاصة (كوماندو) إلى جانب الكتيبة الشيشانية والأوزبكية. ولا توجد لدى التنظيم قوات نخبة مثل القوى الليبية باستثناء جيش الخلافة وجيش البادية. ولهذا السبب فمغادرة الكتيبة الليبية يثير الكثير من التساؤلات.
وهو ما دفع عددا من المحللين الغربيين للحديث عن قاعدة مساندة يبحث عنها التنظيم في ليبيا.
ويعتقد الكاتب أن عودة المقاتلين الليبيين لا تعني ضعفا بل يعبر عن حالة استقرار وبحث عن قواعد بديلة. فقد زعم منشق عنه لموقع «دايلي بيست» أن التنظيم بدأ بتفكيك الوحدات القتالية التي أنشأها بناء على أساس عرقي، وذلك بسبب تخفيض وجوده في البلدات الواقعة تحت سيطرته أو مغادرتها بالكامل.
ويقول حسن إن التنظيم لا يواجه ضغوطا على الأرض رغم الهجمات الجوية المستمرة، فالمواجهات مع القوات العراقية قليلة بسبب الأزمة التي تعيشها حكومة حيدر العبادي. ولم تكن خسارته سنجار الشهر الماضي إلا المرحلة الأخيرة من خسائرة في شمال العراق. ولهذا يستنتج الكاتب أن التنظيم يركز على توسيع وجوده خارج سوريا والعراق وبناء شبكة دولية وعملياته الأخيرة هي إشارات عن استثماره لنجاحاته في سوريا والعراق وتوسيع مجال تأثيره في الخارج. وهذا لا يعتبر دليل ضعف في كل الأحوال.
في انتظار الغارات
ولم يغب توسع التنظيم في ليبيا عن نظر المسؤولين الأوروبيين الذين يراقبون تقدمه نحو مدينة أجدابيا ولهذا يعدون الخطط كي يتدخل طيران الناتو. ولاحظ الليبيون طائرات تجسس أمريكية «لوكهيد بي-3 أوريونز» تحلق فوق سرت واعتبروها إشارة عن ما هو آت. وفي الأسبوع الماضي أرسلت فرنسا أول طائرة استطلاع فوق سرت التي تحولت غرفة المؤتمرات الضخمة فيها «واغادوغو» إلى ساحة ترتفع عليها أعلام التنظيم السوداء وجلب الجهاديون إليها نفس نموذج الرقة السوري.
ويحكي الهاربون منها أساليب مشابهة للتعذيب والقتل وصلب أبناء بلدتهم على أعمدة الكهرباء، فيما منع الحلاقون من حلق اللحى وأجبرت النساء على لبس الحجاب الكامل. ونقل عن أحد سكان البلدة قوله «يعيش الناس على أمل الخروج منها».
وتم تحضير قاعدة سرت العسكرية للعمليات الانتحارية. ويشير كاتب التقرير كريس ستيفن إلى أن سرت منحت التنظيم فرصة جيدة، ففيها مطار ضخم وميناء ونفط.
ومع أن الفرع الليبي واجه نكسات عندما هاجمه «فجر ليبيا» مع مقاتلين موالين للقاعدة في حزيران/يونيو وأخرجوه من محيط البلدة ليعود من جديد بعد شهرين.
وأثار وجود التنظيم في ليبيا مخاوف الدول الجارة، خاصة تونس التي شهدت منذ الصيف عمليات انتحارية تلقى المنفذون تدريباتهم في ليبيا. وحذرت فردريكا مورغيني مسؤولة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي من الوضع في ليبيا قائلة إنه «مزيج تام جاهز للانفجار وستنفجر على أبواب أوروبا».
وقال ولفانغ بوستنزاي، الملحق العسكري النمساوي السابق في ليبيا للبرلمان البريطاني «كلما تعرض تنظيم الدولة للضغط في الشرق الأوسط كلما زاد نشاطه في ليبيا».
ويقول الكاتب إن هجمات طائرات من دون طيار على درنة وأجدابيا هذا الصيف فشلت في وقف تقدم التنظيم.
وفي حالة سيطر الأخير على أجدابيا فستكون كارثة يتوقف فيها النفط والغاز. ويقول التقرير إن القيادة المركزية الأمريكية في أفريقيا، ومقرها شتوتغارت الألمانية، قاموا بزيارات للمنطقة، وفي حالة تم التوصل لقرار سياسي فقواتهم جاهزة للانتشار حول حدود ليبيا، بالإضافة لقوات فرنسية في منطقة الصحراء الأفريقية وقوات بريطانية في قبرص. ويعتقد ستيفن أن الخيار الجوي وإن كان مهما إلا أنه لن ينجح، كما هو الحال في سوريا إلا في حالة وجود قوات برية.
إبراهيم درويش