■ في هذا اليوم، الأول من شهر كانون الثاني/يناير من عام 2020 انتقل إلى رحمة الله تعالى قطاع غزة بكامله، نتيجة أزمة قلبية حادة ونقص في الأوكسجين، حيث تعرض المرحوم لموت بطيء وخنق مبرمج وحرب إبادة طويلة الأمد وحصار محكم من البر والبحر والجو، اشترك في تنفيذه الجيران وبتواطؤ عربي ودولي.
توفي القطاع بعد معاناة طويلة من الفقر الغذائي ونقص الأدوية وانعدام الماء النظيف بعد تلوث المياه الجوفية والهواء وانهيار البنى التحتية وانتشار الأمراض المزمنة وتعطيل الدراسة وتدمير الطرق البرية ومنع الصيد في الشاطئ الصغير وانتشار الإصابات وزيادة عدد المعاقين وانهيار شبكة الصرف الصحي وتوقف مولدات الكهرباء. توفي القطاع بدون أن يذرف أحد عليه دمعة أو يدبج فيه قصيدة رثاء أو ينشر نعيا في صحفية أو حتى يصلي عليه صلاة الجنازة. وقد انتشرت في هذا اليوم إشاعات كثيرة تتحدث عن قيام بعض المسؤولين المحليين والعرب والإسرائيليين باستقبال المهنئين وتوزيع الحلوى وقراءة بعض المزامير الاحتفالية. وقد صدرت بيانات من المقاطعة في رام الله وقصر القبة في القاهرة تنفي مثل هذه الإشاعات المغرضة.
هذا الكلام ليس نسجا من خيال، ولا قراءة في الغيب ولا مقدمة لقصة درامية، بل هو الحقيقة الساطعة كلها بدون مواربة أو مبالغة، حسب تقرير أعده فريق دولي تابع لمنظمات الأمم المتحدة المقيمة في فلسطين المحتلة عام 2012، الذي يقدر العمر الزمني للقطاع بثماني سنوات، إذا ما استمرت الأمور في القطاع بالوتيرة نفسها وبدون معالجة جذرية شاملة ومستدامة للعديد من القطاعات الحيوية.
وللتذكير فقط فقد أعد هذا التقرير قبيل عملية عامود السحاب (نوفمبر 2012) وقبل عملية الجرف الصامد التي استمرت 50 يوما (صيف 2014) فما بالك بعد هاتين الحربين، وما شهده القطاع من تدمير للأنفاق وإغلاق متواصل لمعبر رفح من قبل النظام المصري الجديد.
تقرير غزة 2020
والتحذير من انهيار القطاع
يقول مقدم التقرير ماكسويل غيلارد، منسق الشؤون الإنسانية في فلسطين المحتلة، نيابة عن شركائه في إعداد التقرير من منظمات اليونسيف والأونروا ومنظمة الصحة العالمية، إن قطاع غزة، بدون إيجاد حلول جذرية وإدخال إصلاحات شاملة على قطاعات أساسية مثل، الماء والكهرباء والتعليم والصحة، فإن الحياة ستتدهور بشكل سريع بحلول عام 2020 وذلك للأسباب التالية:
– سيصل عدد السكان إلى 2.13 مليون بزيادة نصف مليون تقريبا، إضافة إلى القطاع المكتظ سلفا ليرتفع معدل عدد السكان في الكيلومتر المربع من 5.045 الحالي إلى 5.832؛
– يجب توفير ضعف كمية التيارات الكهربائية ورفعها من 242 ميغاواط إلى 550 ميغاواط مع حلول عام 2020 ؛
– العطب الذي لحق بالمياه الجوفية سيكون غير قابل للإصلاح بحلول 2020. كما أن الحاجة للمياه سترتفع من معدلها الحالي بنسبة 60٪ لتصل إلى 260 مليون متر مكعب؛
– يحتاج القطاع إلى 250 مدرسة الآن وإضافة 190 مدرسة أخرى بحلول عام 2020 ؛
– يحتاج القطاع إلى 1000 طبيب و2000 ممرضة و800 سرير مرضى؛
– نسبة البطالة عام 2011 كانت 29٪ ومن المتوقع أن تصل إلى 47٪ إذا ما استمر أداء الاقتصاد المحلي بالوتيرة نفسها؛
– الاقتصاد المحلي قائم أساسا على المساعدات الخارجية واقتصاد الأنفاق وهذه المصادر غير مستدامة.
النتيجة التي يخلص إليها التقرير: «كي نضمن أن يبقى قطاع غزة مكانا قابلا للحياة فيه مع حلول 2020 لا بد من بذل جهود «خارقة» ومتواصلة من قبل الفلسطينيين وشركائهم في قطاعات الطاقة والتعليم والصحة والمياه والصرف الصحي. وهذه الجهود يجب الإسراع بها وتكثيفها رغم كل المعيقات».
يقول روبرت تيرنر، أحد معدي التقرير ممثلا للأونروا، بتاريخ 12 أكتوبر 2012: «يتهم النظام الدولي عادة بعدم إرسال تحذيرات مبكرة لتوفير حلول مسبقة لكوارث قادمة، ولكننا في حالة غزة، وبناء على المعلومات الموثقة التي استقيناها من منظمات الأمم المتحدة المتخصصة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي فإن التقرير يشير إلى أين ستكون غزة بعد ثماني سنوات. هذا تحذير مبكر». ويضيف تيرنر «إن الوصفة التي نقدمها أمام كارثة ظاهرة للعيان ويمكن تفاديها سلفا، هي في منتهى البساطة: لقد أدانت الأمم المتحدة مرات كثيرة إطلاق الصواريخ من القطاع، ولكننا سنستمر في المطالبة برفع الحصار الذي يكلف العالم ملايين الدولارات سنويا. وإذا استمر الاقتصاد المحلي في عدم خلق فرص عمل، واستمر منع الناس من الخروج والهجرة، فالنتائج ستكون سلبية: توتر اجتماعي، عنف، تطرف كنوع من وسائل الهروب من غياب الأمل. هذا هو السيناريو المحتمل في غزة إلا إذا تغيرت الأوضاع السياسية والاقتصادية بشكل جذري».
غزة بعد مجزرة الجرف الصامد 2014
هذا هو الوضع حقيقة مع بداية عام 2012. فكيف هو الوضع بعد صيف 2014 بعد خمسين يوما من التدمير الشامل الذي طال كافة المؤسسات والبنى التحتية، عدا عن الخسائر البشرية؟ الجواب في بيان يثير الغثاء والخوف معا أعدته 30 منظمة أممية من داخل منظومة الأمم المتحدة وخارجها في شهر شباط/فبراير 2015 يقول: «نحن كوكالات للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية عاملة في قطاع غزة قلقون للتقدم المحدود في إعادة بناء معيشة أولئك الذين تضرروا، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع. إن الاقتصاد والعملية السياسية مصابان بالشلل». ويضيف البيان أن استمرار الحصار والبطء في الإصلاح وإعادة بناء عشرات الآلاف من البيوت والمستشفيات والمدارس التي لحقت بها أضرار أو دمرت بالكامل، أدت إلى ارتفاع مستويات اليأس والإحباط بين سكان غزة، الذين يشكل اللاجئون الفلسطينيون أكثر من ثلثيهم. ويؤكد البيان أن استئناف القتال يشكل مخرجا إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للصراع. ويضيف «إن الظروف المعيشية في غزة كانت صعبة قبل الجولة الأخيرة من القتال، إلا أن الوضع تدهور إلى حد كبير منذ تموز/يوليو، حيث ما زال نحو 100.000 فلسطيني مشردين يعيشون في المدارس والأماكن العامة، كما يستمر إنقطاع الكهرباء 18 ساعة في اليوم».
ويشير البيان إلى أن فئات السكان الأكثر هشاشة كالأطفال وكبار السن والمعاقين والنساء هم من يتحملون وطأة الأوضاع الحالية بشكل أكبر، حيث يفتقر الأطفال إلى ظروف تعليمية جيدة ويحتاج أكثر من 400.000 طفل إلى دعم نفسي عاجل. لقد تم تعليق برنامج تقديم مساعدات مالية للعائلات المتضررة بسبب نقص التمويل، حيث لم يصل إلى غزة من مبلغ 5.4 مليار دولا تعهد بها المانحون في مؤتمر القاهرة بتاريخ 12 أكتوبر إلا النزر اليسير، كما أن كثيرا من المساعدات العينية الأخرى قد تم تعليقها بسبب نقص التمويل. وحملت الوكالات والمنظمات الدولية إسرائيل المسؤولية الرئيسية، كونها قوة احتلال، وطالبتها برفع الحصار بشكل كامل، كما حدد ذلك القرار 1860 (2009). كما طالب البيان مصر بإبقاء معبر رفح مفتوحا، خاصة للحالات الإنسانية الملحة.
ومن بين المنظمات التي وقعت البيان منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة والأونروا ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومنظمة أطباء العالم وأوكسفام وغيرها الكثير. وينتهي التقرير بصرخة ضمير تقول»يجب ألا نفشل في غزة. يجب أن نحقق الرؤية التي تتطلع لجعل غزة مكانا يمكن العيش فيه وحجر أساس للسلام والأمن للجميع».
غزة غاضبة ويائسة
لقد بدأت المؤامرة المحبوكة بعناية ضد غزة لتركيعها وإيصالها إلى درجة اليأس، أو الجنون أو الموت تأتي ثمارها. فقد كتبت جريدة «النيويورك تايمز» بتاريخ 17 فبراير أن اليأس بدأ يدفع الغزيين للتسلل عبر السياج الأمني إلى إسرائيل، كي تعتقلهم لعل السجون الإسرائيلية أرحم من السجن الكبير التي تعيشه غزة. كما أن 300 من أبناء غزة اليائسين مع فقراء سوريين فروا من جحيم الوطن قد قضوا في البحر المتوسط في شهر سبتمبر/أيلول 2014 عندما غرق المركب المتهالك قرب الشواطئ الإيطالية.
اليأس والغضب هذا ما صرح به نيكولاي ملادينوف، يوم الثلاثاء الماضي، في تقريره الأول لمجلس الأمن بعد تعيينه منسقا لعملية السلام في الأراضي الفلسطينية، ومبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لدى السلطة الفلسطينية، حيث قال في الجلسة المفتوحة إنه أصيب بصدمة لدى زيارته الأولى لغزة، خاصة للدمار الهائل الذي شاهده في حي الشجاعية: «إن غزة يائسة. وإن غزة غاضبة. غاضبة على الحصار وغاضبة على إغلاق معبر رفح وغاضبة على حماس، خاصة قرارها فرض ضريبة «التضامن» مؤخرا، وغاضبة على الدول المانحة لعدم التزامها بما وعدت به من أجل إعادة البناء. إن غزة غاضبة على الجميع».
استعجال موت غزة
يبدو أن هناك من المسؤولين العرب والفلسطينيين غير سعداء على موت غزة البطيء، الذي يقترب منها، يطوقها، يخنقها، يسعى لتركيعها حتى ترفع راية الاستسلام، مثلها مثل بقية أفراد القافلة ليحتفلوا معا بانتصار الهزيمة. يريدون لها موتا معجلا لا مؤجلا فالتمسوا من دول التحالف الجديد الذي شكل بين ليلة وضحاها وأرسل طائراته ليدك فقراء اليمن تحت ما سمي «عاصفة الحزم». تمنوا عليهم أثناء قمة شرم الشيخ بأن يكرروا «عاصفة الحزم» ضد قطاع غزة.
يبدو أن هناك من لا يريد أن ينتظر موت القطاع المقرر عام 2020 فخمس سنوات تعتبر مدة طويلة، فقد لا يعيش أحدهم لذلك اليوم الذي يموت فيه القطاع، أو قد يصابون بالخرف أو داء النسيان وتفوتهم فرصة التشفي بموت قطاع غزة واقفا.
٭ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك
د. عبد الحميد صيام
قريبا سترجع الشرعية للشقيقة الكبرى مصر
وسيتبارى العرب في تطوير القطاع
وستفتح المعابر بلا أي اغلاق
وما ذلك على الله بعسير
ولا حول ولا قوة الا بالله
نتفق معك تماما يا دكتور فيما أوردت في مقولتك. لكن بالنظر الى عهر الاعلام المصري, و فاشية الشركة الحاكمة فان مأساة غزة أصبحت قدرا مكتوبا! إذا ما أضفنا لذلك أن أطرافا فلسطينية ترقص على ذات النغم من الهلوسات , إما بسبب مصالح خاصة أو لأنها تصر على حل القضية الفلسطينية وفق رؤيتها السياسية حتى و إن ثبت عجزها وفشلها! هذه الفئة تفضل ان يضيع ما تبقى من فلسطين و أن يتبخر أهلها على أن تقر بفشلها و تعود للشعب من أجل صياغة استراتيجية جديدة. بالمناسبة هذه الفئة موزعة على أغلب التنظيمات الفلسطينية. أصلا بقاء غزة حية الى هذا اليوم يعد طفرة.
الصديق المحترم: هناك فيروس غباء و جهل و حقد و كراهية و طائفية حط في منطقة الشرق الأوسط و لن يتركها إلا قاعا صفصافا فاذا أردت الحقيقة فان الشرق على حافة الفناء و ليس غزة وحدها.
ارتباط غزة و فلسطين بالامة العربية بهذا الشكل الحميم الذي لا انفصام منه هو نعمة و نقمة. فهو نعمة لان في الشعوب العربية و المسلمة مددا و دعما وقوة و الا استطاعت الالة الصهيونية الهائلة الانفراد بالشعب الفلسطيني الصغير و الاثخان فيه اعمق ممما فعلت. و هو نقمة لان الامة العربية و الى حد كبير الامة الاسلامية رازخة تحت انظمة استبدادية طاغية معوقة للتقدم و المنعة و الاحترام. و احسنها كالدب الذي قتل صاحبه. تدخل هذه الانظمة في فلسطين تسبب الى حد كبير في نكبة 48 حيث كان عملت الجيوش العربية على اضعاف المقاومة الفلسطينية آنذاك بحجة عدم التشويش عليها. ثم نكسة 67 ثم استسلام مصر في كامب ديفيد 79 ثم محاصرة و اضعاف المقاومة الفلسطينية اقتصاديا و عسكريا حتى القوهم (فتح) في مدريد ثم اوسلو. و لما نبت رأس جديد للمقاومة (حماس) امعنوا في حصاره و تكسيره بل تجويع و تعذيب الشعب نفسه لعله يكفر بالمقاومة.
ومن نكذ الدنيا على المجاهد ان يرى ان اخاه اعدى عليه من عدوهما