بيروت ـ «القدس العربي»: سنة 2008 أنشأ النائب غسان مخيبر الجمعية اللبنانية لنشر الموسيقى الأوركسترالية «لوبام». مرحلة شكلت قمة الانقسام في حياة اللبنانيين على الصعيد الوطني والسياسي. لا شك أنه سمع من يقول له حينها «هلق وقتا»؟ إنما آخرون آمنوا بمشروعه ومدوا يد العون. كبرت «لوبام» وانتشرت مراكزها في أكثر من منطقة بعد انطلاقها من بيت مري في المتن. «لوبام جاز» أول مولود لتلك الجمعية التي تُعلم الموسيقى مجاناً. قبل أيام أحيت حفلاً ناجحاً في دار النمر للثقافة والفنون لقي الإقبال والترحيب من جمهور أغلبه في عمر الشباب.
أن يكون حفل «لوبام جاز» حاشداً أمر مشجع ومفاجئ في آن. مارينا واكيم مخيبر عضو الهيئة الإدارية ومسؤولة العلاقات العامة في «لوبام» تقرأ في عنصر المفاجأة وتقول: سنة هو عمر «لوبام جاز» تتكون من 40 طالباً. المتقدمون في «لوبام جاز» أحيوا حفل دار النمر، والآخرون من متوسطي الحرفية في عزف الجاز. جميعهم منتسبون لبرنامج «لوبام» إنما الجاز هو برنامج مضاف لمن يرغب. المنضمون إلى «لوبام جاز» يتدربون لساعات اضافية كوننا مع برنامج مختلف عن سياق التدريب الخاص بالفرقة الأوركسترالية التي تعنى بالموسيقى الكلاسيكية واللبنانية وسواها كما الجاز.
عن نواة «لوبام جاز» تقول مخيبر: كريس مايكل مسؤول عن فرق الجاز، وهو من أشرف على حفل دار النمر. مواطن لبناني وأمريكي الهوية، يُدرّس في «لوبام» العزف على الآلات الإيقاعية، إنما الجاز اختصاصه الأساسي. كانت له رغبة في تأسيس «لوبام جاز». وبعد دراسة من قبل المسؤولين أعطي الموافقة للبدء بخطواته الأولى بعد توفر كافة الامكانيات. كانت الانطلاقة مع خمسة طلاب ومن ثمّ بدأ العدد يرتفع بعد انضمام مجموعة من تلامذتنا للبرنامج الجديد.
تصف مارينا مخيبر صلتنا كعرب بموسيقى الجاز من خلال الحفلات التي تحييها «لوبام جاز» خاصة في دار النمر «أنها موسيقى فرح وترقب لما سيأتي». وتضيف: كان الحفل مفرحاً لنجاحه وللاقبال الذي تميز به. فدار النمر استقبل «لوبام جاز» لأن سياسته الثقافية تدعم الفرق الموسيقية الجديدة. نجاح أننا معاً تولينا الدعوة لحضوره والدعاية له، مع التأكيد على أهمية جمهور دار النمر. اللقاء مع المؤسسين والعاملين في دار النمر هو الأول بالنسبة لنا، ولم نكن نعرف ما ينتظرنا في الحفل. كان الجمهور كبيراً ومنسجماً، وتهمني الإشارة أن «لوبام جاز» تعطي الحرفية ذاتها وكذلك الاحساس حتى لو تألف الحضور من شخص واحد، المهم هو الاستمتاع بالموسيقى. وفي حفل دار النمر كان الاستمتاع كبيراً خاصة خلال عزف الموسيقى البرازيلية، ومعزوفات أخرى يستسيغها الشباب ومعروفة من قبلهم.
بوصول النائب غسان مخيبر دون موعد معه يشارك في الحوار قائلاً: لا يشكل الجاز سوى جانب من أنواع الموسيقى التي تعزفها الفرقة الأوركسترالية. البرنامج الخاص بالجاز في «لوبام» يتطور ويتقدم، وستفاجئين قريباً بإحدى طالباتنا تعرف الجاز على آلة الناي. الجاز في النمط الغربي ربما هو الأقرب للموسيقى العربية والشرقية القائمة على جمل موسيقية، فيما يتناوب الموسيقيون على الارتجال بناء على خط متفق عليه. أهمية الجاز وصعوبة تعلمه تكمن في حرية العزف فلا نوطة أمام العازف، عكس الموسيقيين الكلاسيكيين الذين يعزفون معاً جملة موسيقية موحدة، ومن ثمّ يتناوبون في إبداع موسيقى خاصة بكل منهم، حيث تظهر مهاراتهم على آلاتهم.
بوصفه للطلاب العشرين المصنفين متقدمين في فرقة «لوبام جاز» ومدى قدراتهم على الإبداع والارتجال يقول النائب مخيبر: إنها التربية الموسيقية الخاصة بالجاز تفعل فعلها. يقوم العزف الكلاسيكي على قراءة نص مكتوب لا يمكن الخروج عنه، فيما يقوم الجاز على ثقافة الخروج على النص. هذا ما يتدرب عليه طلاب «لوبام جاز» والهدف الوصول إلى التقاسيم، كما نقول في الموسيقى الشرقية. التقاسيم في الجاز هي ارتجال العازف على آلته ومن خلال أنماط متفق عليها، وتكون خاضعة لإلهام اللحظة.
تصف مارينا مخيبر العام الأول من عمر «لوبام جاز» بالحيوي. وتقول: بما أننا نقدم الحفلات مجاناً فنحن نلبي الدعوات التي نتلقاها. في العام 2016 أحيينا عشرين حفلا، منها المشاركة في عيد الموسيقى. وختام العام كان عيد الميلاد حيث عزفنا في أربعة مستشفيات. كان عزف لمرضى الأمراض المزمنة والمستعصية الذين لا يتمكنون من ترك أسرتهم حتى بمناسبة الأعياد. رافقتنا إلى المستشفيات فرقة جاز صغيرة اتاحت لبعض الطلاب العزف مع الجمهور. الهيئة الإدارية تحرص لأن يعرف الطلاب قيمة ما يتلقونه مجاناً عندما يقدمون الفرح لآخرين، ومجاناً أيضاً. نحن نكتفي بوضع صندوق للتبرعات خلال حفلاتنا ولمن يرغب. لم تكن لدينا مطلقاً بطاقات للحضور.
تنظر مخيبر إلى السنة الأولى من عمر فرقة «لوبام جاز» على أنها الدخول في الاحتراف نظراً لعدد الحفلات التي احيتها. تقول: لا شك نحن نواة، ونهدف لعدد أكبر من العازفين، ولمزيد من الحفلات، وهو حلم طبيعي. سنة 2008 بدأت «لوبام» كفرقة أوركسترالية مع 40 تلميذا، والآن 450. أما السؤال إلى أين تصل الحدود المستقبلية للوليد الأول فرقة «لوبام جاز» فهذا لا نعرفه بعد.
في آلية عمل «لوبام» كما تبلغنا مارينا مخيبر: نقل الراغبين بتعلم الموسيقى من منازلهم إلى مكان التدريب وإعادتهم، وكذلك تقديم الآلات الموسيقية مجاناً. عملنا هذا يستند إلى تبرعات مالية، أو تبرعات بالآلات. وهذه المساعدات نتلقاها من المراكز الثقافية في السفارات، ومن الشركات أو من أفراد يهتمون بالثقافة. انطلق العمل أولاً في فرع بيت مري. الفروع زادت وهي بعقلين، بيت مري، بسكنتا وطرابلس. نحن نعلّم جيلاً من الشباب والشابات ومن خلال الموسيقى قيما إنسانية منها التعاون، احترام الاختلاف، فهم من أديان ومناطق وأعمار. كذلك يستضيف المخيم الصيفي شبابا من الأردن ومن بلدان عربية أخرى. وفي هذا المخيم الذي يستمر لثمانية أيام دروس يقدمها اساتذة في الموسيقى من الولايات المتحدة وأوروبا.
ويرى النائب مخيبر في تأسيس «لوبام» حلما جميلا تحقق. وهو يكبر سنة بعد أخرى وعلى مراحل. ويقول: لوبام كما المنحوتة التي تُحفر في الصخر. لم يكن التوسع مفاجئاً، بل انبهاراً بمدى قدرة الشباب اللبناني على إنتاج موسيقى راقية وجميلة. وكذلك اعجاب باهتمام الكثير من اللبنانيين بهذا المشروع، واهتمام المعنيين بالموسيقى في المنطقة العربية. استقبلت «لوبام» اساتذة وتلاميذ من فلسطين قدموا من غزّة، رام الله وكذلك من الأردن. هناك اهتمام وتعطش لمشاريع مماثلة في الدول العربية. تعددت الفروع، والطموح تأسيس أخرى في الجنوب، البقاع، بيروت وغيرها. والهدف التالي بعد الانتشار الأوسع اقرار التعليم الإلزامي للموسيقى في المدارس. مع العلم أننا في «لوبام» نقدم التعليم المجاني ونستقطب الأكثر حاجة. نقوم بعملنا إلى حين تصبح الموسيقى الزامية في كافة المدارس، فنحن نعمل وفق برنامج أوركسترالي ولسنا فقط برنامجاً لتعليم الموسيقى. نحن حيال مشروع مجتمعي، إنمائي وثقافي. تطوير الموسيقى هو قيمة مواطنة مضافة تؤكد على احترام الاختلاف والتعاون.
النائب مخيبر الشغوف بالموسيقى والحاضر أغلب الحفلات ليس في وارد تطوير عزفه. يقول: لسوء الحظ الوقت لا يسمح. جميعه للنشاط السياسي. في شبابي عزفت الغيتار، ودرست آلة «أوبوا» في المعهد الموسيقي الوطني لسنتين. وهي آلة أوروبية كلاسيكية نفخية. من دوافعي لتأسيس «لوبام» هي آلة «أوبوا» التي نامت في الأدراج وبقيت تلح عليّ كي يأتي من يعزفها. وفي «لوبام» تلامذة كثر أحبوها. أنا فرح جداً لأني تمكنت من منح آخرين امكانية لم تتوفر لي.
مارينا واكيم بدأت عازفة في «لوبام». وتطور حضورها إلى التنظيم ومن ثم الارتباط بالحلال مع النائب مخيبر. تقول: وهكذا جمعتني الموسيقى بعلاقة اعجاب ثم حب ثم زواج مع النائب غسان مخيبر. «لوبام» وجه خير على حياتك، نقول لمارينا؟ يسارع النائب مخيبر للتأكيد قبلها: وعليّ كذلك. تقول مارينا: الزواج أدى لتراجعي عن العزف. زادت مسؤولياتي العائلية وفي لوبام كذلك. لكني موسيقية حتى وإن كان للإدارة والعلاقات العامة أن تستحوذ على الجزء الأكبر من وقتي. أنا وغسان نغني أحدنا للآخر في كل لحظة متاحة. لكني لا أعزف في البيت. آلتي كبيرة تشبه البوق، صوتها مرتفع جداً لا يمكن للجيران تحمله.
«لوبام» تهتم بتعليم الموسيقى على آلات النفخ والإيقاع فقط. تؤكد مارينا مخيبر قدرة النساء على هذه الآلات كما الرجال تماماً. المهم هو اكتمال الرئتين وتعلم التقنية في النفس. أما جديد اوركسترا لوبام الأعداد لسي دي موسيقى لبنانية وعالمية.