قال عرب قال!

العرب والعروبة كذبة كبيرة، لكن للأسف ما زال البعض يصدقها منذ عقود. صحيح أن القومجيين صدعوا رؤوسنا بمفهوم العرب والعروبة منذ منتصف القرن الماضي، إلا أن مفهوم العروبة كان مجرد مطية سياسية حقيرة لتحقيق أهداف سلطوية قذرة لا أكثر ولا أقل. فالأنظمة التي رفعت شعار العروبة كانت تحكم بلدانها طائفياً وقبلياً، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن. فالنظام السوري مثلاً له علاقة بالقومية العربية كما لي علاقة بكوكب عطارد، فهو نظام لم يرتق يوماً إلى مرتبة الوطنية الضيقة، فما بالك أن يكون قومياً. لقد حكم النظام السوري بشعار عروبي قومي، بينما كان في الواقع مجرد نظام ما قبل الدولة، لا بل إنه لم يكن حتى نظاماً طائفياً كما يتهمه البعض، فقد كان مجردعصابة تجمع بين الطائفية والنفعية والبلطجية، بينما كان مثيلاه في اليمن وليبيا نظامين يحكمان بتوازنات قبلية قروسطية لا تمت لمفهوم الدولة بصلة. وينطبق الأمر على النظام العراقي بدرجات معينة. باختصار شديد، فإن العروبة كانت مجرد مصطلح سياسي هلامي فضفاض لا وجود له عملياً إلا في أشعار سليمان العيسى وأمثاله.
ومن المفارقات الفاقعة جداً أن النظام السوري الذي يتغنى بالعروبة ليل نهار ربط مصيره، وعقد معاهدات دفاع مشترك مع إيران الفارسية عدوة العرب التاريخية قومياً. وربما كان النظام السوري واقعياً في تحالفه مع إيران بعد أن وجد أن لا مشروع عربياً في الأفق يمكن الركون إليه أو التحالف معه، فتحالف مع إيران التي كانت، على عكس العرب، تعمل من أجل مشروع واضح المعالم بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه.
بعبارة أخرى، فإن أكثر من تاجر بمفهوم العرب والعروبة هم القومجيون العرب الذين نقلوا البندقية الإيديولوجية من الكتف البعثي والناصري إلى الكتف الفارسي بخفة عجيبة. وفي هذه الأيام نرى الكثير ممن يسمون أنفسهم قوميين يعملون تحت الراية الإيرانية على رؤوس الأشهاد. والمضحك أكثر أن الذين كانوا يترددون على قصور صدام حسين، ويدافعون عنه ليل نهار، ويقبضون منه الملايين، صاروا الآن مدافعين عن المشروع الإيراني وملالي طهران الذين أشرفوا عبر أذنابهم في العراق على إعدام صدام حسين شنقاً في عيد الأضحى المبارك. وقد وصف الشاعر العراقي مظفر النواب العرب والعروبة وصفاً دقيقاً في قصيدته الشهيرة الموسومة «القدس عروس عروبتكم».
وكما فشل النهج البعثي والقومي في الارتقاء إلى أدنى درجات العروبة، لم تنجح التكتلات الشمال أفريقية المتمثلة بما يسمى باتحاد المغرب العربي، فالمغرب أقرب لإسرائيل مثلاً مما هو للجزائر الجارة. والنظام الجزائري العسكرتاري الديكتاتوري أقرب إلى فاشية النظام السوري مما هو للجار المغربي، مع الاعتراف طبعاً بأن النظام المغربي يبقى أفضل ألف مرة من أنظمة البعث والجملكيات السورية والليبية والجزائرية.
صحيح أن اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي حافظ على اجتماعات منتظمة منذ نشأته، إلا أنه لم يرتق بدوره إلى طموحات الوحدة المنشودة.
باختصار لم يكن العرب يوماً منذ الاستقلال على قلب رجل واحد، فقد فشلوا في أن يكونوا عرباً بالمفهوم السياسي حتى على المستوى الجهوي الضيق كالبعثي والمغاربي والخليجي. لا شك أن مشاعر العروبة كانت، وما زالت قوية على المستوى الشعبي، إلا أنه لا قيمة لتلك المشاعر في البورصة السياسية، فالعرب سياسياً عربان وملل ونحل متناحرة لا يجمعهم أي مشروع أو هدف أو قضية. وبالتالي، فمن الخطأ الفادح الحديث عن «العرب» ومقارنتهم بالأمم والدول الأخرى في المنطقة كإيران وتركيا وإسرائيل. فكيف نقارن أنظمة تسمي نفسها زوراً وبهتاناً عربية بالأمة الإيرانية الواحدة ذات الرسالة المحددة، أو بالأمة التركية. إذاً لا مكان للعرب على أرض الواقع من الناحية السياسية، وبالتالي من الأفضل أن نتحدث عن سياسات محلية بدل الحديث عن سياسة عربية.
على العكس من ذلك، نجد أن إيران رفعت شعارات معينة وعملت على تنفيذها بحذافيرها. وبينما كان من يسمون بالعرب يتناحرون فيما بينهم، ويتآمرون على بعضهم البعض ليل نهار، كانت إيران تجمع تحت جناحيها كل الحركات والأحزاب والفعاليات ذات التوجهات العقدية المشتركة، فكل الأحزاب العراقية المؤثرة مثلاً تقريباً ترعرعت في إيران.
وقد نجحت إيران في صنع أذرع مذهبية لها في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وبينما استثمرت إيران بحلفائها الشيعة في البلدان العربية المذكورة، كانت الدول العربية (بين قوسين) تلاحق، وتشيطن، وتضع على قوائم الإرهاب أي حركة أو حزب إسلامي حتى لو كان معتدلاً. لاحظوا أيضاً كيف تحولت أذرع إيران في بعض الدول العربية إلى قوة ضاربة في العراق واليمن ولبنان، بينما أصبحت القوى التابعة لبعض الدول العربية في تلك البلدان مثاراً للسخرية والتهكم.
ولا ننسى أبداً أن العرب تحالفوا بشكل غير مباشر مع إيران ضد بعضهم البعض، ليس فقط كما فعل النظام السوري، بل أيضاً عندما تآمر بعض العرب مع أمريكا في غزو العراق، فسقط صدام حسين، مما فسح المجال واسعاً أمام التغول الإيراني في العراق.
وليت التآمر العربي على العرب توقف في العراق، فما أن اندلعت الثورات الشعبية العربية، حتى التف عليها بعض العرب خوفاً من أن تصل إليهم شرارتها، فدعموا فلول الأنظمة الساقطة الفاسدة العفنة ضد الأنظمة الجديدة بدل الاستثمار في أنظمة جديدة ربما تصلح ما أفسدته الأنظمة الساقطة، وتصنع قوة عربية جديدة قادرة على مواجهة القوى الإقليمية الأخرى كإيران وغيرها.
وفي الوقت الذي عمل فيه بعض من يسمون بالعرب على تقويض الربيع العربي وإعادته إلى المربع لأول، كانت إيران تدعم حلفاءها بالغالي والنفيس بغض النظر عن وحشيتهم. ما الفرق بين الميليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا والعراق ولبنان وبين داعش وأخواتها؟ لا فرق أبداً. لكن بينما تقف إيران إلى جانب جماعاتها، نجد أن العرب المزعومين لم يتحملوا حركة سياسية معتدلة جداً كالأخوان المسلمين، فتآمروا عليها في مصر واليمن رغم وصولها إلى السلطة بأصوات الشعب.
احصدوا ما زرعت أياديكم يا من تسمون أنفسكم عرباً!

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ايو محمد:

    والله الحق معك والله يسلم هالتم حبيبنا …

  2. يقول بومحسن:

    نشكرك دكتور فيصل على هذا التفصيل لواقع العرب بالرغم من المصير المشترك إلا أنهم أكثر عداءا لبعضهم بعض وخدمة الأعداء لقتل بعضهم بعضا (بأسهم بينهم شديد).

  3. يقول moussalim.:

    .
    – المسؤول عن حالة العرب المزرية العربية ، هو الإستبداد والفساد .
    .
    – الإنقلابات العسكرية العربية التي حصلت خلال أوائل القرن الماضي ، لم تنتج إلا أنظمة عربية دكتاتورية .
    .
    – وبالعكس أعطت أنظمة شبه دمقراطية في أمريكا الآتينية .فهل شعوب أمريكا الاتنية أكثر وعيا وتحضرا وإصرارا من الشعوب العربية ؟ .
    .
    – الإنقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا والعراق وليبيا ، صنعت أنظمة توريث الحكم، وتمديده . الجملوكيات . وأغلبها سقط .
    .
    – الإدارة الأمريكية عملت على دعم وحماية أنظمة عربية دكتاتورية لقضاء مآربها الطاقية . وبيع صفقات أسلحة رهيبة التكلفة.
    .
    – حاليا نجاح إيران في مخطاطتها ، دفع الإدارة الأمريكية لتقول للأنظمة العربية ، الأسبقية بالنسبة لكم هي دمقرطة أنظمتكم .صفعة وراء صفعة وراء صفعة .الإدمان على الكرسي ، جعل القادة العرب أذلة ّ، منبطحين ودمويين .
    .
    – فبينما أنظمة عربية رجعية أعادت الإعتراف الدبلوماسي بنظام بشار ، وتجاهلت بالمناسبة مطالب الشعوب السوري المجاهد ، فالشعوب العربية تؤدي الثمن الباهض للخروج من الحصار الظالم الذي طيبقته عليها قادة مستبدين مجرمين . وما تكاثر الإنضمامات إلى صفوف داعش الإرهابية ، إلا رسالة معبرة وإشارة واضحة .

  4. يقول الهدهد_اربد:

    سلمت يداك استاذنا الكبير على مقالك الرائع ونسيت ان تقول بان امريك والغرب يبتزهم ولا زالت يحجون اليها وكم خازوق وصلهم من امريكا واسرائيل ولا زلنا في بداية الطريق وما شاء الله عل هذه القيادات التي جعلت شعوبها وجوعتهم واذلتهم بحجة المقاومة الكاذبة اصل البلاء هم زعماء الامة الذين لا يهمهم قومية
    او وطنية المهم الكرسي

  5. يقول احمد + قطر:

    رحم الله الصحابي الذي قال:
    نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فان ابتغينا الهزة بغيره اذلنا الله

  6. يقول سمير زيدان:

    في دهاليز الحكم الإسرائيلية هناك رجل لا نعلم اسمه مسموع الكلمة يحرك الساسة العرب كبيادق الشطرنج ويأتمرون بأمره طائعين مذعنين . دفعهم إلى محاربة ايران فحاربوها ودفعهم إلى تدمير العراق فدمروه وأوعز إليهم بالانقلاب على مرسي المنتخب شرعيا والذي كان يشكل بصيص أمل للقضية الفلسطينية فأسقطوه بمالهم الخاص. والنتيجة هي ما نراه الآن حالة من التشرذم والضياع يعيشها العرب لم تحلم بها اسرائيل قط في تاريخها.

  7. يقول ليبي مغترب:

    كل الحكام والطغاة العرب تاجرو بكذبة العروبة والقضية الفلسطينية

  8. يقول محمد/العراق:

    كلام صحيح

  9. يقول دياب العلي.السويد:

    كلام يعبر عما يجيش في صدر كل عربي شريف وكل عربي قرر ان يرقى بتفكيره.

    1. يقول مامون نيجيريا:

      كلام صحيح.يا فيصل

  10. يقول المغرب:

    الاخ فيصل كل ما قلته صحيح لا يتناطح عليه عنزان لكن كما يقول المثل المغربي ( لمن تحكي زابورك يا داوود )

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية