فتحت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية والأكثر عنصرية بين حكومات إسرائيل، أبوابا عديدة لتحالفات وتعاون، بدرجات متفاوتة، بين الأقلية الفلسطينية العربية في إسرائيل، ومكونات عديدة في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، وتجمعات في الجاليات اليهودية في دول العالم الغربي بشكل خاص، وإعادة كثيرين من أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، إلى مكانهم الطبيعي كطائفة نوعية من بين الطوائف الإسلامية والمسيحية العربية في إسرائيل.
أكثر من يهمنا بين الناقدين والرافضين لـ»قانون أساس: إسرائيل ـ الدولة القومية للشعب اليهودي» العنصري، الذي شرّعه الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قبل أسبوعين، هم، وحسب الترتيب: اليهود الإسرائيليون، أعضاء الجاليات اليهودية في العالم، العرب الدروز في إسرائيل الذين يخضعون لقانون التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي. ولو ألقينا نظرة سريعة على ما أوردته الصحف ووسائل الإعلام والتواصل في إسرائيل، فإننا نرى كمّا هائلا، وغير مسبوق، من الاعتراض والرفض والإدانة لهذا القانون، الذي يعلن وبصراحة، أن إسرائيل، دولة نظام ابرتهايد وعزل عنصري.
صوت ضد هذا القانون 55 عضو كنيست، في حين صوت 62 عضوا تأييدا له، مع امتناع أو تغيب ثلاثة أعضاء. وأما خارج الكنيست فإن انتقاد القانون لم يقتصر على من يعتبرون، بالمقاييس الإسرائيلية، يسارا أو ليبراليين أو يمينيين مستنيرين فقط، بل ورافق هؤلاء في انتقاداتهم العديد من قيادات تاريخية في حزب الليكود اليميني ذاته، والذي يرأسه بنيامين نتنياهو.
كان من بين أوائل اليهود الإسرائيليين الذين أعلنوا رفضهم وإدانتهم لهذا القانون العنصري، دانييل بيرنباوم. وبيرنباوم هذا، لمن لا يعرف هذه القامة العالمية، هو عازف البيانو الأشهر في العالم، وقائد الأوركسترا الملكية في برلين، يحمل الجنسية الارجنتينية بالولادة، والجنسية الإسرائيلية بفعل هجرته كيهودي إلى إسرائيل، والجنسية الاسبانية التي منحت له، إضافة إلى الجنسية الفلسطينية، بناء على طلبه، والتي منحها له الزعيم الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات، والصديق الأقرب للاستاذ الفلسطيني الكبير الراحل، ادوارد سعيد. وكان بيرنباوم قد أعلن بعد يوم من صدور القانون الإسرائيلي العنصري المذكور، إنه يخجل من كونه إسرائيليا.
لحق بذلك إصدار بيان/رسالة إلى نتنياهو تدين إصدار القانون وتطالبه بإلغائه، وقعها 180 كاتبا وروائيا وشاعرا وفنانا وأستاذا يهوديا إسرائيليا، من ألمع الأسماء في إسرائيل: عاموس عوز، ديفيد غروسمان، ا. ب. يهوشاع وغيرهم.
ثم تلت ذلك مظاهرة في ساحة المسرح الوطني الإسرائيلي «هبيما»، في تل ابيب، تحت اسم «أكبر صف لتعليم اللغة العربية» حيث بلغ عدد «الطلاب» 700، وذلك بسبب إلغاء القانون العنصري الإسرائيلي المذكور لصفة «لغة رسمية» واعتماد اللغة العبرية لغة رسمية وحيدة، في حين يحدد للغة العربية مكانة خاصة تصدر في قانون لاحقا.
ثم أعلن برفيسور التاريخ الأهم في الجامعة العبرية في القدس، يوفال نُواح هراري، أنه سيقاطع حفل تكريم له في لوس انجيلوس، في شهر ايلول/سبتمبر المقبل، لأن القنصلية الإسرائيلة في المدينة الأمريكية هي التي دعت وسترعى حفل التكريم، معلنا أنه لن يقبل تكريما ترعاه قنصلية دولة تصدر قانون فصل عنصري. والمورخ وأستاذ التاريخ هذا، لمن لا يعرفه أيضا، هو مؤلف كتاب «مختصر تاريخ البشرية» واسع الانتشار في العالم، والذي ترجم إلى 28 لغة خلال العام الأول من صدوره، 2011، وألحقه بكتاب «تاريخ الغد»، وأعلنت أكبر دار نشر باللغة الانجليزية أنها ستصدر كتابه في شهر آب/اوغسطس الحالي، قبل صدوره باللغة العبرية، وهو بعنوان «21 درسا للقرن الحادي والعشرين»، ويتضمن ما يعتقده دروسا يتوجب على أولاد هذه الأيام تعلمها ليكونوا مستعدين لعالم الغد.
هذه عينة مختصرة جدا لنشاطات وتحركات لأفراد ومجموعات من المجتمع اليهودي في إسرائيل، احتجاجا خلال الأسبوعين الأولين لصدور القانون «القومجي» العنصري الإسرائيلي. وهي تكشف لنا بوضوح سافر وجود كنز ومنجم من يهود إسرائيليين وغير إسرائيليين، يمكن للفلسطينيين العرب في إسرائيل، بناء علاقات تعاون وتحالف معهم، بدرجات متفاوتة، كأفراد وككتل اجتماعية وسياسية وعلمية وأدبية، لما يساعد على كشف وفضح ومواجهة سياسة الاحتلال والاستعمار العنصرية الإسرائيلي.
هذا هو الواجب الوطني الأول والآني، الذي يمكن أن يحقق فيه الفلسطينيون اختراقا حقيقيا للمجتمع الإسرائيلي، وبما يعود بالفائدة الأكيدة على مجمل أبناء الشعب الفلسطيني، ضحايا هذا الاحتلال والاستعمار العنصري.
استثناء كل من ليس يهوديا في إسرائيل من القانون «القومجي»، فتح كذلك بابا واسعا لاستعادة وحدة المكون الفلسطيني في إسرائيل، حيث حوّل كل من ليس يهوديا، إلى مواطن منقوص الحقوق، وإلى مواطن من الدرجة الثانية، حتى وإن كان ممن يخدمون في الجيش الإسرائيلي من أبناء الطائفة العربية الدرزية، الذين أُخضعوا لقانون التجنيد العسكري الإجباري منذ إقامة إسرائيل عام 1948، وهي الطائفة التي خرج من صفوفها ومن بين قياداتها الأعلى من ينتقد ويرفض هذه السياسة العنصرية البغيضة، مع ضرورة التنبه مسبقا لخطورة ما أعلنه نتنياهو قبل أيام، أثناء لقائه مع عدد من الوجهاء الدروز، برئاسة زعيم الطائفة، الشيخ موفق طريف، من أن الحكومة الإسرائيلية ستعمل على إصدار قانون خاص بأبناء الطائفة الدرزية، لن يكون، بالتاكيد، إلا قانونا عنصريا آخر، يسعى لدقن إسفين جديد بين العرب الدروز في إسرائيل، وبقية العرب في مناطق الـ48.
جدير بنا أن نعرف أن قضية فلسطين، هي واحدة من أكثر قضايا عصرنا تعقيدا: فهي تحتوي على ما حوته قضية الجزائر من كونها ضحية استعمار استيطاني فرنسي، (اندحر بعد 131 سنة من استعماره، وبعد ثورة بلغ عدد الضحايا فيها مليون شهيد)؛ وتحتوي على ما حوته قضية فيتنام، من مواجهة مع الجيش الأمريكي الأقوى في العالم؛ وتحتوي على ما حواه نظام الابرتهايد والفصل العنصري في جنوب افريقيا.
هذا الوضع الفلسطيني البالغ التعقيد، يستدعي استعدادا لنضال صعب وشاق ومتواصل، أثبت الشعب الفلسطيني امتلاكه على مدى أكثر من قرن من الزمن، وسبعين سنة من الاحتلال، وخمسين سنة من الاستعمار.
لقد حظيت الجزائر باحمد بن بيللا وهواري بومديَن ورفاقهما، وحظيت فيتنام بهو شي منه والجنرال جياب ورفاقهما، وحظيت جنوب افريقيا بنلسون منديلا والمطران ديزموند توتو ورفاقهما. لكن فلسطين ليست عاقرا، والشعب الذي أنجب ياسر عرفات ومحمود درويش، قادر ومؤهل لأن ينجب العشرات والمئات من أمثال هؤلاء العمالقة.
تبقى بعد ذلك ملاحظة لا بد منها: العبء الأكبر في مواجهة العنصرية الإسرائيلية في هذه المرحلة الصعبة، (وكل المراحل التي مر بها النضال الفلسطيني صعبة)، يقع على عاتق الفلسطينيين العرب في إسرائيل، وسلاحهم الأقوى فيها هي بطاقة الهوية الإسرائيلية، وما توفره لهم من احتكاك وتعامل يومي مع كل طبقات وفئات وأحزاب المجتمع اليهودي في إسرائيل. وهؤلاء محظوظون بأن محمد بركة وأيمن عودة ومازن غنايم، يترأّسون الهيئات التمثيلية الثلاث الأهم لعرب الـ48: لجنة المتابعة العليا، والقائمة العربية الموحدة في الكنيست، واللجنة القطرية لرؤساء البلديات والمجالس المحلية العربية في إسرائيل.
ما نواجهه في هذه الهجمة الصهيونية العنصرية الحالية خطير، ويستدعي الترفع عن الخلافات الصغيرة والذاتية التي تقف حائلا دون التكاتف والتكامل وتوحيد الجهود. وللرئاسة الفلسطينينة الشرعية القدرة الأدبية، وغيرها من القدرات أيضا لضمان الجمع بين هذه الرئاسات الوطنية والمحلية الثلاث.
كاتب فلسطيني
عماد شقور